بعد تأييد النقض أحكام الإعدام .. قراءة في السيناريوهات والدلالات وردود الفعل
قضت محكمة النقض، أعلى جهة قضائية بالبلاد، بتأييد حُكم محكمة الجنايات، القاضي بإعدام 12 والمؤبد لـ 31 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ضمن القضية المعروفة إعلاميًا بإسم “فض رابعة العدوية” التي يعود تاريخها إلى عام 2013، الأمر الذي يتيح للنظام تنفيذ الحكم الصادر في حقّ المتهمين بعد مرور 30 يوماً على إيداع الحيثيات وتصديق الجنرال عبد الفتاح السيسي على الحكم. وهي المرة الأولى، منذ 3 يوليو 2013، التي يتم فيها صدور أحكام إعدام باتة ونهائية بحق عدد من قيادات الصف الأول في جماعة الإخوان.
القيادات الـ 12 المحكوم ضدهم بالإعدام حضوريًّا هم: محمد البلتاجي، عبد الرحمن البر، صفوت حجازي، أسامة ياسين، أحمد عارف، إيهاب وجدي، محمد عبد الحي الفرماوي وشقيقه مصطفى الفرماوي، إلى جانب كل من أحمد فاروق كامل، هيثم العربي، محمد محمود زناتي وعبد العظيم إبراهيم محمد؛ وجميعهم تقريبًا إما قيادات تنظيمية وميدانية سابقة في صفوف جماعة الإخوان، وإما مسؤولين حكوميين في حكومة الرئيس الشرعي محمد مرسي، مثل أسامة ياسين وزير الشباب الأسبق.
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد أصدرت حكمها في سبتمبر 2018 بالإعدام شنقًا لـ 75 معتقل بتهم التورط في قتل أفراد الأمن خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 من أغسطس 2013، الذي أسفر عن سقوط 632 ضحيةً بحسب الجهات الرسمية وأضعاف هذا الرقم وفق المنظمات الحقوقية المحلية والدولية[1].
جدير بالذكر أن قضية “فض رابعة العدوية” التي بدأت التحقيقات فيها منذ عام 2013، حتى الآن، ضمَّت أكثر من 800 متّهم، كان من بينهم الرئيس الشرعي محمد مرسي، ونجله أسامة الذي صدر في حقّه حكم بالسجن المشدَّد 10 سنوات من جانب المحكمة التي أيّدت حكم السجن المؤبّد لمرشد الجماعة محمد بديع، ولرئيس البرلمان الأسبق سعد الكتاتني.
وفي هذا الوقت، تجري إعادة المحاكمة لأكثر من نصف المتّهمين بشكل منفصل، إما بسبب هروبهم أو صدور أحكام غيابية في حقّهم قبل ضبطهم ومحاكمتهم حضورياً. وبناءً على حكم المحكمة، فإن المعتقلين الذين يفوق عددهم 300 شخص، سيتمّ حرمانهم من إدارة أموالهم وأملاكهم وعزل العاملين منهم في الوظائف الحكومية من مناصبهم مع وضعهم تحت مراقبة الشرطة لمدّة 5 سنوات، في خطوة ستمكّن النظام من الحصول على مبالغ مالية مجمّدة في أرصدتهم[2].
نذكر أيضاً أنه وفقًا لإحصاءات من منظمات حقوقية مستقلة مثل هيومن رايتس ووتش و”نحن نسجل”، فإن إجمالي عدد أحكام الإعدام “المنفذة” في مصر منذ وصول السيسي إلى الحكم تجاوز 100 حالة، إلى جانب التوسع في باقي مراحل المنظومة القمعية مثل بناء السجون، والاختطاف القسري، والحبس الاحتياطي المفتوح، والتعذيب والاعتداءات الجسدية والنفسية.
هل هناك احتمالات بالتراجع عن هذه الأحكام:
رغم صدور حكم بات ونهائي بحق هؤلاء الأشخاص، إلا أن هناك احتمالين لوقف هذه الأحكام وعدم تنفيذها، هذه الاحتمالات[3] هي:
الاحتمال الأول: من جانب النظام نفسه، صدور عفو من رئاسي. فبموجب المادة 155 من الدستور يمكن «لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها.. “، ويتضمن البند الثاني من المادة نوعين من قرارات العفو وهما: “العفو عن العقوبة، والعفو الشامل”. وطبقا لقانون الإجراءات الجنائية فإنه يتم رفع الحكم لرئيس الجمهورية إما للتصديق عليه أو لتخفيفه، على أن يتم ذلك خلال 14 يوما، وذلك قبل أن يتم تحديد موعد تنفيذ الإعدام بقرار من النيابة العامة، وتقوم مصلحة السجون في وزارة الداخلية بتنفيذ حكم الإعدام.
الاحتمال الثاني: من جانب المحكوم عليهم، هناك أربعة مسارات لوقف تنفيذ أحكام الإعدام؛
(1) تقديم التماس إعادة نظر للنائب العام، يقدمه المحكوم إذا ظهرت أدلة جديدة لم تكن مطروحة على محكمة الموضوع، ولا محكمة النقض، إعمالا لنص (المادة 448) من قانون الإجراءات الجنائية، ولا يترتب على تقديم الالتماس وقف التنفيذ إلا إذا كان الحكم الصادر بالإعدام.
(2) طلب المحكوم عليهم العدول عن الحكم الصادر للجمعية العمومية لمحكمة النقض، إذا كان مخالفا للمبادئ المستقر عليها لدى محكمة النقض.
(3) طلب وقف التنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا إذا شابت المحاكمة أو إجراءات التحقيق عيب جوهري، أو كانت المحكمة مصدرة الحكم غير مختصة أو استثنائية (خاصة) أو كان هناك إكراه ثابت وقوعه على المحكوم عليه لإكراهه على اعترافات بجرائم لم يرتكبها.
(4) طلب استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد إعمالا لنصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ومع ذلك يبقى ثمة احتمال بأن النظام المصري سينفذ الأحكام الصادرة بحق قيادات الإخوان المسلمين، فالنظام «لا يرغب على الإطلاق في توجيه رسالة إيجابية من أي نوع للإخوان. وإلى جانب المحكوم عليهم بالإعدام، فإن قادة الجماعة المحبوسين مهددون بالوفاة داخل السجن، والنظام لا يكترث إطلاقاً بهذه المسألة».
وأما مسألة موعد تنفيذ أحكام الإعدام فتتحدد بواسطة وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية والمخابرات العامة، على ضوء الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة، فالسلطات تتحيّن أحوال معينة تكون فيها شعبية النظام مرتفعة، أو للاستفادة من ترويج إعلامي واسع لسياسات الدولة، كالأعمال الفنية عن محاربة الإرهاب في العامين الماضيين، أو لتوجيه رسائل معينة للخارج[4].
الدلالات السياسية لهذه الأحكام:
أبرز دلالات هذه الأحكام وتوقيتها:
أولاً: أنها جاءت في ظل التقارب المصري مع تركيا وقطر، ومع فتح القاهرة اتصالات متقدمة مع الإدارة الأميركية الجديدة، كأن النظام المصري يوجه رسالة مفادها «غلق أي احتمالات للمصالحة مع جماعة “الإخوان” بصفة خاصة، والإسلام السياسي والمعارضة غير المستأنسة بشكل عام»، وأن التقارب مع هذه الدول لن ينعكس إيجابًا على ملف المعارضة والإخوان في الداخل[5].
ثانياً: هذه الأحكام تشير ضمناً إلى أن السلطات المصرية تعتقد أن «المفاوضات والاتصالات بشأن أوضاع المعارضين والاعتقالات والمحاكمات يجب أن تكون بمنأى تام عن السياسة المصرية المحلية حيالهم، بما في ذلك الأحكام القضائية ضدهم، وقرارات سحب الجنسية، وتجديد الحبس وغيرها من الإجراءات، اعتقاداً بأن إظهار هذه المواقف يكسب مصر احتراماً أكبر لدى الآخرين»[6].
ثالثاً: مثل هذه الأحكام تؤدي إلى زيادة الأوراق التي يمكن للسيسي قبول المساومة عليها مستقبلاً، إذ يسمح له القانون بالتدخل في أي وقت للعفو الاستثنائي عن المحكوم عليهم بالإعدام، حتى بعد انقضاء الفترة القانونية المتاحة أمامه لتغيير العقوبة، والمقدرة بـ 14 يوماً وفق قانون الإجراءات الجنائية. كما أن هناك عشرات السوابق خلال السنوات العشرين الماضية بإهمال تنفيذ أحكام الإعدام لسنوات طويلة، أو التباطؤ فيها، على الرغم من مسارعة الدولة بتنفيذ الأحكام في قضايا العنف ذات الطابع السياسي خلال السنوات الخمس الأخيرة[7].
رابعاً: هذه الأحكام هدفها أن تكون «سيفًا على رقبة الإخوان لمنع تململهم خلال الأيام العجاف التي ستعقب الملء الثاني لسد النهضة، ورسالة، في الوقت نفسه، لأولاد العم في تل أبيب وأبوظبي: نحن على العهد في التنكيل برموز التيار الإسلامي في مصر».
خامساً: هذه الإعدامات التي طالت لأول مرة رؤوس الإخوان المسلمين، في ظرف كان يفترض أن يشهد بوادر تهدئة داخلية من أجل التفرغ للتعامل مع الأيام الأخيرة قبل الملء الثاني لسد النهضة، في ظل تعثر للوساطات الدولية؛ تقضي على أي احتمالات بحدوث “مصالحة” بين النظام والإخوان، خاصة بعد أن رفع عدد من داعمي الإخوان الخارجيين أيديهم عنهم، وبعد أن بات السيسي وبايدن أكثر تفاهمًا من ذي قبل، وفقًا لمحللين[8].
سادساً: تؤكد أحكام محكمة النقض بتأييد أحكام الإعدام الصادرة بحق قيادات الإخوان مدى سيطرة النظام على السلطة القضائية في مصر، حتى باتت “أداة للقمع” بحسب وصف «لجنة الحقوقيين الدولية»[9].
سابعاً: تسلط هذه الأحكام الضوء على الاختلافات الرئيسية بين حسابات السيسي في السياسة الداخلية وحساباته في السياسة الخارجية؛ فمنذ بداية هذا العام، انخرط النظام المصري في أعمال دبلوماسية إقليمية، لم يكن من الممكن تصورها من قبل، مع ثلاثة كيانات اتهمت باستمرار من جانب النظام المصري بأنها جزء من شبكة إرهابية إقليمية مصممة على تدمير مصر، وهي قطر وتركيا وحماس[10]. ومع هذا التغير الواضح في حسابات السيسي للسياسة الخارجية المصرية يظل السيسي متمسكاً بسياساته القمعية والاقصائية في سياساته الداخلية دون أي تغيير يذكر.
الخاتمة:
وقد أثارت الأحكام ردود فاعل منددة لدى نشطاء حقوق الإنسان ومنظماته؛ فقد وصفتها الناشطة الحقوقية، سارة واستون، المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (مستقلة)، بأنها، أي المحاكمات، «تمت بدافع سياسي للانتقام من قيادات الإخوان وغير مرتبطة بأي جرائم».
من جانبها وصفت منظمة العفو الدولية المحاكمة التي جرت وأفضت بأحكام الإعدام الجماعية تلك بأنها “محاكمة لا عدالة فيها”، مناشدة السلطات المصرية بإعادة محاكمة المدانين بقضية فض اعتصام رابعة بشكل عادل ونزيه يضمن حقوق المتهمين في التقاضي والدفاع عن أنفسهم، دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.
الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وثقت بالأسماء والأدلة عدم وجود 4 متهمين من المحكوم عليهم بالإعدام في ساحة الجريمة وقت فض رابعة والنهضة، بل على النقيض من ذلك كانوا قد اعتقلوا قبل الفض بشهر، ومع ذلك أدرجت أسماؤهم ضمن القضية المنظور فيها وصدر بحقهم حكم بالإعدام[11].
[1] صابر طنطاوي، مأساة إنسانية واغتيال للعدالة.. السيسي يعمق جراح مصر بإعدام معارضيه، نون بوست، شوهد في: 20 يونيو 2021، الرابط: https://bit.ly/3cVCVLc
[2] الأخبار اللبنانية، سياسة «التطهير» مستمرّة: الإعدام لـ 12 «إخوانياً»، شوهد في 20 يونيو 2021، الرابط: https://bit.ly/3qdzBkb
[3] محمد مغاور، هل ينفذ السيسي أحكام إعدام قيادات الإخوان.. وما طرق وقفها؟، عربي 21، شوهد في 20 يونيو 2021، الرابط: https://bit.ly/3qayi5v
[4] العربي الجديد، أحكام الإعدام في قضية رابعة: رسالة للخارج وتمسك برفض المصالحة في الداخل، مرجع سابق.
[5] أحمد سلطان، سابقة خطيرة: أحكام باتة بالإعدام لرموز في المعارضة المصرية، نون بوست، شوهد في: 20 يونيو 2021، الرابط: https://bit.ly/2UllzRB
[6] العربي الجديد، أحكام الإعدام في قضية رابعة: رسالة للخارج وتمسك برفض المصالحة في الداخل، شوهد في: 20 يونيو 2021، الرابط: https://bit.ly/2SeOdTN
[7] المرجع السابق.
[8] أحمد سلطان، سابقة خطيرة: أحكام باتة بالإعدام لرموز في المعارضة المصرية، مرجع سابق.
[9] Mohamad Elmasry, Egypt: Sisi has squandered the chance to reconcile with the Muslim Brotherhood, MIDDLE EAST EYE, link: https://bit.ly/35BntQb
[10] Ibid
[11] صابر طنطاوي، مأساة إنسانية واغتيال للعدالة.. السيسي يعمق جراح مصر بإعدام معارضيه، نون بوست، مرجع سابق.
منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024
في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب …