تمهيد:
اندلع قتال دام بين القوات الأذْرَبِيّة والانفصاليين في منطقة ناغورني كاراباغ، أدى إلى وقوع إصابات بين العسكريين والمدنيين، ولم يتم تقديم إحصائية نهائية عن عدد الضحايا. وقد أعلنت وزارة الدفاع في كاراباغ أنها ألحقت خسائرة فادحة في صفوف الجيش الأذربي، وتدمير عدد من المروحيات، وكذلك طائرات بدون طيار، ومجموعة دبابات. من جهته قام الجيش الأذْرَبِي بهجمات مكثفة أحدثت هزة في الجيش الأرميني. كما قالت إنها دمرت نحو 12 بطارية مضادة للطائرات، وأنها احتلت قرى يسيطر عليها الأرمن، في القتال على طول خطة الجبهة.
ناغورني كاراباغ، هي منطقة أذْرَبِية، يسكنها الأرمن، وتدعمها أرمينيا، وقد انفصلت عن أذربيجان، وكانت مسرحًا لحروب كثيرة في التسعينيات، أدت إلى وفاة 30 ألف شخص، وتحاول أذربيجان استعادة السيطرة عليها حتى بالقوة، بعد أن وصلت محادثات السلام إلى طريق مسدود منذ سنوات، حيث عانت أرمينيا وأذربيجان خلال القرون الماضية من التقسيم والعنف؛ نتيجة وقوعهما في مناطق حدودية متاخمة للإمبراطوريات الروسية والعثمانية والفارسية، وسرعان ما بدأت الدولتان بالاقتتال عقب نهاية الحرب العالمية الأولى؛ سعيًا منهما لتشكيل دولتين مستقلتين، حيث كانت روسيا تدعم أرمينيا، في مقابل تقديم الأتراك الدعم لأذربيجان، في صورة مشابهة للحرب بالوكالة.
تمكن الاتحاد السوفييتي (1922 – 1991) خلال الفترة التي استبقت نشوءه بقليل من السيطرة على كلتا الدولتين في عام 1921، ووفقًا لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن الصراع العسكري بين البلدين يرجع للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين (1878 – 1953)، الذي عمل على تغذية بذور الصراع بينهما إلى اليوم، بعدما سمح لأذربيجان بفرض نفوذها على ناغورني قره باغ، قبل أن يعود لمنح الإقليم حكمًا ذاتيًّا.
ومنذ ذلك التاريخ، وهناك اشتباكات منتظمة بين الانفصاليين والأذْرَبِيين، وكادت هذه الاشتباكات في 2016، أن تصل إلى درجة الحرب، كما تجددت هذه الاشتباكات خلال العام الجاري، ألقى الطرفان اللوم على الآخر في تصعيد التوتر؛ الانفصاليون الأرمن أعلنوا أن أذربيجان شنت هجومًا على ناغورني كاراباغ، بينما أعلنت وزارة الدفاع الأذْرَبِيّة أنها شنت هجومًا مضادًّا عبر خط المواجهة؛ لوضع حد للأنشطة المسلحة الأرمنية. وجاء في البيان: “إن الجيش الأذْرَبِيّ يقاتل الآن على أراضيه، مدافعًا عن سلامته الإقليمية، محملًا العدو ضربات مدمرة. وقال الرئيس إلهام علييف: “إن قضيتنا محقة وسننتصر”.
وفي وقت لاحق، أعلنت السلطات الأذْرِبَانية الأحكام العرفية في البلد، وحظر تجول جزئي، في باكو وعدة مدن رئيسة. وفور الإعلان عن المعارك، أعلن رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان التعبئة العامة. مؤخرًا، تداولت حسابات أذْرَبِيّة -عبر مواقع التواصل الاجتماعي- لقطات للحظة دخول الجيش قرية فضولي (فوزولي بالأذْرَبِيّة)، وبث الأذان بواسطة عربة للجيش، لأول مرة منذ احتلال المنطقة من قبل انفصاليين أرمن قبل 27 عامًا. وظهرت عربة كبيرة للجيش الأذْرَبِيّ، تحمل سماعات للإذاعة، تطلق الأذان في القرية، وحولها عدد من الجنود يصورون بهواتفهم اللحظة التاريخية. وكان الرئيس الأذْرَبِيّ إلهام علييف، قال إن أرمينيا واصلت انتهاكها للهدنة الإنسانية المؤقتة المعلن عنها، مشيرًا في الوقت ذاته إلى تقدم قواته ميدانيًّا، وسيطرتها على 13 قرية في منطقة جبرائيل بقره باغ.
وأشار إلى أن قواته، تمكنت من السيطرة على سلطاني وأميرفارلي وماشانلي وحسنلي وعلي كاهانلي وكوملاك وحاجلي وقوير تشينفيصلي ونيازغزلار وكتشل محمدلي وشاه والي وحجي إسماعيلي وإسحاقلي، في منطقة جبرائيل بقره باغ. وأعلن علييف، رفع علم بلاده على جسر “خودافرين” التاريخي، في محافظة جبرائيل في إقليم “قره باغ[1].
أبعاد الصراع الأرميني الأذْرَبِيّ:
أدى الصراع حول ناغورني كاراباغ إلى توترات إقليمية، امتدت على مدار 30 عامًا .. تعتمد أذربيجان على دعم تركيا؛ حيث يرى الرئيس رجب طيب أردوغان في أرمينيا تهديدًا لاستقرار القوقاز. أما أرمينيا فهي أضعف، وأقرب إلى روسيا، التي لها فيها قاعدة عسكرية، كما أن بريفان منضمة لتحالف عسكري بقيادة موسكو.
أما الكرملين -الذي ينصب نفسه حكمًا في المنطقة- فيورد الأسلحة لكلا الطرفين، إلا أنه نجح منذ عقود في كبح إمكانية قيام حرب مفتوحة، وتشمل الوساطة المفتوحة حول هذه القضية روسيا وفرنسا والولايات المتحدة ومجموعة مينسك.
فرنسا أعربت عن قلقها العميق من الاشتباكات التي جرت في الإقليم، ودعت الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية واستئناف الحوار. من ناحية أخرى، قال وزير الدفاع التركي إن بلاده ستدعم أذربيجان بكل الوسائل، ودعا أرمينيا إلى وقف العدوان، بعد المعارك العنيفة. وقال خلوصي أكار: “سندعم الأشقاء الأذْرَبِيّين بكل الوسائل؛ في نضالهم من أجل حماية وحدة أراضيهم”.
على الرغم من أن أرمينيا تملك حدودًا محاذية لتركيا من الجهة الغربية، فإن أنقرة عملت على إغلاق هذه الحدود، فضلًا عن عدم وجود أي علاقات دبلوماسية بين الطرفين، ويرجع سبب ذلك إلى رفض أنقرة الاعتراف بالإبادة الجماعية التي مضى عليها أكثر من مائة عام، في حين تملك أنقرة علاقات جيدة مع باكو، والتي تبرز أهميتها عبر تزويد باكو لأنقرة بالغاز الطبيعي والنفط الخام، عن طريق خطوط الأنابيب التي تمتد لـ 10 أميال، من خلال الحدود الأرمينية – الأذْرَبِيّة، فضلًا عن وجود 30 ميلًا في منطقة الصراع العسكري بين الطرفين. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دعا أرمينيا في وقت سابق للانسحاب “من المناطق التي تحتلها في أذربيجان”، في إشارة لإقليم قره باغ، منتقدًا صيغة التفاوض الحالية التي تقودها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا؛ لاستثنائها أنقرة من المفاوضات، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث بذلت كل ما بوسعها منذ 30 عامًا لعدم حل المشكلة.
المحصلة أن الصراع قائم، وسيستمر في السنوات المقبلة؛ نتيجة وجود محددات تجدده.
[1] جنود أذربيون يرفعون الأذان لأول مرة منذ 27 عاما بقرية محررة، عربي 21، 20/10/2020