في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (10ــ21 مايو 2021م) وهي الحرب التي حققت فيها المقاومة انتصارا كبيرا وألحق بجيش الاحتلال الإسرائيلي هزيمة مدوية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، يمكن رصد ملاحظتين متناقضتين:
الملاحظة الأولى، هي اتساع الغضب الفلسطيني ليس ضد الاحتلال فقط بل ضد السلطة ورئيسها محمود عباس أبو مازن بل ومسار أوسلو الذي تتمسك به السلطة رغم أنه تلقى آلاف الهزائم والصفعات وثبت بالأدلة القطعية أنه مسار عبثي لن يفضي إلى شيء سوى تكريس خيانة السلطة للقضية الفلسطينية تحت دعاوى التنسيق الأمني الذي لم يتوقف يوما حتى في ظل العدوان الأخير. وأسفرالعدوان على الأراضي الفلسطينية عن 280 شهيدا بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا إلى جانب أكثر من 8900 مصاب، فضلا عن تضرر 1800 وحدة سكنية وتدمير 184 برجا ومنزلا وعدد من المصانع والمرافق الاقتصادية.
وخلال الأيام الأخيرة يمكن رصد مواقف السلطة وردود الأفعال الشعبية تجاهها من خلال المشاهد الآتية:
- التزمت السلطة الصمت التام، ونأت بنفسها عن الدفاع عن شعبها وأهالي حي الشيخ جرَّاح والمعتكفين بالأقصى، وتركته فريسة للاحتلال وجنوده، ولم تطلق السلطة رصاصة واحدة ضد الاحتلال أثناء أزمة حي الشيخ جراح أو اقتحام قطعان الاحتلال للمسجد الأقصى أو أثناء العدوان على غزة. وأثناء العدوان يكن التلفزيون الرسمي الفلسطيني على مستوى الحدث؛ وجرى التركيز على بث مسلسلات وأفلام دون اعتبار للرأي العام الفلسطيني ومشاعر الصامدين في الأقصى وغزة. وحتى خطبة الجمعة أثناء العدوان على غزة والتي توزعها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية على الخطباء وتكون موحدة، تجاهلت في يوم (الجمعة 14 مايو) ما يجري في قطاع غزة والعدوان على الشعب الفلسطيني، وطلب من الخطباء حينها أن تكون خطبة الجمعة، عن فضل صيام ستة أيام من شهر شوال!.
- لم تكتف السلطة بالصمت والتواطؤ مع الاحتلال بل استمرت في التنسيق الأمني[[1]] في إصرار على الخيانة، حيث اقتحمت منزل فلسطيني يوم 5 مايو تشتبه فيه سلطة الاحتلال بأنه أحد منفذي عملية زعترة التي أصيب فيها ثلاثة إسرائيليين في إطلاق نار، وقامت عناصر السلطة بتدمير محتويات المنزل بصورة همجية، والتحقيق مع زوجته.[[2]] وبعد وقف إطلاق النار شنت أجهزة السلطة حملة اعتقالات بالضفة الغربية طالت نشطاء شاركوا في هبة القدس وساندوا غزة أثناء العدوان.[[3]] وهي الحملة التي تزامنت مع حملة أخرى قامت بها سلطات الاحتلال واعتقلت مئات الفلسطينيين داخل الخط الأخضر المحتل الذي يخضع لسلطة الاحتلال بشكل مباشر. وبدت الصورة واضحة فالسلطة هي وكيل الاحتلال في الضفة لتحجيم المقاومة والقضاء عليها وإجهاض أي انتفاضة فلسطينية محتملة.[[4]]
وترتب على هذه المواقف المخزية والمتواطئة من جانب السلطة ردود أفعال شعبية غاضبة حتى من عناصر تنتمي إلى حركة فتح التي يرأسها أبو مازن؛ حيث كرس بموقفه ذلك الانشقاقات القائمة التي برزت بشدة أثناء الإعداد للانتخابات التشريعية التي كانت مقررة يوم 28مايو 2021م، وجرى تأجيلها من جانب رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن بدعوى عرقلة الاحتلال لإجراء الانتخابات في القدس، لكن السبب الرئيس هو خوف السلطة من الهزيمة القاسية والمرة أمام حركة المقاومة الإسلامية حماس. لا سيما وأن استطلاعات الرأي كانت تؤكد ذلك من جهة إضافة إلى أن رموزا من حركة فتح أعلنت عن تشكيل قوائم انتخابية تنافس القائمة الرسمية التي شكلتها السلطة من جهة أخرى.
هذه المواقف المخزية للسلطة أثناء العدوان وضع بعض رموز وعناصر فتح في ورطة كبيرة والذين شاركوا في الانتفاضة الأخيرة والمواجهات الميدانية ضد الاحتلال أثناء العدوان. وقد استشهد محمد إسحاق أحد عناصر فتح من قرية بيت عنان شمال غرب رام الله في مواجهات ضد الاحتلال كما أصيب العشرات من عناصر الحركة في هذه المواجهات. وبحسب نشطاء من الحركة فإن حالة الترهل والضعف التي تعيشها فتح والناجمة عن مواقف القيادة وارتهانها للاحتلال في كثير من المواقف، وضعهم في مواجهة غضب شعبي، أدت إلى عدم قدرة الفتحاويين على رفع رايات الحركة في مسيرات ومظاهرات الأقصى، رغم تقدمهم صفوف المواجهة.
وفي هذه الأثناء انتهز التيار الدحلاني الذي ينتمي إلى القيادي المفصول محمد دحلان المدعوم إماراتيا الفرصة ومحاولة توظيف الحدث سياسيا لإثبات الذات؛ حيث خرج عشرات المسلحين من عناصره ليلة 17 مايو 2021م، يعرفون أنفسهم بأنهم عناصر من “كتائب الأقصى” الذراع العسكرية لحركة فتح التي حلتها السلطة سابقا، وذلك بمخيم الأمعري بوسط مدينة رام الله، حيث حملوا الأسلحة وطافوا شوارع المدينة، لكن قوة أمنية تابعة للسلطة منعتهم من مواصلة الطريق ونشب بين الفريقين تلاسن فعادوا أدراجهم نحو المخيم.[[5]]
ترتب على مواقف السلطة زيادة منسوب الغضب الشعبي حيث شهدت مظاهرات الفلسطينيين في الضفة أثناء العدوان على غزة هتافات قوية ضد رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن، ففي يوم الجمعة 21 مايو 2021م دوَّت هتافات الفلسطينيين داخل المسجد “الشعب يريد إسقاط الرئيس”، وهي ذات الهتافات التي دوت في مظاهرات الفلسطينيين في مدينة نابلس. في المقابل كانت هتافات المنتفضين تكيل المديح للمقاومة وقادة المقاومة وحركة حماس.[[6]] كما أقدم مصلون بالمسجد الأقصى على طرد خطيب الجمعة (الجمعة 21 مايو 2021م) أثناء تأديته الخطبة أمام نحو 50 ألف فلسطيني كانوا يؤدون الصلاة، ودوى داخل المسجد هتاف “برة .. برة ..برة .. رجال السلطة برة .. برة”؛ وذلك تعبيرا عن احتجاجهم على الخطبة والخطيب؛ فالخطبة لم تتطرق مطلقا إلى تضحيات المقاومة في غزة وصمود أهلها أمام العدوان الصهيوني الغاشم، بينما أثنى على رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن الذي لم يكن له دور أساسا في هذه الحرب سوى الصمت في مضيعة رام الله. كما لم يطلب الشيخ أداء صلاة الغائب على أرواح الشهداء. أما الخطيب فهو المفتي الشيخ محمد حسين المحسوب على السلطة والمعروف بقربه من أبو مازن والذي دأب على الظهور إلى جوار أبو مازن في مناسبات مختلفة كان آخرها قبل أسبوعين عندما أعلن أبو مازن عن تأجيل الانتخابات الفلسطينية وهو القرار الذي اعتبر هروبا وخوفا من السقوط في هذه الانتخابات لتأسيس شرعية فلسطينية جديدة.
هذه المواقف دفعت الإعلام الغربي إلى التأكيد على أن المقاومة خرجت من هذه الجولة منتصرة وحققت مكاسب عسكرية وسياسية غير مسبوقة، بينما زادت من تهميش السلطة الفلسطينية وكشفت عن ضعف تأثيرها في الأزمة. وانتهى تقرير أعدته مجلة “لوبوان” الفرنسية إلى عدة حقائق:
- التأكيد على أن “هذه الحرب زادت شعبية حماس على حساب السلطة الفلسطينية. وأن دعم الحركة تأثر بنتائجها السياسية في غزة، لكن تأييدها مرده أساسا لقدرتها على مقاومة إسرائيل، ولهذا اختارت الدخول في مواجهة عسكرية جديدة ضدها”. وحتى في الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية يشار إلى حماس – وفقا للمجلة الفرنسية – بكل فخر بوصفها رمزا للمقاومة ضد إسرائيل، لأنها وضعت حدا للاعتداءات الإسرائيلية على حي الشيخ جراح وللانتهاكات لحرمة المسجد الأقصى. وأن الانتخابات لو جرت غدا فسوف تفوز المقاومة على محمود عباس رئيس السلطة الذي لم يفعل للفلسطينيين شيئا”.
- الأمر الثاني الذي استخلصته المجلة الفرنسية أن هذه الحرب ساهمت في مزيد من تهميش دور السلطة الفلسطينية مؤكدة أنه في مقابل تصوير حركة حماس بمظهر “البطل”، لا يدخر فلسطينيو الضفة وما بعدها أي جهد لتوجيه أقسى الانتقادات للسلطة الفلسطينية ورموزها، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس الذي غاب كلية عن المشهد خلال التصعيد الأخير، واكتفى وزير خارجيته رياض المالكي بتصريحات جوفاء أمام مجلس الأمن الدولي.
- النتيجة الثالثة التي خلصت إليها المجلة الفرنسية أن هذه الحرب وضعت مسار أوسلو وفريق السلطة في ورطة كبيرة، وعلى رأسه أبو مازن الذي هندس اتفاقات أوسلو ويتبع حتى اليوم استراتيجية نبذ العنف ضد إسرائيل وتبنى المسار الدبلوماسي من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية؛ حيث وجد نفسه عاجزا تماما أمام المساعي الاستيطانية المتسارعة التي تقوم بها إسرائيل، كما تميز بميوله السلطوية على رأس السلطة الفلسطينية. ويعزو التقرير سببا إضافيا على لسان حنان عشراوي وهو استبداد أبو مازن بالقرار الفلسطيني حيث ينفرد بالقرار مع مجموعة صغيرة داخل أجهزة السلطة دون استماع لأحد أو اكتراث للرأي العام حتى تحولت السلطة إلى نظام سياسي متحجر لا يترك مجالا أو فرصة للآخرين.[[7]]
الملاحظة الثانية، أن السلطة رغم الإقرار العالمي وحتى قادتها بأنها تمر بأضعف مراحلها وباتت هشة لا تأثير إلا أن العدوان الأخير والأذى الذي ألحقته المقاومة بإسرائيل دب في أوصالها الدماء وأعاد إليها الروح مرة أخرى. وقد عبرت قيادات بالسلطة عن استنكارها لعدم تواصل أي من الحكام العرب مع أبو مازن، وفي أعقاب وقف إطلاق النار انهالت الاتصالات على السلطة ووبدأ الاهتمام الدولي والإقليمي بالسلطة لتعزيز موقفها نكاية في حركات المقاومة.
المثير حقا أن النظام الدولي رغم يقينه الكامل بضعف السلطة وعدم شرعيتها والرفض الشعبي الواسع لها في مقابل الشعبية الجارفة للمقاومة إلا أنه يصر على التعامل مع السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني رغم أنها فقدت شرعيتها ولم تعد ممثلة عن الشعب وفق المعايير الديمقراطية التي يتشدق بها الغرب. ويصر أيضا على استبعاد فصائل المقاومة رغم ما تحظى به من شعبية جارفة وفقا لاستطلاعات الرأي. فأبو مازن رئيس السلطة، قد انتهت مدة رئاسته منذ أكثر من 10 سنوات، ولم يتم انتخاب قادة منظمة التحرير منذ سنوات طويلة ولم يعد أحد في المنظمة أو السلطة يتمتع بأي شرعية دستورية انتخابية؛ وبالتالي فلا يوجد حاليا ممثل للشعب الفلسطيني وفق هذه المعايير؛ فلماذا تصر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الدولية وحتى الأمم المتحدة على استبعاد فصائل المقاومة والتعامل مع أبو مازن باعتباره الوكيل الحصري والممثل الوحيد عن الشعب رغم أنه لم تجر انتخابات على رئاسة السلطة منذ 2005م؟!
الأحداث الأخيرة برهنت على أن الطرفين الفاعلين حقا هما الاحتلال من جهة وفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس من جهة أخرى، ورغم ذلك فما يسمى بالمجتمع الدولي يصر على دعم الاحتلال ولا يرى من بين الفلسطينيين سوى السلطة رغم أنها ليست طرفا في الأحداث وموقفها ليس له وزن أمام المكانة الكبيرة التي تحظى بها المقاومة. وحتى التحركات الدولية بشأن إعادة الإعمار تصر على استبعاد المقاومة والتعامل مع السلطة؛ فقد قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم الإثنين 24 مايو 2021م، بجولة إلى الشرق الأوسط ضمنت القدس ورام الله والقاهرة وعَمَّان، حيث التقى بقادة حكومتي الاحتلال والسلطة الفلسطينية لبحث أمن إسرائيل واستعادة مسار السياسي وترتيب جولة جديدة من المفاوضات العبثية. وقال بلينكن في مؤتمر صحفي عقده بالقدس إن الاهتمام بالحاجات الإنسانية لسكان غزة نقطة أساسية، وواشنطن ستحشد الدعم الدولي لذلك. وشدد على أن دور حركة حماس سيتغير في غزة، إذا تمكنت واشنطن وشركاؤها من تنفيذ جهود إعادة الإعمار والإغاثة بمعزل عن الحركة، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن قادت جهودا دبلوماسية حثيثة خلف الكواليس، لوضع حد للحرب بين إسرائيل وغزة.[[8]] ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في الخارجية الأميركية أن المساعدات لغزة ستكون من خلال الأمم المتحدة بالأساس وبمشاركة السلطة الفلسطينية، وأضاف أن مصر ستضطلع بدور في تقديم المساعدات.[[9]] ويوم الأربعاء 26 مايو وصل وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إلى المنطقة حيث التقى أيضا بمسئولين بحكومتي الاحتلال والسلطة.
وكم كان لافتا خلال تصريحات وزير الخارجية الأميركي خلال لقائه برئيس السلطة إذ تعهد بتقديم 75 مليون دولار للسلطة في عام 2021م، في ذات الوقت تعهد بتقديم 5.5 مليون دولار فقط لإعادة إعمار غزة رغم الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الصهيوني في رسالة غير خافية بأن أهمية السلطة عند واشنطن أهم من الشعب الفلسطيني، كما تعهد بتقديم 32 مليون دولار لمؤسسات الإغاثة كالأنروا.[[10]]
المقاومة إذا تقوي موقف السلطة!
معنى ذلك هناك «معادلة جديدة» كشفت عنها الحرب الأخيرة، وأنه كلما كانت المقاومة قوية وفعالة وقادرة على إلحاق الأذى والألم بالاحتلال؛ فإن ذلك يقوي موقف السلطة ويدفع تل أبيب والقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نحو الاهتمام بالسلطة والتقرب إليها حتى تؤدي دورها ووظيفتها في حماية أمن إسرائيل عبر بوابة التنسيق الأمني. وكلما ضعفت شوكة المقاومة كانت الحاجة الإسرائيلية والأميركية للسلطة محدودة، وقد لا تجد لها مكانا إلا في صناديق القمامة بشوارع تل أبيب. هذه المعادلة تنسحب تماما على الدور المصري، فقوة المقاومة تجعل للدور المصري عند الصهاينة والأمريكان مكانة وقيمة، إما إذا كانت هشة وضعيفة وغير مؤثرة فإن الاهتمام الأميركي بالدور المصري سوف يتلاشي. والبرهان على ذلك أن الرئيس الأميركي جوبايدن لم يتصل هاتفيا بالسيسي منذ انتخابه في نوفمبر 2020م، لكنه اتصل به مرتين في أسبوع واحد في أعقاب وقف إطلاق النار يوم 21 مايو 2021م، وأرسل وزير خارجيته إلى القاهرة لدعم وتوثيق العلاقات الثنائية بين البلدين. فهل تدرك القاهرة وباقي العواصم العربية أن في قوة المقاومة قوة لها وفي ضعف المقاومة ضعف لها؟
بناء على ذلك، فإن واشنطن ترغب في تقوية وتعزيز مكانة السلطة مرة أخرى حتى لا تستأثر حماس بالمشهد الفلسطيني، في ظل الالتفاف الشعبي العارم خلف المقاومة بعد هبة القدس الأخيرة. الخلاصة هنا أن غزة أجبرت الإدارة الأمريكية على إعادة ترتيب أجندتها فيما يخص السياسة الخارجية لتعود قضية فلسطين إلى رأس تلك الأجندة، كما أكسبت الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية أهمية خاصة لدى تلك الإدارة برئاسة جو بايدن.
وقد شرعت واشنطن بالفعل في تعزيز موقف السلطة عبر إعادة المساعدات الأميركية التي أوقفها ترامب. كما أن سلطة الاحتلال أفرجت عن أموال الضرائب والجمارك الفلسطينية لحساب السلطة. وترغب تل أبيب كذلك في تعزيز وتقوية السلطة بشرطين: الأول، هو وقف السلطة أي خطوة أحادية الجانب في المحافل الدبلوماسية العالمية أو المحاكم الدولية، خاصة تلك الخطوات المرتبطة بالسلطة مباشرة. وترى تل أبيب أن بنود اتفاق أوسلو تحرّم على السلطة الفلسطينية التوجه إلى المحاكم الدولية أو إلى المحافل السياسية ضد إسرائيل. والشرط الثاني، هو استمرار التنسيق الأمني بأعلى مستوياته، مع تفعيل اللقاءات الدورية بين قيادات المؤسسة الأمنية الفلسطينية ونظرائهم الإسرائيليين، وعدم الاكتفاء بالتنسيق عبر الاتصالات اليومية الاعتيادية. ووفق هذا الشرط، فإن إسرائيل تدّعي أن وقف أو تخفيض التنسيق الأمني كرد فعل من السلطة في أي وقت سيفاقم الخطر على السلطة واستقرارها، تحت عنوان أن هذا التنسيق عالي المستوى يضمن المصلحة المشتركة للطرفين. والشواهد تؤكد أن السلطة تقبل بذلك وستمضي في الالتزام الحرفي بما اشترطته تل أبيب.[[11]] وقد طالب بايدن رئيس السلطة بوقف الاحتجاجات والمظاهرات في الضفة في أعقاب وقف إطلاق النار مباشرة.[[12]]
السلطة من جانبها ترحب بشدة بهذه التحولات في الموقف الأميركي؛ وقوبل الاتصال الهاتفي من جانب الرئيس بايدن برئيس السلطة بغبطة واسعة وارتياح كبيرلدى الأوساط الرسمية للسلطة الفلسطينية، نظراً لتأكيد بايدن خلال اتصاله بأبومازن – وفقاً لبيان البيت الأبيض – على ضرورة وأهمية استئناف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، والتزام واشنطن بالشراكة الأمريكية الفلسطينية، وتأكيد بايدن أن أموال إعادة الإعمار التي ستمولها بلاده يجب أن تمر عبر السلطة، وعدم إيصال أي مساعدات لحركة حماس، خشية استثمارها في مجالات عسكرية خاصة بها. وسرعان ما ترجم الموقف الأمريكي بضرورة تقوية موقف السلطة في الشارع الفلسطيني، بإصدار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قراراً بفتح معبر جلمة التجاري الواصل بين مدينة جنين وإسرائيل، والذي يعد شرياناً اقتصادياً ورافداً مالياً مهماً لمناطق شمال الضفة الغربية والذي أغلقته سلطات الاحتلال منذ 2019م.[[13]]
معنى ذلك أن الإدارة الأميركية تستهدف إعادة عجلة المفاوضات المعطوبة إلى الدوران من جديد، وقد تدعو خلال الشهور المقبلة إلى مؤتمر دولي للسلام الوهمي، وثيران السلطة جاهزة لجر السواقي حتى لو كان الدوران بلا جدوى والحركة في المحل لا تتقدم بها خطوة واحدة إلى الأمام، كما تستهدف واشنطن وتل أبيب إعادة مايعرف بالسلام الاقتصادي من أجل إعادة ترتيب وهندسة الحالة الفلسطينية بتعزيز السلطة والعمل على إضعاف المقاومة والحد من تأثيرها الفكري والسياسي والعسكري خلال المرحلة المقبلة. وقد تتجه الإدارة الأمريكية نحو محاولة استقطاب حركة حماس نحو مربع السلطة وإدخالها في دوامة المفاوضات العبثية والاعتراف بالاحتلال مقابل حفنة مكاسب مادية، ولعل دعوة النظام المصري لكل من إسرائيل والسلطة وحماس لمفاوضات حول التهدئة وتبادل الأسرى خطوة أولى نحو ذلك المسار، بل إن تحولات الموقف المصري كلها قد تكون من أجل تحقيق هذا الهدف وتعزيز دور القاهرة في القطاع ولدى حركات المقاومة، لكن تجربة السلطة مريرة ولن تقع حماس وحركات المقاومة في هذا الفخ كما وقعت حركة فتح من قبل فتحولت إلى سلطة يقف دورها عند حماية الاحتلال وضمان أمنه من خلال بوابة التنسيق الأمني.
ويعوق التوجهات الأميركية الإسرائيلية نحو تعزيز مكانة السلطة أن معظم الفلسطينيين كفروا بها وبمسار أوسلو، وبعد الحرب الأخيرة تزايد شعور الفلسطينيين أن المقاومة المسلحة أنجح سبيلاً من المفاوضات، حتى بات آخر ما يريد الناس رؤيته هو تكرار الماضي، والاتفاقات المؤقتة، والمفاوضات العبثية وما شابه”. أضف إلى ذلك أن عباس فقد اعتباره ولم تعد له مصداقية عند الفلسطينيين بسبب إخفاقاته الكثيرة كما أنه تجاوز فترة ولايته بكثير ولا يزال يتشبث بالسلطة رغم أنه بلغ من الكبر عتيا. وبمرور السنوات ثبت لدى قطاعات واسعة من الفلسطينين أن عباس والسلطة تحولت إلى عقبة كؤود أمام تحرير فلسطين والمقدسات، واليوم باتت السلطة تحسب على إسرائيل ولا علاقة لها بالقضية الفلسطينية.
[1] أبو ردينة: التنسيق الأمني مع إسرائيل للدفاع عن شعبنا (فيديو)/ “عربي 21” ــ الثلاثاء، 18 مايو 2021
[2] أمن السلطة اقتحم منزل مشتبه بـ”عملية زعترة” وحقق مع زوجته/ “عربي 21” ــ الأربعاء، 05 مايو 2021
[3] انتقادات للسلطة الفلسطينية بعد حملة اعتقالات بحق نشطاء/ “عربي 21” ــ الإثنين، 24 مايو 2021
[4] تشييع شهيد برام الله والاحتلال يعتقل العشرات بالضفة والخط الأخضر/ الجزيرة نت ــ 25 مايو 2021
[5] مسلحون في رام الله.. يعلنون عودة “كتائب الأقصى” ويوجهون رسائل قاسية لعباس، فمن خلفهم؟/ عربي بوست ــ 18 مايو 2021م
[6] فلسطينيون بالقدس يهتفون “الشعب يريد إسقاط الرئيس” (شاهد)/ “عربي 21” ــ الجمعة، 21 مايو 2021
[7] لوبوان: هكذا خرجت حماس أقوى من الحرب ضد إسرائيل/ الجزيرة نت ــ 21 مايو 2021م
[8] بعد نظيره الأميركي.. وزير الخارجية البريطاني يبحث مع قادة إسرائيل والسلطة التهدئة وحلّ الدولتين/ الجزيرة نت ــ 26 مايو 2021م
[9] تحركات دولية وإقليمية بعد هدنة غزة.. بلينكن يبحث أمن إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية تريدان استعادة المسار السياسي/ الجزيرة نت ــ 24 مايو 2021
[10] بعد نظيره الأميركي.. وزير الخارجية البريطاني يبحث مع قادة إسرائيل والسلطة التهدئة وحلّ الدولتين/ الجزيرة نت ــ 26 مايو 2021م
[11] شرطان إسرائيليان مقابل “حسن النوايا” تجاه السلطة الفلسطينية.. ونتنياهو يقدم 3 اعتراضات أمريكا/ عربي بوست ــ 27 مايو 2021
[12] صالح النعامي/ بايدن يطلب من عباس وقف التظاهرات في الضفة الغربية/ العربي الجديد ــ 22 مايو 2021
[13] عدنان أبو عامر/ عودة الإغراءات الاقتصادية.. هكذا تسعى واشنطن لتقوية السلطة الفلسطينية دعماً لإسرائيل وخشية من حماس/ عربي بوست ــ 25 مايو 2021