مصادرة أموال جماعة الإخوان القصة والدلالات وردود الأفعال

بعد حكم محكمة الأمور المستعجلة، السلطات المصرية ومصادرة أموال جماعة الإخوان

القصة والدلالات وردود الأفعال

 

قضت محكمة الأمور المستعجلة، بمحافظة القاهرة، بقبول الدعوة المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، ومن بين من شملهم الحكم: مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ومفتي الجماعة عبدالرحمن البر، ومحمد البلتاجي، وباسم عودة، وأسامة ياسين وزيري التموين والرياضة في عهد الرئيس مرسي،  إضافة إلى ورثة الرئيس المصري، وهم زوجته نجلاء علي محمود وأبناؤه أحمد وشيماء وأسامة وعمر[1].

نحاول في هذه السطور تتبع سيرة تعامل النظام المصري مع المكون الاقتصادي في جماعة الإخوان المسلمين، وذلك على الصعيد التشريعي من خلال قانون الكيانات الإرهابية، أو على الجانب التنظيمي من خلال لجنة “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”، التي شهدت تطويرات بدورها بمرور الوقت.

كما نقف على التطورات الأخيرة بالملف، من خلال معرفة تفاصيل القضية التي انتهت بالحكم الذي أصدرته “محكمة الأمور المستعجلة”، بمحافظة القاهرة، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، ونجيب على التساؤلات الخاصة بدلالة هذا الحكم في ذلك التوقيت، وردود الفعل الذي أثارته.

بداية القصة:

بدأت السلطات المصرية التعامل مع ملف إقتصاد الجماعة في سبتمبر 2013؛ عندما أصدرت “محكمة القاهرة للأمور المستعجلة” حكما بـ “حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأية مؤسسة متفرعة عنها، أو تابعة لها، والتحفظ على جميع أموالها العقارية والسائلة والمنقولة”، وبناءً على هذا الحكم القضائي قامت الحكومة المصرية في يناير 2014، بتكوين “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”، والتي أصدرت قرارات بالتحفظ ضد أكثر من 1538 شخص، كما شملت 118 شركة متنوعة النشاط، و1133 جمعية أهلية، و104مدارس، و69 مستشفى، و33 موقعاً إلكترونياً، وقناة فضائية، وذلك على مدى الأعوام الماضية، بتهمة تمويل الجماعة، وإن كانت هذه الارقام تقريبية، فلم تصدر تقديرات رسمية عما تم التحفظ عليه خلال هذه السنوات[2].

وقد واصلت اللجنة المذكورة عملها، حتى كان الثاني والعشرين من أبريل 2018، وفيه صدق السيسي على القانون رقم 22 لسنة 2018، الذي ينظم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الكيانات والشخصيات المصنفة “إرهابية”، جاء التصديق بعد أن وافق البرلمان المصري على القانون ذاته، بأغلبية الحضور في السابع عشر من الشهر ذاته، وقد نص القانون على؛ (1) إنشاء لجنة مستقلة، تتشكل من قضاة، تختص دون غيرها باتخاذ جميع الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائيةالصادرة باعتبار جماعة أو شخص ينتمي إلى جماعة أو جماعات إرهابية. (2) تتشكل هذه اللجنة من 7 أعضاء من بين قضاة محاكم الاستئناف، على أن يكون كل منهم بدرجة رئيس استئناف، يرشحهم وزير العدل، ويصدر بندبهم قرار من رئيس الجمهورية، بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، لمدة سنة قابلة للتجديد، وتكون رئاستها لأقدم الأعضاء. (3) تتولى اللجنة تنفيذ الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، حيث تجري حصراً للأموال الخاصة بجميع هذه الأحكام، أياً كانت صورتها، ولها اتخاذ جميع الإجراءات التي تكشف عنها، والاستعانة بجميع الجهات التي ترى الاستعانة بها في هذا الشأن[3]، وبذلك تحل هذه اللجنة القضائية الجديدة محل اللجنة الحكومية التي تشكلت في سبتمبر 2013، تحت اسم “لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان الإرهابية”. (4) بينما كانت اللجنة القديمة معنية بحصر وإدارة أموال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فقط، فإن اللجنة المستحدثة ستكون معنية بالشأن ذاته لكن لكل من يصنفه القضاء كـ”إرهابي أو ككيان إرهابي”[4].

تطورات تعاطي الحكومة مع ملف الأموال المصادرة:

سبب هذا التحول من لجنة الحصر الحكومية التي تشكلت في سبتمبر، إلى اللجنة الجديدة المكونة من قضاة، فهو رغبة النظام في توسيع عمل اللجنة، من إدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين المتحفظ عليها، ليصبح عملها تنفيذ إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الكيانات والشخصيات التي يصنفها القضاء المصري “إرهابية”، ولأن اللجنة القديمة كان ينظر إليها باعتبارها لجنة إدارية/ حكومية وليس لها مسوغ قضائي، في حين اللجنة الجديدة تتكون من قضاة، بل من رؤساء محاكم استئناف[5].

في نفس العام الذي تم فيه تشكيل اللجنة الجديدة، قام رئيس اللجنة المذكورة برفع دعوى، عام 2018، أمام محكمة الأمور المستعجلة، طالب فيها بتمكين اللجنة من التصرف في أموال بعض قيادات “الإخوان” ونقلها إلى الخزينة العامة، وشملت الدعوى قائمة بـ 89 قيادياً من تنظيم الإخوان، ومن ثم قضت محكمة الأمور المستعجلة، بمحافظة القاهرة، بقبول الدعوة المقامة من لجنة التحفظ على أموال الإخوان، بالتحفظ على أموال 89 من قيادات وكوادر الجماعة، وورثة الرئيس الراحل محمد مرسي، ونقلها لخزينة الدولة، وقد استندت المحكمة في حكمها والذى يعد الأول من نوعه، على نص المادة 11 من القانون رقم 22 لسنة 2018، والذي ينص على أنه «مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائيًا التصرف فى الأموال محل التحفظ على النحو المبين فى القانون المدنى والمرافعات المدنية والتجارية متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف فى المال، وذلك بنقل ملكيته إلى الخزانة العامة بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة التصرف فى المال»[6].

يبقى من المتوقع أن يطعن محامو الإخوان بالحكم، وفي حال حكمت محكمة النقض برفض الطعن وتأكيد الحكم، فسيتم تحويل الأموال المصادرة إلى خزينة الدولة، وتصبح مالاً عامّاً[7].

ردود الأفعال التي أثارها الحكم القضائي الآخير:

من جانبها، قال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، طلعت فهمي، في تصريحات متلفزة، أن مصادرة أموال 89 من قيادات الجماعة المحبوسين وورثة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي، «مكايدة سياسية، وظلم وانتقام من الفصيل الأكبر لدوره في ثورة يناير»، وأضاف مستنكراً، أن «الذين قامت على أيديهم الثورة يُحاكمون وتصادر أموالهم ومن ثبتت إدانتهم وتكسبهم غير المشروع ينعمون الآن بالحرية والأموال»[8].

في المقابل أعرب متابعون يتبنون وجهة نظر السلطات المصرية عن تأييدهم للحكم الأخير باعتباره «خطوة تمثل عنصرا مهما في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، ويفكك الارتباط بين جماعة الإخوان الإرهابية وقياداتها وأعضائها، والمشاركين معهم في شبكات الأموال والأعمال من غير المنتمين للجماعة أو حتى غير الذين يحملون الجنسية المصرية، وأن مصادرة أموال الجماعة الإرهابية سيساعد في وقف تمويل العمليات الإرهابية أو أي أنشطة مشبوهة أخرى، قد يتم تنفيذها داخل مصر أو خارجها[9]».

بينما اختلفت تقييمات المتابعين المحسوبين على المعارضة حول مدى دستورية هذه الأحكام؛ فمن جهة كان هناك من اعتبر هذه الأحكام مخالفة للدستور، وعلى وجه التعيين مخالفة للمادة 35 من الدستور، والتي تنص على أن «الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدما وفقا للقانون»، في المقابل هناك من اعتبر أن الأحكام من الناحية الصورية صحيحة، لكنها تبقى غير عادلة، وأن السلطات المصرية تعتمد على منظومة قانونية يرأسها مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية اللواء ممدوح شاهين وهي أخطر من ترزية قوانين عهد مبارك، وأن تلك المنظومة عملت على تفصيل قوانين تفتقد لكل قواعد العدل وأسس القانون وجعلوها تحيط بالمعارضين من كل جانب، أولا: باختيار دوائر جنائية معينة موالية للسيسي وحاقدة على الإسلاميين والمعارضين، بالمخالفة لقواعد العمل القضائي، ثانياً: تلفيق القضايا بتهم كيدية ووقائع ملفقة وإصدار أحكام جنائية تفتقد لأبسط قواعد العدل والقانون، وتخالف بوضوح ما استقر عليه قضاء النقض الجنائي، ثالثا: وصف الجرائم بالإرهاب زورا، وتفصيل قوانين الكيانات الإرهابية، ووضع الأشخاص المتهمين في القضايا الملفقة بتلك الكيانات، وتفصيل قوانين بالتحفظ ومصادرة أموال المتهمين بالقضايا الإرهابية، وعمل شكل قانوني للطعن نتائجه لا تتعدى 1% للتجميل القانوني”[10].

الخاتمة.. دلالات الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة الأمور المستعجلة:

  • الحكم يحمل رسالة ضمنية أكثر من كونه خسارة حقيقية؛ ففي النهاية أموال هذه الشخصيات الـ 89 موضوعة تحت التحفظ منذ 2013، لكن المقصود من الحكم التأكيد على تبني الدولة لمسار المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين.
  • جاء الحكم أبان المصالحة الخليجية بين دول الحصار وقطر، وبالتالي قد يكون هدف الحكم الرد على أية توقع بأن تكون المصالحة مع قطر خطوة تمهد في مرحلة تالية للتصالح بين جماعة الإخوان والسلطات المصرية.
  • الحكم قد يكون محاولة من السلطات المصرية أن تقنن تعاطيها مع ملف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وبالتالي تقطع الطريق ضد أية محاولة لتقديم سياسات السلطات المصرية ضد تنظيم الإخوان باعتبارها إجراءات وسياسات استثنائية وغير قانونية، وذلك استعداداً لوصول جو بايدن للبيت الأبيض.

قامت استراتيجية السلطات المصرية في تعاملها مع أموال وممتلكات جماعة الإخوان المسلمين، ومع أموال وممتلكات أعضائها وكوادرها، على جانبين؛ الجانب الأول: هو إصدار التشريعات التي تقنن وتبرر قيام الحكومة بالحجز والتحفظ على أموال الجماعة وكوادرها، وتوفر للسلطة القضائية القوانين والتشريعات التي تعتمد عليها في إصدار أحكامها في حال لجأت الجماعة وعناصرها للقضاء، وفي هذا الإطار أصدرت السلطات المصرية قانون الكيانات الإرهابية، والذي شهد عدة تعديلات بمرور الوقت، كان أخرها التعديل الذي صدق عليه السيسي، في 3 مارس 2020[11]، والذي تضمن على أن «مصادرة وتجميد أموال وممتلكات المدرجين على قوائم الإرهاب حتى لو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي»، وعلى أن مصادرة أموال المدرجين على قوائم الإرهابيين: الملكيات الخاصة؛ مثل محل السكن والسيارة والمشغولات الذهبية والأموال السائلة في المنزل، إلى جانب الحسابات الموجودة في البنوك، والأصول الثابتة: «الشركات والمحلات والاستثمارات»[12].

الجانب الآخر: هو الجانب التنظيمي المتعلق بالمؤسسات المسئولة عن التعامل مع ملف أموال جماعة الإخوان المسلمين، والذي تطور ليصبح مسئول عن التعامل مع الملكيات الخاصة لكل من يصنفه القضاء المصري بأنه إرهابياً سواء كان فرد أو مجموعة أو كيان.

وبعد صدور القانون رقم 22 لسنة 2018، صار من الممكن أن يتم الاستيلاء نهائياً على الممتلكات المتحفظ عليها ونلقها نهائياً لخزانة الدولة؛ لذلك فقد كان تعليق المحاميي نجاد البرعي على التعديلات الأخيرة التي صدق عليها السيسي في 3 مارس 2020، بأنها «تعبّر عن رغبة الدولة في إنهاء ملف أموال الإخوان وضمها لخزينة الدولة في أسرع وقت، والتخلص من القيود التي تفرضها محكمة النقض على مسألة الإدراج على قوائم الإرهاب[13]».

 

[1] الجزيرة نت، بينهم المرشد ونائبه والبلتاجي وورثة مرسي.. حكم بمصادرة أموال العشرات من قادة الإخوان بمصر، 18 يناير 2021، الرابط:

[2] الحرة العراقية، محكمة مصرية تقضي بمصادرة أموال 89 من قادة الإخوان، 17 يناير 2021، الرابط: http://arbne.ws/3iwuJ5L

[3] الجريدة الرسمية، العدد 16 (مكرر)، السنة الحادية والستون، قانون رقم 22 لسنة 2018، بتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، تاريخ: 21 أبريل 2018.

[4] الأناضول، مصر تقر قانونا لمصادرة أموال من يصنفهم القضاء “إرهابيين”، 22 أبريل 2018، الرابط:

[5] طارق أبو السعد، ضربة مالية جديدة لتنظيم الإخوان المسلمين.. الدلالات والتوقيت، حفريات، 18 يناير 2021، الرابط:

[6] إبراهيم قاسم – كريم صبحي، أسباب أول حكم قضائى بنقل ملكية أموال 89 من قيادات الإخوان لخزانة الدولة، اليوم السابع، 17 يناير 2021، الرابط:

[7] المرجع السابق.

[8] الأناضول، إخوان مصر: مصادرة أموال القيادات “انتقام ومكايدة”، 18 يناير 2021، الرابط:

[9] العرب مباشر، خبراء: مصادرة أموال الإخوان في مصر سيؤثر على تحركاتهم في الخارج، 18 يناير 2021، الرابط:

[10] محمد مغاور، هل خالف السيسي الدستور بنقل أموال 89 من الإسلاميين للدولة؟، عربي 21، 18 يناير 2021، الرابط:

[11] منشورات قانونية، قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015، الرابط: أنظر أيضا: العربي الجديد، النواب المصري يقر تعديلات قانون تنظيم الكيانات الإرهابية، 24 فبراير 2020، الرابط: http://bit.ly/35YmZnW

[12] مدى مصر، انتظارًا لزيارة «السيسي».. توقعات بتمرير «نواب جبالي» لائحة «الشيوخ» التي أوقفها «عبد العال» اعتراضًا على «مكافأة الرئيس والوكيلين» | أموال قيادات «الإخوان» فى خزينة الدولة، 18 يناير 2021، الرابط: http://bit.ly/39J5Nnm

[13] المرجع السابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022