على وقع مشكلات مجتمعية جوهرية يعايشها الاردن، وتأزم في بيت الحكم الهاشمي، جاءت أزمة الامير حمزة مع ما اثير عنه محاولة انقلاب على الحكم. بين فقر مدقع وبطالة متزايدة وحياة اقتصادية تعتمد على المساعدات السعودية والخليجية، وهو ما ترجمته تزايد نسب الضرائب والرسوم الجمركية ، حيث بات الوعاء الضريبي مرتفعا جدا في الأردن والذي يشمل ضرائب الدخل والمبيعات والرسوم الجمركية وغيرها حيث يذهب حوالي ربع دخل المواطنين للضرائب بشكل مباشر وغير مباشر. وحسب وزارة المالية فقد بلغ العائد من ضريبة المبيعات العام الماضي 3.533 مليارات دينار (حوالي 4 مليارات دولار)، فيما بلغت قيمة تحصيلات ضريبة الدخل لذات الفترة 1.138 مليار دينار (حوالي 1.6 مليار دولار).
وأشارت دائرة الإحصاءات العامة الحكومية أخيرا إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة في الربع الأخير من عام 2020 بنسبة 1.6 بالمائة مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019 والبالغة 2.1 بالمائة.وحسب بيانات الدائرة أظهرت التقديرات الأولية أن معظم القطاعات الاقتصادية حققت تراجعا خلال الربع الأخير من عام 2020 مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019.وتوقعت الحكومة أن تسجل الموازنة للعام الحالي عجزاً بقيمة 2.05 مليار دينار (2.89 مليار دولار) بعد المنح، وتمثل الضرائب غالبية الإيرادات المقدرة بقيمة 11.1 مليار دولار رغم التأثيرات السلبية الواسعة على دخل الكثير من المواطنين. كما يعاني الأردن من ارتفاع حجم المديونية بشقيها الداخلي والخارجي والتي بلغت حوالي 50 مليار دولار وفقا لأحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي الأردني.
بجانب التباس سياسي اقليمي منذ توقيع اتفاقات ابراهام بين اسرائيل وعدد من دول المنطقة كالامارات والبحرين والسودان والمغرب برعاية امريكية وسعودية، وضغوط على الاردن للتخلي عما تبقى لها من دور في دعم الفلسطينيين وسط تمسك من الملك عبد الله الثاني باهداب القضية الفلسطينية التي تمثل له مصدر مشروعية ومكانة دولية، وسط تراجع الدور الاقليمي لبلاده سياسيا واقتصاديا ووقوع الأردن وسط تجاذبات اقليمية عديدة، في منطقة ملتهبة من تقاطع الصراعات في سوريا والعراق والسعودية واسرائيل، في تلك الظروف يمكن قراءة الحدث ومن ثم تفسيره واستشراف مستقبله..
ماذا حدث؟
في 3 ابريل الجاري، تناقلت تقارير صحفية أنباء عن انقلاب محتمل دبره الأمير “حمزة”، وربما تلائم هذه الخطوة للوهلة الأولى الخلافات المتواجدة داخل العائلة المالكة، والتي تتزامن مع ضغائن متصاعدة حول قضايا خلافة العرش، رغم أنه لا يمكن استبعاد التدخل الخارجي تماما، بحسب تقديرات استراتيجية.
واعتقلت أجهزة الأمن عددا من الأشخاص، بينهم الشريف حسن بن زيد، ورئيس الديوان الملكي السابق، باسم عوض الله، ومدير مكتب ولي العهد السابق، الأمير حمزة بن الحسين، لأسباب تشكل تهديدًا للأمن الوطني الأردني. بينما تحدّثت وسائل إعلام أميركية عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية، مع شيوع أنباء عن محاولة انقلابية. وعلى الرغم من أن الديوان الملكي نشر بيانًا موقّعًا من الأمير حمزة يضع فيه نفسه تحت تصرّف الملك، ويعلن التزامه بدستور البلاد، فإنّ نشرَ مقطع صوتي للقاءٍ عاصف بين الأمير ورئيس أركان الجيش الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، دفع إلى التشكيك في انتهاء الأزمة. ولكن رسالة الملك إلى الأردنيين عادت وأكدت انتهاءها بوضع الأمير حمزة “تحت رعايته“.
إلا أنه من المستبعد، على أقل تقدير، أن يكون قرار قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي توجيه تحذير للأمير “حمزة” بضرورة الامتناع عن الاتصال بزعماء القبائل الساخطين، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، اُتخذ دون موافقة الديوان الملكي.والذي تربطه علاقة متوترة مع الأمير “حمزة” منذ عام 2004؛ حيث جرد الملك عبد الله الثاني الأمير حمزة من لقب ولي العهد.ومن التسجيل المسرب للمحادثة بين الأمير “حمزة” و”الحنيطي”، يتضح أن التحذير نُقل بشكل أخرق إلى حد ما، رغم أنه من الصحيح أيضا أن الأمير “حمزة” تعهد لاحقا بالولاء للملك “عبدالله“.
فنظرا لعدم توجيه اتهام محدد أثناء المحادثة للأمير الذي لا يزال قيد الاقامة الجبرية في قصره، فقد يكون من المعقول أكثر أن نفترض أن هذه الخطوة جاءت مدفوعة بمخاوف من أن الأمير “حمزة” قد يستخدم الاستياء الواسع داخل المملكة لزيادة شعبيته الواسعة بالفعل؛ أي إنها أقرب إلى نوع من التحرك الوقائي. إضافة إلى ذلك، لا يمكن استبعاد التدخل الأجنبي؛ حيث من المحتمل أن تحرص السعودية وإسرائيل على التخلص من ملك غير راغب في الانحياز لـ”اتفاقات إبراهيم” “اتفاقات التطبيع الأخيرة” ومصمم على دعم القضية الفلسطينية.
وفد وضعت “اتفاقيات إبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وفيما بعد السودان والمغرب، بالفعل قنبلة موقوتة تحت عرش الملك الأردني. فأثناء طرحها، كان على إدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” طمأنة المملكة بأن الشائعات حول وجود مخطط لإنشاء اتحاد أردني فلسطيني لا صحة لها.
تاريخ من التقلبات
وبالعودة قليلا للوراء، نجد العديد من تقلبات المشهد الأردني، فلقد نجا النظام الملكي من محاولة اغتيال الملك “عبدالله الأول” عام 1951، ومحاولة الانقلاب القومي العربي عام 1957، وزوال أبناء عمومته الهاشميين في العراق عام 1958، وخسارة الضفة الغربية عام 1967، والانتفاضات العربية عام 2011. ولكن هذه المرة مختلفة؛ حيث أنها تكشف تحلل النظام السياسي للهاشميين.
وتأتي الخلافات الحالية مع تصاعد المطالب المحلية من أجل الديمقراطية والشفافية والإصلاحات الاقتصادية؛ بالإضافة إلى تزايد الضغط الإقليمي للقبول بصفقة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وينبع الخلاف الحالي من عداء بين اثنين من أفراد العائلة المالكة الهاشمية، الملك “عبدالله الثاني” وأخيه غير الشقيق الأمير “حمزة”، ولي العهد السابق. والأمر لا يتعلق بمواجهة مؤامرة خارجية كما جادل الأول، أو محاربة الفساد والاختلاس وتقييد الحريات السياسية كما يجادل الأخير، ولكن الأمر يتعلق بالتنافس على الهيمنة السياسية والمزايا الاقتصادية.
تاريخياً، يدين ملوك الأردن بالكثير لعشائر البلاد التي انضمت إلى “حسين بن علي” في تمرده ضد الإمبراطورية العثمانية عام 1916. وفي عام 1957، أوقفت وحدات البدو من الجيش الأردني محاولة الانقلاب التي قامت بها الوحدات الفلسطينية من الجيش. وحتى الان ما يزال الهاشميون متشككين من الفلسطينيين الذين يشكلون ما يقرب من 70% من سكان الأردن، ويعتمد الهاشميون بشكل كبير على الدعم العشائري. (تسيطر مجموعات صغيرة من الأقليات الشيشانية والشركسية على أجهزة المخابرات وحراس القصر).
وبحسب هلال خاشان، بـ”جيبوليتكال فيوتشرز”، لم يتجه أسلاف “عبدالله الثاني” إلى تركيز سلطة الدولة بشكل مطلق؛ وبدلاً من ذلك، اشتروا ولاء العشائر عن طريق السماح لهم بتطبيق قوانينهم العشائرية في الأمور المدنية والجنائية. ونجح هذا الترتيب حتى بدأ الملك الحالي في الاعتماد بشكل أكبر على القوات المسلحة للحفاظ على القانون والنظام.
من جانبهم، أظهر الهاشميون درجة من الوحدة دائما، وعادة ما قدموا أنفسهم للشعب الأردني كعائلة حاكمة متماسكة.قبل وفاته بقليل، في عام 1999، سحب الملك “حسين” لقب ولي العهد من شقيقه “الحسن”، الذي احتفظ بها لمدة 34 عامًا، وأعطاه لابنه “عبدالله الثاني”، وعيّن الأخير أخاه غير الشقيق “حمزة” ولياً للعهد، لكنه سحب اللقب منه بعد 5 سنوات وأعطاه لابنه “حسين“ لم ينتقد “الحسن” ولا “حمزة” علانية الإطاحة بهم، واختاروا بدلاً من ذلك الحفاظ على وضع الأسرة أولاً.
السياق العام للأزمة
وتأتي أزمة الأمير حمزة في اطار عام ملتهب، إذ يعاني الأردن مشكلات جوهرية، سياسية واقتصادية واجتماعية، ساهمت في حصول تفاعل مجتمعي كبير مع أزمة الأمير. بهذا المعنى، صار من الصعب الفصل بين المستويين، العام والخاص، للأزمة. أما على الصعيد العام، فقد تطوّرت الأزمة السياسية الداخلية خلال الأعوام الماضية بصورة واضحة..
ففي عام 2018، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين احتجاجًا على التعديلات على قانون ضريبة الدخل، واعتصموا في عمّان قرب مقر رئاسة مجلس الوزراء، وتطوّرت مطالبهم لتصبح مرتبطة بالإصلاح السياسي؛ ما أدى إلى إطاحة حكومة هاني الملقي، وتكليف عمر الرزاز بقيادة الحكومة، مع وعود بالإصلاح السياسي، وتأسيس عقد اجتماعي جديد.
ولكن حكومة الرزاز لم تلبث أن تعرّضت لانتقادات شديدة من أنصار التيار المحافظ في مؤسسات الدولة؛ ما دفعها إلى التخلي عن خطابها الإصلاحي في شقه السياسي، في حين استمرّت في تنفيذ أجندتها الاقتصادية. وقد استغل خصوم الرزاز أزمة نقابة المعلمين والتي بدأت كأزمة مهنية مرتبطة بحقوق المعلمين قبل أن تتحوّل إلى أزمة سياسية، لاتهام الحكومة بالتهاون والضعف أمام النقابة؛ ما أدى، في نهاية المطاف، إلى حل النقابة بعد تجدد الأزمة معها.
وغادر الرزاز الحكم، وجاءت حكومة بشر الخصاونة، المحسوبة على التيار المحافظ. لكن دعوة الملك إلى مراجعة التشريعات المنظمة للإصلاح السياسي وتعديل قانون الانتخاب، ورسالته إلى مدير دائرة المخابرات العامة التي دعا فيها إلى حصر دور الدائرة في الجانب الأمني، لم تؤد إلى تغيير حال الحريات العامة في البلاد أو تحسينه، بل تزامنت الرسائل الملكية مع حل حزب الشراكة والإنقاذ، واستمرار النهج الأمني في إدارة الأزمات السياسية.
في هذه الأثناء، بدأت تبرز جماعة معارضة في الخارج، وهي مجموعة من الإعلاميين المعارضين الذين انتقلوا من تبنّي خطاب إصلاحي إلى خطاب أكثر راديكالية، انتقدوا فيه الملك عبد الله الثاني مباشرة، وحاولوا إعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية، بتجاوز الحكومات، وتركيز هجومهم على الأجهزة الأمنية، التي تدير المشهد السياسي عمليًا. واكتسبت هذه الجماعة حضورًا غير مسبوق في المشهد الداخلي، وأخذ آلاف الأردنيين يتابعون برامجها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاوزت المشاهدات في بعض الحالات المائة ألف.
وخلال أزمة الأمير، التقى خطاب المعارضة الخارجية مع الحراك الاحتجاجي الداخلي المرتبط بارتفاع معدلات البطالة والفقر، خصوصا في أوساط الشرق أردنيين الذين شكلوا تاريخيًا القاعدة الاجتماعية لجهاز الدولة في الأردن، والذين لديهم توقعات أكبر من الدولة لجهة توفير الخدمات والوظائف وغيرها، وبدا كأنّ هناك تعاطفًا مع الأمير حمزة الذي تزايد، كما يبدو، نشاطه الاجتماعي ذو الصبغة السياسية.
أما على المستوى الخاص المرتبط بشخص الأمير، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، فقد بدا تحرّكه كأنه مرتبط بظروف تهميشه وإبعاده؛ إذ كان وليًا للعهد في الفترة 1999-2004، قبل أن يتم إعفاؤه من منصبه تمهيدًا لتسمية ابن الملك وليًا للعهد عام 2009. لم يحضر الأمير حمزة في المشهد السياسي خلال العشرية الأولى من عهد الملك عبد الله الثاني، لكنّ خطابه النقدي عبر “تويتر” بدأ يظهر في الأعوام الثلاثة الماضية، بعد إنهاء خدمته العسكرية، وإحالته إلى التقاعد برتبة عميد في القوات المسلّحة، وأصبحت مداخلاته وتغريداته محط اهتمام لدى الرأي العام بصورة واضحة، إضافة إلى زياراته وعلاقاته الاجتماعية، وشبهه الكبير بوالده في اللغة والخطاب.
ومع أنّه لم يطرح نفسه بديلًا أو يلمّح إلى ذلك، فإنّ حضور الأمير حمزة كان يمثل غطاء أو يعطي شرعية للأصوات المعارضة أو النقدية، وكان ذلك أمرًا غير مألوف كونه أخ الملك؛ ما طرح مقارناتٍ بينه وبين الآخرين من أفراد الأسرة الحاكمة، ودفع جماعة المعارضة إلى التلميح إليه باعتباره بديلًا؛ فأصبح يمثل تحدّيًا حقيقيًا للحكم، خصوصًا مع تسارع جهود تأهيل نجل الملك، ولي العهد الأمير الحسين، لتولي شؤون لحكم.
بهذا المعنى، بدا حمزة حجر عثرة في طريق ولي العهد الذي كانت شعبيته في أوساط الشرق أردنيين موضع تساؤل، يغذّيه أولئك الذين ترجموا سخطهم على النظام بإشارات إلى أصول الملكة وولي العهد بوصفه ابنها. وهي لغةٌ خطيرةٌ ومرفوضةٌ لدى الرأي العام الأردني؛ لأنها بهذه الطريقة تمسّ بوحدة المملكة. ولا شك في أن هذه اللغة أضعفت موقف الأمير حمزة ذاته، وفق دراسة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021..
ما وراء الأزمة؟
التقاطعات السعودي
ولا يمكن أيضا تجاهل مخاوف الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس التي يمكن أن تكون مكافأة للسعودية من أجل دفعها لقبول التطبيع مع إسرائيل، والانضمام إلى الدول العربية الأربع التي فعلت ذلك بالفعل منذ العام الماضي. -على جانب آخر، فإن علاقة الأردن بالسعودية مثقلة بالعداءات التاريخية. فبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، أطاحت عائلة “آل سعود”، بدعم بريطاني، بـ”الحسين بن علي الهاشمي”، الذي أعلن الثورة العربية ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى.
تبع ذلك، إنشاء المملكة العربية السعودية الحالية، التي تفتخر الآن بالوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة والمدينة المنورة. بالتزامن مع ذلك،حصل وريثا “الحسين”، “فيصل” و”عبدالله”، على جائزتي ترضية. ففي عام 1921، تم تنصيب الأول ملكا على العراق والثاني ملكا على إمارة شرق الأردن. ولاحقا، حصلت المملكة الأردنية الهاشمية على جائزة ترضية إضافية تتمثل في الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.
ولا تزال هذه الخطيئة تطارد العلاقات الثنائية بين الأردن والسعودية، فالهاشميون لن يغفروا أبدا الاغتصاب السعودي، ولن يُضاهي السعوديون مؤهلات الهاشميين الإسلامية باعتبارهم أحفادا مباشرين للنبي “محمد” صلى الله عليه وسلم؛ لذلك سيشكون بهم ويزدرونهم دائما. ومع ذلك، سرعان ما ادعت السعودية دعمها للملك “عبدالله الثاني”، لكن وزير خارجيتها “فيصل بن فرحان” هرع أيضا إلى عمان؛ للمطالبة، بالإفراج عن أحد مدبري “الانقلاب” المزعوم، “باسم عوض الله“. وذلك وفق “ماركو كارنيلوس” بـ”ميدل إيست آي”، الذي كد أنه قد يكون “عوض الله”، الذي كان مستشارا للملك الأردني وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يعرف الكثير من أسرار الأخير؛ ولهذا السبب، لن يكون من المستحسن أن يبقى لفترة طويلة في قبضة الأجهزة الأمنية الأردنية.
الأجندة الاسرائيلية
وفي قلب الحدث الاردني تقع اسرائيل كمحور للتحركات الاقليمية الضاغطة لأهداف عدة، ويعد الأردن نوعا من الدولة العازلة (الدولة التي تقع بين قوى متقاتلة)؛ فهو مضطر إلى التوفيق بين الجيران الطموحين الذين لديهم أجندات إقليمية خطيرة، مثل إسرائيل والسعودية، كما يعاني عدم الاستقرار والراديكالية اللذين يتم تصديرهما إليه من سوريا والعراق.
وبالنظر إلى التوترات التي خلفتها ثورات الربيع العربي في العقد الماضي، فإن بقاء الأردن حتى يومنا هذا على وشك أن يصبح معجزة. ولطالما كان أمن المملكة مضمونا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، بينما اعتمد بقاؤها الاقتصادي على سخاء السعودية، ودول الخليج الأخرى، إلى جانب الولايات المتحدة. فبدونهم ستفلس البلاد. وتمتعت العلاقات الأمنية بين الأردن وإسرائيل بفترة طويلة من الاستقرار، مبنية على التعاون الممتاز بين أجهزة المخابرات في كل منهما؛ ما ساعد على إحباط العديد من المشاريع العدائية. فاستقرار الأردن ضروري لأمن إسرائيل. لكن في الآونة الأخيرة، عانى هذا التعاون بين البلدين من التحول اليميني المتزايد في إسرائيل.
فرغم توصل البلدين إلى اتفاق سلام عام 1994، فإن الأطراف الإسرائيلية الأكثر رفضا لحل الدولتين تتطلع إلى جعل الأردن الدولة الفلسطينية المستقبلية؛ ما يسمح لإسرائيل بالمضي قدما وبسهولة أكبر في مخطط الضم الكامل للضفة الغربية. ونُسبت هذه الخطة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “أرييل شارون” في ثمانينات القرن الماضي. والآن، باتت إرثا مكتسبا للأحزاب الصهيونية الأكثر راديكالية، التي تستوطن الكنيست.
وبينما ارتبط رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي “بنيامين نتنياهو” مع الأردن بعلاقات مضطربة، كافح جهاز الأمن الإسرائيلي من أجل حماية التعاون بين البلدين ضد إرادة اليمين المتطرف الإسرائيلي. لكن من غير الواضح إلى متى سيستمر هذا التعاون المثمر وسط المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي.
حسم ملف ولاية العهد
وقد جاء الإعلان عن المحاولة التي لم ترق لحجم محاولة أساسا، في اطار سعي من الملك عبد الله لحسم ملف ولاية العهد لابنه الحسين، على ارض الواقع بصورة شعبية وتصوير أن الامر مستهدف للحيلولة دون مسار الولاية المعتمد على النمط التوريثي. ومثلّت حادثة مستشفى السلط، حيث توفي مصابون بفيروس كورونا المستجد، بسبب الإهمال الإداري وانقطاع الأوكسجين، الشرارة التي أطلقت الأزمة، فقد سارع الملك إلى زيارة المستشفى للوقوف على الأوضاع فيها، وتمت إقالة وزير الصحة وأحيل مسؤولون في وزارة الصحة إلى القضاء. وأدت الحادثة إلى إحياء “حركة 24 مارس”، وشحنت المعارضة الخارجية الأجواء لتفجير الاحتجاجات. وحينما قام الأمير حمزة بزيارة أهالي الضحايا في السلط، اعتبر القصر الملكي ذلك رسالة استفزاز، فقد ذهب بعد الملك مباشرة، وبعدما طرد المحتجون رئيس الديوان الملكي من السلط؛ ما دفع الملك إلى إرسال ولي العهد.
وقد بلغ التوتر ذروته، حينما هتف متظاهرون خلال إحياء ذكرى احتجاجات 24 مارس 2011، في محافظة عجلون، باسم حمزة، وهي سابقةٌ في الحراك الشعبي والسياسي الأردني، وتزامن ذلك مع بثّ المعارضة الخارجية لخطاب ضد الملك نفسه ومتعاطف مع حمزة، فكان القرار بإنهاء التحدّي الذي شكله الأمير قبل أن تتجذّر الأزمة.
وقد سجّل الأمير حمزة نقاطًا كثيرة على صعيد الشارع، وضاعف من صعوبة التمهيد لدور ولي العهد، مع أن ولاية العهد محسومةٌ وراثيًا في المملكة…حيث صدر عن الأمير حمزة تسجيلان مصورين، باللغتين الإنكليزية والعربية، تؤكد احتجازه، وتكشف حواره مع قائد الجيش، ووضعه في الإقامة الجبرية وقطع الاتصالات عنه. انتهت الأزمة بتدخل من عم الملك الأمير الحسن بن طلال، بتكليفٍ من الملك، حيث وافق الأمير على بيانٍ يؤكد فيه ولاءه للملك ولولي العهد. لكن أعقب صدور البيان تسريب صوتي لحوار جرى في منزل الأمير حمزة مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، يظهر فيه الأمير وهو يوبّخ الأخير قبل أن يطرده؛ ما أثار شكوكًا بشأن انتهاء الأزمة.
تداعيات الأزمة
من المرجح أن يخرج الأمير حمزة من المشهد السياسي، وربما الحياة العامة، لكنّ الطريقة المرتبكة التي أدارت بها الدولة والمؤسسات الإعلامية الأزمة، وتضخيم الموضوع، عاملان عزّزا من شعبية الأمير، ومنحاه نقاط قوة وحضورًا أكبر. وكما هو واضح، لن يسمح الملك بتحويل أحد إخوانه إلى رمز للمعارضة السياسية في أي احتجاجاتٍ مقبلة، في ظروفٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ صعبة، يتزيدها وطأة جائحة كورونا، وفي ظل أزمة سياسية عنوانها فقدان الثقة بين الحكومة والشارع.
وعلى الرغم من أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة ملتفةٌ حول الملك، ومع أن الأمير لا يحظى بأي حضور حقيقي مباشر في هذه الأوساط، فإنه سجّل نقاطًا كثيرة على صعيد الشارع، وضاعف من صعوبة التمهيد لدور ولي العهد، مع أن ولاية العهد محسومةٌ وراثيًا في المملكة، وجرّأ الشارع أكثر على انتقاد السياسات الرسمية، وأبرز دور جماعة المعارضة الخارجية المتزايد وسط المشهد الداخلي.
وفي ضوء إعلان أكثر الدول العربية والقوى العالمية تأييدها الإجراءات التي اتخذها الملك، تبدو الإشارة إلى تورّط جهات خارجية في العبث باستقرار الأردن مجرد دعاية سياسية، وعلى الأغلب المقصود بها المعارضة الخارجية، بينما يبقى الغموض يلفّ علاقة باسم عوض الله، رئيس الديوان الملكي السابق، ومستشار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، بالأزمة. فإذا صحّ وجود علاقة واتصالات بين الأمير وباسم عوض الله، فهذا يمسّ بصدقية الأمير لدى قطاع من الجمهور الأردني، درج على اتهام عوض الله بأنّه أحد أعمدة الفساد في الأردن.
ويعد إطلاق مسار الإصلاح السياسي، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في صنع القرار، ومعالجة الانطباع السائد في أوساط الرأي العام عن انتشار مظاهر الفساد، والتجاوب مع المطالبات بإنشاء عقد اجتماعي جديد، يسمح بالتعامل مع التحدّيات الصعبة التي يواجهها الأردن يبقى التخدي الأبرز في المرحلة المقبلة.
وبحسب الباحث الأردني محمود الريماوي، بمقاله “أسبوع من الألغاز في الأردن”، فإن من الأوجه الأخرى التي أضعفت صورة الأردن إخفاق السلطات في تقديم رواية متماسكة عما جرى، إلى درجة أن ما جرى بقي بلا صفة أو عنوان. باستثناء مسميات مثل “التحرّكات” أو “المخططات”. وقد غاب الإعلام الرسمي عن تقديم صورة واضحة لما حدث. وكان لافتاً أن المصدر الأول للأنباء كان رئاسة أركان الجيش، والثاني مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية أيمن الصفدي، وليس وزير الإعلام الذي حضر المناسبة في صفوف الصحفيين والمراسلين، وليس إلى جانب زميله الوزير في الحكومة الذي يعقد المؤتمر الصحفي.
خاتمة
وعمليا، لا يمكن لـ”حمزة” أن يطيح بـ”عبدالله” بالطبع؛ لأنه لا يمتلك نفوذا على الجيش أو أجهزة المخابرات القوية. ومع ذلك، فإن صعود مثل هذه الشخصية المعارضة البارزة يشكل تهديدًا للملك. وفي بلد يعد فيه أفراد العائلة المالكة فوق النقد العام، لم تستطع وسائل الإعلام المحلية تجنب الإشارة إلى ظهور “حمزة” في العلن والإشادة (الخجولة) بحماسته وإيثاره دون الحكم على نواياه.
وقد أدى انتقاد “حمزة” لقمع حرية التعبير، والفساد المستشري، وتبديد الأموال العامة، إلى جعله مشتبهًا فيه بالتآمر والتعاون مع دول أجنبية، في إشارة مستترة إلى إسرائيل والسعودية والإمارات. وبصرف النظر عن التعبير الروتيني للتضامن مع العاهل الأردني، فإن زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” إلى عمّان، فور الانقسام بين “عبدالله” و”حمزة”، تشهد على البعد الإقليمي للأزمة الهاشمية.
إن بقاء الأردن على المحك، ومفتاح الحفاظ عليه هو التماسك الملكي، والكرة الآن في ملعب الملك عبدالله، إلا أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من التحديات والصعوبات، خاصة الاقليمية ومتطلبات صفقة القرن، وتحديات الداخل وازماته الاقتصادية والسياسية، بجانب ترميم البيت الهاشمي واصلاح الانقسامات الداخلية.