مذكرة تفاهم بين السيسي والجامعة الأمريكية.. قراءة في الأبعاد والمخاطر

 

أقدم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في منتصف أكتوبر 2020م على خطوة مثيرة للجدل تكرس حالة التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وتمثل في ذات الوقت دعما لأنشطة التنصير والتجسس وتحجيم الهوية الإسلامية لمصر؛ حيث أصدر القرار رقم 426 لسنة “2020”  بشأن الموافقة على مذكرة تفاهم بين حكومة جمهورية مصر العربية ومجلس أمناء الجامعة الأمريكية بالقاهرة بشأن تعديل المادة السادسة من البروتوكول الموقع بين الطرفين بتاريخ 13 نوفمبر 1975 حول وضع الجامعة الأمريكية بالقاهرة والموقعة بتاريخ 7 مايو 2020.

ونص القرار على أن الطرفين اتفقا على تعديل تلك المادة ليكون نصها كالآتي [[1]]:-

أولا: لا تهدف الجامعة الأمريكية بالقاهرة بوصفها معهداً ثقافياً إلى ربح مادي، وبناء عليه فإن الحكومة المصرية اعترافاً منها بذلك توافق على إعفاء جميع الأجور والمرتبات التي تصرف خصماً على اعتماد PL482 أو أية مصادر تمويل غير محلية من الضرائب المحلية.

ثانيا: على الجامعة أن تخصص سنوياً للحكومة المصرية 30 منحة دراسية كاملة للطلاب المصريين الراغبين في الدراسة بمرحلة البكالوريوس من المدارس الحكومية مع مراعاة جميع شروط وأحكام القبول المعمول بها لدى الجامعة وغيرها من المتطلبات لديها، وتتولى الوزارة المختصة بالتعليم العالي ترشيح الطلاب المحتملين للمنح الدراسية.

وتعبيرا عن البهجة، اعتبرت وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب ذلك انجازا يستحق الاحتفال؛ وأكد وزير التعليم العالي الدكتور خالد عبدالغفار حرص الحكومة على استمرار أواصر التعاون بين الجامعة الأمريكية والمؤسسات التعليمية المصرية، مشيدًا  بالدور الذي وصفه بالمهم الذي تقوم به الجامعة في خدمة المجتمع المصري على المستوى البحثي والعلمي. مؤكدا أن الهدف من هذه الشراكة هو توفير فرص أفضل لهؤلاء الطلاب لبناء ثقافة  القيادة لديهم.[[2]] وعلى هامش الاحتفال تم عرض فيلم وثائقي حول تطوير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر، وفيلم آخر عن مئوية الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وأعرب رئيس الجامعة الأمريكية عن سعادته بهذا التعاون بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعة الأمريكية بالقاهرة، متمنيًا مزيدًا من التفوق والنجاح لهؤلاء الطلاب.

 

أبعاد القرار ومخاطره

أولا،  لكي ندرك خطورة  الخطوة التي قام بها السيسي؛ فإن الجامعة الأمريكية التي تأسست سنة 1919م؛ إنما قامت على أصول وقواعد تنصيرية بحته؛ وبحسب دراسة أعدتها الدكتورة سهير البيلي، الأستاذة بكلية التربية بجامعة طنطا بعنوان «أهداف الجامعة الأمريكية في القاهرة .. دراسة وثائقية منذ النشأة وحتى عام 1980»، كشفت عن الدوافع التنصيرية لتأسيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة وبيروت([3]) من أجل مواجهة الإسلام فكريا وثقافيا، والعمل على نشر المسيحية وفق مفاهيم المذهب البروتستانتي؛ حيث بدأ التفكير في إنشاء الجامعة الأمريكية في القاهرة في عام 1899 م تقريباً عندما نادى ثلاثة من مبشري الإرسالية الأمريكية في مصر منهم اندرو واطسن الذي أصبح مؤسس الجامعة الأمريكية بعد ذلك بإقامة كلية بروتستانتية في القاهرة حيث ذكر فرنمان جوست أن مؤسسة كهذه يمكنها أن تكون مركزا للمواجهة الفكرية مع الإسلام.

وقد هيأت الأوضاع الداخلية في مصر والتفوق الحضاري للدول الغربية المسيحية الأجواء لدعم مشروع الجامعة الأمريكية بالقاهرة ؛ فوجود الاحتلال الإنجليزي الذي عمل على تكوين نخبة تعمل في تعاون تام مع سلطات الاحتلال الذي قال عنه كرومر: “واجبنا الأول هو إقامة نظام يسمح لجمهور السكان بأن يكون محكومًا وفقا للأخلاق المسيحية ، ولذلك فإن الهدف تكوين طبقة من السادة وإن سياسة فرّق تسُد لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق التربية، والتحالف مع الصفوة أفضل بكثير من كسب الجماهير”. وتم اتخاذ الخطوات العملية لنشأة الجامعة الأمريكية والتي بدأت بجهود تشارلز واطسن للحصول على الاعتمادات المالية لإنشاء الجامعة ، خاصة من الأغنياء مؤيدي العمل التبشيري أمثال عائلات ماكيون ولوكهارت وغيرها الذين أكد لهم واطسن «مسيحية الجامعة» التي “تمجد السيد المسيح في العالم الإسلامي”، ورغم أوضاع الحرب العالمية الأولى إلا أنه تمت الموافقة على اختيار مجلس أوصياء للجامعة المقترحة ممثلاً لكل الكنائس المسيحية البروتستانتية بإجمالي 21 عضواً وتم اختيار القاهرة مقراً للجامعة حسب قول واطسن : “إذا أردنا التأثير في الإسلام فإن أكبر مركز مؤثر يمكن البدء فيه هو مصر”.وبدأت سياسة الجامعة الأمريكية بالقاهرة تتبلور تجاه المؤسسات المدنية والدينية في مصر وفقا لهذه الأفكار التنصيرية والتوجهات الرامية للحد من التزام المسلمين بالإسلام وتشكيل جيل جديد من المثقفين والحكام وأصحاب النفوذ يكون ولاؤهم للنموذج الغربي الأمريكي. وقد أكد المؤسسون في لقاءاتهم ومراسلاتهم على أن تكون شخصية الجامعة مسيحية تبشيرية، وكان من بين المشاركين في وضع المعالم الرئيسة لشخصية الجامعة القس “زويمر” و”جون موط” السكرتير العام لجمعية الشبان المسيحيين الأمريكيين، وبالفعل ولدت الجامعة نصرانية بروتستانتية تبشيرية بنسبة 100%.

ثانيا، منذ نشأة  الجامعة الأمريكية في القاهرة مطلع القرن الماضي؛  ومن أهدافها الرئيسية تكريس نمط من التربية الانهزامية بين الشعوب والمجتمعات العربية والإسلامية؛ وتكريس حالة الانهزامية والانكسار والتبعية المطلقة وتجذير معاني الشعور بالضعف أمام الغرب القوي المتحضر الذي يملك جميع أدوات الهيمنة والسيطرة والنفوذ  على المستوى العالمي. يؤكد هذا المعنى ما انتهت إليه دراسة عن الهوية العربية الإسلامية ودور المؤسسة التعليمية في تشكيلها قام بها د. “أحمد ثابت” أستاذ العلوم السياسية جاءت نتائج عينة الجامعة الأمريكية كما يلي:

  • 5% من طلاب الجامعة الأمريكية لا يعرفون لون العلم المصري أو ترتيب ألوانه.
  • 5% يرون أن ارتداء الحجاب يعد مظهراً للتخلف ومؤشراً لسلوك الفقراء.
  • 5% على شوق جارف للحصول على الجنسية الأمريكية، 19.5 % يرون في تبادل القبلات بين الطلبة والطالبات مسألة حضارية ولا تتنافى مع التقاليد المصرية.
  • 75% يرون أن الوجود الأوروبي الاستعماري في مصر كان تعاوناً وتنويراً ولم يكن احتلالا، وأن مشاكل المجتمع المصري عندهم هي في قلة أماكن اللهو، وضوضاء أماكن العبادة، وعدم وجود أماكن لانتظار السيارات، وسوء فهم المجتمع للاختلاط بين الجنسين.

ثالثا، تمثل خطوة السيسي بدعم  الجامعة الأمريكية وتكليفها بتكوين قيادات المستقبل التي يحددها النظام خطورة شديدة على الأمن القومي المصري؛ ذلك أن الاتهامات بالتجسس لا تزال تلاحق الجامعة  الأمريكية؛ فقد أنشأت سنة 1951 “مركز البحث الاجتماعي” الذي دعمته مؤسسة فورد ومسؤوليته تتركز في جمع وتحليل المعلومات التي تخص الظروف الاجتماعية في الشرق الأوسط وكانت الأبحاث السوسيولوجية والأنثربولوجية هي الأساس في نشاط المركز مع التفكير في الاقتصاد مستقبلاً وقد قام المركز بدور خطير في كشف دقائق الأمور والمشكلات الاجتماعية في مصر بما يمكن اعتباره أداة للتجسس على مقدرات الحياة الاجتماعية في مصر ودول الشرق الأوسط بما يمكن أمريكا من بسط الهيمنة الثقافية على المجتمع العربي. وقد تحقق ذلك بالفعل في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979م التي أعقبت زيارة السادات للكنيست في 1977م، والتي حققت اختراقا أمريكيا غير مسبوق لا تزال تداعياته الكارثية حتى اليوم؛ فقد سيطرت أمريكا وإسرائيل بالفعل  على قادة الجيش المصري وجميع مفاصل الدولة وباتت حكام مصر من العسكريين يمثلون احتلالا بالوكالة عن الصهاينة والأمريكان. علاوة على ذلك فإن علاقة الجامعة الأمريكية بالمخابرات المركزية الأمريكية بحكم النشأة والأهداف لا تحتاج إلى برهان؛ فقد كان “كريستوفر ثورن” وهو رئيس سابق للجامعة عميلاً في ذات الوقت للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) كما يتضح من كتاب “فيليب آجي” “يوميات المخابرات المركزية الأمريكية”، كما كان “مالكوم كير” مدير الجامعة الأمريكية السابق ببيروت، والذي عمل تحت لواء المخابرات الأمريكية خلال الستينيات، على علاقة حميمة مع الجامعة الأمريكية في القاهرة من خلال برامج مشتركة بين الجامعتين الأمريكيتين في بيروت والقاهرة. فعلاقة الجامعة الأمريكية بالمخابرات المركزية الأمريكية هي علاقة إرسال تقارير عن الأوضاع في القاهرة، واستقبال تعليمات موجهة طبقاً للخطة الموضوعة.

رابعا،  دعم السيسي ــ إذا ــ للجامعة الأمريكية و إعفاء جميع الأجور والمرتبات التي تصرف خصماً على اعتماد PL482 أو أية مصادر تمويل غير محلية من الضرائب المحلية، يرتبط بشكل وثيق بالحرب التي يشنها على الإسلام والتي تمثلت مؤخرا في الحرب على المساجد؛  وقد عبر السيسي عن هذه التوجهات المشبوهة ؛ فالسيسي في أول حوار صحفي له مع الواشنطن بوست، بعد مرور شهر واحد على انقلابه العسكري، أكد للصحفية (ليلي ويموث) أنه ما قدم إلى الحكم إلا لإجهاض المشروع الإسلامي الذي أراده الرئيس “محمد مرسي”، حيث قال نصا: “لو كان الانقلاب عليه لفشله، كنا صبرنا عليه لانتهاء مدته، ولكنه أراد إحياء المشروع الإسلامي والخلافة”. وبعد عام كامل من هذا الحوار، وفي لقاء له مع فضائية “العربية” ذات التوجه العلماني قال نصا: “لن يكون في مصر قيادات دينية ولن أسمح بذلك، فأنا المسئول عن الأخلاق والقيم والمبادئ”، ثم أكمل قائلا: “والدين أيضا”، وهنا قاطعته المذيعة متسائلة: “والدين أيضا؟!”، فأكد السيسي فكرته: “وعن الدين أيضا”. لكن السيسي عاد في 2017 م أكثر صراحة ووضوحا في تعامله مع الإسلام، حين صرح لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية (المعروفة بتوجهاتها المتطرفة): أنه لا مكان للدين في الحياة السياسية بعهده.[[4]]  فالسيسي لا يؤمن بالعلمانية المحايدة التي تقف موقفا وسطا من جميع الأديان؛ بل يرى في الأديان تابعا للسلطة توظفه لخدمة أهدافها كيفما تشاء.

خامسا، من جانب آخر، فإن دعم السيسي للجامعة الأمريكية المعروفة بنشأتها التنصيرية وفق المذهب البروتستاتني المنتشر في الولايات المتحدة الأمريكية؛ يمثل خطوة في ذات المسار الذي يمضي عليه بإصرار نحو التلاعب في ملامح الهوية الإسلامية لمصر، حيث يجري في هدوء أوسع انقلاب على تلك الهوية المصبوغة بالعروبة والإسلام داخل المجتمع المصري؛ ليكون متصالحا مع مفاهيم التطبيع والقبول بالتعايش مع الاحتلال تحت لافتة “السلام”؛ ولتشكيل أجيال جديدة لا تستمد قيمها من الإسلام ولا مبادئه وأفكاره، وهو ما يمثل مكسبا كبيرا للاحتلال  في إطار تشكيل ما يسمى بالشرق الاوسط الكبير. هذه الخطوة  أيضا تأتي في أعقاب نجاح السيسي وعصابته في تغيير العقيدة القتالية للجيش ليكون العدو هو من يرفض دمج “إسرائيل” في التركيبة الإقليمية برعاية أمريكية خالصة. خطورة الموضوع دفعت «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» إلى إصدار دراسة في 28 يناير 2019م، أعدها الباحثان عوفر فنتور وأساف شيلوح، بعنوان «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد»، يشيدان فيه بهذه الخطوات غير المسبوقة؛ حيث تناولت الدراسة مظاهر ومآلات الحملة الواسعة التي يشنها نظام السيسي من أجل إعادة صياغة الهوية الوطنية لمصر؛ من خلال السعي أولا  لتقليص مركّبها الإسلامي والعربي، وثانيا احتواء سماتها الثورية، وثالثا العمل على بناء جيل مصري جديد يكون أكثر استعداداً للاصطفاف حول الأجندة التي يفرضها النظام، إلى جانب أنها ترمي رابعا إلى تحسين صورة النظام في الخارج.  وتقول الدراسة، إن الخطاب الحاكم لجدل الهوية الذي فجره نظام السيسي، يقوم على مبدأين أساسيين:  أولاً؛ الإنسان المصري يمثل النقيض للإسلامي.  ثانياً؛ الهوية المصرية تمثل فسيفساء من 8 مركّبات: الفرعونية، اليونانية، الرومانية، القبطية، الشرق أوسطية، والأفريقية، إلى جانب المركّبين الإسلامي والعربي. وتلفت الدراسة إلى حقيقة أن النظم الشمولية هي التي عادة ما تنشغل في شنّ حملات، تهدف إلى التأثير على مركّبات الهوية الوطنية أو تسعى إلى بناء توازنات جديدة فيها؛ من أجل إيجاد متطلبات تضمن بقاء نظامه وضمان استمراره واستقراره، من خلال إثارة جدل الهوية أملا في أن يسهم ذلك في صياغة بيئة داخلية وبناء نخبة شبابية، تكون أكثر استعداداً لاستخدام كل الأدوات والوسائل التي تخدم النظام وتعمل على تحقيق أهدافه.([5]) وفي يوليو 2018 كلف زعيم الانقلاب القوات المسلحة بتنبي ما أسماه بمشروع “الهوية المصرية”[[6]]  الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات الكبرى في عقيدة الجيش القتالية.

سادسا، دعم السيسي للجامعة الأمريكية والاتفاق معها على تقديم 30 منحة سنوية، تحددهم وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب يرتبط بشكل وثيق بمخططات السيسي نحو تكوين جيل جديد من الشباب يكون ولاؤه للنظام قبل أي شيء آخر، كما يجري حاليا مع المنظمات الشبابية التي أسستها أجهزة السيسي المخابراتية والأمنية مثل شباب البرنامج الرئاسي وتنسيقية شباب الأحزاب وغيرها، وهي المنظمات التي يجري تربية المنتمين فيها داخل أكاديميات عسكرية ، على الولاء المطلق للنظام باعتباره ولاء  للوطن في تزييف سافر للوعي بوصف الولاء للنظام على أنه ولاء لمصر؛ وبالتالي فإن معارضة النظام هي معارضة لمصر وخيانة لها؛ وهذا أهم الدروس التي تحرص النظم المستبدة على تكريسها بين الناس، وفي سبيل ذلك يجري توظيف جميع مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية والثقافية والدينية على غرسها في نفوس الأجيال الناشئة من أجل نشر هذا الزيف والضلال باعتباره قمة الولاء للوطن. وهو ما  يتسق مع أهداف الجامعة الأمريكية حول إعداد القادة وإمدادهم بالثقافة الغربية والقيم المسيحية والحياة الأمريكية مما يجعلهم ينتمون بعقلهم ووجدانهم إلى المجتمع الغربي، وبهذا تضمن أمريكا ولاء هؤلاء القادة لها وبالتالي الهيمنة على المجتمع المصري كله. وكانت الجامعة الأمريكية بالقاهرة إحدى الآليات التي استخدمتها أمريكا لتحقيق تلك الأهداف حيث كانت – ولا تزال – تقوم بالدور الثقافي لتربية أجيال من الطلاب لغة ووعياً وثقافة وقيمًا وسلوكًا ليكون ولاؤهم لأمريكا، وهؤلاء سيتولون المناصب القيادية في الدولة وبالتالي يسهمون في تأكيد واستمرارية تبعية المجتمع المصري للثقافات الغربية وخاصة الأمريكية منها ، وهو ما نلمسه في مجالات كثيرة كالتعليم والسياسة والاقتصاد.([7])

سابعا، يمثل دعم السيسي للجامعة الأمريكية دفعة قوية لمخططات الغرب نحو السيطرة والهيمنة المطلقة على مصر عبر بوابة الغزو الثقافي وتشكيل عقول الأجيال الجديدة على الثقافة الغربية؛ وتكوين جيل من القادة الجددة يكون ولاؤهم للغرب وثقافته وحضارته على حساب الولاء للإسلام وحضارته وقيمه ومبادئه.  والركائز الحالية للغزو الثقافي الجديد في مصر تتمثل في 36 مؤسسة بحثية ما بين أمريكية وألمانية وفرنسية وبريطانية وصهيونية، مثل مؤسسة الأيد Aid الأمريكية، وهيئة المعونة الأمريكية، ومؤسسة فورد، ومؤسسة فريدرش ايبرت، وفريدرس نومن وهانز ظايدل وفولدايت، والمركز الأكاديمي الصهيوني، والجامعة الفرنسية بالإسكندرية، والمركز الثقافي الفرنسي، والمركز الثقافي البريطاني والمراكز الثقافية الأمريكية. لكن على رأس هؤلاء جميعاً تقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة([8]) كمؤسسة تعليمية وبحثية بما تملكه من إمكانات ضخمة وتمويل واسع. وفي 5 أغسطس 2018م، أصدر السيسي، القانون رقم 162 لسنة 2018، بشأن إنشاء فروع الجامعات الأجنبية بجمهورية مصر العربية و المؤسسات الجامعية. وهو ما لاقى ترحيبا واسعا من جانب قيادات الجامعة الأمريكية التي رأت في هذه الخطوة تدعيما قويا لمخططاتها وأهدافها؛ وقد صرح الدكتور إيهاب عبدالرحمن، الرئيس الأكاديمي للجامعة الأمريكية بالقاهرة، مؤكدا أن الجامعة «سعيدة بالأفرع الأجنبية الجديدة للجامعات، وأيضا بالجامعات الاهلية، لأن ذلك يثري العملية التعليمية في مصر، ولأن زيادة عدد السكان في مصر يتطلب ذلك». مشيرا إلى أن الإقبال على الجامعة الأمريكية هذا العام كان من أكبر السنوات إقبالا حيث فاق العام الماضي بـ10%». [[9]] وقد تباهى وزير التعليم العالي بحكومة الانقلاب بوجود 10 فروع جديدة لجامعات أجنبية في مصر وخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

الخلاصة، أن دعم السيسي للجامعة الأمريكية وإعفائها من الضرائب مقابل إعداد قيادات لنظامه حتى يضمن بقاءه واستمراره ربما تمثل مكسبا للسيسي وتعزز مركزه وأهميته عند الإدارة الأمريكية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية؛ لكن هذه الخطوة تمثل في جوهرها خطورة بالغة على الأمن القومي المصري؛ لأن الجامعة الأمريكية أنشئت ولم تهتم بتدريس العلوم البحتة كالطب والزراعة والهندسة، ولكنها اهتمت ببث الأفكار الغربية عن طريق الدراسات الأدبية لدوام سيطرتها على العقول والأفكار كتدريس الصحافة والإعلام والاقتصاد والتاريخ والإدارة وعلم المصريات وعلم النفس والاجتماع ودراسات في الشرق الأوسط، كل هذه المواد لا يوجد لها مقرر محدد لكنها مجموعة محاور يدور حولها أساتذة الجامعة للرؤية التغريبية والمنظور العلماني ومراجع وأبحاث المستشرقين ذوي الاتجاهات المعادية للإسلام، والمستشرقين اليهود. كما لا يخفى على مُـتابع راصد أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة لم تخرِّج لمصر طوال المائة سنة الماضية طبيبًا واحدًا أو مهندسا واحدا ولا عالِـما واحدا في أي فرع من فروع العلوم الطبيعية، ولا مخترعا ولا مبتكرا، بينما ساهمت الجامعات الحكومية، ذات الإمكانات المتواضعة، في تخريج مئات، بل ألوف العلماء والمفكِّـرين والمخترعين والمبتكِـرين، ممّـن يُـشار إليهم بالبنان، وهم ملء السمع والبصر، يكرّمون في مختلف المحافل الدولية”، بينما ركزت الجامعة الأمريكية على أنشطة التنصير و”البيزنس” والسياسة والدبلوماسية، في محاولة للسيطرة على شعوب المنطقة وثرواتها عبر تجنيد الحكام المستبدين لخدمة الأجندة الأمريكية سياسيا واقتصاديا ودينيا.

يشار  إلى أن “الشارع السياسي” كان قد نشر في مارس 2020م دراسة مطولة عن النشأة التنصيرية للجامعة الأمريكية والدور المشبوه الذي تلعبه في مصر تحت عنوان «الجامعة الأمريكية بالقاهرة.. رأس حربة للتنصير والتجسس وتكريس التبعية».

 

—————————————-

[1] محمد نابليون/ السيسي يوافق على تعديل بروتوكول الجامعة الأمريكية ويلزمها بـ30 منحة دراسية للحكومة/ بوابة الشروق الخميس 15 أكتوبر 2020

[2] منى ياسين/وزير التعليم العالي يعلن عن 30 منحة كاملة للمتفوقين بالجامعة الأمريكية (تفاصيل)/ المصري اليوم الثلاثاء 13 أكتوبر 2020

[3] أحمد غانم/ الأهداف الخفية للجامعة الأمريكية بالقاهرة/ موقع إسلام ويب 26 أغسطس 2002

[4] شرين عرفة/ ماذا بينك وبين الإسلام يا سيسي؟!/ مدونات الجزيرة 28 نوفمبر 2018

[5] «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد».. قراءة في دراسة إسرائيليةالشارع السياسي 24 فبراير 2019

[6] محمد البنهاوي/ مؤتمر الشباب 2018| السيسي يكلف القوات المسلحة بتبني «الهوية المصرية»/ بوابة أخبار اليوم السبت 28 يوليه 2018

[7] أحمد غانم/ الأهداف الخفية للجامعة الأمريكية بالقاهرة/ موقع إسلام ويب 26 أغسطس 2002

[8] الجامعة الأمريكية حصان طروادة الغزو والاختراق بإشراف المخابرات المركزية الأمريكية “السي آي إيه”/ لها أون لاين 31 ديسمبر 2004

[9] منة خلف/الرئيس الأكاديمي للجامعة الأمريكية: سعداء بالأفرع الأجنبية الجديدة.. والإقبال علينا كبير/ المصري اليوم الإثنين 28 سبتمبر 2020

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022