أولا : المشهد المصري
توتر في العلاقات بين الأزهر و(أبو ظبي):
يتحدث مراقبون[1] عن اتساع هوة الخلاف بين ولي عهد (أبو ظبي) محمد بن زايد وشيخ الأزهر أحمد الطيب، على خلفية التباعد بين المواقف الإماراتية وتوجهات شيخ الأزهر؛ أولا: بخصوص التطبيع: بينما سارعت أبو ظبي الخطا نحو التطبيع، ومارست ضغوطًا على دول عربية وإسلامية أخرى من أجل السير في الاتجاه نفسه من دون تحصيل «الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني»، نجد الأزهر قد أصدر بيانًا في ذكرى القرار الأممي بـ “تقسيم فلسطين”، الذي وصفه البيان بـ “إحدى أسوأ المناسبات في التاريخ الحديث، ذكرى اغتصاب الأراضي الفلسطينية” ، داعيًا فيه “المجتمع الدولي للاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”، كما دعا إلى مواجهة “الحملات الممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي، الهادفة لطمس معالم القضية”، مشددًا على أن العالم العربي والإسلامي “لن ينسى مذابح الكيان الصهيوني وجرائمه غير الإنسانية وغير الأخلاقية في حق الشعب الفلسطيني، التي لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الإنسانية، مهما حاول المغتصب تشويه التاريخ، أو تزييف حقائقه”[2]. ثانيًا: بخصوص جماعة الإخوان المسلمين: حيث تحدثت تقارير صحفية -نقلا عن مصادر رسمية بمشيخة الأزهر- عن ضغوط تمارسها أبو ظبي على شيخ الأزهر أحمد الطيب؛ بصفته رئيس مجلس حكماء المسلمين، الذي ترعاه الإمارات، ويتخذ من عاصمتها مقرًّا دائمًا له؛ لإصدار موقف رسمي من جماعة الإخوان المسلمين، يؤكد على إلصاق تهمة الإرهاب بها، وهو ما قوبل بالرفض من شيخ الأزهر، الذي رفض الزج باسمه، أو اسم الأزهر في معركة سياسية بالأساس، الدين منها براء، محاولا إقناع الأطراف التي تحدثت معه في هذا الخصوص، بأن الزج بالأزهر في مثل هذه الصراعات، يُضعف موقفه، في الوقت الذي تكون الحاجة إليه ملحّة[3].
وقد تحدث مراقبون عن أن شيخ الأزهر بات يرى أنه قدم الكثير للإمارات، وأنه لم يعد راغبًا في التورط أكثر في دعم (أبو ظبي)، خاصة مع تسارع وتيرة التطبيع مع تل أبيب، كما أن شيخ الأزهر بات يرى أن (أبو ظبي) لم تعد تقدم له الدعم اللازم في صراعه المكتوم مع النظام المصري[4].
من غير المستبعد أن يكون هناك فتورًا في العلاقات بين (أبو ظبي) والأزهر؛ نتيجة انشغال حكام الإمارات في مسار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لكن من غير المتوقع أن يكون هذا التوتر طريقًا للقطيعة بين الجانبين؛ خاصة مع حاجة شيخ الأزهر لدعم الإماراتيين في مواجهة التدخلات المستمرة من جانب السلطات المصرية في عمل الأزهر، والضغوط المستمرة من الحكومة المصرية على شيخ الأزهر؛ بهدف دفعه للانصياع أو الاستقالة، كما أن القطيعة غير مطروحة؛ مع حرص الإمارات على طرح صيغة للتدين بديلة للصيغ المطروحة من جانب حركات الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية المتطرفة والعنيفة، وفي هذا السياق تتحالف الإمارات مع الأزهر والقريبين من خطه الدعوي، وتتحالف مع قوى السلفية المدخلية، ومع الجماعات الصوفية، ومع المثقفين العلمانيين؛ بهدف استخدام هذا الطيف في مواجهة قوى الإسلام السياسي، والقوى الإسلامية العنيفة والمتطرفة. ويبدو أيضًا أن الإمارات ستكون أكثر تمسكًا بتحالفها مع شيخ الأزهر الحالي، وستكون حريصة على الوصول لنقاط اتفاق، ويبدو أنها كثيرة، خاصة مع الشعبية التي بات يتمتع بها الطيب؛ نتيجة مواقف كثيرة اتخذها ولاقت قبولا شعبيًّا واسعًا.
علم النفس في خدمة الاستبداد:
في معركة السلطويات العربية مع قوى الإسلام السياسي -ومنها جماعة الإخوان المسلمين- يتم توظيف أدوات ومجالات عديدة، كان منها “علم النفس”، يظهر ذلك في مقالة وتقرير؛ الأولى جاءت بعنوان (متلازمة الأعراض السياسية عند «الإخوان»)، كاتبها باحث سعودي بجامعة الملك سعود، ونشرت في جريدة الشرق الأوسط[5]، والتقرير جاء بعنوان («يغذون نواقص شخصية المواطن العادي» .. التحليل النفسي لإستراتيجية الإخوان فى تجنيد عناصرهم)[6]، كاتب التقرير صحفية مصرية، استعانت بمتخصصين في علم النفس وعلم النفس السياسي.
يتحدث التقرير عن أنماط الشخصيات -غير السوية- التي تجندها هذه التنظيمات، وقد اعتبر التقرير أن من ينتمي لهذه الكيانات إما شخصية نرجسية متوهمة، ترى في نفسها مبعوثة العناية الإلهية، وإما شخصية تعاني من فصام، وإما شخصية حدية، تعاني من اختلال في السلوك. أما المقالة فتحدثت عن متلازمة سياسية تلمسها في كل من ينتمي إلى هذه الجماعات تنظيميًّا، أو حتى متأثر بخطابات هذه الجماعات، وإن كان غير محسوب عليها من الناحية التنظيمية، بالتالي يعتبر المقال أن من يتبنى هذه المواقف -التي يسميها متلازمة- إما منتمي للإسلام السياسي وإما مشبع برؤاهم السياسية، أما المتلازمة التي أشار إليها الكاتب، واعتبرها دليلا على انتماء صاحبها للإسلام السياسي، حتى لو أعلن خلاف ذلك، فهي: تعظيم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومتابعة إحدى نوافذ شبكة الجزيرة (قنوات، مواقع، مدونات؛ إلخ)، وانتقاد المواقف السعودية، والسياسات والتوجهات المصرية. وأسماها متلازمة؛ باعتبار أن من يتبنى إحدى هذه النقاط فلابد أن يكون متبنيًا لباقي النقاط؛ باعتبار كل نقطة منها ملازمة للأخرى.
استغلال علم النفس في معركة دول الثورة المضادة في معركتها مع الإسلام السياسي يستند على قاعدة، أن العلوم -ومنها علم النفس- هي حقول محايدة، وليست متحيزة لأحد طرفي الصراع، وأن نتائج واستنتاجات هذه العلوم صحيحة بالتأكيد؛ لأنها قامت على يد متخصصين، ونتجت عن دراسات جادة ودقيقة. ويستهدف الوصول إلى نتيجة أن جماعات وحركات الإسلام السياسي والمنتمين لهذه الكيانات هم مجموعات وشخصيات مريضة، أو بمعنى أصح “معيوبة” وليست شخصيات طبيعية، وبالتالي موقفهم وتصوراتهم وتوجهاتهم، ليست نابعة من اختيار حر أو قناعة عقلانية، إنما هي نتيجة لهذا المرض. بالتالي: تبني شخص لرؤى ومواقف هذه الجماعات يعني أن هذا الشخص مريض، وبذلك تحذر هذه الدراسات الأفراد والمجتمعات من التعاطف مع هذه الجماعات، وبالتالي فإن التعاون السليم مع المنتمين لهذه الجماعات إما أن يخضع للعلاج؛ ليعود إلى صفوف الأسوياء، وإما أن يتم التخلص منه، إذا كان علاجه متعذرًا؛ حتى لا تعم العدوى.
يمكن القول إن هذا الخطاب خطاب فاشي، يستخدم العلم في تبرير الوصم الاجتماعي للخصوم، باستخدام العلم بشكل متحيز، وهو ما قد يستخدم في التمهيد لتصفية الخصوم، وفي تبرير ذلك.
أن هذا الخطاب خطاب عنصري، يوظف العلم في الانتقاص من مجموعات واسعة، ومن حركات وكيانات ذات حضور واسع في المجتمعات العربية، يذكر بالكتابات العنصرية عن السود مثلا؛ باعتبارهم مختلفين، أو أقل قيمة عن غيرهم من البشر.
أنه خطاب استبدادي، لا يؤمن بالتعددية والاختلاف، ويرى في المختلف عنه مجرد مريض يجب علاجه، أو شخصية تعاني من اضطرابات نفسية يجب التخلص منهم في المصحات أو السجون، أو حتى باستخدام المحارق إن كانت السجون والمصحات لا تكفي.
الإفراج عن معتقلي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية قبل زيارة السيسي لفرنسا:
أمرت النيابة العامة المصرية الخميس 3 ديسمبر، بالإفراج عن ثلاثة من أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بكفالة. حيث أفرجت النيابة عن المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرازق، والمدير الإداري محمد بشير، ورئيس وحدة العدالة الجنائية بالمجموعة كريم عنارة، بعد اعتقالهم الشهر الماضي. وأكد مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، إطلاق سراحهم، عبر منشور في حسابه على فيسبوك. وقد أعلنت النيابة أن الإفراج عن الثلاثة جاء بعدما قدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وثائق قانونية، توضح الإجراءات التي تم اتخاذها لتغيير وضع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من شركة عادية إلى منظمة غير ربحية، وفقًا لقانون المنظمات غير الحكومية. وأعلنت المبادرة أنها قدمت خطابًا رسميًّا إلى وزارة التضامن الاجتماعي، حول الخطوات المتخذة لتسجيل نفسها، بما في ذلك المراسلات الرسمية مع الوزارة على مدار عدة سنوات، تثبت أن المبادرة قد تقدمت بطلب للحصول على ترخيص لمزاولة أنشطة مدنية غير ربحية لمنظمة غير حكومية[7]. ويأتي هذا القرار بالتزامن مع إعلان الرئاسة الفرنسية الخميس عن زيارة السيسي الأحد القادم إلى فرنسا، التي ستستمر يومين، يلتقي خلالها الرئيس إيمانويل ماكرون الاثنين. ويُذكر أن عشرين منظمة حقوقية كانت قد وجهت نداء إلى ماكرون من أجل أن يمارس ضغطًا على السيسي؛ لحضه على الإفراج عن ناشطين حقوقيين موقوفين في بلاده. وكانت النيابة العامة قد أصدرت أمرًا بالتحفظ على أموال المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وتم إيقاف الحساب البنكي للمبادرة، إلا أن المحكمة قد ألغت هذا القرار.
ثانيا : المشهد الإقليمي والدولي
أولًا: ملف السياسة الخارجية المصرية:
– لماذا زار السيسي جنوب السودان في هذا التوقيت؟:
قام السيسي بزيارة إلى دولة جنوب السودان، في 28 نوفمبر 2020، التقى خلالها بالرئيس “سيلفا كير” ونائبه “رياك مشار” في العاصمة جوبا. وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ استقلال جنوب السودان عام 2011.
ويرى العديد من المراقبين أن الدوافع التى تقف خلف قيام السيسي بتلك الزيارة تتمثل بصورة رئيسية في أزمة سد النهضة، التي تشهد توافقًا كبيرًا في الرؤى بين القاهرة وجوبا؛ حيث يسعى السيسي إلى:
1- تعزيز العلاقات مع دولة جنوب السودان؛ باعتبارها واحدة من دول حوض النيل، وأحد دول منابعه، كما أنها قريبة للغاية، سواء من بحيرة فيكتوريا المصدر الثانوي لمياه النيل، وقريبة للغاية من سد النهضة، مثار الأزمة بين مصر وإثيوبيا[8].
2- إحياء مشروع قناة جونقلي المتوقف، في إطار الحلول الرامية لتقليل الآثار السلبية المترتبة على حصص مصر والسودان من سد النهضة. فقد توقف المشروع الذي يقع على نهر الجبل بدولة جنوب السودان منذ عام 1983؛ بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت وقتها بين الحكومة السودانية و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” بقيادة جون قرنق، بعد حفر 260 كيلو مترًا من إجمالي 360 كيلو مترًا. وكان الهدف من هذا المشروع يتمثل في توفير المياه الضائعة في المستنقعات، وذلك بزيادة إيرادات المياه لنهر النيل بنحو 55 مليون متر مكعب.
3- إمكانية إقامة قاعدة عسكرية مصرية في جنوب السودان، خاصة أن هناك وجودًا مصريًّا عسكريًّا فنيًّا، ضمن اتفاقيات مبرمة بين البلدين، خاصة لناحية الدور الذي تلعبه القاهرة في هيكلة القوات المسلحة بجنوب السودان، ودمج المليشيات المسلحة في القوات النظامية، وتزويد الأخيرة بأسلحة خفيفة ومتوسطة من إنتاج “الهيئة العربية للتصنيع”، علاوة على تزويد مصر للقوات جنوب السودانية بكافة مستلزمات الزي العسكري.
وقد كانت هناك مفاوضات بشأن وجود مركز عسكري لوجستي مصري، أو إنشاء قاعدة عسكرية في جنوب السودان؛ لكنها توقفت خلال الفترة الماضية، بعدما أبدت إثيوبيا اعتراضًا على ذلك لدى الجانب جنوب السوداني، الذي تربطه أيضًا علاقات جيدة بأديس أبابا. إلا أنّ الاشتباكات والتوترات التي يشهدها إقليم تيغراي بشمال البلاد، والمخاوف من تأثر جنوب السودان من وراء هذه الاضطرابات، قد تدفع الأخيرة للموافقة على الطلب المصري بإنشاء القاعدة[9].
ويبدو أن السيسي يسعى إلى استغلال التوقيت الحالي لتحقيق تلك الأهداف، خاصة أن إثيوبيا تعاني حاليًّا من حرب أهلية بين الحكومة المركزية وإقليم التيجراي. بجانب التقارب الكبير بين مصر والسودان، الذي تجلى في الزيارات العسكرية والمناورات الجوية “نسور النيل” بين الطرفين. فضلا عن إمكانية استغلال السيسي الوقت المتبقي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الذي سيسلم الرئاسة لجو بايدن في 20 يناير القادم)؛ للقيام بتحرك مفاجئ في أزمة السد، التي قد تكون ضربة عسكرية، خاصة وأن ترامب دعم مصر ضمنيًّا للقيام بهذه الخطوة، عندما تحدث عن أن “الأمر سينتهي بضرب المصريين للسد”، وهناك أيضًا حديث عن أن بايدن سيكون أقرب لإثيوبيا في أزمة السد من مصر.
– هل تستضيف القاهرة قمة بين عباس ونتنياهو؟، وما هدف السيسي من ذلك؟:
قالت محطة التلفزيون الإسرائيلية I24، في 1 ديسمبر 2020، إن السيسي يسعى لاستضافة قمة سلام “إسرائيلية فلسطينية”، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. فيما لم تُعلق السلطات المصرية والإسرائيلية والفلسطينية على هذا النبأ، وفقًا لما ذكرته وكالة الأناضول.
وما يدعم إمكانية عقد هذه القمة، أن الحديث عنها جاء عقب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى القاهرة، في 30 نوفمبر 2020. وبالتزامن مع إعلان صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن نتنياهو يستعد لإجراء زيارة رسمية إلى مصر في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، للقاء السيسي. فيما لم تعلق السلطات المصرية أو الإسرائيلية رسميًّا على هذا التقرير[10].
ومع إمكانية عقد هذه القمة، إلا أن هناك خلافات حول إمكانية إعلانها رسميًّا، خاصة في ظل الحملة الإعلامية المتصاعدة في مصر ضد الفنان المصري محمد رمضان؛ بسبب حضوره حفلا في الإمارات مع مجموعة من الشخصيات والفنانين الإسرائيليين، التي يبدو أنها كانت مدعومة من “أجهزة سيادية مصرية”، استخدمت ردود الفعل الشعبية الغاضبة على رمضان؛ بهدف إيصال رسالة لدولة الاحتلال مفادها أن إعلان الاتصالات والزيارات بين الدولتين لن يكون مرحبًا به على الصعيد الشعبي، أو على الأقل “ستكون له كلفة عالية”[11].
وتهدف مصر من خلف استضافة تلك القمة إلى التأكيد مجددًا على مكانتها كمحور رئيس في منطقة الشرق الأوسط، والأجدر على التأثير في أهم قضايا المنطقة “القضية الفلسطينية”. خاصة مع قدوم الرئيس جو بايدن، الذي يبدو أن العلاقات الثنائية بين مصر وأمريكا تحت حكمه لن تكون في أحسن أحوالها، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان. وبالتالي، يسعى السيسي إلى التأكيد للولايات المتحدة على أهمية الدور الذي يقوم به في المنطقة، ولن يجد السيسي أفضل من الملف الفلسطيني لإبراز هذا الدور[12]. كما أن هناك تخوفات مصرية من إمكان السعي الأمريكي إلى استبدال دور إماراتي – أردني بالدور المصري في الملف الفلسطيني؛ الأمر الذي ظهرت بوادره في التواصل المباشر بين ملك الأردن عبد الله الثاني وبايدن قبل أيام، وهي خطوة أشعرت القاهرة بالقلق، ولا سيما أن الرئيس المنتخَب لم يتواصل مع أيّ مسؤول عربي آخر، علنًا على الأقل[13].
ومما سبق، يمكن القول إن مصر تتبنى حلا وسطًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، يجمع بين عدم التخلف عن الأطر الجديدة للتطبيع وروافده المتعددة، وإحياء تقاليد عملية التسوية السياسية القائمة على قرارات الشرعية الدولية؛ أملا في الحفاظ على دور محوري في أي مستجدات على الصعيدين.
فقد ظهرت مؤشرات التفاعل مع ملف التطبيع من خلال ما كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيلية عن الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القاهرة. على الرغم من إشارة العديد من المراقبين إلى أن القاهرة لم تكن مرتاحة للتطورات المتسارعة في العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، على قاعدة ما يسمى بـ ”اتفاقيات أبراهام”؛ لأنها تفرغ ملف التطبيع من مضمونه كورقة كانت القاهرة تعتبرها مخزونًا إستراتيجيًّا لها.
فيما بدت ملامح الخيار الثاني التقليدي المتمثل في التسوية، في الاتصالات التي جرت بين كل من القاهرة وعمّان مع السلطة الفلسطينية بعد فترة انقطاع، والتفاهم حول تشكيل لجنة مشتركة لدعم عقد مؤتمر دولي للسلام العام المقبل؛ لاستعادة المفاهيم المتعلقة بحل الدولتين. وتتناسب هذه الفكرة مع القناعات التي أبداها الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن[14].
– ماذا بعد الإعلان عن الغلق المؤقت لملف مقتل ريجيني؟:
أعلنت النيابتان العامتان المصرية والإيطالية في بيان مشترك، 30 نوفمبر 2020، أن مصر قررت “الغلق المؤقت” لملف التحقيقات في قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في عام 2016 في القاهرة. وفي حين أكدت روما على الاشتباه بمسؤولية خمسة أفراد في أجهزة أمنية مصرية عن مقتل ريجيني بتصرفات فردية منهم، دون صلة بأية جهات أو مؤسسات حكومية مصرية، إلا أن النيابة المصرية تحفظت على هذا الاشتباه، وتحدثت عن تشكيل عصابي[15].
ويعني هذا البيان تمسك كل جانب بموقفه من الجريمة؛ حيث إن النيابة المصرية ترى أن السلطات المصرية ليست لها علاقة بقتل الطالب الإيطالي، وتتحفظ على توجيه الاتهام إلى 5 أفراد من جهة أمنية من جانب السلطات الإيطالية، مؤكدة أنه لا توجد أدلة تدعم تلك الاتهامات. بينما تتهم النيابة الإيطالية 5 ضباط ذوي رتب مختلفة، ينتمون للأمن الوطني وجهاز الشرطة المصرية هم: اللواء طارق صابر، الرائد شريف مجدي، العقيد هشام حلمي، العقيد أثير كمال، محمد نجم[16].
وقد أكدت إيطاليا أن قضاة التحقيق في إيطاليا، وهم سلطة توجيه الاتهام المنفصلة عن النيابة العامة المختصة بالتحقيق، سوف يبدأون فحص مذكرة الاشتباه الخاصة بالضباط الخمسة في 4 ديسمبر الحالي. ويأتي ذلك في ظل تهديدات من قبل روما بإصدار بيان من طرف واحد، يتضمن فقط الإعلان عن تحريك الدعوى الجنائية الغيابية بحق الضباط المصريين الخمسة المشتبه في ضلوعهم بتعقب واختطاف وتعذيب وقتل ريجيني.
وتخشى مصر من أن يستخدم الإيطاليون أي حكم إدانة غيابي قد يصدر ضد الضباط الخمسة، بداية لحراك قضائي جديد ضد وزارة الداخلية المصرية ككيان، أو الوزير بصفته. وعلى الرغم من أن تحريك الدعوى غيابيًّا ضد الضباط الخمسة لن يؤدي إلى محاسبتهم مباشرة إذا أصرّت مصر على عدم تسليمهم، إلا أن هذه الخطوة ستوفر غطاءً قانونيًّا لرغبة روما في إدراج أسماء الخمسة على لائحة الإنتربول، والتضييق على تحركاتهم. فضلا عن إمكانية أن تؤدي هذه الخطوة من قبل روما إلى حظر توريد الأسلحة، وكذلك وقف العلاقات التجارية مع القاهرة.
ويبدو أن رئيس الوزراء جوزيبي كونتي يسعى إلى استغلال قضية ريجيني لعقد المزيد من الصفقات مع مصر لصالح الشركات الإيطالية الكبرى. ومن هذه الصفقات، منح مصر تمويلا رسميًّا للصفقات من خلال الشركة الإيطالية الحكومية “ساسي”، التي تُعتبر قناة الاتصال الحكومية بين وزارة الدفاع المصرية والمصارف الأوروبية والإيطالية المقرضة لها؛ لضمان إنجاح الصفقات، وسرعة تنفيذها.
كما اتفقت مصر مع شركة “فينكانتييري”، على تسليم فرقاطتي “فريم برغاميني”، ستصل إحداهما قريبًا إلى مصر، حاملة اسم “الجلالة”. كما عقدت مصر اتفاقًا مع شركة “ليوناردو” لشراء 24 طائرة تدريب من طراز “إم 346″، بقيمة إجمالية تتراوح بين 370 و400 مليون يورو، وهي الشركة نفسها التي ستبيع 32 طائرة مروحية من طراز “أغوستاويستلاند 149″، والتي لم تحصل عليها مصر حتى الآن، رغم أنها قدمت الطلب في أبريل الماضي.
يذكر أن مشتريات مصر من الشركات الإيطالية لتصنيع الأسلحة والذخائر وقطع الغيار والبرمجيات العسكرية لعام 2019، تضاعفت ثلاث مرات عن قيمة المشتريات في عام 2018. كما جاءت مصر في المركز الرابع عالميًّا بين مستوردي الأسلحة الإيطالية، خلف الكويت وقطر وألمانيا[17].
ثانيًا: الملف الفلسطيني:
– لماذا زار عباس الأردن ومصر في هذا التوقيت؟:
بحث أبو مازن وكبار المسؤولين الفلسطينيين على مدار الساعات الأخيرة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم الأحد (29 نوفمبر)، وعبد الفتاح السيسي يوم الاثنين (30 نوفمبر)، والأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال زيارته للدولتين، مستجدات القضية الفلسطينية، ومستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط، وتداعيات الانتخابات الأمريكية عليها، وفق بيانات رسمية متطابقة.
وفيما يتعلق بدوافع ودلالات تلك الزيارة، يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي:
1- الاستعداد لمرحلة جو بايدن: تأتي تلك الزيارة بعد مرور أسبوعين تقريبًا على استئناف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل في 17 نوفمبر. وتأتي تلك الخطوة كبادرة حسن نية قدمها الفلسطينيون لإدارة الرئيس المنتخب حديثًا جو بايدن؛ رغبة منهم في استئناف العلاقة مع البيت الأبيض، بعد ثلاث سنوات من قطع الاتصالات مع إدارة ترامب. حيث ينظر الرئيس عباس بارتياح لهزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية، على اعتبار أن ذلك يقضي على رؤيته للسلام التي رفضها الفلسطينيون. ولا يخفي عباس تفاؤله من إدارة بايدن؛ بسبب إعلانها رفض خطة إسرائيل ضم ثلث الضفة الغربية، واستعدادها لاستئناف الدعم المالي للفلسطينيين، وفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية[18].
2- إعادة ترميم العلاقات مع الدول العربية: حيث تتحضر السلطة الفلسطينية لبدء مرحلة جديدة من العلاقات مع محيطها الإقليمي والدولي، بعد أن وضعت نفسها في موقف المواجهة المباشرة مع الدول العربية؛ بسبب رفضها لخطوات التقارب التي قادتها الإمارات والبحرين لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إذ اعتبرت السلطة الفلسطينية خطوات التقارب هذه بمثابة “ضغط سياسي عربي للقبول بصفقة القرن”.
مقابل ذلك فرضت دول عربية حصارًا ماليًّا على السلطة الفلسطينية؛ بسبب مواقفها المتشددة تجاه دول الخليج المطبعة؛ الأمر الذي أوصل السلطة إلى مرحلة القبول بهذا الواقع الجديد، والقبول به بسبب الثمن السياسي والمالي الذي دفعته في الأشهر الأخيرة؛ الأمر الذي أرغمها على التراجع عن مواقفها الأخيرة، وإعادة السفيرين الفلسطينيين إلى الإمارات والبحرين، بعد أن قررت استدعاءهما؛ تعبيرًا عن مواجهة التطبيع مع إسرائيل.
وتسعى السلطة إلى طى صفحة الخلافات مع الدول التي خرجت عن الإجماع العربي؛ من أجل محاولة الخروج بصيغة إجماع عربي لدعم خطة سلام موازية لصفقة القرن، سيكشف عنها الرئيس عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع العام القادم، وسوف تتضمن رؤية مختلفة عن رؤية الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
3- مد جسور التواصل مع المحور الذي يضم الإمارات والسعودية ومصر، والهدف منه محاولة القبول باشتراطات ورؤية هذه الدول المتجهة للانخراط في حلف إقليمي مع إسرائيل، مقابل رفع الحصار المالي على السلطة، والتراجع عن فكرة استبدال الرئيس عباس.
4- التأكيد على موقف السلطة الداعم لإبقاء الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، ورفض أي محاولات أو خطط يجري التحضير لها لنزع هذه الوصاية أو استبدالها. وذلك في ظل الحديث عن وجود رغبة سعودية، تدعمها إسرائيل، في نقل الوصاية على المقدسات من الأردن إلى السعودية[19].
5- إثارة مصر ضد حماس؛ حيث يسعى عباس إلى اقناع القاهرة بأن حماس هي المتسبب في تعطيل ملف المصالحة الذي يقوده جهاز المخابرات المصرية، وأن حماس تسعى إلى تعظيم الدور التركي والقطري (المنافس للدور المصري) في الملف الفلسطيني.
وربما يسعى عباس أيضًا إلى التنسيق مع مصر في فرض عقوبات على حماس، عبر إغلاق الأخيرة لمعبر رفح. خاصة في ظل الحديث عن نية السلطة الفلسطينية فرض عقوبات جديدة على حماس، تتضمن عدم إرسال الأجهزة الطبية المخصصة لمواجهة جائحة كورونا، إضافة إلى وقف توريد المسحات المخصصة لفحص المصابين بالفيروس، في حين أن “كوفيد-19” ينتشر بسرعة في غزة، في ظل أزمة صحية ناتجة من نقص المعدات الطبية.
وحتى الآن، لم تنظر الحكومة في رام الله إلى الملف المالي لموظفيها في غزة، ولم تصرف لهم رواتب كاملة، بعد تسلمها أموال المقاصة، في حين أنها صرفت رواتب موظفيها في الضفة الغربية مع نسبة من التعويض. وتشير التوقعات إلى إمكانية خصم نسبة جديدة من أجور موظفي السلطة في القطاع. كما حضرت السلطة قوائم أسماء موظفيها فيه؛ لفرض التقاعد القسري عليهم، وقد استخدمت هذه العقوبة عام 2017 لإجبار “حماس” على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها آنذاك.
ومن بين العقوبات الجديدة، فإن السلطة الفلسطينية قد تُوقف صرف مخصصات عائلات الأسرى في القطاع، إضافة إلى عدم دفع فاتورة كهرباء غزة، ورفع ثمن الوقود الوارد إليها، إلى جانب تقليص تغطيتها المالية للتحويلات الطبية الخارجية.
وستُبقي السلطة على العقوبات التي كانت فرضتها عام 2017، ومن أبرزها خصومات بلغت 50 في المئة على رواتب 62 ألفًا من موظفي السلطة، وقطع رواتب نحو 277 أسيرًا محررًا، ووقف الموازنات التشغيلية للوزارات، من بينها الصحة والتعليم، وتقليص عدد الشاحنات الموردة للقطاع[20].
الوضع السوري:
توسع نفوذ أنقرة وتضييق الخناق على نظام الأسد:
ما زال الوضع السوري في حالة هدوء نسبي، مقارنة بالسنوات الماضية؛ حيث تزداد خرائط النفوذ وضوحًا يومًا بعد يوم؛ حيث تتمدد تركيا أكثر في شرق الفرات، في حين يعاني نظام الأسد من عقوبات قانون قيصر الأمريكي.
وسَّعت تركيا دائرة القصف لمواقع ميليشيا “قسد” بالقرب من مدينة عين عيسى الواقعة على حدود منطقة “نبع السلام” الجنوبية شرق الفرات، لتشمل ريف تل أبيض الغربي، ضمن تزايد حدة التصعيد الذي تشهده المنطقة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
واستهدف القصف التركي مواقع ميليشيا قسد شمال عين عيسى بالقرب من “المخيم” وقرى المعلق وصيدا، الواقعة إلى الشمال من الطريق الدولي.
ولم يتوقف القصف على عين عيسى؛ بل رافقه قصف “مكثف” بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، استهدف قرى “كوبرلك وقزعلي وكور حسن” في قرى ريف تل أبيض الغربي؛ حيث تشهد المنطقة تحركات لعناصر الميليشيا، وسط أنباء عن إصابات في صفوف الأخيرة.
وكان الجيش التركي أزال جزءًا من الجدار الأسمنتي على الحدود التركية السورية المقابل لقرية خرزة، التابعة لمدينة عامودا شمال الحسكة؛ لتيسير حركة الدوريات.
وتعلن تركيا بشكل شبه يومي عن تحييد عناصر من ميليشيا قسد في الشمال السوري؛ حيث قالت وزارة الدفاع التركية، إنه تم “تحييد” إرهابيين اثنين على الأقل من “وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني” في شمال سوريا.
وكان الحديث عن عملية تركية عسكرية مرتقبة، طفا على السطح في الآونة الأخيرة، رافقه تحركات لميليشيا قسد، تمثلت بمحاولة تواصل مع موسكو وواشنطن؛ لوقف القصف التركي على المواقع التي تستولي عليها الميليشيا في المنطقة[21].
من جهة أخرى، أعلن الائتلاف الوطني السوري المعارض، أن وزارة الخزانة الأمريكية تستعد لإصدار حزمة سادسة من العقوبات -بموجب “قانون قيصر”- على النظام السوري، قبل أعياد الميلاد.
وقال منسق فريق عمل قانون قيصر في الائتلاف عبد المجيد بركات، إن لقاء الائتلاف الوطني الأخير مع الوفد الأمريكي، برئاسة المبعوث الخاص إلى سورية جويل رايبورن، ركّز على الموضوع الأكثر أهمية في الوقت الحالي، وهو ملف عقوبات قيصر، وتشديد الحصار على نظام الأسد ورموزه. القائمة الأمريكية الجديدة التي ستصدر قريبًا سوف تركز على اقتصاد النظام ونواته الصلبة[22].
ويسعى النظام السوري بكل جهده إلى استغلال تحالفه مع الروس، في تقوية اتصالاته مع الجانب الإسرائيلي؛ لتطبيع العلاقات معهم؛ لتجاوز حدة عقوبات قانون قيصر.
وفي تلك الأثناء تنعقد اللجنة الدستورية لتسوية الأوضاع في سوريا ما بعد الحرب الأهلية؛ حيث يحاول الأسد أن يكون له قدم في مستقبل سوريا، بعدما دخلت سوريا مرحلة ما قبل نهاية الحرب، فهل سينجح في ذلك؟
يبدو الأمر صعبًا كثيرًا، في ظل رغبة الأغلبية في التخلص منه.
الملف اليمنى
المعارك بين الجيش اليمني ومليشيا المجلس الانتقالي تشتعل:
يشهد الوضع اليمني تصعيدًا ملحوظًا في الأوضاع الميدانية والعسكرية؛ نتيجة اشتعال المعارك بين الجيش اليمني والمقاومة الشعبية من جهة، ومليشيات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات من جهه أخرى.
وتشير أنباء على سيطرة قوات الجيش اليمني، على عدة مواقع مهمة، في محافظة أبين، جنوبي البلاد، بعد معارك عنيفة مع قوات مدعومة من دولة الإمارات.
وذكر مصدر عسكري، أن قوات الجيش حققت تقدمًا ميدانيًّا جديدًا في جبهة الطرية شمال شرق مدينة زنجبار، المركز الإداري لمحافظة أبين.
وقد تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على سلسلة جبلية قريبة من مدينة جعار، المركز الإداري لمديرية خنفر الخاضعة لسيطرة مسلحي “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتيًّا؛ حيث تمكنت خلالها القوات الحكومية من طرد مسلحي الانتقالي من عدد من المواقع في جبهة الطرية، والسيطرة على مرتفعات جبلية تمكنها من الاقتراب نحو جعار، كبرى مناطق مديرية خنفر. وأسفرت المعارك عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
ونقلت وكالة الأناضول عن مصدر عسكري، قوله إن الاشتباكات في “وادي سلا” أدت إلى مقتل قائد كتيبة الصمود في اللواء 11 صاعقة، التابع للانتقالي علي قاسم الحالمي، وعدد من مرافقيه.
من جهته، نفى الناطق باسم قوات الانتقالي، محمد النقيب، أي تقدم للقوات الحكومية، واصفًا ذلك بـ “الوهم والزيف”.
وقال عبر حسابه في موقع “تويتر”، السبت: “اعتادت مطابخ الإخوان الإعلامية على تسويق انتصارات إعلامية وهمية، وبصورة فجة دون خجل”، وفق تعبيره.
وأضاف: “حتى في معركة اليوم التي منيت فيها هذه المليشيات بشر هزيمة، وبأكبر خسارة في العتاد والأرواح، تجرأت تلك المطابخ على ضخ وهمها وزيفها”[23].
من جهته، أفاد القيادي في المقاومة الشعبية الجنوبية، عادل الحسني بأن ما حصل هو سيطرة الجيش على سلسلة جبال مهمة تطل على جعار والدرجاج، وأسر عدة أفراد من الانتقالي، وإعطاب عدد من المدرعات العسكرية.
وقال في حسابه على “تويتر”: “تسير الأمور بشكل عام لصالح الجيش، ولكن لا وجود للسيطرة على زنجبار أو الدرجاج، حسب ما يروج له بعض إعلاميي الشرعية”.
الحسني أشار إلى تجرع مليشيات الانتقالي -التي وصفها بالإرهابية- “مرارة التنكيل والهزيمة على يد أبطال قواتنا”.
وذكر القيادي في المقاومة الجنوبية، بأنه “تم أسر 9 من مليشيات الانتقالي الإماراتي، وقعوا في قبضة القوات الحكومية في معارك البوابة الدرجاج، بمحيط زنجبار، عاصمة أبين”، مؤكدًا أن “قيادة الجيش والأمن تعطي الأمان لكل من يسلم نفسه”.
ويدور السؤال حاليًّا، حول أسباب عودة الحركة في الجيش اليمني لاستعادة تحرير مناطقه، بعد شهور من التضييق عليه من جانب الرياض و(أبو ظبي)، هل يعود الأمر لرغبة السعودية في إنهاء الملف اليمني، بعدما تحققت أهدافهم، وزيادة ضريبة البقاء؟، أما أن الأمر له علاقة بخلافات سعودية إماراتية تزداد قوتها، بعدما قررت السعودية فتح ملف المصالحة مع قطر، والاستجابة للدعوات الكويتية، وحينها قد يؤدي هذا التغير في التحالف لتغيرات إستراتيجية وجوهرية في المنطقة، ربما تبدأ بحدوث مصالحة حقيقية بين السعودية وتركيا، حيث سيأتي التمدد لحساب أنقرة على حساب (أبو ظبي) بالطبع؟
المشهد الجزائرى
ضبابية المشهد السياسي الجزائري بالتزامن مع الأزمة الصحية لتبون:
صدر يوم 23 نوفمبر 2020 بيان رسمي من الرئاسة الجزائرية، يُفيد قرب خروج الرئيس عبد المجيد تبون من المستشفى الألماني الذي دخله في 28 أكتوبر. إلا أنه رغم ذلك لا زال هناك الكثير من الشكوك حول صحة الرئيس تبون (البالغ من العمر 75 سنة)، ومدى أهليَّته للاستمرار في الحكم. وقد جرت الأزمة الصحية التي تعرض لها الرئيس تبون في وضع استثنائي سياسيًّا واقتصاديًّا، وفي ظل تحولات إقليمية متسارعة. حيث غاب الرئيس تبون عن الاستفتاء الدستوري المنظم في 1 نوفمبر 2020، كما لم يتمكن من تدشين مسجد الجزائر الجامع، الذي كان مقررًا من قبلُ، ولم يواكب الأزمة العسكرية الحادة التي اندلعت إثر تحرير المغرب معبر الكركرات، الرابط بين موريتانيا والمغرب، وما تلاه من قرار جبهة البوليساريو استئناف الحرب في إقليم الصحراء. وهكذا دخلت الجزائر في مرحلة حرجة من مسارها السياسي، بعد أقل من سنة من انتخاب الرئيس تبون، الذي وصل إلى السلطة في 12 ديسمبر 2019، بعد شهور عاصفة من الحراك الاحتجاجي في الشارع. وتُعد أبرز مشاهد تلك المرحلة؛ أولا: تعطُّل مسار الإصلاح السياسي، الذي شكَّل أساس برنامج الرئيس تبون، الذي أعلن عنه في الدستور الجديد، الذي اعتَبره حجر الأساس للجمهورية الجديدة، الذي عُرض على الاستفتاء بتاريخ 1 نوفمبر 2020، الذي لم يُرضِ القوى السياسية الجزائرية بالأساس. وثانيًا: عودة الوجوه المقصاة سلفًا من المشهد السياسي من رموز النظام السابق، التي تعرضت للمحاكمة والسجن إثر استقالة الرئيس السابق بوتفليقة، ومن مظاهر هذه العودة المحتملة إلغاء المحكمة العليا في 18 نوفمبر أحكام المحكمة العسكرية ضد القائد السابق للمخابرات العسكرية توفيق بومدين وخليفته عثمان طرطاك، بعد اتهامهما بالتآمر ضد أمن الدولة، كما أن المحكمة العليا ألغت أحكام السجن السابقة ضد سعيد بوتفليقة (شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة)، والوزيرة السابقة لويزة حنون (حكم على كليهما سابقًا بـ 15 سنة نافذة من السجن)، ومن الواضح أن الرجوع عن الأحكام السابقة يمهد لنمط من عودة الوجوه القديمة إلى المشهد السياسي. وثالثًا: بروز تصدُّع واضح في المؤسسة العسكرية المهيمنة على القرار السياسي؛ فوفاة قائد أركان الجيش السابق أحمد قايد صالح، الذي قاد عملية تطهير الجيش، ورتَّب خلافة بوتفليقة، فتحت المجال للجنرال سعيد شنقريحة لتسلم قيادة الجيش، الذي أظهر في الأشهر الأولى من حكم تبون بعض العزوف عن التدخل في الشأن العام، إلا أنه بدأ يمارس علنًا الأدوار السياسية منذ اختفاء تبون لأسباب صحية، ويُعتقد أنه بدأ التحضير لتثبيت شبكته في مختلف مراكز المؤسسة العسكرية، وهناك معلومات عن صراع متزايد بينه وبين قائد الحرس الجمهوري، الفريق أول بن علي بن علي، الذي كان الوحيد من القيادات العسكرية الذي سلم من التصفية، ولا يزال يضطلع بنفس الوظيفة القيادية التي أُسندت إليه منذ عام 2015، رغم تقدمه في العمر (80 سنة)، الذي يُعتقد أن له شبكة قوية في أوساط المناطق العسكرية، كما أنه فتح قنوات مع الوجوه الفاعلة من المخابرات العسكرية التي أُقصيت في الفترة الأخيرة على يد قائد الأركان السابق قايد صالح. ورابعًا: تفاقُم الأزمة الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة؛ بسبب تراجع عائدات النفط وجائحة كورونا التي أضرَّت بالاقتصاد، مع رفع الجزائر مخصصات ميزانية التسلح التي زادت في السنة الجارية على 10 مليارات دولار؛ الأمر الذي تزامن مع الإصلاحات الدستورية التي سمحت للقوات الجزائرية بالتدخل خارج الحدود الوطنية، كما تزامن مع تحوير العقيدة الدفاعية الجزائرية من هدف حماية الحدود الجغرافية الوطنية إلى هدف حماية الحدود الأمنية للبلاد[24].
ووفقًا لكل ذلك؛ لا يبدو أن مشروع تبون في طريقه لتسوية الأزمة السياسية، وفي حال تردي حالته الصحية ستعود الجزائر إلى مشهد الجمود الذي قد يُصعِّد المأزق السياسي، ويُرجع البلاد إلى الحراك الاحتجاجي، الذي تراجع أساسًا نتيجةً لحالة الوباء الذي ضرب البلاد بقوة.
والسيناريو الأقوى هو استمرار الأزمة السياسية، وفشل إستراتيجية التهدئة والتسوية المؤقتة، وإن كانت عودة الحراك الاحتجاجي في حيويته السابقة غير متوقعة إلا بعد انقشاع الأزمة الصحية الحالية. وفي حال عجز الرئيس تبون الكلي، سواء بقي في السلطة أو تمت تنحيته، سيتزايد دور المؤسسة العسكرية في القرار السياسي، وستبرز الوجوه القيادية النافذة من الجيش بعد حسم أوجه الصراع، والتنافس بين مراكز الجيش المؤثرة. ومع أن عودة الحرب إلى منطقة الصحراء غير متوقعة، إلا أن اشتعال الأزمة يعزز دور المؤسسة العسكرية سياسيًّا، وهي التي تحتكر كل أوراق نزاع الصحراء.
اقليم تيجراى
استمرار المعارك في إقليم تيجراي، والأمم المتحدة تحذر:
أعلنت الأمم المتحدة الجمعة 4 ديسمبر، أن المعارك ما زالت مستمرة في أجزاء عدة من إقليم تيجراي الإثيوبي؛ ما يعقد إيصال المساعدات إلى المنطقة، رغم مرور نحو أسبوع على إعلان أديس أبابا انتهاء الحرب لصالحها. ويأتي ذلك بالتزامن مع مرور شهر على اندلاع النزاع في الإقليم، الواقع شمال البلاد، ووسط تأكيدات جديدة من قبل أديس أبابا بأن جبهة تحرير تيجراي تعيش لحظاتها الأخيرة، وبأن أغلب قادتها إما قُتلوا أو أُسروا.
ووقَّعت الأمم المتحدة مع الحكومة الإثيوبية الأربعاء 2 ديسمبر، اتفاقًا ينص على منحها ممرًّا إنسانيًّا بدون قيود في تيجراي، كانت تطالب به منذ عدة أسابيع، محذرةً من احتمال حصول كارثة إنسانية. وقد صرَّح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية سافيانو أبرو، بأن هناك معلومات تفيد بأن المعارك مستمرة في أجزاء عدة من تيجراي، وأشار إلى أن الأمم المتحدة تواصل التفاوض مع كافة أطراف النزاع. ويعني ذلك ضمنًًا أن قوات جبهة تحرير شعب تيجراي لا تزال تسيطر على بعض المناطق، أو أنها لا تزال ناشطة فيها.
ومنذ إطلاق العملية العسكرية، انقطعت الاتصالات بشكل كامل مع المنطقة، ولم تُستعد إلا بشكل جزئي في الأيام الأخيرة، والوصول إليها محدود جدًّا؛ ما يجعل من الصعب التعرف إلى حقيقة الوضع العسكري والإنساني داخل تيجراي. وإلى جانب القوات الفيدرالية، يُعتقد أن ميليشيات من عرقية الأمهرة الإثيوبية، وقوات من الجيش الإريتري تقاتل في الإقليم ضد جبهة التيجراي. وقد فر زعماء الجبهة الشعبية، الذين ظلوا يتمتعون بدعم شعبي قوي على مدى سنوات في الإقليم، إلى الجبال المحيطة فيما يبدو، وبدأوا مقاومة بأسلوب حرب العصابات. وقال دبرصيون جبرمكئيل، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وأحد أهم المطلوبين في إثيوبيا، لرويترز في رسالة نصية الجمعة 4 ديسمبر؛ إن هناك احتجاجات شعبية في مقلي التي يقطنها 500 ألف نسمة؛ بسبب عمليات نهب يقوم بها جنود إريتريون، واتهم مجددًا الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بإرسال جنود عبر الحدود لدعم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مواجهة الجبهة الشعبية؛ لكن إثيوبيا وإرتيريا نفتا ذلك.
ومما يثير قلق المنظمات الإنسانية وجود مئات الآلاف من اللاجئين الإريتريين، الفارين من نظام أسياس أفورقي في تيجراي؛ وهو ما ينذر بكارثة وسط التعتيم الإعلامي الكبير لما يجري هناك[25].
كينيا والصومال
عودة التوتر بين كينيا والصومال على خلفية النزاع الحدودي البحري بين البلدين:
استدعى الصومال في نوفمبر 2020 سفيره لدى كينيا، محمود ترسن؛ احتجاجًا على ما اعتبره تدخلات كينية في شؤونه الداخلية، حيث اتهمت الصومال كينيا بالضغط على رئيس إدارة إقليم جوبالاند المحلية لتنفيذ أجنداتها السياسية؛ وهو الأمر الذي قد يعرقل الاتفاقية السياسية حول الانتخابات المقبلة في البلاد، التي توصلت إليها الحكومة الصومالية مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية في سبتمبر الماضي. وجاء ذلك بعد تصريحات نائب رئيس كينيا، وليام روتو، حول استعداد كينيا للتعامل مع القيادة القادمة، في إشارته إلى الإطاحة بالقيادة الصومالية الحالية في الانتخابات المقبلة. وتقدم كينيا دعمًا لرئيس إقليم جوبالاند جنوبي الصومال، أحمد مدوبي، الذي لا تعترف به مقديشو، في ظل احتقان سياسي بين المعارضة والحكومة الصوماليتين. وفي أكتوبر 2020، كانت قد تقدمت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الصومالية، بشكوى رسمية، عن خرق المجال الجوي الصومالي إلى السفير الكيني في مقديشو، لوكاس تومبو. وسبق أن اتخذت كينيا مواقف تصعيدية ضد الصومال؛ حيث منعت الرحلات الجوية المباشرة بين مقديشو ونيروبي، وأوقفت منح تأشيرة دخول في المطار لجواز السفر الدبلوماسي الصومالي، بجانب إعادة 3 نواب صوماليين إلى بلدهم؛ لعدم امتلاكهم تأشيرات دخول. وتحدت نيروبي قرارات سيادية صومالية؛ حيث هبطت طائرة كينية، تقل معارضين سياسيين صوماليين، في مطار كسمايو، رغم حظر مقديشو الرحلات المباشرة بين مقديشو وكسمايو، في سبتمبر الماضي.[26] كل هذا على خلفية النزاع بين البلدين على الحدود البحرية بينهما، التي تحوي حقولا للنفط.