في محاولة لتصحيح مسار العلاقات المصرية مع السودان، أجرى عبد الفتاح السيسي أول زيارة له للسودان السبت 6 مارس الجاري، بعد سقوط نظام عمر البشير في إبريل 2019، في ظل فشل مفاوضات سد النهضة والدعوة إلى تدويل القضية.
ملفات استراتيجية
-أزمة سد النهضة
وسعى نظام السيسي للترويج بأن الزيارة تأتي للجم إثيوبيا في إفريقيا، حيث صرح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان السفير وائل عادل نصر لـ”سبوتنيك” الروسية، قائلا : “من الواضح أن إثيوبيا تخطت حدود العقل في كل تصرفاتها، فهى تتحرك وكأنها قوة عظمى لا رادع لها في أفريقيا، وقد مضت سنوات عديدة نتفاوض من أجل الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف فيما يتعلق بسد النهضة”.
كذلك، تأتي الزيارة في سياق مأزوم على الصعيد المصري والسوداني، وسط رفض إثيوبي للتقيد باتفاق مرض للجانبين حول سسد النهضة، إذ يبدو أن أديس أبابا تتفاوض “من أجل التفاوض ليس أكثر من أجل كسب الوقت والمضي قدما في عملية البناء وملء السد بصورة أحادية دونما اعتبار للأطراف الأخرى، مستندة لاتفاق المبادئ في 2015، الذي يمنحها صلاحيات واسعة.
ومما يفاقم الوضع تعقيدا وتأزما، بجانب فشل مفاوضات “سد النهضة” مع الجانب الإثيوبي، النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وانضمام الخرطوم لركب التطبيع الخليجي العربي مع إسرائيل، إضافة إلى ملفات اقتصادية، وترتيبات أمنية تتعلق بتسليم معارضين تشغل الطرفين.
واستبق الزيارة حراك دبلوماسي وعسكري كبير بين البلدين، بعدما وقعت البلدان، في الثاني من مارس الجاري اتفاقيات عسكرية خلال زيارة قام بها رئيس الأركان المصري إلى السودان، وتم التوقيع على الاتفاقية في الخرطوم، بحضور قائدي جيشي البلدين، اللذين أكدا أن البلدين يواجهان تهديدات مشتركة.
-الاقتصاد
وعلى الرغم من أن الأسباب السياسية كانت حاضرة بقوة خلف زيارة “السيسي” للخرطوم، فإن الأجندة الاقتصادية طرحت نفسها بقوة كأساس للعلاقات بين الجانبين، وتؤكد مصادر خاصة تحدثت لـ”الخليج الجديد”، أن القاهرة تعمل بصورة حثيثة لتطوير العلاقات المصرية السودانية من خلال بناء شراكات استراتيجية اقتصادية وعسكرية، ومن خلال مشروعات الربط الاستراتيجي خاصة الكهرباء والطريق البري الذي يتوقع ألا يقتصر على السودان وأن يمتد إلى دول أفريقية أخرى، وبحسب “سكاي نيوز” “فإن مصر والسودان بحاجة إلى بعضهما البعض، وهو ما يتطلب وضع أسس جديدة تحكم العلاقة الاقتصادية بينهما”.
ويرتبط البلدان بحدود برية وبحرية طويلة، ويستخدمان عدة نقاط برية ومائية مشتركة لتبادل التجارة بينهما، التي يبلغ متوسطها السنوي نحو 800 مليون دولار، ويأملان في رفعها إلى 3 مليارات سنويا خلال السنوات المقبلة، وتزخر محفظة الاستثمارات بين البلدين ببنود عدة، أبرزها التعاون الزراعي، والإنتاج الحيواني، والربط الكهربائي، ومشروع ربط المواصلات بين مصر والسودان (أسوان-وادي حلفا)، والاستفادة من موانئ البلدين على البحر الأحمر، وتنشيط التبادل التجاري عبر محور (القاهرة/أرقين) الذي يمر بـ8 محافظات مصرية، والذي يحقق الربط البرى وزيادة حركة التجارة مع الدول الأفريقية.
نتائج معلنة
وخلال المؤتمر الصحفي المشترك بين السيسي والفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، أكدا رفض البلدين سياسة الأمر الواقع بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي ومحاولة السيطرة على النيل الأزرق، عبر إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب، داعين لضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وعادل يراعي مصالح دول المصب (مصر والسودان)، قبل موسم الفيضان المقبل في يونيو 2021.
ووفق البيان الصادر عن المجتمعين، أكد على حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة، مع ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث – مصر وإثيوبيا والسودان، إذ أن اتجاه إثيوبيا لتنفيذ المرحلة الثانية من ملء وتشغيل سد النهضة خلال موسم الفيضان المقبل، يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بدولتي المصب.
وسعى السيسي والبرهان لدفع سبل إعادة مسار المفاوضات من خلال تشكيل رباعية دولية تشمل الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، والاتحاد الأفريقي، للتوسط بعملية المفاوضات – الآلية التي اقترحها السودان وأيدتها مصر، لتعظيم فرص نجاح التوصل لاتفاق بشأن السد، وذلك بتطوير آلية التفاوض التي يرعاها الاتحاد الأفريقي من خلال تشكيل رباعية دولية تقودها وتسييرها جمهورية الكونجو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي وتشمل كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتوسط في المفاوضات.
من جانبه، قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، إن السودان ومصر توصلا إلى رؤية موحدة تخدم تقدم وتطور ونماء الشعبين المصري والسوداني وتساهم في استقرار الدولتين.
وعلى الرغم من الأجواء الايجابية التي رافقت الزيارة، إلا أن هناك بعض الملفات التي يجري التكتم عليها، كملفات حلايب وشلاتين، والخلاف المثار حولهما منذ فترة، وتجدد مؤخرا بعدما كشف عن خريطة لمصر مرسلة إلى الاتحاد الافريقي، بجانب ملف المعارضين السياسيين المصريين المقيمين بالسودان، والمهاجرين السودانيين المقيمين بمصر والمقدر عددهم بـ5 مليون سوداني، ومسارات التطبيع السوداني الإسرائيلي الأخيرة.
وتمثل الزيارة أهمية للسودان، التي تحتاج إلى حليف قوي في نزاعه الحدودي مع إثيوبيا حول مناطق الفشقة الزراعية، والتي شهدت معارك عنيفة خلال الشهور الماضية، وهو ما ترجمته زيارة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق “محمد فريد” للخرطوم، حيث أكد استعداد القاهرة لتلبية احتياجات الجيش السوداني في مجالات التدريب والتسليح وتأمين الحدود المشتركة.
ملفات متوترة
وعلى خلاف الجوانب المعلنة من تفاصيل زيارة السيسي للسودان، تأتي ملفات عدة لم يتطرق لها الجانبان علنا، لما تحمله من جوانب أمنية ولوجستية ، أو ما زالت في طي الخلافات ، أو مسكوت عنها لما قد تثيره من خلافات في حال طرحها، ومنها:
– التطبيع السوداني الاسرائيلي
وبشكل غير معلن، تبدو مصر قلقة للغاية من تواجد إسرائيلي في حديقتها الخلفية، خاصة أن السودان يبدو ماضيا بخطى سريعة نحو تعزيز التطبيع مع تل أبيب، باعتباره بوابة للخلاص من أزماته الداخلية والخارجية المتراكمة.
ويمثل السودان فرصة واعدة للإسرائيليين للتواجد على البحر الأحمر، الذي يمثل أهمية استراتيجية لتل أبيب، كذلك سيكون ساحة لنشاط استخباراتي مكثف من الموساد الإسرائيلي، ومنصة لتعاون اقتصادي وزراعي بين البلدين، وهي أمور تنظر إليها مصر في المجمل بعين الريبة، على الرغم من مسارها التطبيعي المتصاعد مؤخرا، عبر زيارات ممتبادلة بين وزراء الطاقة والاستخبارات وطلب شركة مصر للطيران من اسرائيل تسيير رحلات مباشرة بين القاهرة وتل أبيب بواقع 7 رخلات أسبوعية.
وترغب مصر تحديدا في أن تظل على علم كامل بجميع أوجه التطبيع السوداني الإسرائيلي، على ألا يكون المجال العسكري منها، مع توجيه دفة التطبيع إلى الملفات التنموية ومجالات الزراعة والطاقة والكهرباء، وكانت صحيفة “العربي الجديد”، نقلت عن خبراء ومسئولين دبلوماسيين -لم تسمهم- أن القاهرة قلقة من تعاون عسكري بين الخرطوم وتل أبيب، لا سيما مع استمرار الخلافات المعلقة بين البلدين على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المطل على البحر الأحمر، فيما نصحت دوائر الاستخبارات المصرية، بضرورة البناء على المناورات المشتركة الأخيرة “نسور النيل 1” التي أجرتها مع السودان، وتدعيم العلاقات العسكرية بين البلدين؛ لقطع الطريق أمام أي نفوذ إسرائيلي محتمل مستقبلا على أرض الجارة الجنوبية.
حلايب وشلاتين
وشهد الملف القابل للانفجار تطورات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، وقبل شهور جرت مشاورات بين الجانبين المصري والسوداني حول الملف، وحصلت الخرطوم على وعد مصري بفتح نقاش جاد حوله في الفترة القريبة المقبلة، بما قد يسفر عن اتفاق يحمل مكاسب كبيرة للخرطوم.
وبعد هدوء القضية لفترة؛ تم إحياؤها من جديد مؤخرًا، بعدما وجَّه الاتحاد الإفريقي جميع مكاتبه وإداراته باعتماد الخريطة الرسمية لجمهورية مصر العربية، والتي تشمل مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد.
ذلك الإعلان، الذي يبدو أنه جاء في توقيت خاطئ، قابلته مصر بالصمت، بل إن أوامر صدرت من أجهزة سيادية، بعدم التطرق إلى قصة اعتماد الاتحاد الإفريقي خريطة مصر بعد ضم مثلث حلايب وشلاتين، ويُمكن تفسير تلك الخطوة على أنها رغبة من القاهرة بعدم التصعيد مع الخرطوم، في الوقت الذي تشهد العلاقات بينهما أجواء إيجابية، لا سيما مع دعم مصر للسودان في أزمته مع إثيوبيا بسبب النزاع الحدودي بينهما، ومحاولة لكسب دعم الخرطوم في قضية سد النهضة الإثيوبي.
في المقابل، يعتبر البعض أن إثارة مسألة الخريطة قد تعود إلى محاولة من جانب إثيوبيا لاستفزاز السودان، بينما أعلن رئيس المفوضية القومية للحدود في السودان، معاذ تنقو الخميس 18 فبراير، عن احتجاج بلاده رسميًا، ضد مفوضية الاتحاد الإفريقي، باعتمادها خريطة تضم مثلث حلايب وشلاتين ضمن حدود مصر الجنوبية. وقال تنقو أنه تسلم مذكرات احتجاج من جهات بالداخل من بينها وزارة الخارجية، ورئاسة الجمهورية، للدفع بها عبر القنوات الرسمية للاتحاد الإفريقي. وأوضح أن الاحتجاج سيطالب بمحاكمة المسؤول الإفريقي الذي عدَّل في حدود السودان، مشيرًا إلى أنه أبلغ الرئاسة والخارجية ورئاسة مجلس الوزراء، بمخاطر السلوك الذي أقدم عليه الاتحاد الإفريقي. واعتبر رئيس المفوضية القومية للحدود بالسودان؛ أن موقف الاتحاد يُعتبر انحيازًا غير مقبول، وسيكون له تأثيرات سلبية على علاقات السودان مع الاتحاد الإفريقي. وشدَّد على رفض السودان لأية خرائط يصدرها الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة، مؤكدًا أن تلك المؤسسات لا تملك الحق بتعديل حدود الدول، فقط تتبنى الحدود حسب ما هو موجود في الملفات.
وسرعان ما ردت المفوضية الإفريقية بأنها لا تتبنى موقف أي من البلدين بشأن هذه القضية، حيث أكد خبير حقوق الإنسان في المفوضية السياسية بالاتحاد الإفريقي صلاح حماد أن السفارة المصرية في إثيوبيا -حيث مقر الاتحاد الإفريقي- قدَّمت طلبًا رسميًا إلى الاتحاد باعتماد منطقتي حلايب وشلاتين ضمن خريطة مصر، باعتبارها أراضٍ مصرية، وقال حماد أنه ليس من صلاحيات مدير مكتب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي أن يقرر في قضايا سيادية كهذه، وأن مثل هذه القضايا الحدودية لا يبت فيها بهذه الطريقة، وأن القرارات بشأنها تصدر من محاكم إقليمية أو دولية. وفي نفس السياق؛ نفى مبعوث مفوضية الاتحاد الإفريقي للسودان، محمد الحسن ولد لبات، عن تبنِّي الاتحاد أو اعتماده أي خرائط تؤكد تبعية حلايب وشلاتين إلى مصر، وقال أن المنظمة مررت فقط أوراقًا وصلت إليها من دولة عضو، إلى الدول الأخرى، وهذا لا يعني أنها تتبنى المحتوى، مضيفًا في تصريحات إعلامية أنه على الدولة المعترضة أن ترسل توضيحاتها واعتراضها، وسيُوزَّع للدول بأسرع ما يمكن.
وهكذا؛ فقد باتت القاهرة تحارب في هذا الملف على أكثر من جبهة، فبدلًا من توحيد الجهود نحو أديس أبابا، فإنها تقاتل على جبهة أخرى لضمان بقاء السودان معها في الخندق ذاته. فمن ناحية؛ تحاول أديس أبابا تضييق الخناق على القاهرة وتشتيت جهود صانع القرار المصري، لإطالة أمد الأزمة حتى يكون تشغيل السد بنسبة 100 % أمرًا واقعًا. ومن ناحية أخرى تسعى السودان للخروج من تلك الفترة بمكاسب تخص حدودها، كما هو الحاصل الآن في منطقة الفشقة وحدودها مع إثيوبيا. ومن المُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تطورًا هو الأول من نوعه في ما يخص مسألة النزاع حول منطقة حلايب وشلاتين، الأمر الذي قد يُسفر –في ظل الوضع الراهن- عن إجراءات على الأرض لصالح الخرطوم، حيث هناك تجاوب مصري، يرجع إلى المحاولات المصرية للإبقاء على الموقف السوداني إلى جوارها في أزمة سد النهضة.
وهناك صراع كبير داخل المشهد السوداني بين المكونات العسكرية والمدنية لمنظومة الحكم الحالية، ويسعى كلا الطرفين للبحث عن أوراق ضغط تُمكِّنه من الحصول على الدعم المُطلق للشارع في مواجهة الطرف الآخر، لذلك برزت مجموعة من الملفات في الوقت الحالي، يرى فيها كلا الطرفين طوق نجاة بالنسبة له، وفي مقدمة هذه الملفات ملف حلايب وشلاتين.
وتتنازع القاهرة والخرطوم حول مثلث حلايب -الذي تبلغ مساحته 20 ألف كيلومتر مربع- منذ العام 1958، وفي سنة 1995 دخل الجيش المصري المنطقة وأحكم سيطرته عليها. والآن؛ يُفضِّل الائتلاف الحاكم في السودان أن يتعامل مع هذا الملف بحكمة، حيث خرج السودان حديثًا من نظام قمعي ويعاني من أزمة اقتصادية، وفي نفس الوقت ترفض القاهرة خيار اللجوء إلى التحكيم الدولي للفصل في تبعية حلايب للسودان أم لمصر.
ووفق دراسة لمركز كارينغي للشرق الأوسط، بعنوان : “الحدود المصرية – السودانية: قصة وعد لم يتحقق”، للباحث شريف محي الدين، تنامت التوترات على الحدود بين مصر والسودان خلال العقود الأخيرة.
فمنذ نيل السودان الاستقلال عام 1956، اتّسمت علاقاته الحدودية مع مصر بالشك والارتياب، بدلًا من التفاعل السلمي. هذا هو الإرث الذي ظل يتفاقم على مدى عقود بفعل موجات متتابعة من العقبات والنزاعات، خاصةً بسبب الصراع على مثلث حلايب،وذلك على الرغم من المحاولات التي بذلها كلا الطرفين لتحسين العلاقات عقب ثورة 25 يناير عام 2011. عانت المجتمعات المحلية في تلك المناطق الحدودية التي حاولت الضغط على صناع القرار لتحسين العلاقات بين البلدين، ولكن ظلت اليد العليا للريبة والظنون، ما ألحق الضرر بكلا الطرفين.
ولاتزال القاهرة والخرطوم منخرطتين في نزاع مثلث حلايب الغني بالمعادن، وهو النزاع الذي وصل إلى اشتباكات مسلحة ومحاولة لاغتيال الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك عام 1995، على الرغم من العلاقات الضئيلة بين مصر والسودان فقد وقّعتا اتفاقية تضمن حرية الحركة، والإقامة، والعمل، وحق التملّك لمواطنيهما عام 2004. بيد أن تطبيق هذه الاتفاقية كان انتقائيًا، خاصة من الجانب المصري، وتدفع مصر والسودان ثمنًا اقتصاديًا باهظًا بسبب القيود المفروضة على العلاقات الحدودية وحركة السكان عبر الحدود، وهو ما شجّع على التجارة غير المشروعة وأثّر سلبًا على المجتمعات المحلية في المناطق الحدودية، وهو ما يمثّل حافزًا لتحسين العلاقات العابرة للحدود، ولعب المجتمع المحلي النوبي دورًا مهمًا في الضغط لفتح المعبرين البريين بين مصر والسودان في 2014 و2017. وبالمثل، فإن عودة النوبيين إلى المنطقة الحدودية بإمكانها أن تساعد مجددًا على تحسين العلاقات العابرة للحدود.
وبحسب تقديرات استراتيجية، فطالما أن النزاع حول مثلث حلايب لايزال مُعلّقًا بدون حلول، فإن احتمالية نشوب صراعات أكثر خطورة بين مصر والسودان تظل قائمة، وتفرض عسكرة مصر لحدودها إشكالية، خاصة حين يستفيد الجيش المصري اقتصاديًا من الوضع القائم في هذه المناطق، مما يعيق عملية تطبيع العلاقات مع السودان، فمنذ استقلال السودان عن الحكم المشترك البريطاني- المصري عام 1956، أسفرت سياسات الحدود التي اتبعتها مصر والسودان عن تحويل هذه المنطقة إلى مرتع دائم للشكوك والتوترات. وعلى الرغم من الجهود التي بُذلت منذ الانتفاضات العربية عام 2011 لتغيير هذا المنحنى، إلا أن إرث الماضي ما يزال يعيق تحسين العلاقات.
وقد لعب الجيش المصري دورا سلبيا في استمرار التأزيم، حيث كان السبب في تعثر المشاريع التنموية والتكاملية التي أطلقها الرئيس الراحل محمد مرسي، وفي عهد عبد الفتاح السيسي شددت السلطة المصرية من وتيرة العسكرة في منطقة الحدود لتأكيد السيادة المصرية على مثلث حلايب المُتنازع عليه ولتعزيز صورة النظام باعتباره دليلًا على دولة مصرية قوية. مما أدى إلى الحد من تدفّق المواطنين عبر الحدود وفاقم فجوة عدم الثقة بين مصر والسودان. بالإضافة إلى تصعيب كلا الحكومتين حصول المواطنين على تأشيرات دخول إلى البلد الآخر، مما زاد من توتر العلاقات بين البلدين.
أدّى فرض قيود إضافية على السفر بين مصر والسودان إلى تزايد التهريب والوسائل غير المشروعة لعبور الحدود، مما أدى للمزيد من التحديات. في ظل هذا المناخ، باتت فكرة فتح معبر ثالث ودمج خطوط السكك الحديدية بين البلدين بعيدة المنال، على الرغم من إعلان إتمام المرحلة الأولى من ربط شبكات الكهرباء في أبريل 2020 مع ذلك، لم تساهم التقلبات العامة في العلاقات الثنائية إلا بزيادة المصاعب الاقتصادية للمجتمعات المحلية المهمّشة على جانبي الحدود، والتي أثرّت بدورها سلبًا على الاقتصادين المصري والسوداني. وهكذا بات تغيير السياسات على الحدود أمرًا ملحًا.
ويبلغ طول الحدود بين مصر والسودان 1276 كيلومترًا. ويجعلها ذلك أطول حدود برية لمصر، فضلًا عن كونها الأكثر اكتظاظًا بالسكان مقارنة ببقية المناطق الحدودية المصرية، حيث يقطن نحو 2.2 مليون نسمة في المحافظات الجنوبية الثلاث: أسوان، والوادي الجديد، والبحر الأحمر، ويمكن تقسيم الحدود جغرافيًا إلى ثلاثة قطاعات: القطاع الشرقي الأقصى، المناطق التي تربط الدولتين حول نهر النيل، وأخيرًا القطاع الغربي. يبدأ القطاع الشرقي الأقصى من البحر الأحمر ويشمل مثلث حلايب المُتنازع عليه والغني بالمعادن والذهب. وتُعتبر الأوضاع المعيشية في هذه المنطقة شاقة بفعل المستويات العالية من الجفاف في بعض النواحي، والتدابير الأمنية المُشددة، وإرث المجاعات. يقطن هذا القطاع قبائل بدوية مثل العبابدة والبشارية.
يضم القطاع الثاني المناطق التي تربط الدولتين حول نهر النيل ويتميّز هذا القطاع المركزي بوجود مجتمعات مدنية وزراعية والكثير أيضًا من النشاطات التجارية في منطقة الحدود. إذ يضمّ محافظة أسوان على الجانب المصري أكثر من 1.5 مليون نسمة. كما أن حلفا هي المدينة الرئيسية على الجانب السوداني من الحدود في هذه المنطقة، وتقع في الولاية الشمالية السودانية، حيث يبلغ عدد قاطني الولاية الشمالية نحو مليون نسمة.
فيما يمتد القطاع الثالث في أقصى الغرب، من النيل إلى تقاطع الحدود مع مصر والسودان وليبيا في الصحراء الغربية. وعلى الرغم من تساقط الأمطار في بعض أطراف هذه المنطقة الحدودية المدارة من قبل الجيش المصري والكائن بها مشاريع استصلاح وأراضٍ زراعية شاسعة، إلا أن ظروف العيش في تلك المنطقة بأكملها شاقة للغاية.
ولعل الدافع الرئيسي للنزاع على مثلث حلايب هو غناء هذه المنطقة بالمعادن، خاصة الماغنيسيوم، الذي يُستخدم في صناعات الحديد والزجاج وأيضًا كسماد. وقد قدّرت دراسة حكومية مصرية احتياطي الماغنيسيوم في حلايب بأكثر من 700 ألف طن، كما أبدت الدولة المصرية اهتمامًا باستغلالها، علاوةً على ذلك، تستطلع مصر ما إذا كان ثمة غاز ونفط في مياه المنطقة الساحلية للمثلث، وهذا أيضًا أحد الأسباب التي أدت لنزاع مع السودان على هذه الأراضي.
في المقابل، منطقة بير الطويل جدباء قاحلة وفقيرة الموارد، ما يجعل السكن فيها شاق. وهذا يفسّر لماذا لا يهتم أيٌّ من البلدين بتوكيد سيادته عليها، وتُسيطر مصر اليوم على مثلث حلايب وأكبر مدينة فيه، شلاتين. حتى ما قبل رئاسة مبارك، كانت هذه الأراضي تحت سيطرة السودان، لكن في أعقاب الاشتباكات المسلحة العديدة، استولت القوات المصرية على هذه الأراضي، وعام 1994 طردت ماتبقى من القوات السودانية منها وفرضت سيطرتها الكاملة على المثلث.
وتجنب العديد من السكان المحليون الذين يبلغ تعدادهم نحو 27 ألف نسمة، الانخراط علنًا في الجدل حول أي دولة يشعرون بالانتماء إليها. بيد أن أحد سكان المثلث علّق على الوضع بطريقة وضحت عدم الوضوح والالتباس الذي يصف الموقف، قائلًا: “بصراحة وببساطة شديدة، بطوننا تنتمي إلى مصر وعقولنا وقلوبنا مع السودان، وليس لدينا مشكلة في ذلك”.
هذه الملاحظة كانت إشارة إلى الحقيقة بأنه خلال المجاعة الأخيرة في أوائل التسعينيات، أرسلت مصر مواد غذائية إلى السكان المحليين، بعد أن فشل السودان في تلبية نداءات المساعدة التي أطلقوها. ومنذ ذلك الحين، كانت القاهرة تستخدم هذا الحدث للتأكيد للسكان بأن مصر تضمن أمنهم الغذائي، حتى ولو كان السكان أقرب ثقافيًا إلى السودان.
وأيضا الذي أثّر على العلاقات الحدودية هي الطريقة التي تفاقم بها النزاع على الأراضي بين مصر والسودان وأزمة العلاقات الثنائية خلال حقبة مبارك، الأمر الذي عزّز مشاعر السخط المتبادل. إذ أن خلال تلك الفترة، كانت العلاقات تتميّز بالتوترات الحادة وصولًاإلى الصدامات العسكرية التي غذّت الضغائن والشحناء بين البلدين. وجاء حادث غرق عبّارة مصرية في النيل في مايو 1983، والذي أدى إلى مصرع أكثر من 300 سوداني، ليسمّم الأجواء ويزيد الطين بلّة. في ذلك الوقت كانت العبّارات، إضافةً إلى الطرق الجوية، الوسيلة الوحيدة للنقل بين البلدين. العبّارة المذكورة، واسمها العاشر من رمضان، شبّت فيها النيران وغرقت في بحيرة ناصر.
وعلى هذا المنوال ، سارت العلاقات المصرية والسودانية في طريق الأزمات ، ومثلت أزمة حلايب وشلاتين مفتاحا فاعلا لتلك الأزمات، وتسببت في سيادة الريبة والشكوك بين الجانضبين..ولعل أزمة سد النهضة الأخيرة، قد تكون مجالا لتراجع أزمة حلايب وشلاتين قليلا، بشكل مؤقت، وهو ما يتناغم مع توصيات الدوائر الاستخبارية المصرية بعدم اثارة الامر في تلك المرحلة ، واعتماد سياسة الأمر الواقع، وهي نفس السياسة التي تفرضها اثيوبيا على سد النهضة..
-ملف المعارضين السياسيين
وهو من الملفات الشائكة، حيث ما زالت تؤوي السودان أعداد من معارضي السيسي، فروا من مصر، عقب المذابح للتي نفذها النظام العسكري ضد الشباب ومعارضيه منذ الانقلاب العسكري في منتصف العام 2013، وبصورة عامة، يطالب السيسي ونظامه من الخرطوم تسليمه المصريين المعارضين، دون تقديم اسماء محددة او مبررات تسليمهم والأحكام الصادرة بحقهم، فيما يقيم في مصر اكثر من الاف سوداني، بينهم لاجئين سياسيين ومعارضين لنظام البشير السابق، وشخصيات سودانية عديدة.
وعلى أية حال، فإن الزيارة التي قام بها السيسي للسودان، حرصت الكثير من الملفات بين البلدين، وأبقت على الكثير من الخلافات والملفات الشائكة بين البلدين، وسط مخاوف شعبية تنضاف للمستقبل السياسي للعلاقات بين البلدين، وهو ما عبرت عنه مظاهرات شبابية سودانية، ترافقت مع زيارة السيسي للخرطوم، مطالبين بمنعه من دخول السودان، لأدواره في دعم استبداد العسكر ودعمه لفساد شركات الجيش العاملة في تصدير وتهريب الذهب السوداني لخارج البلاد، وحرمان اهل السودان من خيراتهم.