انتخابات تنزانيا

 

 

تشهد تنزانيا منذ يوم 28 أكتوبر انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة، وقد حكم حزبُ الثورة تنزانيا منذ الاستقلال في عام 1961، ووصل الرئيس الحالي للسلطة في عام 2015، واعدًا بإنهاء الفساد، وإصلاح البنية التحتية، وتوسيع شبكة الطرق والسكك الحديدية في البلاد، وارتفعت شعبية ماجوفولي بسبب إجراءاته المبكرة لمكافحة الفساد؛ مما جعل فرصه في الفوز بفترة رئاسية جديدة أكبر من منافسيه. لكن أسلوبه الصارم في الحُكم عزز لقبه (الجرافة أو البلدوزر)، الذي لُقب به خلال فترة عمله وزيرًا للأشغال العامة. فما هي مميزات الرئيس الحالي والانتقادات المُوجهة له؟ ومن هم مرشحو المعارضة وقوتهم؟ وكيف سارت العملية الانتخابية؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عنها.

 

الرئيس الحالي .. ما له وما عليه: يرى البعض أن الرئيس موجوفولي أحدث تغييرًا كبيرًا في البلاد، ولمس حياة كل تنزاني بطريقة مختلفة؛ فقد حقَّق مبدأ المساواة، وجعل الجميع سواسية أمام القانون، واستطاع السيطرة على اختلاس الأموال العامة، ومنع سوء استخدامها، وأرسى مبدأ الانضباط للموظفين العاملين في القطاع العام، كما فرضت الحكومة رقابةً صارمةً على تهريب المعادن، التي كانت تعتبر جريمة خطيرة، فزادت قيمة المعادن، وبالتالي زادت قيمة العملة اليوم. وفي الأيام الأولى لرئاسته، التزم الرئيس ماجوفولي بالقضاء على الهدر والفساد في القطاع العام، وقام بعمليات تفتيش مفاجئة، أدَّت إلى تعليق وإقالة كبار المسؤولين في هيئة الإيرادات وهيئة موانئ تنزانيا، وقام بإجراءات مبكرة لخفض التكاليف، منها حظر السفر غير الضروري للمسؤولين الحكوميين، وحظر استخدام الفنادق باهظة الثمن للاجتماعات الحكومية، واستبدل احتفالات يوم الاستقلال في تنزانيا بحملة تنظيف وطنية. ووعد ماجوفولي خلال الفترة القادمة بتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بعد أن صعدت تنزانيا في تصنيفات البنك الدولي في يوليو؛ لتصبح دولة ذات دخل متوسط، كما وعد بتعزيز أرباح السياحة، ومواصلة إنعاش الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل لثمانية ملايين شخص.

 

إلا أن هناك بعض نقاط الضعف عند الحزب الحاكم في السنوات الخمس الماضية، تكمن في الإدارة السيئة لقضايا حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية الإعلام، وهذا ما تحاول المعارضة استغلاله، ويمكن أن يضيف إلى قوتها، كما أن استطلاعات الرأي أظهرت انخفاض شعبية الحزب الحاكم بشكل ملحوظ. واتهم سياسيون ومعارضون السلطة بالتستر على المدى الحقيقي لوباء فيروس كورونا في تنزانيا خلال الفترة الماضية؛ حيث إن تنزانيا لم تقم بتحديث عدد حالات الإصابة بالفيروس منذ أواخر أبريل الماضي، وأعلن ماجوفولي هزيمة كورونا، ورفض الإبلاغ عن أي حالات إصابة[1].

 

معارضو الحزب الحاكم: منافسو ماجوفولي الرئيسون هم: توندو ليسو مرشح حزب تشاديما، الذي عاد إلى تنزانيا الشهر الماضي، بعد أن أمضى ما يقرب من ثلاث سنوات في بلجيكا، بعد إطلاق النار عليه في محاولة اغتيال، ووزير الخارجية السابق “برنارد ميمبي”، الذي طُرِد من الحزب الحاكم في فبراير الماضي، وقام بتحويل ولائه إلى حزب “التغيير من أجل التحالف والشفافية”. وترشيح “تندو ليسو” هو تأكيد أنه ما زال يتمتع بالسلطة داخل حزبه؛ فقد صنع “ليسو” اسمًا لنفسه في العام الذي سبق إطلاق النار عليه؛ حيث قُبض عليه ثماني مرات، ووجهت إليه تهمة التحريض -من بين تهم أخرى- قبل مغادرته بلجيكا. وتمكن “ليسو” من جذب حشود كبيرة من الناس في تجمعاته الانتخابية، ويُعتبر هذا تطورًا كبيرًا من حيث قدرة المعارضة على تشكيل تحدٍّ ضد الحزب الحاكم، وأنه حتى لو لم تفز المعارضة؛ لكنها أصبح لها صوت في الشارع السياسي.

 

تتجه أحزاب المعارضة إلى صناديق الاقتراع دون اتحاد أو تحالف يساعدها على كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات القادمة، فحتى أواخر أغسطس، كان من المتوقع أن يشكل “ليسو” و”ميمبي” والمجلس الوطني لحقوق الإنسان تحالفًا، لكن “ميمبي” أعلن أنه “لم يكن هناك وقت كافٍ للأحزاب السياسية للاجتماع، واتخاذ مثل هذه القرارات”. والتحدي الرئيس الذي يواجه المعارضة في تنزانيا هو الدستور؛ حيث تم وضع الدستور لصالح الحزب الحاكم، وفي السنوات الأخيرة ظهرت تشريعات جديدة عززت هذا الموقف، وجعلت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى  المعارضة[2]. وكانت المعارضة قد دعت إلى تشكيل لجنة انتخابية مستقلة، مُعرِبةً عن مخاوفها من أن تُجرى الانتخابات في جوٍّ من العنف، ولكن ماجوفولي تعهَّد بإجراء انتخابات حرَّة ونزيهة وذات مصداقية.

 

سير العملية الانتخابية:

يتنافس في هذه الانتخابات 16 مرشحًا، من بينهم الرئيس الحالي ماجوفولي، الذي يحظى بالدعم في المناطق الريفية؛ حيث يتمتع “شامبا شا مابيندوزي” بقواعد متينة، من خلال العديد من فروع الحزب الحاكم. ويتنافس في الانتخابات الرئاسية لزنجبار كل من مرشح “شاما شا مابيندوزي” حسين مويني، والسياسي المخضرم سيف الشريف حماد عن حزب “وازاليندو”[3]. وتحدث مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية في تنزانيا “توندو ليسو” الأربعاء عن حدوث مخالفات على نطاق واسع في الاقتراع. ويقول مراقبون إن تنزانيا -التي تعتبر منذ فترة طويلة- نموذجًا للاستقرار في شرق إفريقيا، تشهد تضييقًا متزايدًا على الديموقراطية، وقمعًا لحرية التعبير في ظل حكم ماجوفولي -البالغ 60 عامًا- وحزبه. وكتب ليسو على تويتر أن “تقارير التصويت تشير إلى حدوث مخالفات على نطاق واسع؛ ما منع وكلاءنا من الوصول إلى مراكز الاقتراع”، موضحًا أن صناديق الاقتراع كانت محشوة بالبطاقات في بعض المواقع قبل بدء التصويت. وتابع: “إذا استمر هذا الوضع، فسيكون التحرك الديموقراطي الجماهيري الخيار الوحيد لحماية نزاهة الانتخابات”. وحظرت السلطات شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسة، مثل تطبيقي “واتساب” و”تويتر” في جميع أنحاء تنزانيا، ولم يكن الوصول إليها متاحًا إلا من خلال الشبكات الخاصة الافتراضية (في بي إن). وأطلقت الشرطة الثلاثاء الغاز المسيل للدموع، والذخيرة الحية، واعتدت بالضرب على المدنيين في زنجبار، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، واتهمت المعارضة في بيمبا -ثاني أكبر جزيرة في زنجبار، والمعقل البارز للمعارضة- الشرطة بقتل تسعة أشخاص عشية الانتخابات. ويختار الناخبون في زنجبار رئيسًا لتنزانيا، وكذلك رئيسًا للجزيرة، ونوابًا للبرلمان[4].

 

الموقف الخارجي من الانتخابات:

دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه محمد إلى العمل على سلمية الانتخابات الرئاسية في تنزانيا. وجاءت هذه الدعوة عقب توقيف المعارض معلم سيف شريف مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية في زنجبار، التي تتمتع بشبه حكم ذاتي، وحث رئيس المفوضية جميع الفاعلين والأحزاب السياسية وأنصارها على المشاركة في العملية الانتخابية بصورة سلمية، والامتناع عن أعمال العنف. وطالب موسى فقيه محمد السلطات، بضمان مناخ يمكن المواطنين من التصويت بشكل آمن وسلمي، وذكَّر رئيس المفوضية السلطة التنزانية بالأشواط التي قطعتها جمهورية تنزانيا الاتحادية حتى الآن على درب بناء حكم ديمقراطي وسلام دائم، ودعا إلى جعل انتخابات 28 أكتوبر 2020 العامة فرصة متجددة لترسيخ الديمقراطية والسلام في البلاد. ونشر الاتحاد الإفريقي، بعثة خبراء انتخابيين في تنزانيا، بقيادة الرئيس النيجيري السابق جودلوك جوناثان[5]. وحذرت منظمة العفو الدولية هذا الشهر من أن ماجوفولي اتخذ إجراءات صارمة ضد المعارضة وحرية التعبير قبل الانتخابات. وطالب سفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في تنزانيا -عبر توتير- القوات الأمنية بضبط النفس.

 

الخُلاصة:

رغم كل المآخذ على الرئيس الحالي لتنزانيا -من إهدار حقوق الإنسان- إلا أن احتمالات فوزه هي الأقرب؛ لما كان له من إنجازات لمسها المواطن التنزاني؛ حيث كانت له مواقف حازمة من الفساد والفاسدين خلال فترة رئاسته. إلا أن هذا لا يمنع من احتمالية تعرض البلاد لعنف ما بعد الانتخابات؛ نظرًا لحشد المعارضة، وتوجيهها للمواجهة؛ نتيجة لما شاب العملية الانتخابية من مخالفات.

———————–

[1] روضة علي عبد الغفار، “تنزانيا وسباق الانتخابات .. بين قوة الحزب الحاكم وصَحوة المعارضة”، قراءات إفريقية، 21/9/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/5gz8N

[2] روضة علي عبد الغفار، “تنزانيا على أعتاب الانتخابات .. أبرز معالم السباق الرئاسي”، الجزيرة نت، 28/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/fRMaF

[3]  “التنزانيون يقترعون لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية”، قراءات إفريقية، 27/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/FCeRW

[4]  “انتخابات في تنزانيا والمعارضة تتحدث عن مخالفات واسعة”، France 24، 29/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/ItyP3

[5]“الاتحاد الإفريقي يدعو إلى انتخابات سلمية في تنزانيا”، قراءات إفريقية، 28/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/KPzd2

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022