تأسست مجموعة دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيقاد) في عام 1985 لمكافحة الجفاف والتصحر من دول «الصومال، وجيبوتي، وكينيا، وأوغندا، وإثيوبيا، وإريتريا»، ثم توسَّعت مهامها لاحقًا لتتضمن التنمية، ويترأس رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الدورة الحالية للمنظمة الإقليمية. وانطلقت فعاليات القمة الاستثنائية الطارئة ال 38 لرؤساء دول وحكومات الإيقاد بجيبوتي مقر الهيئة، يوم الأحد 20 ديسمبر 2020. وانعقدت القمة برئاسة السودان وبحضور قادة كلٍّ من نائب رئيس جنوب السودان ربيكا دينق، واسماعيل عمر جيله رئيس جيبوتي، وآبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، ورئيس الصومال محمد عبدالله فرمانجو، والرئيس الكيني اهورو كنياتا، وبحضور مفوض السلم والأمن الإفريقي موسى فكي، بينما غاب عن الجلسة يوري موسيفيني رئيس اوغندا، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي الذي لطالما غاب عن جلسات الايقاد. وتنعقد القمة في أجواء يشوبها التوتر والخلاف بين دول شرق إفريقيا، وهذا ما يُكسبها أهمية أكبر، لأن ما يتمخض عنها سينعكس على عدد من الملفات والقضايا العالقة بين بلدان شرق القارة السمراء. فماذا كانت أهداف القمة؟ وما هي القضايا التي تم طرحها؟ وماذا كانت نتائجها؟ وكيف يُمكن تقييمها؟ تلك هي التساؤلات التي ستسعى تلك الورقة للإجابة عليها خلال السطور القليلة القادمة..
أهداف القمة والقضايا المطروحة خلالها: افتتح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الرئيس الحالي لمنظمة الإيقاد الجلسة الافتتاحية للقمة، وأكد في البيان الافتتاحي على أهمية السعي للتسوية السلمية للنزاعات من خلال الحوار حفاظًا على السلام والاستقرار والأمن الإقليميين. وقال إن القمة تتيح الفرصة لمعالجة المسائل العاجلة، لا سيما التطورات الحالية في المنطقة. فمثلًا على المستوى الاقتصادي؛ تمت الإشارة إلى: جائحة كورونا وآثارها السلبية على حياة وسُبُل عيش شعوب المنطقة، والخطر الذي يُمثله الجراد الصحراوي، والذي ورغم انحساره في الوقت الحالي، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدًا يلوح في الأفق على دول المنطقة. هذا بالإضافة إلى ما تُظهره البيانات والتنبؤات طويلة الأجل الصادرة عن مركز رصد المناخ بالإيقاد عن كون الجفاف الشديد الذي يعقبه فيضانات واسعة النطاق تتجه -ولو كان ببطء- لتصبح القاعدة في المنطقة، وما تحمله هذه التهديدات من تأثيرات كبيرة على الوضع المستقبلي للشؤون الإنسانية والأمنية والتنموية لدول الإيقاد. وعلى المستوى السياسي؛ تم التأكيد على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء؛ ولكن مع السعي للتسوية السلمية للنزاعات من خلال الحوار حفاظًا على السلام والاستقرار والأمن الإقليميين. وفي هذا الإطار؛ تمت الإشارة إلى ضرورة مناقشة التطورات الأخيرة في إثيوبيا، وآخر المستجدات بشأن سير وتطور عملية السلام الجارية في جنوب السودان، والعملية الانتقالية في السودان، والانتخابات الصومالية، والصراع الصومالي- الكيني. كما تم التأكيد على حاجة الهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد) والمجتمع الدولي، لتعزيز التعاون الثنائي والمشترك بينهم.[1]
نتائج القمة: أشادت القمة بالمرحلة التي وصلها تطبيق اتفاقية السلام في جنوب السودان، بالتوافق على تعيين حكام الولايات، وأصدرت قرارها بفك حظر السفر الذي فرضته المنظمة على النائب الأول لرئيس جنوب السودان رياك مشار إبان الحرب الأهلية، وأكَّدت حقه في حرية الحركة. وكانت الإيقاد قد فرضت حظر سفر وتحرك على مشار، للحد مما أسمته قدرته على تحريض شعبه إبان الحرب الأهلية بينه وبين رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، قبل أن تفلح الوساطة الإفريقية في توقيع الطرفين على اتفاق سلام، تقاسم بموجبه الرجلان السلطة، وصعد مشار لمنصب النائب الأول في جنوب السودان. كما نجحت القمة في تهدئة الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا، وتوصَّلت لخطوات متقدمة للمصالحة بين البلدين، وتركت إعلان تفاصيلها لكل من البلدين. هذا ولم تتناول القمة الوضع على الحدود بين السودان وإثيوبيا ضمن أجندة أعمالها، حيث اكتفى الطرفان بإثارة الأمر في لقاء ثنائي بين رئيسي الوزراء عبد الله حمدوك وآبي أحمد، اتفقا خلاله على عودة لجنة الحدود المشتركة لاستهلال أعمالها، بوصول الطرف الإثيوبي منها للخرطوم يوم الثلاثاء 22 ديسمبر لبحث الأزمة. وقدَّم آبي أحمد للمؤتمر إحاطة بنهاية الحرب في إقليم تيجراي بشرق إثيوبيا وفقًا لحكومته، كما أكد على أولوية النظام الدستوري والاستقرار والوحدة في إثيوبيا. وجاء في البيان الختامي للقمة أن قادة دول الإيقاد أكدوا على أهمية التقدم على طريق التحول الديمقراطي الذي يشهده السودان، وتوقيع اتفاقية السلام في جوبا، ودعوا الأطراف لإكمال هياكل الحكم الانتقالي، بإنشاء المجلس التشريعي الانتقالي دون مزيد من التأخير. وناشد البيان المجتمع الدولي لتسريع عملية إعفاء ديون السودان، عقب شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما يُمكِّنه من الحصول على ائتمان إنمائي من مؤسسات التمويل الدولية يمهد لانتعاش اقتصاده. وأشاد بدعم الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية الإيقاد للاستجابة لجائحة كوفيد-19، والتركيز على الفئات الضعيفة من السكان في المناطق العابرة للحدود والنقاط التجارية ومراكز الهجرة ومخيمات اللاجئين والمجتمعات المضيفة. ودعت الهيئة لتكاتف المجتمع الدولي لضمان التوزيع العادل المنصف في الوقت المناسب للقاح كورونا المأمون ميسور التكلفة، وعدم ترك البلدان الإفريقية تتأخر في الحصول عليه، ووجَّهت الدول المعنية بالتنمية لدعم جهود الإيقاد في التسجيل بمبادرة لقاح كورونا، لضمان المساواة في الحصول عليه، لا سيما للفئات الضعيفة.[2] كما رحبت القمة بسماح الحكومة الإثيوبية بوصول المساعدات الإنسانية.[3]
الاجتماع السوداني- الإثيوبي على هامش القمة: عقد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، قمة ثنائية على هامش اجتماعات القمة الاستثنائية للهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد). وكان الهدف من القمة الثنائية هو مناقشة القضايا الثنائية بين البلدين، ومتابعة ما تم بحثه في القمة السابقة بين السودان وإثيوبيا. ووصل حمدوك إلى جيبوتي السبت 19 ديسمبر، للمشاركة في الدورة الحالية لمنظمة الإيقاد في جيبوتي، التي انعقدت يوم الأحد. ويُذكر أن 4 عسكريين سودانيين قُتلوا في مواجهات مع ميليشيات مسلحة إثيوبية، الأسبوع الماضي، على الشريط الحدودي بين البلدين، وعلى إثر الحادث، زار رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان الحدود الإثيوبية. وأعلن الجيش السوداني، أنه أرسل تعزيزات كبيرة للحدود مع إثيوبيا بعد مقتل عدد من جنوده، كما تقدَّمت الخرطوم بشكوى للاتحاد الإفريقي ومنظمة إيقاد بشأن الاعتداءات الإثيوبية. وقال الجيش السوداني، في بيان له أنه يتم التواصل مع أديس أبابا لوقف الاعتداءات من ميليشيات وقوات إثيوبية، أنه سيتصدى بقوة لأي محاولات عسكرية لاختراق حدوده، بينما أكد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في تعليقه على الهجوم، أن الحادث الذي شاركت فيه ميليشيا محلية على الحدود مع السودان لن يؤثر على العلاقات بين البلدين.[4]
الخُلاصة: انطلقت قمة دول الإيقاد الاستثنائية في وقت تمر به دول المنظمة بموجة من التوترات، التي قد تؤثر على مُستقبل المنطقة ككل. وفي ظل هذا الوضع قد تكون نتائج القمة هامة على المستوى الاقتصادي؛ لاسيما فيما يخص التعامل مع جائحة كوفيد- 19. إلا أنها على المستوى السياسي؛ ربما تكون غير مُؤثرة إلى حدٍّ كبير. فمن ناحية الصراع الصومالي- الكيني لا يقف عند حد الأزمة الديبلوماسية؛ وإنما يمتد لمشكلات أعمق من ذلك في ظل قرب الانتخابات الصومالية، وتورط الحكومة الكينية في دعم المعارضة في الصومال، بالإضافة إلى الانقسامات في الداخل الصومالي، وتأجيل جلسة المحكمة الدولية للبت في الأزمة. كما أن الصراع في الداخل الإثيوبي لازال في واقعه على الأرض؛ يختلف عمَّا تُروّج له الحكومة الإثيوبية، حيث انتقل إلى مرحلة أعمق وأعقد. وكذلك الوضع في الداخل السوداني يتجه للتعقيد؛ لاسيما في ظل عدم توقيع كافة القوى على اتفاق جوبا. وهكذا يبقى الوضع في منطقة القرن الإفريقي في توتر؛ ربما يكون طويل الأمد.
—————————-
[1] “البيان الافتتاحي لرئيس الوزراء في قمة الايقاد”، وكالة السودان للأنباء- سونا، 20/12/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/rfHlb
[2] أحمد يونس، “قمة «إيقاد» تهدئ النزاع الصومالي – الكيني وترفع الحظر عن مشار”، الشرق الأوسط، 22/12/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/i8oTA
[3] بكري عبد الرحمن، “نجاح نسبي لقمة الإيقاد”، فيس بوك، 21/12/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/HL7aI
[4] “آبي أحمد يلتقي حمدوك على هامش قمة “الإيقاد” الاستثنائية”، عربي Sputnik، 20/12/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/OQwUo