الحرب الباردة بين أنقرة وتل أبيب.. ماذا تخفي تصريحات أردوغان حول العلاقة مع إسرائيل؟

 

 

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن العلاقات الاستخباراتية بين بلاده وإسرائيل لم تنقطع، وإن مشكلة أنقرة مع بعض الأشخاص الموجودين في هرم السلطة الإسرائيلية.وأوضح في تصريحات صحفية في إسطنبول، عقب أدائه صلاة الجمعة، أن سياسات إسرائيل تجاه فلسطين غير مقبولة لأنها لا تتوافق مع مفاهيم العدالة، وفق تعبيره.  وتابع: السياسة تجاه فلسطين خط أحمر بالنسبة لنا. من المستحيل أن نقبل السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين. تصرفاتهم التي تفتقر إلى الرحمة هناك غير مقبولة. وأكد أردوغان أنه لولا تلك القضية لكانت العلاقة بين بلاده والاحتلال في مكان أخر.

وتوترت العلاقة بين أنقرة وتل أبيب منذ الهجوم الإسرائيلي على “أسطول الحريّة” مما تسبب بمقتل مواطنين أتراك عام 2010، وتبادل الجانبان طرد السفراء عام 2018 بسبب عدوان إسرائيلي في غزة قتلت خلاله القوات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين على الحدود مع قطاع غزة، ولكن التجارة بين الطرفين تواصلت دون انقطاع. ومضى يقول “لو لم تكن هناك قضايا على أعلى المستويات لكانت علاقاتنا مختلفة تماما.. نريد أن نصل بعلاقاتنا إلى نقطة أفضل.

حالة جدل كبير حدثت بعد أنصار الربيع العربي الذي يتصدره محور تركيا وقطر والجماعات الإسلامية، في مواجهة حلفاء الثورة المضادة الذين ربطوا تصريحات أردوغان بالتطبيع العربي الذي تشهده المنطقة في الأسابيع الماضية، بقيادة الإمارات.

يبحث هذا التقرير أبعاد تلك التصريحات، وأسبابها، ومآلاتها على القضية الفلسطينية، التي يعاني أهلها.

 

الصراع الهادئ على الغاز:

في مثل تلك الأيام في العام الماضي، صادق  وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس، على قرار يسمح للشركات الإسرائيلية تصدير الغاز الطبيعي من الحقول قبالة شواطئ إسرائيل إلى مصر، على أن يكون بدء التصدير بحلول يناير الماضي.

ويشمل المشروع الذي أقر بموجب اتفاقية وقعها وزير الطاقة الإسرائيلي مع نظيريه القبرصي واليوناني والسفير الإيطالي في قبرص في ديسمبر 2017، مد أنبوب في أعماق البحر المتوسط بطول 1300 كيلومتر من حقلي “ليفياتان” و”تمار” الإسرائيليين شرقي المتوسط حتى جنوب اليونان.

ويضاف هذا المشروع البحري إلى خط أنبوب بري بطول 600 كيلومتر باتجاه غرب اليونان، بحيث يرتبط بشبكة أنابيب قائمة وصولا إلى دول أوروبية وجنوب إيطاليا، ويتوقع أن ينقل نحو 10 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

وبالرغم من ذلك، تسعى إسرائيل التي ما زالت تلتزم الصمت للحفاظ على الهدوء لتجنب تدهور العلاقات مع أنقرة، حيث نقلت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية عن مصادر حكومية رفيعة المستوى بتل أبيب قولها “إسرائيل ليس لديها صراع مع تركيا. مشروع خط أنابيب الغاز له أهمية إستراتيجية بالنسبة لأوروبا، وهو مهم لإسرائيل أيضا، مضيفًا أنه لدينا تعاون ممتاز مع اليونان وقبرص ومصر، حول مشروع خط أنابيب الغاز، وسيكون من دواعي سرورنا إذا كانت تركيا تريد المشاركة فيها أيضا.

وكان ظاهرًا أن إسرائيل ليست لديها رغبة في مواجهة مع تركيا بشأن المياه الاقتصادية لشرق البحر المتوسط، ولذلك فالمحادثات ظلت مستمرة طوال الفترة الماضية، وهو ما أكده الرئيس التركي، من عدم انقطاع الاتصالات الاستخباراتية بين أنقرة وتل أبيب.

الحقيقة أن إسرائيل لم تنجذب إلى الصراع الإقليمي الناشئ في الشرق الأوسط بين تركيا واليونان ومصر وقبرص؟ ولكنه استبعد أن تتحول إسرائيل لمحور الصراع على غاز شرق المتوسط، رغم أنها ستبقى تحرك وتأجج الصراع مع تركيا من وراء الكواليس بما يتماشى مع مصالحها الإقليمية.

وفي معركة صراع النفوذ والقوة المشتعلة بهدوء بين إسرائيل وتركيا في الشرق الأوسط، إنه حتى بدون الاتفاق الذي تم على ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، لا يمكن لتل أبيب مد خط أنبوب الغاز وتدشين مشروعها دون موافقة تركيا، كونها الدولة الساحلية.

ناهيك أن مشروع خط الغاز تعارضه روسيا بشدة كونها تريد ضمان استمرار اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي.

ويرى خبير الطاقة أن المصلحة الإسرائيلية في هذه المرحلة تقتضي عدم الانجرار إلى الصراع بين الرئيس رجب طيب أردوغان والنظام في مصر واليونان وقبرص، لافتا إلى أن الانزلاق للصراع من شأنه أن يعرض طرق التجارة البحرية الإسرائيلية للخطر، حيث تجد إسرائيل نفسها بمشكلة شائكة ومعضلة كون الغالبية العظمى من التجارة الإسرائيلية، من الداخل والخارج، تمر عبر البحر المتوسط، لذا يجب على إسرائيل أن تدرس بعناية خطواتها في هذا الصراع.

المحصلة، أن ممارسات ومشاريع تركيا بالعقد الأخير تشير إلى مخطط أنقرة السيطرة والهيمنة على مياه البحر المتوسط، إلى أن اتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا يعتبر بالنسبة لتركيا وسيلة لبسط نفوذها مجددا وخطف أوراق القوة. وتدرك تل أبيب أن أنقرة تهدف للتوسع الإقليمي والبحري إلى جانب تعزيز وتعاظم البحرية التركية الأمر الذي يشكل تحديا لإسرائيل وحلفائها لسنوات قادمة.

 

التأثير على فلسطين:

لا يخفي على أحد أن أردوغان في ذروة علاقة بلاده بتل أبيب، رفض الحصار الذي فرض على قطاع غزة، وقادت بلاده أسطولًا لدعم صمود الفلسطينين، سمي بأسطول الحرية، وأدى لمقتل عدد من الأتراك وأدى إلى حدوث أزمة سياسية بين البلدين، مازالت أثارها مستمرة حتى يومنا هذا، لذلك فدعم أنقرة للقضية الفلسطينية قائم وفي تزايد في عهد حكومة العدالة والتنمية، إلا أن تداخل المصالح وتعقد المسائل في الشرق الأوسط تجبر الجميع على العودة للمفاوضات، بل أن الحرب بين حماس وإسرائيل، لم تمنع من حدوث اتصالات بصورة مباشرة وغير مباشرة لمناقشة بعض القضايا كملفات الأسرى ووسائل تخفيف حدة الحصار.

يمكن نقد تحركات أنقرة لو أدت إلى حدوث تحولًا جوهريًا في الموقف من القضية الفلسطينية، وهو ما لم يحدث، بل أن هناك عدد كبير من قادة حماس يقيمون في اسطنبول، ويتحركون بحرية، ولم يتم التفاوض بشأنهم. وفي أغسطس الماضي، اتهمت إسرائيل تركيا بمنح جوازات سفر لنحو 10 من أعضاء حركة حماس في إسطنبول، ووصفت ذلك بأنها “خطوة غير ودية للغاية” ستثيرها الحكومة مع المسؤولين الأتراك.[1]

بل أن أردوغان أكد على قضية فلسطين هي الأزمة الجوهرية مع تل أبيب، وانه لولا الطريقة التي يتعامل بها الاحتلال مع الفلسطينين لكانت العلاقات بينهما في مكان أخر[2]، وربما تسهم التفاهمات بين أنقرة وتل ابيب على تخفيف حدة الحصار على غزة، وتهدئة حدة القرارات الصعبة التي اتخذت من جانب إسرائيل في فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.

نستنتج مما سبق، أنه الاتصالات بين أنقرة وتل ابيب على المستوى الاستخباراتي الأعلي لم تتوقف، نظرًا لحرص الأخيرة على العلاقة مع أنقرة، بل أن تل أبيب لم تهاجم السياسة التركية في شرق المتوسط رغم تأثيرها السلبي على إسرائيل. من جهة أخرى، أعاد أردوغان قضية فلسطين في محورية الصراع مع تل أبيب، ليضيف بعدًا هامًا في معادلة التفاوضات والمحادثات بين إسرائيل وتركيا حول ملف الغاز، بحيث يتمكن المفاوض التركي من جلب بعض المكاسب للفلسطينين الذين يعانون في تلك الأيام.

إن التعاطي مع التصريحات من باب الإنكار التام، سيضع صاحبه في حرج لو حدث وعادت العلاقات بصورة طبيعية، والأقرب للواقع أنها تتجه لذلك، بل الأوجب أن يتم بحيث السياق الكلي لها، والنظر إلى مكاسب وتحدياتها، في بيئة ساخنة لا تتوقف فيها المستجدات، وبالتالي فالنظر إلى السياسة من ثنائية أبيض وأسود أو معنا أو ضدنا، هي ثنائية سطحية لن تمكننا من حسن قراءة الواقع، بل الأقرب للمنطق هو بحث الأسباب والأبعاد التي تدفع نحو تبني طريق دون آخر، مع النظر في مآلات كل سيناريو.

——————

[1] العلاقات الاستخبارية لم تنقطع.. أردوغان: نأمل بعلاقات أفضل مع إسرائيل ولن نقبل سياستهم تجاه فلسطين، الجزيرة، 25/12/2020، الرابط:

[2] أردوغان: خلافنا مع إسرائيل يحول دون تحسن العلاقات، القدس العربي، 25/12/2020، الرابط:

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022