أعلنت في 20 فبراير 2021، النيابة العامة، أن اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج، وقعت تعاقدًا بموجبه تم التصالح مع وزير الإسكان آبان عهد مبارك محمد إبراهيم سليمان، ورجل الأعمال مجدي راسخ، حما علاء مبارك، في اتهامهما ببعض القضايا.
وذكرت النيابة في بيان، أن اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج برئاسة المستشار النائب العام وقّعت عقد تسوية وتصالح في الطلبين المُقدمين إليها من المتهمين محمد إبراهيم محمد سليمان، ومحمد مجدي حسين راسخ للتصالح عن الاتهامات المنسوبة إليهما في بعض من القضايا.
ولفتت النيابة إلى أنه بلغ إجمالي ما قُدِّم من المتهمين لصالح الدولة مبلغ قدره مليار وثلاثمائة وخمسة عشر مليونًا وسبعمائة ألف وواحد وأربعة وعشرون جنيهًا مصريًّا. ومنها القضية المعروفة إعلاميا بـ”الحزام الأخضر” وأرض شركة سودك في مدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة حسب بيان النيابة العامة.
التصالح تم على مخالفة تمت بالفعل وهي التربح، وقد وجهت النيابة الاتهام لمحمد إبراهيم سليمان ومجدي راسخ وغيرهم الذين حصلوا على مساحات كبيرة بثمن بخس وزادوا نسبة الإشغال السكني فيها من 2% إلى 10% أي 5 أضعاف النسبة المقررة وبذلك حققوا أرباحا طائلة وأن قيمة التصالح هذه لا تساوي شيئا بجانبها.
ويرجع سبب قرار التصالح، بحسب التقديرات أن القضايا المتصالح فيها هي فساد أراضي “الحزام الأخضر”، التي حولها إبراهيم سليمان ومجدي راسخ وهتلر طنطاوي وعدد من قيادات الرقابة الإدارية والعسكريين وقيادات الأمن والفساد بمصر، من أراض زراعية إلى أراض سكنية عبر التلاعب والخداع، الذي تدخل فيه نجل السيسي الذي يعمل بالرقابة الإدارية مصطفى السيسي، وتوسط لدى والده السيسي ، لطمس الجريمة ، التي بمقتضاها تم تحويل ما يبلغ نحو 60 ألف فدان من أراضي الحزام الأخضر إلى أراض سكنية.
كانت قيمة تلك الاراضي تبلغ نحو 57 مليون حنيه، وفق تقديرات رئيس جمعية 6 أكتوبر، بسعر 3,4 مليون جنيه في العام 2017، وعرضت الجمعية الشراء على أساس هذا السعر، كي تقوم ببيع الأراضي لاحقا بسعر 5 مليون جنيه للفدان، أي ما يصل قيمته إلى نحو 300 مليار جنيه، إلا أن فساد ابن السيسي طرمخ على القضية، حتى وصلت قيمة التصالح فيها إلى المبلغ المعلن من قبل النيابة العامة قبل أيام بنحو 1,4 مليار جنيه، ما ضيع على خزينة الدولة أكثر من 298 مليار جنيه! وفق تقديرات العام 2017.
قرار تقنين الفساد
وبحسب الصحفي أشرف البربرى، في 23 فبراير 2017 بجريدة الشروق “لا شك أن القرار الجمهورى بتحويل أراضى الحزام الأخضر التابعة لمدينة 6 أكتوبر وكذلك بعض المناطق بمدينة الشيخ زايد من أراضٍ زراعية إلى أراضٍ للبناء يعنى ببساطة شديدة تحول المئات من «المحظوظين» إلى مليارديرات فى لمح البصر بعد أن تحولت رمال هذه الأرض التى حصلوا عليها بـ«تراب الفلوس» إلى ذهب بفضل هذا القرار.
ربما كانت هناك مبررات موضوعية لهذا القرار الجمهورى بتحويل نحو 60 ألف فدان من النشاط الزراعى إلى النشاط السكنى والعمرانى فى هذه المنطقة الحيوية، سواء أكانت هذه المبررات تتعلق بنقص المياه اللازمة للزراعة أم بالحاجة إلى مواجهة التمدد العمرانى لمدينتى 6 أكتوبر والشيخ زايد، لكن تبقى النقطة الأهم وهى ضرورة تحصيل حق الشعب والدولة فى هذه الثروة الطائلة التى هبطت، بجرة قلم، على «علية القوم» ممن حصلوا على هذه الأراضى بالفدان لكى يبيعوها اليوم بالمتر. ومما يزيد من أهمية التعامل الجاد مع هذا الملف وضرورة إعادة النظر فى تسعير هذه الأراضى أو فى الرسوم التى سيتم فرضها على أصحابها لتغيير النشاط، حقيقة أن مساحات واسعة من هذه الأراضى مملوكة لجمعيات تعاونية لأصحاب النفوذ والسلطان من العاملين فى المؤسسات العليا للدولة، حيث أحاطت بها شبهات كثيرة سواء فى تخصيصها أو فى التعامل عليها، مما جعلها محلا لتحقيقات جنائية رسمية باسم «فساد الحزام الأخضر» المتهم فيها وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان و4 مسئولين سابقين فى هيئة المجتمعات العمرانية، والرقابة الادارية، بتهم «الإضرار العمدى بالمال العام، وتسهيل استيلاء عدد من رجال الأعمال على أراضى الدولة فى منطقة الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر بالمخالفة للقانون”.
آليات تقنين الفساد
بعد تشكيل السيسي لجنة تحت مسمى “لجنة استرداد أراضي الدولة” برئاسة رئيس الحكومة وقتها المهندس إبراهيم محلب في 2014، قامت الحكومة واللجنة بالتستر على هذا الفساد وبدلا من استرداد أراضي الحزام الأخضر لملكية الدولة باعتبارها أرضا زراعية؛ قام محلب بنقل تبعية الأراضي الزراعية التي استولى عليها الكبار من وزارة الزراعة إلى هيئة المجتمعات العمرانية لتحويلها إلى مساكن وعقارات، وإمدادها بمرافق الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، رغم أنها أراض زراعية في الأساس.
وعندما تفجرت الأزمة في 2016م، لم يهدد السيسي هؤلاء الضباط الذين سطوا على أراضي الدولة وحصلوا عليها بثمن بخس وبإجراءات شابها فساد كبير، بهدم عقارتهم ومشروعاتهم بل جرى تقنين هذه السرقات بأبخس الأثمان؛ حيث أعطت هيئة المجتمعات العمرانية مهلة لملاك الأراضى للتصالح المريح، وقام نائب رئيس الهيئة للشئون التجارية والعقارية بتحديد قيمة تغيير النشاط من أراضى زراعية إلى سكنية شاملة المرافق بواقع 435 جنيهاً للمتر المربع بالإضافة إلى شبكات المرافق الداخلية بواقع 384 جنيهاً للمتر، رغم أن سعر الأرض السكنية وصل في المنطقة إلى 3 آلاف جنيه للمتر. وعرضت الهيئة على الملاك تطوير أراضيهم وتحويلها إلى مساكن كاملة المرافق بأسعار منخفضة وبالتقسيط المريح.
ثم أصدر السيسي قرارا جمهوريا في فبراير 2017 بتحويل جميع أرضي الحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر وأراضي الثورة الخضراء بمدينة الشيخ زايد والتي تبلغ مساحتها 60 ألف فدان من أراضي زراعية إلى مناطق سكنية، مع توصيل المرافق لها بأسعار رمزية.
ازدواجية السيسي والتشدد مع أراضي الفقراء
ويكشف الفساد الكبير في أراضي الحزام الاخضر، وتقنين السيسي له وقبول التصالح على تلك المخالفات الجسيمة بقليل من الاموال، الازدواجية الكبيرة ، في تعال السيسي مع مخالفات الكبار والفقراء فيما يتعلق بالأراضي الزراعية.
وكان وزير التنمية المحلية محمود شعراوي، قد كشف عن مخطط هدم البيوت من خلال موجات منظمة. في تقرير أمام مجلس الوزراء في نهاية أعسطس 2020م تحت عنوان “الموجة الـ 16 للإزالات”، وقال إنه خلال تلك “الموجة” وحدها تمت إزالة 11 ألف مبنى مملوك لأشخاص داخل الحيز العمراني، و20 ألف مخالفة بناء على الأراضي الزراعية خارج الحيز العمراني. وتمت إحالة 12641 مواطن إلى النيابة العسكرية خلال الفترة من 25 مارس حتى 17 أغسطس الماضيين.
وفي “الموجة الـ 15 للإزالات” أعلن شعراوي عن إزالة أكثر من 12 ألف مبنى خلال شهر فبراير2020. وأعلن في آخر أبريل الماضي عن حصاد الموجة الـ 14 للإزالات، فقال إنه تمت إزالة قرابة 8 آلاف مبنى على أراضي مملوكة للدولة وأخرى مملوكة للأشخاص.
بداية القصة
وترجع بداية قصة الحزام الأخضر حينما أسّس رجل الأعمال سمير زكي عبد القوي “جمعية 6 أكتوبر لاستصلاح الأراضي والتنمية الزراعية” في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كستار لعدد من كبار شخصيات الدولة، وأخذ من وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان 16605 فدان في هذه المنطقة، وتم تخصيصها لهم بالأمر المباشر، باعتبارها أرض زراعية حول مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة.
وعقب حصولهم على كل هذه الكمية الكبيرة من الأراضي (الزراعية) أرادوا تحويلها إلى أرض مباني واستغلالها لصالحهم، وأرادوا تأمين أنفسهم من جانب الأجهزة التي قد تسبب لهم مشاكل عدة، فقرروا التواصل مع تلك الأجهزة لإغرائهم وشراء ذممهم وصمتهم بآلاف الأفدنة، وعبر رشاو لبعض مسؤوليها وأفرادها، كي يؤمّنوا ظهورهم.
فتواصلوا مع جهاز أمن الدولة، والنيابة العامة، وبعض القضاة، ورجال المخابرات، والرقابة الإدارية، من أجل منحهم آلاف الأفدنة، وقد ركزوا على الأخيرة، لأنها هي التي قد تسبب له الكثير من المشاكل والعقبات..و كان من المفترض أن يتم توزيع الأراضي على أعضاء جمعية 6 أكتوبر التي تم تأسيسها عام 1988، التي تحولت لشركة فيما بعد عام 1996، كي تحصل على المزيد من الأراضي، لأن القانون لا يسمح بتملك الجمعيات أكثر من 5 آلاف فدان، إلا أن من حصلوا على أراض في الأجهزة الرقابية والسيادية لم يكونوا أعضاء بهذه الشركة من الأساس.
وهو ما مكن جميع ضباط الرقابة الإدارية والقضاة ورجال المخابرات وضباط مباحث أمن الدولة حصلوا على أراض في الحزام الأخضر بالمخالفة الصارخة للقانون، ولإجراءات وقواعد التخصيص، التي تنص على أنه من يحق له الحصول على أراضي في هذه المنطقة فئات بعينها، وهي أسر شهداء العمليات الحربية، ومصابي العمليات الحربية، والمُسرّحين من القوات المسلحة، والخريجين حديثا من كليات الزراعة، والمُقيمين داخل زمام المدن الجديدة الذين يمتهنون مهنة الزراعة.
كعكة الفساد
فتم تخصيص 5200 فدان للرقابة الإدارية، وتم توزيعها على معظم ضباط الجهاز، الذين بلغ عددهم 600 ضابط وقت التخصيص على مرحلتين، وحصل 300 ضابط في المرحلة الأولى على 10 فدانين (أي مساحة 3000 فدان) بقيمة 5 آلاف جنيه للفدان الواحد“.
ولكن بعد مرور شهور قليلة ظهرت أزمة كبرى بالنسبة لأراضي المرحلة الأولى، لأن جزءا منها مساحته 1500 فدان كان أرض عسكرية تابعة لقوات الدفاع الجوي التابعة للجيش المصري، والتي فوجئت بالسطو الذي حدث على الأراضي، لكنها أعلنت أنها لن تسمح لأي أحد بوضع يده على هذه الأراضي أيا كان حتى لو كان تابعا لأي جهة في الدولة.
وكان محامي جمعية شركة 6 أكتوبر للتنمية الزراعية، هشام نجيب، قد قال، في أحد البرامج التلفزيونية، إن مساحة الأراضي التي حصلت عليها شركتهم كان بها جزء لم تتمكن هيئة المجتمعات العمرانية من تسليمه لهم، بزعم وجود إشغالات عليها لبعض الناس، ولذلك أعطتهم أرضا بديلة، لكن دون أن يوضح السبب الحقيقي الذي حال دون تسليمهم هذه الأراضي.
وقد تفجرت تلك الأزمة الكبرى داخليا، وتم التكتم عليها في سرية شديدة جدا، لخطورة الأمر وحساسيته، خاصة أن الذين تم تخصيص الأراضي لهم قام بعضهم ببيعها مباشرة، وذهبت لأشخاص آخرين، ولم يعرف الفاسدون كيف يتصرفون إزاء هذا التطور الخطير.
تدخل المشير طنطاوي
وفي محاولة لواد الأزمة في مهدها، ذهب رئيس هيئة الرقابة الإدارية حينها اللواء هتلر طنطاوي، الذي حصل فيما بعد على أكثر من 40 فدانا، إلى وزير الدفاع في ذلك الوقت المشير محمد حسين طنطاوي، وأخبره بضرورة احتواء الأمر بأي صورة، حتى لا تكن فضيحة مدوية.
وكان هتلر طنطاوي يتمتع بعلاقة قوية مع المشير محمد حسين طنطاوي، خاصة أنه عمل معه كأمين عام لوزارة الدفاع لمدة حوالي 10 سنوات، وقد أبلغه أنهم في أزمة حقيقية بعدما وضعت قوات الدفاع الجوي يدها على الأرض التي تم تخصيصها لأعضاء الرقابة الإدارية..
وكان الفريق سامي عنان، يشغل حينها منصب قائد قوات الدفاع الجوي، عرف بالقضية وأبعادها، إلا أنه أبلغ المشير طنطاوي أن هذه أرض تابعة للقوات المسلحة بالفعل، وأن قوات الدفاع الجوي لن تتنازل عنها مهما حدث.
فأصدر المشير طنطاوي تعليماته لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة باقتطاع جزء آخر من أرض (الحزام الأخضر) للرقابة الإدارية بدلا من الأرض التي أخذتها قوات الدفاع الجوي، وبسعر بلغ ألف جنيه فقط للفدان الواحد ترضية لهم، وإكراما لصديقه اللواء هتلر طنطاوي الذي طلب تخصيص 2200 فدان.
ووصل عدد ضباط الرقابة الإدارية، الذين أخذت قوات الدفاع الجوي أرضهم 150 ضابطا، دفعوا 5 آلاف جنيه، وحصلوا على الـ5 فدانين في الأرض البديلة التي خصصها لهم المشير طنطاوي بنفسه، كي يتم احتواء تلك الأزمة الخطيرة، ويتم إنقاذ صديقه المُقرب رئيس الرقابة الإدارية.
وجاء تصرف المشير حسين طنطاوي في أراضي الدولة، وكأنها عزبة والده، حيث منح الرقابة الإدارية آلاف الأفدنة بسعر 1000 جنيه للفدان، وهو سعر زهيد للغاية.
يشار إلى أن جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة لا يقوم بتخصيص أو بيع الأرض لأي جهات حكومية، بل لأشخاص أو جهات غير حكومية في المزاد العلني، وبالتالي لا يستطيع إعطاء 2200 فدان للرقابة الإدارية بشكل مباشر، وكات هذه مشكلة جديدة..وتوصل جهاز مشروعات الأراضي لفكرة إعطاء وتخصيص الأرض لشخص من الرقابة الإدارية، وتتم كتابة مساحة الأرض كلها باسمه، وفي نفس الوقت يوقع 440 عقد تنازل على بياض (غير مستوفي أي بيانات)، لأن كل ضابط بالجهاز سيحصل على 5 أفدنة، وبالتالي سيحصل باقي الضباط بالجهاز الذين لم يأخذوا أي أراضي، وكذلك الضباط الذين أخذت قوات الدفاع الجوي أراضيهم..وبالفعل تم تحديد شخص بعينه، وهو أمين عام الرقابة الإدارية حينها، اللواء محمد طاهر سلامة، وتم تسجيل الأرض كلها باسمه، ووقّع 440 عقد تنازل على بياض، على أن يقوم طاهر بملء هذه التنازلات بأسماء الضباط الذين تعين عليهم الذهاب لجهاز مشروعات الأراضي ليقوموا بدفع 5 آلاف جنيه ليأخذوا 5 فدادين، ويتم تحرير عقد بيع نهائي لهم صادر من الجيش، والمعروف بالعقد الأزرق.
وفور صدور خطابات التخصيص في المرحلة الأولى كان بعض الضباط الذين أخذت قوات الدفاع الجوي أراضيهم قاموا ببيع الأراضي لأشخاص مدنيون بمبالغ تراوحت بين 150 و250 ألف جنيه للفدان الواحد، وقد استغل طاهر سلامة هذه الثغرة وأعطى عقود تنازل موقعة منه لأشخاص آخرين من خارج جهاز الرقابة الإدارية ليحصلوا على أراض من جهاز مشروعات الأراضي باعتبارهم ضباط بالجهاز، لكن معظمهم كانوا من أقاربه وأصدقائه ومعارفه..وهو ما اكتشفه جهاز الأراضي لاحقا هذه السرقة التي قام بها طاهر سلامة، إلا أن ضباطه خافوا على أنفسهم، خاصة أن الأمر برمته يشوبه الفساد التام، فضلا عن أن هناك جزءا من أراضي الجهاز بيعت لأشخاص ليسوا من الرقابة على أساس أنهم من الرقابة، وأخذوا عقود بيع نهائية.
وطلب جهاز مشروعات الأراضي من اللواء طاهر -الذي كان على وشك الخروج من الخدمة- إعادة الأراضي التي سرقها، فطلب مد عمله بالرقابة الإدارية 6 شهور إضافية، كي يصحح ما حدث، إلا أنه استغل هذه الفترة لإخفاء كل شيء، وفي النهاية قال لهم افعلوا ما يحلو لكم، وذلك لأنه كان متأكدا من أن جهاز الأراضي أو الرقابة الإدارية لا يمكنهم اتخاذ أي إجراء ضده، وإلا سيفضحون أنفسهم، لأنهم كأجهزة -وليس كأشخاص- متورطون في هذه الجريمة.
تدخل “المركزي للمحاسبات“
ثم كانت المفاجأة، عندما قام أحد ضباط جهاز مشروعات الأراضي بإبلاغ الجهاز المركزي للمحاسبات، وحكى له تفاصيل الجريمة، وتم التحدث مع المسؤول عن جمعية 6 أكتوبر داخل “المركزي للمحاسبات”. وتأكد لهم بعد البحث والتحري أن هؤلاء “الفسدة” تابعون للرقابة الإدارية، وأن كل ما حدث كان بالتنسيق التام مع جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة“.
ووصلت مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت اللواء فريد التهامي إليه معلومات بشأن ما حدث، خاصة أن الواقعة تمت بتعليمات شفوية من وزيره، وشاءت الأقدار بعد أقل من عامين في 2004 تم تعيينه رئيسا للرقابة الإدارية، وأصبح مسؤولا عن الشكوى التي وصلته في المخابرات الحربية، وأراد التحقيق فيها بجدية، إلا أنه وجد كل كبار رجال الرقابة الإدارية حصلوا على أراضي، وكانت مشكلة وأزمة كبيرة، وتصور أنها قد يتضرر منها شخصيا بعدما أصبح رئيسا للرقابة الإدارية.
فذهب التهامي لجهاز المخابرات العامة، وبالفعل تم تشكيل لجنة سرية من المخابرات العامة للتحقيق في هذا الفساد، وتم تحديد مسؤولين كبار على رأسهم المشير طنطاوي وقيادات بوزارة الداخلية وأمن الدولة والرقابة الإدارية والقضاء باعتبارهم متورطين في هذه الجريمة سواء بحصولهم على الأراضي أو بتعليماتهم وتسهيلاتهم لتمرير هذا الفساد.
إلا أن اللجنة السرية التي شكّلتها المخابرات العامة توقف عملها فيما بعد لأسباب غير معلومة، وتم إخبارها من قبل بعض كبار شخصيات الدولة بأنه ليس من المصلحة العامة تعرية وفضح أجهزة الدولة.
ولعل تلك القضية الجريمة في حق مصر ونظامها العسكري، هي من اطاحت بهشام جنينة، من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات، حيث كتب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينه تقريرا حول تلك الجريمة الكبرى، وأوضح كل تفاصيله، وكيف تغيرت الأراضي من هذا إلى ذاك، مطالبا بالكشف عن الوثائق والمستندات الخاصة بهذه القضية، والكشف عن الأسماء التي حصلت على الأراضي.
وقام المستشار جنينة بتشكيل فريق عمل محترف بشكل سري لمعرفة أبعاد وحجم الفساد بالحزام الأخضر، واستطاع كشف الكثير في هذه القضية وتمت كتابة النتائج في تقرير مُفصل تم وضعه في مظروف مغلق، وتم إرساله للنائب العام الذي فتح التحقيق في مكتبه، لكنه قام بحفظ التحقيق لأسباب يعلمها الجميع، ودون إعلان جنينة أو الرأي بتلك الأسباب، بل لا يزال تقرير جنينة موجودا في المكتب الفني للنائب العام، ومُتحفظ عليه بشكل سري حتى الآن.
وعقب ذلك، أرسل المستشار جنية للنائب العام خطابا رسميا للاستفسار عن الأسباب التي دفعته لحفظ التحقيق، لكن تم إبلاغه بأنه ليس من حق أي أحد أو جهة الاستفسار عن أسباب حفظ تحقيق النائب العام، بزعم أن النيابة العامة لا تُسأل عن نتائج تحقيقاتها، وانتهى الأمر إلى حفظ القضية وإغلاقها تماما بناء على تعليمات سيادية عُليا، وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت جنينة للإعلان عن الحجم الهائل من الفساد التي تورطت فيه مختلف أجهزة الدولة، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي أدت للإطاحة بجنينة من منصبه…
وفي نوفمبر 2014، تحدث المستشار هشام جنينة عن أكبر قضية فساد بأراضي “الحزام الأخضر”، مؤكدا أنه يتعرض لحملة ترهيب باستخدام سلاح القانون، مضيفا: “لست أنا وحدي من تم ترهيبي، بل أعضاء الإدارة المعنية التي رصدت هذه التجاوزات في منطقة الحزام الأخضر“.
وأضاف -في تصريحات إعلامية- أن هناك “تراخيا وتعمدا من الجهة الإدارية عن تطبيق حكم القانون، والجهاز المركزي للمحاسبات هو وحده الذي كشف عن هذا الفساد والاعتداء على المال العام الذي استبيح على أوسع نطاق”، لافتا إلى أنه وضع يده على أكبر قضية نهب لأراضي الدولة.
وأشار جنينة إلى أن سبب الاحتقان يعود لأن كل من حصلوا على الأراضي داخل الحزام الأخضر أسماء تنتمي لوزارة الداخلية، والنيابة العامة، والرقابة الإدارية، ونادي القضاة، والمخابرات، ساخرا بقوله:” أنا دخلت عش دبابير، وكان من المفترض أن أغلق هذا الملف وأرتاح“.
الاطاحة بهشام جنينة
وفي سبتمبر 2016، قال جنينة خلال مرافعته عن نفسه: ما أقدمت عليه هو الدخول في الخطوط الحمراء التي يعتبرها الجميع لا يجوز الاقتراب منها، وهي ما يطلق عليها الأجهزة السيادية، وهذه بدعة ابتدعها بعض أصحاب المصالح وبعض الرجال النافذين في الدولة ليضفوا على أنفسهم الحماية، لأنه لا سيادة إلا للشعب وفقا للقانون والدستور.
أين السيسي من القضية؟
ولعل ما حدث من وقائع كارثية ، تحت سمع وبصر السيسي ونظامه الحاكم، والذي حاول تصدير صورة زائفة عن نفسه بأنه مكافح للفساد، خيث كان من المفترض أن تقوم الدولة المصرية بمحاربة الفساد، وتقنين أوضاع الأراضي التي تم وضع اليد عليها مقابل مبالغ مالية مناسبة، والدولة تزعم أنها تقوم بذلك بالفعل، والسيسي نفسه قال سنقوم بتقنين الأراضي وأعلن غضبه العارم من الاستيلاء على الأراضي أو تحويل الأرض الزراعية إلى أرض للبناء، ما جعل الكثيرين في حالة قلق كبير من دفع أموال طائلة مُستحقة للدولة.
وفي مايو 2017، طالب السيسي بنزع الأراضي ممن يعتدون عليها ولا يقومون بتقنين وضعهم، قائلا: “أنا بصراحة زعلان أوي، زعلان في الموضوع ده (التعديات على الأرض الزراعية).. أن حد ياخذ أراضي مصر كده.. الناس مش لاقية تأكل.. وناس تمد يدها بالعشرة آلاف فدان، والعشرين ألف فدان، يأخذه، ويقول: دول بتوعي؟“.
وتابع السيسي: “الكلام ده مش هيبقى مقبول في مصر تاني خلاص، أن حد يمد يده، ويقول الأراضي دي بتاعتي.. لا مش بتاعتك.. دي بتاعة مصر، مش بتاعتنا.. مش من حقي أعطيها لك“.
لكن كانت المفاجأة المدوية أن السيسي نفسه كان قد أصدر قرارا جمهوريا فريدا من نوعه في فبراير 2017 باعتبار جميع أرضي الحزام الأخضر، التي تبلغ مساحتها 60 ألف فدان، مناطق سكنية وليست أرض زراعية، وهذه هي الأرض الوحيدة التي أصدر السيسي قرارا بشأنها بهذا الخصوص، وذلك لمحاولة التستر على كبار المسؤولين المتورطين في هذا الفساد وإرضاء لهم وشراء لولائهم مقابل دفعهم مبالغ بسيطة لا تساوي على الإطلاق 10% من قيمة الأرض الحقيقية التي حصلوا عليها.
ومثل قرار السيسي قمة الفساد، بأن يتدخل رئيس الدولة بنفسه، ويقوم بإصدار قرار بتحويل الأراضي التي استولت عليها الأجهزة الرقابية على وجه الخصوص والسيادية على وجه العموم، ودون غيرها من الأراضي من زراعي لمباني لينقذ أتباعه من الفضيحة، ويتم إعفاؤهم من دفع مبالغ مناسبة مقابل تقنين أوضاعهم في حين يُصرّ على تحصيل المليارات من أصحاب الأراضي في باقي الجمهورية، ويقوم بتنفيذ الإزالات على أراضيهم، لأن هؤلاء غير مرضي عنهم وليسوا تابعين للأجهزة التي يعمل فيها أبناؤه.
ولعل الازدواجية التي يتعامل بها السيسي مع اراضي المصريين، تبدو فاضحة للنظام العسكري الذي يبدو أسدا على مباني وعقارات المصريين، مرة بالازالات او دفع الأموال، او بقوانين التسجيل بالشهر العقاري، التي تفاقم ازمات الفقراء، او بالضرائب العقارية التي تسلب الفقراء أموالهم فيما يجري حماية فساد الكبار وقيادات نظام السيسي.
وقد قام السيسي بنفسه عبر إصدار قرار استثنائي بتقنين وضع هذه الأراضي بالمخالفة للقانون، إرضاء لمحاسبيه وأتباعه وحاشيته ولابنه مصطفى الذي تدخل في القضية بعدما لجأ له بعض ضباط الرقابة الإدارية للتوسط لهم عند أبيه لإصدار قرار بتغيير نشاط الأرض وإنهاء الأمر برمته.
بعض الأسماء التي حصلت على أراض بالحزام الأخضر :
– اللواء عبدالحميد عبدالعزيز الهجان- سكرتير اللواء هتلر طنطاوي سابقا، ويشغل حاليا منصب محافظ قنا
– اللواء محمد صلاح أبو هميلة- مساعد رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق ونائب رئيس ائتلاف دعم مصر حاليا
– اللواء أمين يحيى زكريا متولى- وكيل سابق بهيئة الرقابة الإدارية وكان مسؤولا عن المصاريف السرية لهتلر طنطاوي
– اللواء أحمد عبد الحميد عبد اللطيف رضوان- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء أيمن سالم أحمد سالم- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء أحمد حسنين أحمد حلة- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء محمد الشافعي حسن السيد- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء محمد سعيد حافظ- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء هشام بيومي على حسن- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء علاء عباس فهمى عثمان- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء فيصل محمد عبد الله عبود- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء أحمد ممدوح إسماعيل أبو العزم- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء حسن مصطفى حسن مصطفى- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
– اللواء محسن الدرديري ثابت حسن- وكيل بهيئة الرقابة الإدارية
وهذه بعض الأسماء التي وردت بالتقرير السري للجهاز المركزي المحاسبات، ومعها أكثر من 300 اسم آخر من جهاز الرقابة الإدارية، بالإضافة إلى الكثيرين من أمن الدولة، والنيابة العامة، والداخلية، والقضاء، والمخابرات، والذين أضروا بأموال الحزانة العامة للدولة، بنحو ٢٩١ مليار جنيهَ-وفق تقديرات رقابية!!
فساد آخر على حساب أراضي مصر
ولعل مسلسل تخريب مصر، وجرف أراضيها واهدار مقدراتها المالية والاقتصادية، لم يتوقف ، بل ويتنوع يوما بعد يوم..ومنها تحويل أراضي مراكو البحوث الزراعية إلى أراضي استثمار عقاري.
حيث كشف يوم 27 فبراير الماضي، عن وصول خطاب من محافظة المنوفية، إلى كلية الزراعة، بجامعة المنوفية، يخطر الكلية بصدور قرار من المحافظة بإخلاء أرض مزرعة الراهب البحثية التابعة للكلية والتي تقدر مساحتها بحوالي 55 فدانًا، وتسليمها للجهة المنوطة بها إقامة مشروع إسكان اجتماعي في المنطقة.
حيث كشف مصدر بالكلية لـ”العربي الجديد”، إلى أن كل من مجلسي الكلية والجامعة صعد الموضوع لكافة الجهات العليا، مؤكدين عدم إمكانية عمل الكلية من دون مزرعة بحثية، لافتًا إلى أنه من الأهمية بمكان وجود مزرعة بحثية في النطاق البيئي للكلية، وليس خارج هذا النطاق.
ويأتي مقترح تحويل المزرعة إلى مشروع إسكاني،ضمن سلسلة من القرارات المتشابهة، التي تصب في صالح الهيئة الهندسية للقوات المسلخة، التي تقوم بتنفيذ المشروعات الاسكانية ، وهو ما سبق تكراره في عدة محافظات.
وتعتبر مزرعة الراهب بالمنوفية رابع مزرعة بحثية يصدر قرار بتحويل أراضيها من مسار البحث العلمي إلى مشاريع إسكانية خلال شهر واحد، بالرغم من أن محافظة المنوفية تمتلك ظهيرًا صحراويًا، فمنذ أيام مضت فوجئ الباحثون في محطة كفر حمام للبحوث الزراعية بالشرقية بلجان مساحية، لا تُعرف تبعيتها على وجه التحديد، لرفع إحداثيات أرض المحطة ومساحتها 36 فدانا، بهدف إنشاء عمارات سكنية، بحسب رد مسؤولي اللجان على تساؤلات باحثي المحطة.
وتكرر نفس الأمر في محطة بهتيم للبحوث الزراعية بمساحة 380 فداناً، إذ ذهبت لجنة من القوات المسلحة لرفع إحداثيات أرض المحطة، من دون علم القائمين عليها، لإدراجها ضمن مشروعات التطوير العقاري لمدينة شبرا الخيمة.
واستغاث أكثر من 100 فرد من العاملين بمحطة بحوث الدواجن بالإسكندرية، بعد ورود معلومات للمحطة بتحويلها ( 12 فدان) إلى منطقة سكنية، وحذروا في بيان لهم من تحويل مسار المحطة، إذ إنها تحتفظ بغالبية التراكيب الوراثية لسلالات الدواجن والأرانب المنتشرة في ربوع مصر، بهدف الحفاظ عليها في صورتها النقية وإجراء التحسين الوراثي عليها باستمرار من أجل زيادة الدخل القومي، وكذلك تكرر الأمر في أراضي مركز البحوث بكلية الزراعة بشيرا الخيمة، بالقليوبية،
ووفق تقديرات اكاديمية، فإن تحويل أراضي محطات البحوث الزراعية من أراض للبحث العلمي إلى مشاريع عقارية بمثابة “خيانة للوطن”، بعد أن أسفرت جهود المراكز البحثية عن نجاحات في زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل الاستراتيجية.
خاتمة
ولعل الرسالة الاخطر، التي تحملها قضية فساد اراضي الحزام الاخضر، أن أي محاولة لكشف فساد أجهزة الدولة سيكون مصيرها الفشل، ومصير من قام بها السجن أو الإقالة من منصبه، ولا بوجد في مصر أي منظومة قضائية تضمن تحقيق العدالة والشفافية والمصداقية في محاربة فساد الدولة، بل إن الدولة بأكملها مُسخّرة للتغطية على فساد أجهزتها الرقابية أو السيادية.