الاتفاق النووي… بين الوساطة الأوروبية وحدود التغير في الموقف الأمريكي

 

 

عادت التحليلات الخاصة بالعلاقات الأمريكية الإيرانية للتصدر مجددًا، في محاولة لاستشراف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للتعامل مع ملف الاتفاق النووي.

يواجه الرئيس الأمريكي الجديد حالة ضغط متزايد من الداخل ومن حلفائه وفي الخارج، وقد حاول طمأنتهم بتصريحه المباشر بأن العودة للاتفاق النووي يجب أن تبدأ بتوقف أنشطة طهران التخريبية والتي تدمر الاستقرار في المنطقة.

مازالت الأمور غامضة رغم التحرك الذي احدثته أوروبا في اعلان قيادتها للوساطة بين طهران وواشنطن في اعادة العمل الدبلوماسي لحل المشاكل العالقة بينهم.

يبحث هذا التقرير أبرز رسائل جو بايدن التي وجهها لطهران، وكيف ردت الأخيرة عليها، وما هي أبرز التحديات التي تواجه الوساطة الأوروبية من جهة، واستراتيجية إدارة بايدن لمواجهة التهديدات المتعددة التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

بايدن يسير على خطى ترامب في شروطه ضد طهران:

تصر إيران على فصل الملف النووي عن بقية ملفات المنطقة، وهذا هو أصل المشكلة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي قرّر في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق الذي وقعه سلفه بارك أوباما مع طهران في عام 2015. وطرح ترامب صيغة من أجل اتفاق جديد، يقوم على وقف نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما رفضته طهران، وتواصل اليوم سياسة رفض التفاوض على اتفاق جديد، طرحت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إطاره الذي لا يبتعد كثيرا عن شروط ترامب، ويؤكّد على نقطتي وقف النشاطات المزعزعة للاستقرار، وإشراك أطراف إقليمية في الاتفاق، ومنها السعودية وإسرائيل. وهو ما ردّت عليه طهران بالرفض، وقالت صراحة إنها لن تجلس على طاولة المفاوضات مع الرياض من أجل التفاوض على اتفاق نووي.

تكمن الأزمة أن الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار تجري كلها في المنطقة العربية، وتشمل سورية، لبنان، العراق، اليمن، والسعودية، التي تتلقى الضربات بالطائرات المسيرة بصورة شبه يومية، ويتم تسجيل ذلك على أنه رد حوثي على حرب السعودية والإمارات على اليمن. ولكن لا يخفى على أحد أن الأسلحة المستعملة والتصويب يحتاجان درجة عالية من الحرفية، ولا شك أن من يقوم بهذه المهمة هي طهران التي تزوّد الحوثيين بأسلحة متطورة، وبخبراء يقومون بتشغيل هذه الأسلحة.

والمشكلة الأكبر أن تلك الأنشطة السلبية لا تقتصر على التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان على المستوى السياسي، وإنما تعمل على تغيير هويتها الثقافية كاملةً من خلال بناء هوية طائفية جديدة، كما هو حاصل حاليا في شمال شرقي سورية في محافظتي دير الزور والحسكة، حيث يجري نشر التشيع في دير الزور بقوة، وبنت إيران مراكز ثقافية وأقامت حسينيات دينية وشكلت فرق كشافة، بالإضافة إلى إنشائها تشكيلات عسكرية تحت مسمّيات طائفية. وهذا هو أحد أهم أسباب قبول المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات مع الجانب الروسي، في الوقت الذي ترفض ذلك مع طهران، لأن تهديد الأخيرة أعمق وأكثر خطورة، لأنها تغير دين الناس وثقافتهم وتحولهم لخلايا إيرانية سرطانية في المجتمع، وهو ما يغير موازينه ويجعله اقرب للتشيع[1].

 

الوساطة الأوروبية:

لا يخفي على أحد أنه خلال حملة بايدن الانتخابية، كان من الواضح رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي. ولكن لم يكن واضحاً كثيرا ًكيف ومن ضمن أي صيغة. ولكن تعيين روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية ومستشار السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما هو دليل نية أميركية بالبدء بتنفيذ وعود بايدن بخصوص إجراء اتفاق نووي مع إيران. وخاصة أن أميركا تريد أن تتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية لها مثل روسيا والصين إضافة للملفات الداخلية، وتريد الخروج من نفق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وتفويض بعض المهام من خلال الحلفاء ومن خلال اتفاقات وتسويات مع الخصوم.

وقد اتخذت الإدارة الأميركية الجديدة خلال الأيام الماضية جملة إجراءات عملية، من شأنها أن تشكل اختراقاً في أزمة العودة إلى الاتفاق.

وأهم هذه الإجراءات سحب واشنطن إعلان الإدارة الأميركية السابقة إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران من مجلس الأمن، وإنهاء القيود على تحركات البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الأمم المتحدة بنيويورك، وإعادة الوضع إلى سابق عهدها قبل فرض هذه القيود في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والموافقة الأميركية على طلب الاتحاد الأوروبي للمشاركة في اجتماع أطراف الاتفاق النووي في وقت لاحق، فضلاً عن أنباء حول احتمال إعلان الرئيس جو بايدن نيته العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران قريبًا.

يحاول بايدن إدخال الأوروبيين في هذا المسار، وفوض للفرنسيين تعزيز قنوات التواصل في المنطقة وفتح باب الحوار الغير مباشر والبدء بالمفاوضات في الملفات الأقل تأثيرا، كمحاولة لخرق جدار الانقطاع الكامل، وبالتوازي البدء بمسار حلحلة الملفات المعقدة كالملف اليمني كمحاولة لتقطيع الأزمات وتسويتها كمنطلق لإبرام اتفاق مقبل.من هذا المنطلق يتمكن بايدن من تخفيف وهج معارضة الاتفاق حيث يكون أنهى إحدى نقاط تعديل الاتفاق وهو دور إيران في المنطقة، وفي المقلب الآخر يبقى موضوع الصواريخ الباليستية والجيوش الإيرانية حيث يمكن أن نشهد حروبا جانبية لتسوية هذه النقطة، وبناء على نتائج هذه الحروب إن كانت عسكرية أو سياسية توضح أكثر معالم الاتفاق المقبل.والسؤال من سيدفع الثمن في المرحلة الحالية؟ ومن سيدفع الثمن بعد حدوث الاتفاق؟ لأن لا تسويات من دون ثمن وأحياناً دم.[2] وتصر إسرائيل والسعودية أنها لن تدفع الثمن مرة أخرى، وأن ما حدث في 2015 لن يتكرر، ولذلك ستشهد المرحلة المقبلة اصطفاف إسرائيلي خليجي كبير للدخول في تلك المفاوضات مهما كان الثمن.

من جهتها، عبرت طهران عن موقفها من عما الخطوات الأميركية الأخيرة بمناشدة البعض لها أن وقف العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يفرض رقابة صارمة على الأنشطة النووية ويمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفتيشات مفاجئة، قال النائب المحافظ مالكي إن الخطوات الأميركية تجاه الاتفاق النووي بأنها إيجابية، لكنها غير كافية، مؤكداً أن على أميركا العودة إلى تنفيذ كامل تعهداتها بالاتفاق، كما أكد على أنه ثمة اتصالات قطرية وأوروبية مع الولايات المتحدة وإيران لحلحلة أزمة تنفيذ الاتفاق النووي. وأكد أن الاتفاق النووي بني على التعهد مقابل التعهد، أي أن الجمهورية الإسلامية قبلت بتعهدات نووية مقابل رفع جميع العقوبات النفطية والبنكية وغيرها، قائلاً إن طهران نفذت جميع تعهداتها بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ من يناير 2016 لكن ترامب أنهى التعهدات الأميركية وانسحب من الاتفاق النووي عام 2018.

وتزامناً مع ذلك طالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن برفع جميع العقوبات عن بلاده التي فرضتها إدارة سلفه دونالد ترامب دون أي قيود أو شروط. وشدد على أنه في حال رفعت واشنطن كافة العقوبات ستتراجع إيران فورا عن جميع الإجراءات التي اتخذتها.

وعن المباحثات المحتملة المرتقبة بين إيران والمجموعة السداسية الدولية بعد تجاوب واشنطن مع دعوة الاتحاد الأوروبي للمشاركة في اجتماع لمجموعة 1+5، وأكد مالكي أن الجمهورية الإسلامية لن تقبل بالتفاوض حول الاتفاق النووي مرة أخرى.[3] من ناحية أخرى، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي للصحافيين إن الولايات المتحدة لا تخطط لرفع العقوبات المفروضة على إيران قبل الانضمام لمحادثات مع أوروبا، وأضافت أنه لا توجد خطة لاتخاذ خطوات إضافية بشأن إيران قبل إجراء الحوار الدبلوماسي[4].

 

أهداف خارجية عاجلة للتحركات الأمريكية:

هناك ثلاثة ملفات عاجلة يسعى الرئيس الأمريكي لمعالجته على اسرع وجه، الملف الأول خاص باعادة التحالف الاستراتيجي مع الحليف الأوروبي، وهو ما عبر عنه بايدن في أول خطاب رسمي له قائلًا: إن التحالفات عبر الأطلسي عادت كأولوية للولايات المتحدة مرة أخرى، وأضاف أنا رجل له كلمته. لقد عادت أمريكا. أنا أتحدث اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: لقد عاد الأمريكيون. لقد عاد التحالف عبر الأطلسي. ولن ننظر إلى الوراء. وأضاف بايدن أن الولايات المتحدة ملتزمة تماما بتحالفها مع الناتو، مشيرا إلى أن بلاده تدعم تماما معاهدة الأمن الجماعي للمنظمة.

أما الملف الثاني فهو مواجهة التهديد الروسي، لارسال رسائل طمأنة اضافية للأوروبييين بأن تهديد موسكو لهم، في أهم أولويات واشنطن في المرحلة المقبله، حيث اتهم الرئيس الأمريكي روسيا بـمهاجمة ديمقراطياتنا. وأكد إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لإضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وأما الملف الثالث وهو الأهم، فخصصه بايدن للهجوم على المشروع الصيني الامبريالي، حيث حض بايدن حلفاء بلاده على العمل معا لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية. وقال علينا الاستعداد معا لمنافسة استراتيجية بعيدة الأمد من الصين، مضيفًا علينا ضمان بأن تتم مشاركة فوائد النمو بشكل واسع وبالتساوي، ليس من قبل البعض فقط. يمكننا مواجهة انتهاكات الحكومة الصينية الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي[5].

 

الخاتمة:

خلاصة القول، أن الصراع القائم حالياً بين العودة إلى اتفاق عام 2015 كما تطالب إيران، وبين تعديل اتفاق عام 2015 وتوسعته إلى الحوار حول النظام الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب بايدن. بايدن من غير الممكن العودة فقط إلى اتفاق 2015 لأنه سيواجه معارضة شرسة داخلية الحزب الجمهوري ومعارضة خارجية قوية أيضاً من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية.

أحد المخارج التي يمكن أن تحصل هي احتمالية الدمج بين مسار رفع العقوبات والبدء بمشوار المفاوضات بخصوص ملفي الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية، ولكن هذا المخرج لن يحصل بالسهل بالفترة القريبة لأننا ما زلنا في فترة طرح أوراق القوة على الطاولة، ومرحلة الضغط من قبل القوى المعارضة للاتفاق مما يمكن ان يؤجج الصراع في المرحلة المقبلة على الأقل، لاسيما مع قرب الانتخابات الإٍسرائيلية، التي تعد الورقة الإيرانية أحد أهم أوراق اللاعبين السياسيين.

ولكن الجدير بالذكر أنه رغم تصلب الموقف الإيراني، إلا أن الحقائق التي تعرفها واشنطن وتدركها طهران أن المرحلة الحالية لن تكون مفروشة بالورود، وللالتفاف على ذلك سيحاول بايدن الحصول على بعض التنازلات الإيرانية جراء الضغوطات الاقتصادية التي أنهكتها ومراهنة ايران على الاستفادة من وجود إدارة دبلوماسية وأكثر ليونة في المرحلة الحالية، التي يمكن أن تمكنه من تسهيل مهمته داخليا وخارجيا.

 

 

——————————————–

[1] بشير البكر، هذا العبث الإيراني في المنطقة، العربي الجديد، 19/2/2021، الرابط: http://bit.ly/3k5ZfUN

[2] شادي غسان، الاتفاق النووي بين العصا والجزرة، العربي الجديد، 18/2/2021، الرابط: http://bit.ly/3qFeqGT

[3] صابر غل، نائب إيراني لـ”العربي الجديد”: اتصالات قطرية وأوروبية ومقترح صيني لحلحلة أزمة الاتفاق النووي، العربي الجديد، 18/2/2021، الرابط: http://bit.ly/3dqhByy

[4] حراك أوروبي لتنظيم اجتماع أمريكي مع إيران… وبايدن يشدد على مواجهة أنشطتها «المزعزعة للاستقرار، القدس العربي، 19/2/2021، الرابط: http://bit.ly/2NM3TuR

 [5] بايدن: أمريكا مستعدة للانخراط من جديد بشأن برنامج إيران النووي- (فيديو)، القدس العربي، 19/2/2021، الرابط: http://bit.ly/3uhkTKA

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022