ما زال مستقبل اليمن غامضًا، في ظل تعقد المشهد؛ نتيجة غياب الرؤية في مواقف وأهداف الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي والعسكري، فالإمارات والسعودية يومًا مع الشرعية وشهرًا مع الحوثي، إلا أنه في الآونة الأخيرة، وسّع التحالف السعودي الإماراتي، رقعة غاراته إلى 4 محافظات يمنية، بعد أشهر من اقتصار الضربات الجوية على أهداف حوثية مفترضة في محافظتي مأرب والجوف، شرق وشمالي البلاد.
ومنذ سبتمبر الماضي، ظلت مأرب والجوف مسرحًا رئيسًا للمعارك البرية بين الجيش اليمني الموالي للحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة الحوثيين، ومع استحواذ جبهات القتال في المحافظتين على اهتمام الطيران الحربي، انحسرت الغارات الجوية بشكل شبه تام في باقي المحافظات، التي شهدت سيطرة حوثية كاملة.
وذكرت قناة “المسيرة”، المتحدثة باسم الحوثيين، أن الطيران السعودي الإماراتي شن 10 غارات جوية على مديرية ناطع في محافظة البيضاء، وسط البلاد، التي سيطرت عليها الجماعة في أواخر سبتمبر الماضي، ولا يُعرف -على وجه الدقة- طبيعةُ الأهداف المستهدفة في مديرية ناطع، وما إذا كانت معسكرات تدريب حوثية أم لا، كما أن القوات الحكومية لم تعلن منذ نحو 11 أسبوعًا عن خوض أي معارك في تلك المديرية المحاذية لمحافظة مأرب.
وفي مأرب، شن الطيران السعودي الإماراتي 19 غارة جوية، طالت مديريات مدغل ومجزر وصرواح، غربي المحافظة النفطية، ومسرح العمليات العسكرية الأبرز منذ نحو 5 أشهر، وفقًا لوسائل إعلام حوثية، فقد استهدف الطيران السعودي الإماراتي أيضًا بعدة غارات تجمعات وتحصينات حوثية في شمال محافظة الجوف، التي تشهد معارك عنيفة للأسبوع الثاني على التوالي، كما شن التحالف السعودي 5 غارات على مديريتي شدا وكتاف في الشريط الحدودي لمحافظة صعدة، مع الأراضي السعودية، التي كانت تشهد معارك وعمليات تسلل حوثية، باتجاه مناطق جازان ونجران وعسير، خلال سنوات الحرب الأولى.
وأشارت قناة “المسيرة” الحوثية إلى أن الغارات الجوية ترافقت مع قصف مدفعي وصاروخي للقوات البرية السعودية، طال مناطق متفرقة من مديرية رازح، وقرى آهلة بالسكان في مديرية منبّه الحدودية، ولم تكشف القناة عن حصيلة الخسائر البشرية جراء الغارات والقصف المدفعي السعودي؛ لكن وسائل تابعة للجماعة، أذاعت عمليات تشييع 21 قتيلًا، بينهم 15 قياديًّا بارزًا في العاصمة صنعاء.
وتشير أنباء أن التصعيد العسكري على الشريط الحدودي جاء عقب تسريبات عن مشاورات غير معلنة بين السعودية وجماعة الحوثيين، تحدثت عن اشتراط سعودي بإقامة منطقة عازلة على حدودها الجنوبية، مقابل وقف الضربات الجوية، ورفع الحصار المفروض على الموانئ والمطارات الخاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء والحديدة، وبعد أيام من نفي الحوثيين دقة تلك التسريبات التي أوردتها وكالة رويترز للأنباء، عن مصادر لم تسمها، نفى مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، وجود أي مشاورات بين بلاده وجماعة الحوثيين؛ كونها “طرفًا غير معترف به”.
وقال المعلمي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام سعودية، إن “المنطقة العازلة مع اليمن شأن نناقشه مع الحكومة الشرعية”، في إشارة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دوليًّا، والتي تقيم بالرياض منذ عام 2015[1].
المجلس الانتقالي الإماراتي في اليمن: باقٍ ويتمدد:
وبعيدًا عن التصعيد السعودي ضد الحوثيين، ننتقل هنا إلى المكون المحلي الثاني للمشهد اليمني، الذي يتمثل في علاقة الحكومة الشرعية مع المجلس الانتقالي، فعلى الرغم من التصعيد العسكري الواسع، وسقوط عشرات القتلى من الجانبين، لم تنقطع المشاورات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا خلال الأيام الماضية، وسط بوادر عن انفراج سياسي.
تتمثل بوادر انفراجة المشهد بالاتفاق على حكومة الشراكة؛ لكن إعلانها قد يتأخر لعدة أيام، حتى يتم حسم بعض النقاط الخلافية، أبرزها الخلاف في محافظة سقطرى، التي سيطر عليها متمردو الإمارات، وقاموا بطرد مسئولي الشرعية منها؛ حيث تشترط الشرعية عودة محافظ سقطرى، رمزي محروس، لممارسة مهامه، مقابل تقديم تنازلات في قضايا أخرى، وفي مقدمتها الرضوخ للضغوط بإرجاء تنفيذ الشق العسكري إلى ما بعد إعلان حكومة الشراكة، بعد وعود سعودية بنشر لجان مراقبة في نقاط التماس بمحافظة أبين، وأخذ التزامات من المجلس الانتقالي الجنوبي بسحب المعسكرات من عدن فور تشكيل الحكومة[2].
وإذا ما تم ذلك، سيكون المجلس الانتقالي الجنوبي قد فرض شروطه الكاملة على الحكومة، وبات كيانًا شرعيًّا، يشارك في حكومة معترف بها دوليًّا، رغم عدم تنفيذه لأي من البنود الخاصة به، وعلى رأسها إنهاء التمرد في سقطرى، وسحب المعسكرات والأسلحة من عدن، وإعادة القوات التي وصلت إلى أبين إلى جبهات القتال، والسماح للحكومة بالعودة إلى عدن لممارسة مهامها.
ومن المقرر أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة بعد استكمال الترتيبات لعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، ورئيس الحكومة المكلف معين عبد الملك؛ وذلك حتى يتسنى للحكومة الجديدة أداء اليمين الدستورية في اليوم التالي لصدور القرار الجمهوري أمام الرئيس في قصر معاشيق الرئاسي بالعاصمة المؤقتة.
وكان من المقرر أن يتم تشكيل حكومة الشراكة خلال 30 يومًا وفقًا للآلية السعودية لاتفاق الرياض؛ لكن تعنت وكلاء (أبو ظبي) في تنفيذ الشق العسكري والأمني، حال دون ذلك، مع اقتراب انتهاء الشهر الرابع منذ تكليف معين عبد الملك بتشكيلها، وتحول اتفاق الرياض إلى عقدة أمام الخطط الأممية لإحياء عملية السلام الشاملة، وفرض الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار، حيث تعثرتْ جولة المشاورات بين الشرعية والحوثيين -التي كان من المقرر أن تنطلق في جنيف منتصف الشهر الجاري- وتأجلت؛ جراء عدم تنفيذ الحكومة، وتشكيل فريق تفاوضي يشمل كافة الأطراف الممثلة فيها[3].
وختامًا، بخلاف المرات السابقة التي كانت الرياض وأبو ظبي يمهدان دومًا لتسوية الملف اليمني، إلا أن هذه المرة هناك نقاط تظهر، أن ثمة متغيرات على المشهد الدولي والإقليمي، قد تدفعهم لتسريع التسوية، لا سيما أن أهداف السعودية والإمارات قد تحققت بتدمير استقرار اليمن، فضلًا عن عودته قويًّا، فالتصعيد السعودي ضد الحوثي لتشكيل منطقة عازلة، ثم العمل على تشكيل حكومة شراكة بين المتصارعين من الناحية الأخرى، يُظهر أن السعودية والإمارات ربما أرادا توجيه رسالة للحوثيين، بضرورة الرضوخ لمطالبهم لإنهاء الصراع اليمني.
—————————-
[1] التحالف السعودي الإماراتي يوسع رقعة غاراته في 4 محافظات يمنية، العربي الجديد، 19/11/2020 https://2u.pw/8aGJw
[2] عزلة أهالي سقطرى .. سفن مفقودة أو غارقة بعد الحصار السعودي الإماراتي، العربي الجديد، 18/11/2020 https://2u.pw/oNvcX
[3] اتفاق الرياض .. “الشرعية” اليمنية تتمسك بإنهاء تمرد وكلاء الإمارات في سقطرى، العربي الجديد، 19/11/2020 https://2u.pw/PBRVT