في 19 إبريل الجاري، وبعد يوم واحد من إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية -التي أجريت 11 إبريل الجاري -للمرة السادسة على التوالي- بعد عدة تعديلات دستورية مكنته من خوض غمار الانتخابات، منذ وصوله لسدة الحكم عبر العنف المسلح في 1990، قتل الرئيس التشادي ادريس ديبي “68 عاما” خلال تواجده باحد المعسكرات شمال العاصمة نجامينا، عقب مواجهات عسكرية مع قوى معارضة شنت هجوما على البلاد من اتجاه الجنوب الليبي، وهي جبهة التغيير والوفاق”فاكت”، يتمركزون في ليبيا، وهي جبهة مؤلفة من منشقين عن الجيش. وكانت قد حذرت السفارة الأمريكية في تشاد خلال الأسبوع الماضي من تحرك الجماعات المسلحة تجاه العاصمة نجامينا، ودعت دبلوماسييها غير الأساسيين إلى مغادرة البلاد، قائلة إن تلك الجماعات باتت قريبة من العاصمة!!.
انقلاب مؤسساتي
ورد الجيش على مقتل الرئيس ديبيي بإعلان الطوارئ وتعطيل العمل بالدستور وإلغاء البرلمان والحكومة، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة نجل ديبي الملقب “محمد كاكا” والذي كان يشغل رئيس الحرس الرئاسي، وذلك لمدة 18 شهرا، على أن تجرى انتخابات مبكرة شاملة في البلاد، وذلك على الرغم من أن الدستور يدعو إلى أن يصبح رئيس البرلمان زعيماً للبلاد في حالة وفاة الرئيس بينما تنازل رئيس البرلمان عن حقه الدستوري، وقال يوم الأربعاء الماضي، إنه “يؤيد القرار”، وهو الأمر الذي قابلته المعارضة التشادية بالرفض عبر بيانات عدة تؤكد أن “تشاد ليست ملكية حتى يتولى ابن الرئيس المقتول السلطة”. يشار إلى أن النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة في تشاد، كانت قد أظهرت أن “ديبي” فاز بفترة ولاية سادسة، بعدما حصل على 79.3% من أصوات انتخابات 11 إبريل، بعدما قاطعها كبار قادة المعارضة احتجاجاً على جهوده لتمديد حكمه المستمر منذ 30 عاماً.
معضلة توريث ديبي الابن
وأصبح محمد إدريس ديبي، البالغ من العمر 37 عاماً، يتولى “مهام رئيس الجمهورية” في تشاد بالإضافة إلى منصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة”، ممسكاً بذلك بكامل مقاليد الحكم تقريباً دون خبرة سياسية، قد تمكن العسكريين من الادارة من خلف ستار. وحتى مقتل والده، كان محمد ديبي يترأس الحرس الرئاسي أو”المديرية العامة للخدمات الأمنية لمؤسسات الدولة”، المناط بها تمكين إدريس ديبي من مواصلة إحكامه على السلطة، وبرز اسم “كاكا” في الجيش التشادي بعدما شارك في العديد من العمليات العسكرية، امتدت حتى شمال مالي، كما شارك في عمليات عسكرية ضد الجماعات المتمردة التشادية، وأشارت تقارير إلى أنه كان على خط المواجهة عندما تعرض والده للإصابة خلال المعارك مع المتمردين بمحافظة كانيم الغربية، بحسب موقع “دويتشه فيلة” الألماني. ويرى العديد من المعارضين الذين تعرضوا للقمع في السابق إلى أن تولي الحكم بهذه الطريقة ليس سوى “انقلاب مؤسسي”، فيما وعد نجل ديبي بمؤسسات جديدة بعد انتخابات “حرة وديمقراطية” خلال عام ونصف العام، حسبما نقلت “فرانس 24″، بينما دانت الأطراف الاقليمية والدولية مقتل ديبي، معتبرين أن ديبي كان حائط صد قوي في منطقة الساحل الافريقي ضد الارهاب والحركات المسلحة، متغاضين عن سجله الواسع من الاستبداد عبر ثلاثين عاما من الحكم، شابهها الانتهاكات الحقوقية ضد السكان المحليين.
صراع ممتد برعاية فرنسية
وكما كانت حياة ديبيي مليئة بالغموض والاتفاقات السرية، كان مقتله الغامض، رغم الرواية التي صدرها الجيش التشادي، حيث يقول “جوناثان أوفي أنسا” رئيس تحرير مجلة أفريكا بريفينج (Africa Briefing) في حديث لـ”الجزيرة” إن ما يجري في تشاد هو انقلاب عسكري، وإنه لا يستبعد أن يكون “ديبي” قتل على يد أحد جنرالاته، ورأى أن إعلان الجيش عن مقتله خلال المعارك مع الحركات المسلحة ليس منطقيا بعد أن قالت السلطات إنها نجحت في صد المتمردين عن العاصمة نجامينا، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات جول من المسئول عن مقتله ؟ ومن أكثر استفادة من قتلله؟ معرضوه أم مؤيدوه وداعموه ؟!!. ومنذ حصول تشاد على استقلالها عن فرنسا في 1960 تشهد اضطرابات وصراعات عسكرية واجتماعية، غذتها فرنسا بصورة كبيرة، عبر نخبها الحاكمة التابعة لسياساتها وتوجهاتها، وفي الفترة الاخيرة تدخلت فرنسا عسكريا في فبراير 2019 وقصفت قوات المعارضة في معسكراتها التي كانت تنتوي مهاجمة الرئيس دييبي وقالت ان القصف والتدخل العسكري جاء بطلب من ديبي نفسه، وفي يومي 2 و3 فبراير عام 2008، اندلعت المواجهات في العاصمة أنجمينا، التي خرجت عن سيطرة جيش الإنقاذ، واشارت صحيفة “انجانيما اليوم” مشيرة إلى أن تحالف المعارضة العسكرية لم يستطع إدارة الصراع داخل العاصمة مما أفقده السيطرة على مقاليد السلطة السياسية. وتدخلت القاعدة العسكرية الفرنسية في آخر لحظات الصراع، وقلبت المعادلة لصالح الرئيس إدريس ديبي، ولولا التدخل الفرنسي لاستطاعت المعارضة السيطرة على الأمور في البلاد، ونالت تشاد استقلالها عن فرنسا عام 1960، وتولى الحكم فيها حاكم مسيحي من الجنوب، في الفترة بين عامي 1883 حتى 1893 كانت مناطق تشاد تخضع للسيطرة السودانية بقيادة رابح الزبيري، بحسب موقع “الألوكة” السعودي، وعام 1900 استطاعت فرنسا هزيمة جيش الزبيري، في تشاد، وفي عام 1913 استكملت السيطرة على الدولة، التي أصبحت مستعمرة فرنسية. واندلعت احتجاجات وأعمال عنف من المعارضة الإسلامية المسلحة في الشمال، بعد حظر الأحزاب السياسية، في عام 1963، وفي عام 1973 شاركت القوات الفرنسية في إنهاء الثورة في الشمال المسلم، الذي يمثل نصف السكان، بحسب مجلة “تايم” الأمريكية، وضمت ليبيا شريط حدودي شمالي تشاد يطلق عليه “قطاع أوزو” في عام 1977، وأرسلت قواتها عام 1980 لدعم الرئيس جوكوني كوايدي، الذي ظل في السلطة حتى عام 1982، وتم عزل الرئيس حسين حبري عام 1990 بواسطة حليفه السابق إدريس ديبي، حسب “بي بي سي”. وقاد الاحتجاجات جبهة التحرير الوطنية التشادية أو (فروتينات)، وبعد 3 سنوات تحولت الثورة إلى حرب عصابات.
وفي عام 2011، قاطعت المعارضة الإنتخابات الرئاسية، لكن الرئيس إدريس ديبي أعلن الفوز فيها، وشهد عام 2016 الحكم على الرئيس السابق حسين حبري، بالسجن مدى الحياة بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب، وفقا لـ”روسيا اليوم”، وتحتل تشاد المرتبة رقم 159 على قائمة عالمية تصنف الدول حسب الغنى والفقر وتضم 189 دولة، حسب موقع “غلوبال فاينانس”، أما موقع “وورلد أتلس”، فيقول إن تشاد تحتل المرتبة رقم 30 بين 55 دولة أفريقية في مستوى دخل الأفراد. تم قطع العلاقات بين إسرائيل وتشاد منذ عام 1972، وزارها نتنياهو عام 2019. وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في 25 نوفمبر عام 2018، أن الرئيس التشادي يزور إسرائيل بعد قطيعة دامت 46 عاما، مشيرة إلى أنها أول زيارة لرئيس تشادي إلى إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، كما أن إسرائيل تمد تشاد الدولة ذات الأغلبية المسلمة، بأسلحة متطورة لدعمها في مواجهة المتمردين. وتجدر الإشارة إلى أن مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق دوري غولد، قد كان أجرى زيارة في أغسطس 2016 إلى تشاد، وزار رئيس الوزراء نتنياهو تشاد، في 20 يناير 2019، وذلك ردا على زيارة إدريس ديبي، إلى تل أبيب التاريخية في نوفمبر 2011، وهكذا وضعت التدخلات الفرنسية في تشاد ومغامرات الرئيس ديبي البلد الاكبر في افريقيا من حيث المساحة في دائرة مغلقة من الصراعات المحلية، ذات التأثيرات الإقليمية.
مستقبل مجهول
وفتح مقتل ديبي، الباب واسعاً أمام تحوّل تشاد إلى ساحة غير مُسيطر عليها في المرحلة المقبلة، بعدما كانت نقطة توازن أساسية، بسبب موقعها الجغرافي في الوسط الأفريقي، في مختلف ساحات الصراع، من السودان شرقاً وليبيا شمالاً إلى منطقة الساحل الأفريقي في الغرب. ودفع الاعتماد الغربي، الفرنسي خصوصاً، على تشاد، إلى تجاهل كل مساوئ حكم ديبي على مدى 30 عاماً، تحديداً في سياق انتهاكات حقوق الإنسان، بسبب تمرّس الجيش التشادي في الحرب ضد الجماعات المسلّحة، تحديداً ضد جماعة “بوكو حرام”. ووفق تقديرات استراتيجية، لمركز ستراتفور، فإن المجلس العسكري الجديد سيواجه تحدّيات عدة، بدءاً من إعلان المتمردين نيّتهم مواصلة الحرب حتى إسقاط نظام ديبي، خصوصاً مع تأكيد المتحدث باسم “جبهة التناوب والوفاق في تشاد”، كينجابي أوغوزيمي دي تابول، وجود نية لـ”مواصلة الهجوم”، على العاصمة. ولا تقتصر مخاوف المجلس العسكري على المتمردين، بل أيضاً على 30 حزباً تشادياً معارضاً، نددوا بما سمّوه “عملية انقلاب”، بقيادة ديبي الابن. ودعوا إلى “إقامة مرحلة انتقالية يقودها مدنيون من خلال حوار شامل”. وطالبت الأحزاب المعارضة “بعدم الانصياع للقرارات غير القانونية وغير الشرعية وغير النظامية، التي اتخذها المجلس العسكري الانتقالي، خصوصاً الميثاق الانتقالي وحظر التجول”. وقال أحد زعماء المعارضة، ساكسيس مارسا، في رسالة مصورة نُشرت على الإنترنت، “يقول لنا الشعب التشادي إنه لا يريد انتقال السلطة إلى سلالة حاكمة. لا يريد الشعب التشادي الاستمرار مع نفس المؤسسات التي أوجدت الوضع الحالي”، ويمكن أن تحاول الجماعات المتمردة الأخرى أيضا استغلال حالة الاضطراب المحيطة بوفاة “ديبي”، بما في ذلك “مجلس القيادة العسكرية لخلاص الجمهورية” و”اتحاد قوات المقاومة”، اللتان شنتا خلال السنوات الأخيرة توغلات في تشاد انطلاقا من ليبيا. وفي السياق التحليلي والقراءة المستقبلية للأوضاع، قد يشير تحرك الجيش نحو تنفيذ انقلاب عبر تعطيل عملية الخلافة الدستورية إلى أنه يستعد لاقتتال محلي كبير، ومع استمرار هجوم مجموعة “فاكت”، يحاول المجلس العسكري الجديد أن يصوّر أن هناك استمرارية لنظام “ديبي” على أمل الحصول على الدعم من فرنسا، التي تدخلت في عدة مناسبات لدعمه ضد التمرد المسلح، ويؤدي إنشاء مجلس عسكري انتقالي وتعليق الدستور إلى وضع بنجامينا تحت القانون العسكري (أيّ انقلاب بحكم الأمر الواقع)، مما يمنح الجيش مساحة أكبر في التعامل مع التهديدات التي تواجه العاصمة مباشرة، إذا وصلت إليها جماعة “فاكت”.
ارتدادات إقليمية
السودان في مواجهة ضبابية الموقف
وتشي ضبابية الموقف في نجامينا بتطورات سلبية بالنسبة إلى دول الجوار. في السودان مثلاً، دعت وزارة الخارجية بعد مقتل ديبي الأب “كافة الأطراف التشادية إلى التهدئة ووقف الاقتتال، بما يضمن أمن واستقرار تشاد وسلامة مواطنيها”. ونقلت وسائل إعلام سودانية عن حاكم ولاية غرب دارفور، محمد عبد الله الدومة، تحذيره من نزوح لاجئين تشاديين إلى ولايته. مع العلم أن الولاية شهدت اشتباكات قبلية أدت إلى نزوح الآلاف، ودفعت الأمم المتحدة إلى استنفار جهودها لإعالة النازحين، ومع تفاقم الأزمة الداخلية في تشاد، تتزايد مخاطر انتشار العنف في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، نظرًا لتدخل “ديبي” التاريخي في المنطقة، في وقت تواجه فيه السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى تحولات محلية أو انتقالات سياسية هشة. وتاريخيا، ترتبط جماعة زغاوة العرقية الخاصة بـ”ديبي” ارتباطًا وثيقًا بنزاع دارفور، حيث يمتد موطن الزغاوة التاريخي بين الجماعات العرقية في المنطقة، والتي كانت تُستغل كبيادق بين “ديبي” والرئيس السوداني السابق “عمر البشير” كما أن بعض الشخصيات السودانية المرتبطة بـ”ديبي” تلعب أدوارًا بارزة في العملية الانتقالية الهشة في السودان والتي يمكن أن تتأثر بالأزمات السياسية الجارية.
ووفق الباحث السوداني بـ”العربي الجديد”، فتواجه السودان7 تحديات أساسية، بعد مقتل الرئيس التشادي..منها:
-التداخل القبلي، التداخل القبلي بين تشاد وإقليم دارفور، غرب البلاد،كبير جداً؛ فقبيلة الزغاوة، التي ينتمي إليها إدريس ديبي، لها وجود كبير أيضاً في السودان، كما أن أكبر حركتين مسلحتين في السودان تنتميان لقبيلة الزغاوة، وهما حركة العدل والمساواة، بزعامة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة ميني أركو ميناوي، في الوقت ذاته، هنالك قبائل عربية في تشاد تشارك بشكل رئيسي في عمليات التمرد على نظام ديبي، وكذلك لها امتداد كبير في السودان. ويسود القلق من تفكير أي من المجموعات القبلية السودانية في مساندة امتداداتها في تشاد، لأن ذلك سيلقي بظلال أمنية على إقليم دارفور، الذي بدأ عقب سقوط نظام البشير في التعافي من حروب طويلة.
-دخول المهزوم إلى السودان، وتشير التقارير الصحافية حالياً إلى أن طرفي النزاع بتشاد، وهما الجيش التشادي وقوات المقاومة الوطنية لجبهة الوفاق من أجل التغيير، في طريقهما لحسم المعركة. ومن الخيارات الضيقة للطرف المهزوم دخول السودان عبر الحدود المفتوحة لترميم قوته من جديد والانطلاق للمواجهة مرة أخرى، وهذا أمر تتحسب له كل الجهات الأمنية في السودان، وليس بمستبعد صدور قرار سريع بإغلاق الحدود بين البلدين.
-فراغ ديبي وسلام السودان، فالرئيس التشادي إدريس ديبي، وخلال السنوات العشر الأخيرة، ظل هو الورقة الأساسية في عمليات التقريب بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة في دارفور. وفي الثالث من أكتوبر الماضي، ذهب إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، للتوقيع كواحد من الضامنين على اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع 5 حركات مسلحة، وبعد غيابه عن المشهد السياسي، ليس ببعيد أن يؤثر ذلك على عملية السلام في السودان.
-“داعش” و”بوكو حرام”، وخلال السنوات الماضية، لعب الجيش التشادي دوراً محورياً في الحرب على الإرهاب خارج حدود بلاده، تحديدا في عدد من دول غرب أفريقيا، حيث خاض مع جيوش متعددة الجنسيات مواجهات مباشرة مع مجموعات “بوكو حرام” منذ العام 2015، التي وسّعت نشاطها إلى منطقة حوض بحيرة تشاد على الحدود مع النيجر والكاميرون، كما شاركت تشاد بقوات في مالي للقتال ضد المجموعات الإرهابية، وإذا استمر الاضطراب الأمني في تشاد، فليس مستبعدًا قيام الحركات الإرهابية نفسها بعمليات انتقامية داخل العمق التشادي، وبالتالي يخشى السودانيون مغبة امتداد نشاط تلك المجموعات الإرهابية إلى العمق السوداني.
-اللجوء والسلاح، ومع اشتداد المعارك في الدولة المجاورة، تزداد المخاوف السودانية من دخول لاجئين تشاديين إلى ولاية غرب دارفور، لا سيما في ظل الاحتقان القبلي الحالي في الولاية، كما أن الوضع الإنساني للنازحين السودانيين يشهد تعقيداً كبيراً نتيجة عدم الاستقرار، وسيُعقد ذلك الوضع الإنساني في الولاية، كما أن هناك مخاوف من انتشار السلاح بالطريقة ذاتها.
-الاضطراب الإقليمي، ويخشى السودانيون، من ضمن ما يخشونه، تأثيرات الحرب في تشاد على بقية دول منطقة غرب أفريقيا والساحل، والصراعات الأهلية والقبلية هناك، ونمو تيارات التشدد، وموجات اللجوء والنزوح.
-مصير القوات المشتركة، وفي العام 2010، اتفقت تشاد والسودان على تشكيل قوات مشتركة قوامها 3 آلاف جندي و360 شرطيا للعمل على طرفي الحدود الممتدة على 1350 كيلومترا؛ لمراقبة الحدود ومحاصرة أعمال التمرد في البلدين، وضبط حركة الأفراد. لكن مستقبل تلك القوات دخل في نفق مظلم، وسيزداد إظلاماً إذا استمر الصراع حول السلطة في تشاد بتلك الوتيرة.
ليبيا أبرز المتضررين
أما في ليبيا، التي شكّل تدفق السلاح والمسلحين منها إلى تشاد، محطة محورية في الصراع، فإن المخاوف التي قد تنعكس على الجنوب الليبي، تهدّد السلام الهشّ الذي تعيشه البلاد في الفترة الأخيرة، خصوصاً في حال تدفق اللاجئين من تشاد إلى ليبيا. وفي سياق المخاوف المتصاعدة في ليبيا، جاءت دعوة مجلس النواب والمجلس الرئاسي الليبي ، الأربعاء الماضي، إلى ضرورة إسراع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بـ”توحيد المؤسسة العسكرية لضمان أمن البلاد واستقرارها”.، خاصة وأن الجنوب الليبي يعيش فراغاً أمنياً كبيراً، قد يتحول لظهير للأعمال المسلّحة الدائرة في تشاد، وهو ما يراه الباحث الليبي المتخصص في الشأن الافريقي الصيد عبد الخفيظ، “في كلا الحالتين، لو نجح المعارضون في التقدم، سيكون عليهم تعزيز مواقعهم في جنوب ليبيا، وتكديس المزيد من الأسلحة والمقاتلين، وفي الحالة الثانية، وهي خسارتهم للمعركة، يعني أنهم لن يجدوا ملاذاً إلا إلى مناطق الجنوب اللييبي”. وينشط في الجنوب الليبي عدد من حركات التمرد التشادية، خصوصاً في القرى الرابطة بين سبها ومرزق، وسط الجنوب، والكفرة، جنوب شرقي البلاد، وهي اشتبكت في مرات عدة مع مجموعات قبلية مسلّحة، لكن أطراف الصراع في ليبيا تتبادل الاتهامات بشأن استعانتها بمقاتلي تلك الحركات للقتال في صفوفها، إلا أن تقارير خبراء الأمم المتحدة، الصادرة في ديسمبر 2019، أكدت استعانة حفتر بحركتين تشاديتين للقتال ضمن مليشياته، هما حركة “جبهة الوفاق” بقيادة مهدي علي محمد التي تؤمّن لحفتر قطاعاً من منطقة الجفرة بقوة قوامها 700 مسلّح، وحركة “اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية”، والتي منحها حفتر مواقع في وسط جنوب ليبيا قريباً من منشآت نفطية. وفي إبريل من العام الماضي، أعلنت عملية “بركان الغضب” التابعة لحكومة “الوفاق” السابقة، مقتل رئيس “حزب العمل” التشادي المعارض، قربان جدي نكور، ضمن صفوف مليشيات حفتر، أثناء تعرضه لقصف جوي في منطقة الوشكة، غربي سرت، قبل أن يؤكد الحزب مقتل زعيمه في بيان رسمي في ذات الفترة، تلك الأوضاع قد تدفع نحو إمكانية تحول مناطق الجنوب الليبي إلى ساحة لتصفية الحسابات بين تلك الحركات، سيما وأنّ أغلبها في صراع قديم. ووفق تقدير استراتيجي لمركز جنوب ليبيا للدراسات والبحوث (أهلي) ، هناك عدة عوامل قد تسرّع حدوث ارتدادات مباشرة لمقتل الرئيس التشادي على مناطق جنوب ليبيا، منها أن بعض حركات التمرد التشادية تحتضنها قبائل لها امتدادات في عمق البلدين،
تحديات الجوار الأفريقي لتشاد
وتبقى الجهة الغربية الأكثر سخونة، لارتباط تشاد بحدود طويلة مع ثلاث دول: النيجر ونيجيريا والكاميرون. وفي هذا الشريط، خصوصاً في محيط بحيرة تشاد، حيث تلتقي حدود البلدان الأربعة، يدور القتال ضد “بوكو حرام”. وسبق أن انتقدت تشاد مراراً نيجيريا، لعجز جيشها عن مواكبة الهجمات التشادية على الجماعة، معتبرة أن ضعف الجيش النيجيري يُساهم في استمرارية “بوكو حرام”. ولسنين طويلة، ظلّت تشاد رأس حربة دول الساحل الخمس (مالي وبوركينا فاسو والنيجر وموريتانيا وتشاد). وسبق للرئيس التشادي الراحل أن ردّد، العام الماضي، أن “جنودنا يموتون وحدهم من أجل بحيرة تشاد والساحل، بالتالي لن يشارك أي جندي تشادي في عملية عسكرية خارج البلاد”، قبل أن يتراجع ديبي عن قراره، معلناً إرسال 1200 جندي إلى بحيرة تشاد، بعد قمة دول الساحل في نجامينا، في فبراير الماضي. لكن انشغال تشاد في مأزقها الداخلي، قد يعيد ترتيب الأولويات، مع تبديل فرنسا والولايات المتحدة استراتيجيتهما في الساحل. فباريس التي فكرت سابقاً في الانسحاب عسكرياً من منطقة الساحل، قد تجد نفسها ملزمة بالبقاء فيه لأكثر وقت ممكن، بفعل ضعف السلطات الحاكمة في الدول الخمس. وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أن اقترح إجراء حوار مع بعض المجموعات المسلحة بالساحل، على غرار ما حدث بين واشنطن وحركة “طالبان” في أفغانستان. والأطراف المقصودة بـ”الحوار”، ليست سوى إياد آغ غالي، زعيم تنظيم “أنصار الدين” من قبائل الطوارق في شمال مالي، ويقود حالياً تحالف “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، المقربة من تنظيم “القاعدة”. وأيضاً أمادو كوفا، زعيم جماعة تحرير ماسينا، من قبيلة الفولاني وسط مالي، وهي جزء من هذا التحالف. وتحاول عدة أطراف دولية عزل آغ غالي وكوفا، عن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”، و”كتيبة المرابطين”، وفتح باب للحوار والمصالحة. لكن ماكرون أنهى حالة الجدل في هذا الشأن، في فبراير الماضي، بالقول: “خلال الأسابيع الأخيرة، عززنا التوافق مع محاورينا في دول الساحل، حول اعتبار أن إياد أغ غالي وأمادو كوفا عدوان، ولا يمكن أن يكونا بأي حال من الأحوال محاورَين”.
في المقابل، فإن سياسة واشنطن بقيادة الرئيس الجديد جو بايدن، تهدف إلى إيلاء التعاون العسكري أولوية في الساحل الأفريقي، وهو ما أكده، في فبراير الماضي، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقوله “في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات التابعة لداعش والقاعدة إلى توسيع نطاق انتشارها في جميع أنحاء أفريقيا، ستواصل الولايات المتحدة العمل بشكل وثيق مع شركائها الأفارقة”، وشدّد على أنه “سنبني على الجهود القائمة في غرب أفريقيا، ونتبادل الدروس في الحرب العالمية ضد التطرف العنيف”، ومنذ سنة 2013، قادت باريس الجهود الدولية وتدير حالياً 5100 عسكري نُشروا ضمن عملية “برخان”. وتُشرك بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، وهي قوة لحفظ السلام، أكثر من 15 ألف فرد من العناصر النظامية من 60 بلداً. ويُشكّل حوالي 5 آلاف جندي من القوات المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس. وفي يونيو الماضي، تشكّلت فرقة العمل العسكرية الأوروبية “تاكوبا”، وهي تواصل بناء قدراتها، مع تقديم الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والتدريب وتنظيم عمليات في جميع أنحاء المنطقة.
خيارات فرنسا وأدوارها المستقبلية
من المرجح أن تنحاز فرنسا للمجلس العسكري الانتقالي الجديد في تشاد، وتحاول حمايته من الجماعات المتمردة بسبب مخاوف انهيار كلّي للحكومة، لكن المخاوف الأوسع نطاقا بشأن قضايا حقوق الإنسان وتعليق الدستور ستحد من دعم الدول الغربية الأخرى. وكان رد فعل فرنسا على هجوم جبهة التغيير والوفاق “فاكت” ووفاة “ديبي” خافتًا نسبيًا ، كما لم يطلق الجيش الفرنسي غارات جوية ضد قافلة “فاكت”، كما فعل في عام 2019 ضد مجموعة أخرى، وتحاول فرنسا تعزيز الدعم الأوروبي في المنطقة لتقاسم بعض العبء، كجزء من استراتيجيتها لـ”مكافحة الإرهاب” في الساحل، ولكن في حين أظهرت باريس استعدادا لدعم الحكومات الاستبدادية في أفريقيا لحماية المصالح الأمنية الفرنسية، فإن الدول الأوروبية الأخرى تعتبر العواقب الإنسانية أولوية لها بشكل أكبر، وبما أن فرنسا مستمرة في محاولة إقناع الدول الأوروبية الأخرى بالانخراط عسكريا في الساحل، فمن المرجح أن تحاول الضغط على المجلس العسكري لتشاد للحفاظ على الجدول الزمني الذي حدده بـ18 شهرا لإجراء الانتخابات من أجل إرضاء حلفائها الأوروبيين الذين يرغب الكثير منهم في احترام العملية الدستورية في البلاد. ومن شأن صراع طويل مع متمردي “فاكت” أن يجبر الجيش التشادي، وهو أحد أكثر الجيوش نشاطا واحترافًا، على تقليل تواجده في مبادرة “ساحل 5-جي”، مما سيدفع فرنسا على الأرجح لإعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة، وعلى الأقل، سيحتاج المجلس العسكري الانتقالي إلى إعادة نشر بعض قواته بعيدا عن مهمة “ساحل 5-جي” المدعومة من فرنسا، من أجل التعامل مع التطورات الأمنية الداخلية والأزمة الوجودية التي يتعرض لها. وتشاد واحدة من أكبر المساهمين في قوة “ساحل 5-جي” وأعلنت في فبراير أنها ستزيد من عمليات النشر بمقدار 1200 عسكري إلى المنطقة ثلاثية الحدود بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، لكن تخفيض قوات تشاد وتعطيل العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة سيعقد هدف الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” المتمثل في تقليل البصمة الفرنسية في الساحل بحلول عام 2022، وربما تجبره على المزيد من التأخير، من جانب اخر، سيؤدي تخفيض القوات التشادية إلى توسيع مساحة عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في النيجر ونيجيريا والكاميرون. وقد نشط فصيلان رئيسيان في تنظيم “الدولة الإسلامية” في غرب أفريقيا بشكل خاص في عام 2021، وتفوقا على معسكرات الجيش في شمال غرب نيجيريا، وكانت هناك عدة مناسبات عملت فيها تشاد مع نيجيريا والكاميرون على عمليات نشر مشتركة على الحدود من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة بحيرة تشاد، ولكن مع وجود أزمة أكثر خطورة في نجامينا نفسها، فمن غير المرجح أن تعطي تشاد الأولوية للجهود ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي ما زال يشكل تهديدًا وجوديًا لنيجيريا.
خاتمة
وتبقى التطورات المستقبلية في تشاد حاسمة في الفترة المقبلة، إذ من المتوقع أن يسير الرئيس محمد كاكا على نهج والده، ويكون أكثر استجابة للضغوط والتوجهات الفرنسية والعسكرية، لمواجهة القوى المسلحة المناوئة لنظام ديبيي ، وهو ما سيدفع البلاد نحو مزيد من الاضطرابات ، وسط انسداد سياسي عن الحوار السياسي بين القوى الدولية والحماعات المسلحة في تلك المنطقة، وتصنيف جميعها كحركات إرهابية، وهو ما يفاقم أزمة تشاد ويهدد دول جوارها خاصة السودان وليبيا، ويدفع نحو مزيد من التأزم الأمني بالمنطقة، وهو ما يمثل بيئة خصبة للتواجد الفرنسي والغربي، ليتمدد في قلب أفريقيا التي تعاني الفقر والتهميش الاقتصادي، والتردي الاجتماعي وقضم حقوق الجماعات المحلية ما يولد مزيدا من العنف والعنف المضاد.