منذ 27 سبتمبر الماضي، تفجر أحد أقدم النزا عات في العالم، وهو النزاع الإقليمي بين أرمينيا وأذربيجان، حيث اندلع قتال عنيف بين الجانبين، هو الأشد منذ سنوات عديدة، وجاء التصعيد الأخير بعد تصريحات للرئيس الأذري “إلهام علييف” قبل اسبوعين، هدد فيها بالانسحاب من محادثات السلام حول قره باغ، واعتبر أن لبلاده الحق في السعي “إلى حل عسكري للنزاع”.
وأفادت تقارير لـ”رويترز” وعدد من الوكالات الاخبارية، انترفاكس، الاناضول، بي بي سي، الميادين، الجزيرة…وغيرها بمقتل العشرات على الأقل في القتال، بين الدولتين اللتين كانتا ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي، على منطقة ناغورنو كراباخ المتنازع عليها، ومع تطورات الاحاث، تبادل الجانبان القصف للجسور الرابطة مع الاقليم المتنازع عليه، حيث قصف الجيش الاذربيجاني الجسر الرابط بين أرمينيا وإقليم ناغورنو كاراباخ، بينما قصف الأرمني، الأحد الماضي، مدينة غنجة، ثاني مدن أذربيجان، فيما نفت جورجيا عبور سوريين أراضيها للقتال مع أذربيجان، وهو ما تناقلته وسائل إعلام دولية وأرمينية مرات عدة خلال الأيام الماضية.
فيما تشهد الحرب المستعرة روايات عديدة مختلفة بسبب عدم التواجد الإعلامي الدولي للاستيثاق من الروايات المختلفة والمتباينة من قبل الطرفين، إلا أن ما يكاد يجمع عليه الجميه هو ،ن المدنيين هم الخاسر الأكبر، حيث يتزايد قتلاهم ومصابيهم ومهجريهم من الجانبين، ومن سكان الإقليم المتنازع عليه، والمناطق المتاخمة لخطوط الحدود، ودخل القتال بين أذربيجان وأرمينيا يومه التاسع-حتى الاثنين- في أعنف اشتباكات منذ تسعينيات القرن الماضي، وتأكّد مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أكثر من 30 مدنيا، وسط مخاوف من تحوّل المعارك إلى حرب مفتوحة، وسط مناشدات دولية بوقف القتال، والذهاب لمفاوضات سياسية بين الجانبين برعاية روسية او من قبل الأمم المتحدة ومجلس الامن.
ومنذ نهاية سبتمبر الماضي، وقع رئيس أذربيجان على مرسوم بإعلان حالة التعبئة العامة جزئيا في البلاد، وهي خطوة تأتي غداة إعلان رئيس الوزراء الأرميني تطبيق الأحكام العرفية والتعبئة العامة في بلاده، وتتهم أذربيجان جارتها أرمينيا باحتلال نحو 20% من الأراضي الأذرية منذ عام 1992، التي تضم كره باغ الذي يتكون من 5 محافظات، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي آغدام، وفضولي، ويعود الخلاف بين الدولتين اللتين تقعان عند مفترق طرق رئيسية بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، إلى عام 1921 عندما ألحقت السلطات السوفييتية كره باغ بأذربيجان. لكن في 1991، أعلن الإقليم الاستقلال من جانب واحد بدعم أرمينيا، وهو ما تسبب حينها بحرب راح ضحيتها 30 ألف قتيل، وتوقفت بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 1994.
وتسكن الإقليم غالبية أرمنية، وهي تبعد عن العاصمة الأذربيجانية 170 ميلا، وقريبة جدا من الحدود مع أرمينيا، ورغم عدم الاعتراف بها، لكن البعض يصنفها على أنها دولة حبيسة في شرق أوروبا، وفي عام 2016، كادت اشتباكات دامية أن تشعل حربا بين الطرفين في الإقليم، قتل فيها 100 شخص من الجانبين، ورغم اتفاق لوقف إطلاق النار جرى إبرامه عام 1994، إلا أن أذربيجان وأرمينيا لا تزالان تتبادلان الاتهامات بشن هجمات حول الإقليم وعلى الحدود بينهما.
تشابكات الواقع
وفي يوليو الماضي، قُتل 16 شخصاً على الأقل في اشتباكات حدودية، وهو ما أدى إلى أكبر مظاهرة منذ سنوات في العاصمة الأذربيجانية باكو، حيث تصاعدت دعوات لاستعادة ناغورنو كراباخ، ويعد القتال المتفجر حاليا، الأعنف في الصراع منذ عام 2016 عندما قتل 200 شخص على الأقل في اشتباكات، وعقب تفجر محاور الصراع، قبل أيام، توالت التصريحات الدولية المطالبة بالحوار السياسي ووقف الاقتتال، حيث شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على الجانبين على وقف القتال، بينما وزير الخارجية الروسي أجرى محادثات عاجلة مع كل من القيادة الأرمينية والأذربيجانية، أما فرنسا، التي تضم جالية أرمنية كبيرة، دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار والحوار، وعرضت إيران، المتاخمة لكل من أذربيجان وأرمينيا، التوسط في محادثات سلام، أما الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فقال : إنّ الولايات المتحدة تسعى لوقف العنف، بينما اعلنت تركيا دعمها لا ذربيجان، واتهمت أرمينيا تركيا بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان لمساعدتها في السيطرة على الأراضي، وهو ادعاء نفته الأخيرة.
أسباب تفجر المواجهات العسكرية
وعلى الرغم من أن الصراع تاريخي بين البلدين، حول الأقليم المتنازع عليه، إلا أن العديد من الأسباب المستجدة تكمن في كواليس العلاقات المتوترة ومنها :
-صراعات الغاز والسلاح:
وبحسب تقديرات استراتيجية، يشكل الغاز الرابط الأهم بين ما يحدث بين أرمينيا وأذربيجان مع أزمة شرق المتوسط، فتركيا عملت خلال السنوات الماضية على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي الذي كان يوفر قرابة 60% من احتياجات الطاقة التركية من خلال خط الأنابيب الممتد من أذربيجان والذي يصلها بأوروبا، كما جاءت الكشوفات التركية في البحر الأسود ومحاولات الاستكشاف في البحر المتوسط في إطار هذا الهدف، حيث إن روسيا المتضرر الأكبر من هذه السياسة عملت على دعم نشوب عمليات عسكرية في مناطق قريبة من خط الأنابيب في أذربيجان ودعم المحور المقابل للوفاق في ليبيا؛ تحجيماً للقدرة التركية على تقليص الاعتماد على الغاز الروسي.
وحسب إحصاءات موقع “غلوبال” الأمريكي، أُكتشف في بحر قزوين 20 حقل نفط وغاز و250 قطاعا رسوبيا نفطيا، لكن الخبراء يقدرون نسبة النفط بالأحجام التجارية فيها بـ12-15%، وتتراوح كمية موارد الحقول النفطية المؤكدة بين 24 و26 مليار طن، وبحسب المختصين الروس، تفوق تقديرات الخبراء الغربيين لاحتياطي الخامات الهيدروكربونية المكتشف الأرقام الواقعية مرات عديدة، خصوصا بالنسبة إلى تقدير حجم احتياطي النفط والغاز في القطاع الأذربيجاني من البحر، فمثلا تفوق تقديرات الخبراء الأميركيين لموارد باكو الهيدروكربونية بـ4 مرات تقديرات زملائهم الروس.
ووفقا لتقرير أورده موقع “أويل برايس” (Oil price)، فإن منطقة القوقاز محطة عالمية رئيسية لنقل النفط والغاز، وهي تشمل روسيا وتركيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا ودول آسيا الوسطى، وأصبح قرب الاشتباكات الحالية من نفط باكو-تركيا وأنظمة أنابيب الغاز مصدر قلق للمختصين والمراقبين لأسواق الطاقة، وبحسب “أويل برايس”، فإن التهديدات لهذه الأنابيب المهمة للنفط والغاز لا تربط منتجي آسيا الوسطى بالأسواق العالمية فقط، بل تعمل أيضا على استقرار المنطقة، بسبب آثارها الاقتصادية والتنموية في المنطقة التي تمولها إيرادات هذه الأنابيب، ومن خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير، ويمكن أن تتعمق الشراكة الأذربيجانية التركية بشكل أكثر مع ظهور فرصة جديدة في عام 2021 عندما تكون صفقة الغاز الرئيسية بين تركيا وروسيا في انتظار التجديد.
-العمق الاستراتيجي:
موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة،2010) المنطقة حاليا مستقلة بحكم الواقع، وهي تعتمد بشكل كبير على دعم أرمينيا، لكنها غير معترف بها من قبل أي عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك أرمينيا، ومع ذلك أُجريت انتخابات في الإقليم في أغسطس 2002م، كما تخضع مساحات شاسعة من الأراضي الأذرية حول الجيب للسيطرة الأرمينية، وفشلت المفاوضات حتى الآن في التوصل إلى اتفاق سلام دائم، ولا يزال النزاع في المنطقة أحد “الصراعات المجمدة” في أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ويقع إقليم ناغورنو كاراباخ في قلب أراضي أذربيجان وعاصمته “سيتبان كيرت”، ويبعد الإقليم عن باكو عاصمة أذربيجان نحو 270 كيلومترا إلى الغرب، وتبلغ مساحة الإقليم 4 آلاف و800 كيلومتر مربع، تغلب عليها الطبيعة الجبلية، يقطن الإقليم نحو 150 ألف نسمة، يمثل الأرمن حاليا نحو 95 % من عددهم، اثر سياسات عنصرية ضد الاذريين من فبل الازمن، وناغورنو كاراباخ إقليم فقير في موارده الاقتصادية، يعتمد النشاط الاقتصادي فيه على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية من المحاصيل المشهورة كالحبوب والقطن والتبغ.
-المصالح الاقليمية:
ولعل ما يشعل الصراع في منطقة القوقاز، هو أنه أكثر من مجرد خلاف بين دولتين على منطقة حدودية، بل صراع بين مجموعة من الدولة على السيطرة على هذه المنطقة الهامة التي تعتبر بوابة إلى أوروبا.
-تركيا:
منذ اللحظات الأولى للصراع، كان موقف تركيا واضحا، وهو تأييد ودعم أذربيجان، وبعد التطورات الأخيرة، أعلن الرئيس التركي دعم بلاده الكامل لأذربيجان، كما ذكرت تقارير صحفية أنه أرسل مرتزقة سوريين إلى أذربيجان لمساعدتها في حربها، وطالب رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان المجتمع الدولي بأن يضمنوا ألا تقحم تركيا نفسها في الصراع بين بلاده وأذربيجان في تبادل للتصريحات اللاذعة
أما عن سبب موقف أنقرة من هذا الصراع، فأرجعه المحللون إلى الخلاف التاريخي بين تركيا وأرمينيا وتمسك الأخيرة بملف الإبادة الأرمينية على يد العثمانيين، ومطالبة أنقرة الاعتراف بها، وأن تأييد إردوغان لأذربيجان هو ورقة ضغط على أرمينيا للتخلي عن موقفها في هذه القضية، بينما يرجعها البعض إلى العلاقات التاريخية والعرقية بين تركيا وأذربيجان، فالشعب الأذري من العرق التركي ويتفقان في الديانة الإسلامية رغم الاختلاف على المذهب، فالأولى سنية والثانية ذات غالبية شيعية، وكانت تركيا أول دولة اعترفت بأذربيجان عام 1991م، ويرى آخرون أن أنقرة تسعى للحصول على موطئ قدم في منطقة القوقاز على الحدود الروسية، لتمتلك ورقة ضغط قوية في مفاوضاتها مع روسيا، والحصول على تنازلات من موسكو في الملف السوري والليبي.
-إيران:
أما الموقف الإيراني من الصراع فكان “غريبا” فقد تخلت عن دعم أذربيجان، ووقفت بجانب أرمينيا، على الرغم من وجود روابط ثقافية وعرقية ودينية بين طهران وباكو، حيث ينتمي ما يقرب من ثلث الإيرانيين إلى العرق الأذري، كما أن أغلبية الشعب الأذري يدينون بالمذهب الشيعي، ويتبعون مراجع دينية في قم وتبريز الإيرانيتين، ووصل تأييد إيران لأرمينيا، أنها اعتقلت في يوليو الماضي 10 أشخاص من الأقلية الأذرية بطهران، خرجوا في مظاهرات تأييد لباكو في حربها ضد أرمينيا، وتشترك البلدان، طهران وباكو، في حدود مباشرة يزيد طولها عن 760 كيلومترًا، كما تطلان على بحر قزوين الذي يعتبر مخزنًا غنيًا بالنفط والغاز، ويرجع سبب الخلاف بينهما أن طهران تعتبر أذربيجان وسكانها الـ10 ملايين جزءاً من إيران وأنها تتبع لـ”محافظة أذربيجان الإيرانية”، في حين ترفض باكو التبعية لطهران.
ويعتقد بعض المحللين أن طهران تسعى لإضعاف أذربيجان حتى لا تطالب الأقلية الأذرية بإيران بمزيد من الحقوق أو الانضمام إلى دولتهم، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية القوية بين أرمينيا وإيران، حيث تعد الأولى مستوردا كبيرا للطاقة من طهران، كما تخشى إيران من العلاقات الأذرية الإسرائيلية، وحصول إسرائيل على موطئ قدم على حدودها.
-روسيا:
أذربيجان وأرمينيا كانتا جزءا من الاتحاد السوفيتي، حتى انهياره في مطلع التسعينات، وإعلان باكو استقلالها في عام 1991م، وبالرغم من دعوات موسكو للبلدين بوقف إطلاق النار، إلا أنها تؤيد وتدعم أرمينيا، ويرجع مراقبون ذلك لأن فقدان أرمينيا يعني فقدان موسكو بعض مناطق الاتحاد السوفيتي السابق، والتي لازالت تملك تأثيرا عليها رغم الاستقلال، مما يفقدها تأثيرها في منطقة القوقاز، كما تعد أرمينيا حليفا استراتيجيا واقتصاديا هاما لموسكو، فروسيا تمتلك قاعدة عسكرية في أرمينيا، وتملك نحو 40% من الاستثمارات الأجنبية فيها، إلا أن مراقبين يرون أن استمرار الصراع يرضي موسكو، التي تبيع السلاح للبلدين المتحاربين بمليارات الدولارات كل عام.
-أميركا:
أما الموقف الأميركي فهو على الحياد ويسعى لحل النزاع بين الدولتين، فبعد التطورات الأخيرة، خرجت واشنطن وأعلنت إدانتها لتصاعد العنف بين أذربيجان وأرمينيا، ودعت الجانبين إلى وقف الأعمال العدائية فوراً، مقدمة تعازيها لأهالي الضحايا المدنيين، كما اتصل مساعد وزير الخارجية الأميركي، ستيفن بيغان، بالطرفين من أجل “حضهما على وقف الأعمال العدائية فورا، واستخدام قنوات التواصل المباشر القائمة لتجنّب مزيد من التصعيد، وتجنّب المواقف والأفعال غير المفيدة”، وفق بيان للخارجية الأميركية، إلا ان كواليس العلاقات تشيء الى رغبة واشنطن في استمرار الصراع بجوار الحدود الروسية التي تعاديها وهو ما تعتبره حصما من قوة روسيا، وهذا الموقف الرسمي هو نفس موقف الدول الأوروبية الساعية لإنهاء هذا الصراع التاريخي على حدودها.
-إسرائيل:
تأخذ إسرائيل جانب الموقف الأذري في الصراع، فإسرائيل تعد من أقوى الحلفاء لباكو منذ 2011، وكشفت تقارير إعلامية أن إسرائيل باعت أسلحة بملايين الدولارات لأذربيجان، وايضا أذربيجان تعد نقطة صراع وتنافس جديدة بين إيران وإسرائيل، فإسرائيل تسعى للحصول على موطئ قدم بالقرب من الحدود الإيرانية.
مسارات تعقد الأزمة
وانطلاقا من الاجندات الدولية والمواقف الاستراتيجية للاعبين الاقليميين والدوليين، تسير الامور نحو مزيد من تصاعد الصراع، فتباينت ردود الفعل الدولية، وتعهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بدعم أذربيجان خلال الأزمة الجديدة بينما دعت روسيا، التي يُنظر إليها تقليديا على أنها حليف لأرمينيا، إلى وقف فوري لإطلاق النار وإجراء محادثات لتحقيق استقرار في الوضع.
وطالب أردوغان أرمينيا بوقف احتلالها للمناطق الأذربيجانية، والخروج فورا منها، وقال “حان الوقت لإنحاء الاحتلال الأرميني لأراضي أذربيجان” وتبادل الجانبين ، الروسي التركي، اتهامات بنقل عناصر مرتزقى من سوريا للقتال في المعسكرين المتنازعين، وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، يجب على أرمينيا وقف كل هجماتها ضدّ أذربيجان “فوراً”، وأن تعيد “إخراج الميليشيات والمرتزقة الإرهابيين الذين أحضرتهم إليها للقتال معها” إلى خارج حدودها، وفق وكالة، الأناضولكما أجرى وزير الخارجية الروسي محادثات عاجلة مع كل من القيادة الأرمنية والأذربيجانية.
أما فرنسا، التي تضم جالية أرمينية كبيرة، فقد دعت إلى الحوار ووقف فوري لإطلاق النار، وعرضت إيران، المجاورة لكل من أذربيجان وأرمينيا، التوسط في محادثات سلام، وقالت الولايات المتحدة إنها اتصلت بالطرفين، لحثهما على “وقف الأعمال العدائية على الفور وتجنب الخطاب والأعمال غير المفيدة” وقال الرئيس دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تسعى لوقف العنف.
وبحسب تقدير استراتيجي للمركز العربي للدراسات،فاندلاع الحرب بين أذربيجان وأرمينيا يؤكد تشكل شبكة خصوم تركيا وحلفائها ، وهو ما أكده أيضا الباحث الخليجي ماجد محمد الأنصاري، فرغم تضارب المصالح أو على الأقل غيابها بين مؤيدي أرمينيا إلا أنهم جميعاً يؤيدونها في مواجهة أذربيجان المدعومة تركيا، كما أن روسيا وفرنسا والإمارات تربطهم علاقات حميمة مع أرمينيا، ورغم المواقف المبدئية التي تبدو متوازنة إلا أن هذه القوى أبدت دعماً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً لأرمينيا سابقاً وآخر ذلك كان القرض الروسي لأرمينيا لشراء منظومات دفاعية وأسلحة روسية، ورغم تواجد فرنسا وروسيا إلى جوار الولايات المتحدة في قيادة مجموعة “منسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية وهي الوسيط الرسمي بين طرفي النزاع إلا أن الموقفين الفرنسي والروسي يمثلان انحيازاً سافراً لأرمينيا، حيث أن روسيا لديها قواعد عسكرية في أرمينيا، بينما لفرنسا أجندات خاصة ومشروع عالمي ضد النفوذ التركي في كافة الملفات.
وأمام هذا المشهد تلوح الكثير من المخاوف من توسع الصراع في المنطقة، حيث تراهن فرنسا على مجابهة تركيا وتقليص نفوذها الدولي في كل مناطق نفوذها، وهو ما قد تدفع نحوه ايضا روسيا، التي تتصارع مع تركيا في كثير من محاور الصراع، في سوريا وليبيا، حيث تمد روسيا الارمن بمساعدات وصفقات تسليح كبيرة، فيما تعتمد باكو على التسليح التركي وتتمتع ايضا بعلاقات استراتيجية مع اسرائيل، التي تعتمد علي اراضيها في التصعيد ضد ايران في حال وقعت حرب، وتشعر دول أخرى بالقلق من أن القتال الأخير قد يمتد إلى خارج المنطقة ويجذب القوى المجاورة، بما فيها تركيا وروسيا وإيران، وذلك على الرغم من ان الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، لأنّ أنابيب الغاز والنفط الرئيسية تمرّ عبرها، وهو ما قد يمهد لحرب اقليمية بالوكالة ، على اراضي القوقاز، يدفع ثمنها السكان المحليين من الجانبين، دون وصول لسلام مستحق، مؤجل دوليا من اكثر من ثلاثة عقود.
تداعيات اقتصادية
ومع تصاعد الاقتتال الدائر بين الجانبين، من المتوفع أن يؤدي التصعيد إلى اضطراب في الأسواق، لأن جنوب القوقاز ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية، وهو ما قد يخلق مزيدا من الاضطرابات في منطقة القوقاز، في ظل معاناة أرمينيا، التي لا تتمتع بأي حدود بحرية، تفاقم المشاكل الاقتصادية بسبب إغلاق الحدود الأرمينية مع كل من تركيا وأذربيجان المحاذيتين.
تداعيات جيو سياسية على اللاعبين الدوليين
أولاً، المعركة الآن قد تقدم الفائدة بشكل أو بآخر للولايات المتحدة الأميركية، بإثارة القلائل والإشكاليات على الإطار والمجال الحيوي الروسي، الدولة الوحيدة المستفيدة من إثارة النزاع في “ناغورنو كاراباخ” والمهتمّة بالسعي لتحويلها إلى حرب واسعة النطاق يمكن أن تنجرّ إليها روسيا وتركيا، هي الولايات المتحدة ومن يتلطّى في حلفها، فإشعال الحرب قرب الحدود الروسية والإيرانية، يصبّ في مصلحة واشنطن انطلاقاً من أهمية هذه المنطقة اقتصادياً وجيو-سياسياً بالنسبة إلى روسيا وإيران وتركيا، وفق تقدير لقناة الميادين.
ثانياً، تركيا تتحرك في إطار دول بحر قزوين، وقد تشكل أي اضطرابات لاحقة، جلسات تفاوضية يستخدم الجانب التركي ورقة الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا، في معنى آخر، أن يكون التفاوض على عدد كبير من الملفات على مستوى العالم، وتصبح هذه ورقة إضافة جديدة بيد التركي بما في ذلك للتفاوض على المسألة السورية، كما أن تركيا تطمح أن تكون محطة لتوزيع الطاقة ما بين الشرق الأوسط وأوروبا من خلال عدد كبير من خطوط الغاز، فهي تحاول عقد هذه الاتفاقيات سواء مع أذربيجان أو مع روسيا، وعلاقة تركيا مع أذربيجان في هذا السياق علاقة استراتيجية عميقة.
ثالثاً، لأذربيجان علاقات قوية جداً مع “إسرائيل” والأخيرة الآن تخوض مشواراً طويلاً في إطار التطبيع مع دول الخليج، ووجودها في هذه المنطقة في أذربيجان مهم لـ”إسرائيل” على الصعيد الجيوسياسي، دور كبير جداً تلعبة “إسرائيل” في هذا النزاع، وذلك للوجود العسكري والاستخباراتي في أذربيجان، فالعلاقات الإسرائيلية الإذربيجانية بدأت منذ 1992 بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وتطورت خلال السنوات الماضية، في تسعينيات القرن الماضي، عندما حصلت الحرب الكبرى بين أرمينيا وأذربيجان، انتصرت أرمينيا علماً أن سكان الأخيرة لا يوازى حتى الثلث من عدد سكان أذربيجان. إذاً أذربيجان كانت في حالة عسكرية سيئة جداً، ووجدت في “إسرائيل” ضالتها والقوة العسكرية التي يمكن أن تساعدها في هذه المنطقة، و”إسرائيل” أيضاً من جهتها وجدت لها مصالح مع أذربيجان، وهناك خبراء وقواعد إسرائيلية في أذربيجان تقول بنشاط دائم ومستمر لمراقبة إيران من خلف الحدود الأذربة، إيران من جهتها، تتخوف من علاقة باكو الاستثنائية مع تل أبيب التي تتخذ الحدود الآذربيجانية منطقة نفوذ استخبارية لها ضدّ طهران، وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي بكل أطرافه، وخصوصاً الطرف الفرنسي، يطالب حتى الآن بوقف إطلاق النار، ويطالب بوقف الأعمال العسكرية والذهاب للمفاوضات للتوصل إلى حلول دائمة لقضية ناغورنو كراباخ، ولكن يمكن للأوروبين، وتحديداً الفرنسيين، أن يأخذوا موقفاً مغايراً وأكثر قرباً من أرمينيا في حال تطورت الأمور.
فالأوروبيون يعتبرون أن اذربيجان هي الذراع التركية في القوقاز، وهناك موقف أوروبي تاريخي يقف إلى جانب الأرمن منذ الحرب العالمية الأول.. وخصوصاً عندما أصرت أوروبا وتحديداً فرنسا على مطالبة تركيا باعتبار ما حصل قبل 100 عام مجازر بحق الأرمن ، حيث ترفض تركيا هذا الأمر، اليوم هناك ظروف سياسية وميدانية جديدة، لها علاقة بما يجري في الشرق الأوسط، ففي حال تطورت الأمور، بالنسبة للفرنسيين ومجمل الأوروبيين سيكون الأمر مصيرياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أذربيجان ستكون مصدراً للطاقة والغاز لأوروبا، وهناك خط النفط الممتد من أذربيجان عبر تركيا إلى اليونان، وهذه المسألة يمكن أن تعتبرها أوروباً خطاً أحمر بالنسبة لها.
خاتمة
النزاع في مجمله، نزاع تاريخي بين أرمينيا واذربيجان على إقليم “ناغورنو كاراباخ”، ولكن في الأبعاد الاستراتيجية والجغرافيا السياسية والاقتصادية، هو صراع يحضر فيه لاعبون كثر، من روسيا إلى تركيا إلى أميركا إلى إيران، و”إسرائيل”، بالإضافة إلى كل ذلك، فإن الصراع اليوم بين أذربيجان وأرمينيا يثبت أن الحروب التي حصلت في السنوات الأخيرة، لم تكن طائفية أو مذهبية، وإن كان الصراع الحالي يحمل أبعاداً قومية، صراع قديم لكنه دائماً مرتهن للأحداث الكبرى، يعني إذا عدنا 100 عام للخلف، نتحدث عن تداعيات الحرب العالمية الأولى، انهيار الامبراطورية العثمانية، وولادة الاتحاد السوفياتي، وهذه كانت المناخات التي شكلت الصراع الأول.
الصراع الثاني تشكل في سياق انهيار الاتحاد السوفييتي، وتصريح واضح للناتو آنذاك “أننا نريد التوسع شرقاً وجنوباً”، وتم التوقيع عام 1994 على اتفاقية شراكة من أجل السلام مع حلف “الناتو” أما اليوم، فهذا النزاع يعدّ تنافساً جيو-سياسياً، يشمل كلاً من تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة حيث يمثّل واحداً من مسارح صراع النفوذ بين الروس والأميركيين جنوب القوقاز.
ويبقى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ يمثِّل عاملًا من عوامل عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، وكلما تفجَّر هذا النزاع انشغل العالم به، وذلك لما يستشعره من خطورة، لاسيَّما أن امتداداته الجيوسياسية تستنفر العواصم الكبرى خشية اتساع نطاقه وتحوله إلى حرب بالوكالة بين دول تريد تصفية حسابات بعضها بعضًا في أماكن وملفات أخرى، وذلك وفق دراسة، لمركز الجزيرة، محمد عبد العاطي، ناغورني قره باغ جذور الصراع وعوائق التسوية.