جاءت زيارة وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، إلى إسرائيل، كأول زيارة لوزير مصري إلى إسرائيل منذ 5 سنوات، حيث كان قد زار وزير خارجية السيسي، سامح شكري، الأراضي المحتلة، وتناول العشاء مع نتانياهو وأسرته واستمعا لمباراة كرة قدم سويا في العام 2016، وذلك أثناء تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وادخال اسرائيل في منظومة الأمن الاقليمي بالبحر الأحمر.
فيما كان اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياه عقد في نيويورك في العام 2017، على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته، حيث كان علم مصر فقط وراءهما. وفي أغسطس 2018 نشرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سافر سراً إلى مصر في مايو من العام ذاته، والتقى السيسي وتشاركا مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الجانبين، وفي يوليو 2019، تعمّد نتنياهو أن يعلن عن سابقة عقد “لقاءات” مع السيسي خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بثورة 23 يوليو 1952، حيث وصفه بـ”الصديق العزيز“.
وفي الفترة بين توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، في إبريل 2016، بما تضمنه من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وحتى إقرار الاتفاق بقرار جمهوري في أغسطس 2017، جرت اتصالات ومكاتبات عديدة بين السيسي ونتنياهو للحصول على مباركة إسرائيلية للاتفاق.
وخلال لقاء نتانياهو بالملا، أخيرا، قال: “أهلا وسهلا بكم. الرجاء نقل تحياتي الحارة إلى صديقي فخامة الرئيس السيسي. هذا هو يوم مهم يمثل التعاون المتواصل بيننا في مجال الطاقة وفي مجالات كثيرة أخرى. ونعتقد أن عصرا جديدا من السلام والازدهار يسود حاليا بفضل اتفاقيات إبراهام“.
أضاف: “هذا بدأ بطبيعة الحال باتفاقية السلام التاريخية التي وقعت بين مصر وإسرائيل، ولكن هذا يتحول الآن إلى ما يمكن له أن يحسن الأوضاع الاقتصادية عند جميع شعوب المنطقة. نعتقد أن هذه هي فرصة هائلة لتحقيق تعاون إقليمي بين مصر وإسرائيل والدول الأخرى”.
أهداف معلنة
وبحسب صحيفة “يديعوت احرنوت” استهدفت الزيارة زيادة مستوى التعاون في مجال الطاقة، لاسيما في مجال التنقيب عن الغاز، والتقى مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزيري الخارجية غابي أشكنازي والطاقة يوفال شتاينتس، كما التقي الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، بجانب عدة لقاءات مع شركات طاقة إسرائيلية. ونقلت قناة “i24news” الإسرائيلية في نسختها العربية، زيارة الملا حقل “لفيثان” الإسرائيلي لاستخراج الغاز في البحر المتوسط، كما أفادت القناة (13) الإسرائيلية الخاصة، إلى أن الملا بحث مشروع مد خط أنابيب يربط إسرائيل بشبه جزيرة سيناء في مصر، إضافة إلى “تطوير حقول الغاز”،ومنها حقل الغاز بقطاع غزة، وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم”، أن الملا بحث بشكل أساسي خلال زيارته صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر، ومشروع “إيست ميد” المخطط إقامته عبر مد خط أنابيب لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط.
تقليل هدر الغاز الاسرائيلي
وكان “الملا” قد صرّح نهاية الشهر الماضي بأن استيراد مصر الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال “جاء للحفاظ عليه من الهدر، لأن عدد السكان هناك قليل، وبالتالي لديها فائض كبير من الغاز”، مدعيا أن هذا الغاز سيمرر على محطات الإسالة في مصر، بهدف إعادة تصديره للأردن، ويعبر كلام الملا عن دور مصر في دعم اسرائيل ، والحفاظ على امكاناتها المالية ، حتى لو كان على حساب مصر، إذ أن صفقة تصدير الغاز لمصر من اسرائيل ، تمت بأعلى من أسعار السووق العالمية، ومما ضاعف من خسارة مصر التي كانت تستهدف تصدير الغاز لأوروبا بعد اسالته، حالة الاغلاق والتراجع الاقتصادي العالمي اثر جائحة كورونا، وهو ما عطل تصدير الغاز للخارج، حيث جرى تصدير شحنتين فقط، خلال العام 2020، وهو ما اضطر السيسي ونظامه للضغط على السوق المحلية لاستخدام الغاز الاسرائيلي، سواء عبر فرض استخدامه على السيارات أو المصانع والمخابز والمزارع وفي الريف المصري.
وهو ما يفند تخرصات الملا، أمام مجلس النواب مؤخرا ، بأن مصر تستهدف التحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعي، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، وإنما بحكم الاستكشافات المستمرة للطاقة داخل حدودها، مدعيا أن مصر “نجحت في جذب المزيد من الشركات العالمية للاستثمار، بسبب عوامل الأمن والاستقرار في مصر خلال الفترة الأخيرة” وفقا لتصريحاته، وأفاد بأن الوزارة تعمل على جذب المزيد من الاستثمارات للبحث والكشف عن المواد النفطية، خصوصا في منطقة البحر الأحمر، مستطردا بأن “مصر وقعت العديد من الاتفاقات الدولية الهادفة للبحث والاستكشاف في القطاع النفطي، والتي أسفرت عن تحقيق 62 كشفا للبترول والغاز في عام 2020“.
تشجيع القادة المطبعين على الزيارات العلنية لتل ابيب
وهو ما تواجهه حكومة السعودية، التي قطعت أشواطا كبيرة في التطبيع مع اسرائيل إلا أنها تتحرج شعبيا من اعلان الزيارات او الترتيبات، ولعل مشاريع البحث عن الغاز في البحر الاحمر، التي اتفق عليها الملا مع اسرائيل، ستكون بابا مناسبا للتشارك السعودي، من باب الأمن القومي السعودي المتشاطئة مع مصر في البحر الأحمر، كما تدعم العلاقات الاقتصادية والزيارات المعلنة، تواصل حكومات الدول العربية المتوافقة مع اسرائيل على اتفاق ابراهام، كالسودان والمغرب.
ثمن استرضاء امريكا على نظام السيسي
وعلى ما يبدو، فإن زيارة الملا وما جرى من اتفاقات معلنة او سرية ، تأتي كثمن لتدخل اللوبي اليهودي من خلال الضغط داخل الأرض المحتلة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إزاء نظام السيسي وقمعه وانتهاكاته الحقوقية، وهو ما أسفر عن الموافقة على صفقة الأسلحة والصواريخ الأمريكية إلى السيسي..وهو ما ترافق مع اعلان وزارة خارجية بايدن “إنها تدعم دفاع مصر عن أمنها وأنها دولة حليف استراتيجي لنا“، وذلك رغم انتقاداتها السابقة واللاحقة لممارسات نظام السيسي الحقوقية.
كما لا يمكن تجاهل العامل الاقتصادي كأحد محفزات الموقف الأميركي، على اعتبار أن الشركات الأميركية تضطلع بدور كبير في تنفيذ مشاريع التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط؛ حيث إن شركة “نوبل إنيرجي” تستحوذ على حوالي 50% من عقود التنقيب عن الغاز في فلسطين المحتلة والذي ينهبه الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما يمثل مصدر دخل مهم، لا سيما في ظل تداعيات أزمة كورونا.
دلالات الزيارة
وتحمل الزيارة التطبيعية الأولى لوزير البترول المصري ، مننذ 5 سنوات، العديد من الدلالات،ومنها:
تفعيل التنسيق الاقتصادي والسياسي
بشكل أساسي، حققت الزيارة الاتفاق على تفعيل التفاهم السابق بين الحكومتين حول ربط حقل “ليفاثان” بوحدتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو، اللتين تميزان مصر في سوق الطاقة بالمنطقة، رغم معاناتهما من صعوبات وعقبات إنتاجية على مدار العقد الماضي، لكنّ زيارة الملا ولقاءه بنظيره الإسرائيلي يوفال شطاينتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حفلا بالرسائل السياسية، للتأكيد على استمرار التنسيق السياسي والاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة، بين الحكومتين، رغم التوتر المكتوم بينهما بسبب الخلافات التي أحاطت بمشروع زيارة نتنياهو للقاهرة للقاء عبدالفتاح السيسي نهاية العام الماضي، تزامناً مع الاندفاع الإماراتي ترحيباً بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. وكانت أجهزة الدولة المصرية ارتأت أنه من الضروري أن تأخذ القاهرة مسافة منه، وحرصت على إيصال رسالة إلى نتنياهو، وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مفادها أن “إعلان الاتصالات والزيارات بين الدولتين لن يكون مرحباً به على الصعيد الشعبي، أو على الأقل ستكون له كلفة عالية”.
وفي الوقت الذي يبدي فيه النظام المصري تحفظاً على التوسع في التطبيع العلني، فإنه يمضي قدماً لتطويره عملياً، مع إبقائه في حيز الملفات الاقتصادية “الآمنة”، والتي لم تعد تثير حنق الشارع المصري كما كان الوضع في عصر انتعاش تيارات الإسلام السياسي، والأحزاب اليسارية والناصرية، فضلاً عن قمع الأصوات المناوئة للتطبيع في الإعلام المحلي المُسيطر عليه بشكل كامل.
ترتيبات غاز شرق المتوسط
وتضمنت زيارة الملا مباحثات حول عدد من الملفات التي كان نتنياهو ينوي مناقشتها في زيارته العلنية المزمعة لمصر. ومن هذه الملفات تعزيز التعاون في إطار “منتدى شرق البحر المتوسط للغاز الطبيعي” لفرض شروط معينة على وسائل النقل البحرية لاستخدام الغاز، والتنسيق مع قبرص واليونان لمواجهة الطموحات التركية والروسية للاستئثار بتزويد أوروبا بالطاقة، وتوسيع التعاون الإقليمي في المجال ذاته ليشمل السعودية والسودان، بغية البحث عن أسواق جديدة لغاز شرق المتوسط بسواحل أفريقيا وشرق آسيا. حيث سبق أن طُرحت على الحكومات ذات الصلة أفكار لمشاريع مشتركة لاستكشاف غاز البحر الأحمر، وإقامة محطات الإسالة بين مصر والسعودية ودولة الاحتلال، بدعم من الشركات الأميركية التي سبق أن انخرطت في مفاوضات تصدير الغاز بين مصر وإسرائيل.
أيضا، المباحثات تناولت مشروع توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين الجانبين المصري والإسرائيلي، والمملوكة حالياً لشركة جديدة، مقرها هولندا، أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي “نوبل إنيرجي” الأميركية و”ديليك” الإسرائيلية وشركة “غاز الشرق” المملوكة للدولة المصرية، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، لتشمل قبرص واليونان، ويهدف توسيع الشبكة القائمة حالياً بشكل أساسي إلى استفادة جميع دول المنتدى من مصنعي إسالة الغاز في مصر، وعلى رأسها دولة الاحتلال، وأن هذا الهدف مرضٍ للقاهرة اقتصادياً تماماً، بسبب عدم إمكانية تشغيل وحدتي الإسالة بالغاز المصري فقط في الفترة الحالية، ورغبتها في تلافي ما حدث سلفاً، عندما وجدت نفسها مطالبة بأكثر من ملياري دولار لصالح شركة “يونيون فينوسا” الإسبانية مديرة وحدة الإسالة بدمياط، بعد توقف صادراتها من الغاز المسال بسبب تراجع الكميات الموردة لها من مصر لصالح السوق المحلية، وفي يناير 2020 بدأت مصر رسميا في استيراد الغاز الإسرائيلي، وبموجب اتفاقيات تم ابرامها بين البلدين ستصدّر إسرائيل 85 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 15 عاما مقبلة.
تفعيل صفقة القرن بأفكار جديدة
ووفق تقديرات استراتيجية، فإن هذه الأفكار تتكامل تحت رعاية أميركية خالصة من الأوساط السياسية والاقتصادية، كجزء من أفكار إدارة ترامب لرسم خريطة جديدة للعلاقات السياسية في المنطقة على أساس التعاون الاقتصادي، والتي عرفت بـ”صفقة القرن” (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، والتي كان بموجبها سيتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع دولة الاحتلال لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية، وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات. إلى جانب تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل “الطاقة” بين مصر وقطاع غزة، على مدار 5 سنوات و3 مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة، بمختلف أنواعها، من مصر بأسعار منافسة، ودعم قدرة القاهرة على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته.
بجانب عدة مشروعات مثل تنمية حقل غزة البحري، وإنشاء محطة للطاقة الكهربائية في مدينة جنين، وإمداد المدن الفلسطينية بالغاز الطبيعي، وقد شغل هذا الملف تحديداً قسماً مهماً من مباحثات الملا ، حيث ناقش مع نظيره الإسرائيلي طرق تعاونهما لتزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالكميات المطلوبة من الغاز الطبيعي. وبحسب المصادر الدبلوماسية التي تحدثت لصحيفة “العربي الجديد” ، فإن الأمر عُرض أيضاً على مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى، لمتابعة الطلبات الفلسطينية وما يمكن تحقيقه منها.
ويُعتبر مجال إنتاج وإسالة الغاز من المجالات التي يراهن عليها السيسي لتحسين الاقتصاد المصري. ويحتل صدارة الأنشطة في مشروعه الممتد لإدارة الموارد “مصر 2030”. لكن هذا لم ينعكس بأي صورة إيجابية على القاهرة بل زادها تراجعاً وديوناً، إذ بدأت في يناير 2020 استيراد الغاز الطبيعي الذي تسيطر عليه إسرائيل، وفقاً لاتفاقية موقعة بين شركات من الطرفين في 2018، بسعر يقدر في المتوسط بنحو أربعة أضعاف الذي كانت تبيعه مصر لها بين 2005 و2012 وبما لا يقل عن سعر عقود بيع الغاز داخل دولة الاحتلال، مربوطاً بسعر برميل النفط من خام برنت القياسي، أي نحو 4.8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وبعد إضافة أسعار النقل والضخ سيُراوح السعر ما بين 5 و5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، رغم أن أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية حالياً تصل في العقود الآجلة إلى نحو 2.2 دولار فقط لكل مليون وحدة حرارية. وبحسب الاتفاق، سيستمر البيع حتى العام 2034، بواقع 2.1 مليار متر مكعب سنوياً، على أن تزيد الكمية إلى 6.7 مليارات متر مكعب سنوياً، اعتباراً من العام الثالث. وسيدخل نصف الحصيلة لخزينة إسرائيل كضرائب ورسوم مختلفة.
ولم يلتفت السيسي عند تصديقه على اتفاق الاستيراد إلى حقيقة أن حقلي “ليفاثان” و”تمار” اللذين تستغلهما إسرائيل موجودان في عمق المنطقة البحرية للأراضي العربية. بل إن حسابات عديدة تؤكد أنهما أقرب للسواحل المصرية من الأراضي الفلسطينية. ولذلك تكبدت مصر خسارة أخرى، بتفعيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والذي يعيبه أيضاً القبول بالنقاط التي وضعتها قبرص مع إسرائيل قبل الدخول في مفاوضات مع القاهرة قبل نحو 13 سنة.
“إيست ميد” وتعظيم المنافع الاسرائيلية
وبحسب الباحث الفلسطيني صالح النعامي، بـ”السبيل ” الأردنية، فإن “منتدى غاز المتوسط” قدم لاسرائيل دعما استراتيجيا اقليميا ودوليا، غير مسبوق ، مستشهدا بما صرح به وزير طاقة الاحتلال الإسرائيلي، الليكودي يوفال شطاينتس، في سبتمبر 2020، وهو يحتفي بتوقيعه على “الميثاق”، الذي ينظم عمل منظمة “غاز شرق المتوسط”، وهذه المرة الأولى التي تصبح فيه إسرائيل عضوا في منظمة إقليمية إلى جانب دول عربية. وعقب شطاينتس على هذا التطور قائلا: “بركة الغاز جلبت لنا تعاونا إقليميا مع دول عربية وأوروبية، بشكل غير مسبوق“، وجرى تحويل اتفاقية تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية، في ضوء التطبيع العربي الاسرائيلي المتصاعد، ووقعت الدول المشاركة في المنتدى، على الاتفاقية ، وهم: مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن.
وتمنح العضوية في المنظمة إسرائيل عوائد اقتصادية واستراتيجية هائلة، تتمثل أهمها في توفير ظروف مناسبة تحسّن من قدرتها على تصدير الغاز الذي تستخرجه من الحقول التي سيطرت عليها في حوض شرق المتوسط، لكن “ذروة التاج” كما يوصف في تل أبيب، يتمثل في أن منظمة “غاز شرق المتوسط” توفر البيئة الإقليمية المناسبة لتنفيذ مشروع أنبوب “إيست ميد”، والذي يفترض أن ينقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، ويمر عبر المياه الاقتصادية القبرصية، فعلى الرغم من أن إسرائيل وقّعت بالفعل مع اليونان وقبرص على اتفاق مبدئي بتدشين هذا الأنبوب، الذي يفترض أن يصل طوله إلى 2000 كلم، ويستغرق تدشينه 8 سنوات، إلا أنه بدون تعاون إقليمي أوسع، فإن فرص أن يخرج هذا المشروع إلى النور متدنية جدا، إن لم تكن صفرية.
وتراهن إسرائيل على إسهام المنظمة، التي تحظى بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في توفير مظلة إقليمية تسمح باحترام اتفاق ترسيم الحدود الذي توصلت إليه مصر واليونان، والذي يسمح بتوفير أحد أهم متطلبات تنفيذ مشروع “إيست ميد“، فهذا الاتفاق يلغي عملياً اتفاق ترسيم الحدود المائية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية؛ والذي يمنح المنطقة التي سيمر فيها أنبوب الغاز لتركيا، وبالتالي قد يتقلص الدور التركي في هذا الصدد.
بالإضافة إلى أن تل أبيب ترى أن دول المنظمة، بدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإمكانها أن تمس بقدرة تركيا على التنافس في استغلال احتياطات الغاز في المنطقة؛ مع العلم أن وجود المنظمة يقلص من فرص حدوث مواجهة مباشرة بين أنقرة وتل أبيب، لا تفضلها الأخيرة، التي تواجه تحديات أخرى كثيرة، كما أن حماس واشنطن لـ “منتدى غاز المتوسط” فيعود إلى حقيقة أن هذا المشروع يعد أحد صور تطبيق فكرة “السلام الاقتصادي”، التي تقوم عليها الخطة الأميركية لتسوية الصراع، المعروفة بـ “صفقة القرن”، في الوقت ذاته، فإن لواشنطن مصلحة في دفع مشروع “إيست ميد”، الذي تمثل “المنظمة” حاضنة له، على اعتبار أنه يمكن أن يمثل ضربة قوية لروسيا؛ حيث إن وصول الغاز من الاحتلال إلى أوروبا سيقلص من اعتماد القارة العجوز على الغاز الروسي، مما يمثل رافعة ضغط أخرى على موسكو.
خاتمة
وعلى أية حال، فإن زيارة الملا لتل أبيب، تعد أبرز علامات قوة العلاقات الثنائية بين نظام السيسي وتل أبيب، على الرغم من المخاطر الكبيرة التي افرزها التطبيع الاماراتي مع اسرائيل، مؤخرا، فيما يتعلق بإنشاء خط ملاحي ونفطي مواز لقناة السويس، يربط منطقة جبل علي بالبحر المتوسط عبر مينائي إيلات وعسقلان
ويمثل الغاز واكتشافاته وامداداته من اسرائيل إلى مصر، كبوابة سهلة إلى مشروعات صفقة القرن، التي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية…وتبقى اسرائيل هي المستفيج الكبر ، بتصريف مخزوناتها من الغاز المنهوب من الأراضي العربية في فلسطين أو لبنان ومصر، إلا أن تتمكن من تفعيل خط “ايست ميد” نحو أوروبا، بعيدا عن الأراضي المصرية، ما يكبد مصر الخسائر تلو الخسائر من اجل مكاسب متواصلة في إسرائيل.