تطبيق “قانون السايس” .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

 

في 15 يوليو 2020م صدَّق عبد الفتاح السيسي على القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع «قانون السايس»، وجرى نشر نصه في الجريدة الرسمية بالعدد 28 مكرر “د”. وقد كان البرلمان قد وافق على مشروع القانون في 10 فبراير 2020م.[[1]]

يستهدف القانون ــ بحسب الحكومة ـ تحديد القواعد والإجراءات اللازمة لاستغلال الشوارع العامة بشكل منظم وحضاري لائق، لانتظار المركبات بالشوارع من خلال إنشاء لجنة بكل محافظة وبأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة؛ لتحديد أماكن الانتظار لمنع الانتظار العشوائي على جانبي الطرق والوقوف المزدوج الذي يؤدي إلى ازدحام واختناق مروري. كما يستهدف تحديد الضوابط والاشتراطات للقائمين على تنظيم انتظار المركبات (شركاتٍ أو أفرادًا)، واستوجب لمزاولة هذا النشاط ضرورة الحصول على رخصة من الجهة الإدارية، ويتم تحديد مقابل الانتظار وفقًا لطبيعة الموقع الجغرافي ومساحة أماكن الانتظار المحددة سلفًا من الوحدات المحلية وأجهزة المدن التابعة للمجتمعات العمرانية الجديدة.

وينص مشروع القانون على أنه لا يجوز مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات بالأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون قبل الحصول على رخصة مزاولة هذا النشاط وفقًا لأحكامه. ويقضي القانون بأن تنشأ بكل محافظة وبأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لجنة؛ لتحديد أماكن انتظار المركبات بالشوارع، ويصدر بتشكيلها وتحديد المعاملة المالية لأعضائها قرار من المحافظ أو رئيس جهاز المدينة المختص بحسب الأحوال، على أن تضم ممثلين عن وزارة الداخلية ويشار إليها باللجنة.

وتختص اللجنة بتحديد أماكن وأوقات انتظار المركبات بالشوارع الخاضعة لولاية المحافظة أو جهاز المدينة المختص، والتي تستوعب تخصيص أماكن الانتظار، بما لا يعوق حركة المرور، بعد التنسيق مع إدارة المرور المختص، وإعداد كراسات الشروط الخاصة بحق استغلال أماكن الانتظار، مع مراعاة أن تتضمن المواصفات إمكانية استخدام التطبيقات التكنولوجية الحديثة بالأماكن القابلة لذلك، وتحديد مقابل انتظار المركبات حسب المساحة والموقع الجغرافي، مع مراعاة المستوى الاقتصادى لطبيعة المكان، وتحديد الضوابط والاشتراطات للقائمين على تنظيم انتظار المركبات لدى الشركات والأفراد، ومنح رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات للأشخاص التابعين للشركات والأفراد.

ويجيز مشروع القانون للمحافظ أو لرئيس جهاز المدينة بالمجتمعات العمرانية الجديدة بحسب الأحوال طرح حق الاستغلال لكل أو جزء من أماكن الانتظار بالمحافظة أو المدينة للشركات أو الأفراد بما لا يجاوز عشر سنوات.

ارتباك ومشاكل في التطبيق

تطبيق "قانون السايس" .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

في الـ 21 من أغسطس 2021م، أعلنت محافظة الجيزة عن بدأ تفعيل القانون رقم 150 لسنة 2020 بشأن تنظيم انتظار المركبات في الشوارع بمختلف المحافظات، بعد أن أصدرت وزارة التنمية المحلية فى الرابع عشر من يناير 2021 القرار رقم 5 لسنة 2021 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون، وهو القانون المُقرر تنفيذه فى كافة المحافظات المصرية، لتنظيم انتظار المركبات بالشوارع، والقضاء على ما يُعرف بظاهرة الانتظار العشوائى بحسب تصريحات الحكومة.

وفي أعقاب الإعلان سادت حالة من الفوضى في الشارع بعد أن خصصت الجيزة ساحات بعينها لتدار بعيدا عن سيطرة السايس العشوائية، ويعود ذلك إلى سببين:

  • الأول، أن الأحياء طالبت المواطنين بالتوجه إلى مقر الحي والتقدم بطلب تصريح لانتظار وركن السيارات في الشوارع.
  • الثاني، أن الأحياء فرضت رسوما باهظة على ركن السيارة أسفل المنزل قيمتها  300 جنيه! وعشرة جنيهات لكل ساعة للانتظار الموقت للسيارة الملاكي و20 جنيها في الساعة للانتظار الموقت للسيارة نصف النقل، و30 جنيها في الساعة للانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة، بحسب اللائحة التي أصدرتها وزارة التنمية المحلية للقانون. وهو ما تسبب في استياء واسع بين المواطنين الذين اعتادوا ركن سياراتهم أسفل منازلهم دون التقيد بتصاريح من الحكومة أو دفع رسوم مقابل ذلك.[[2]]

وبدأت محافظة القاهرة تفعيل القانون بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية بحصر كل من يعمل فى مهنة السايس دون ترخيص، لضبط الشوارع والميادين وفق القانون الجديد. وأوضحت الأجهزة التنفيذية بالقاهرة أن عقوبة المخالف للقانون الجديد تتراوح بين الحبس والغرامة التى تتراوح بين ألف و5 آلاف جنيه.  وخصصت محافظة الجيزة عدداً من ساحات الانتظار المؤقت في شوارع النيل، ومصر والسودان، والتحرير، والسد العالي، ووزارة الزراعة، وسليمان أباظة، ومصدق، وشهاب، والبطل أحمد عبد العزيز، فيما أعلنت محافظة القاهرة حصر 2883 مكاناً وساحة انتظار في أحياء العاصمة، لتطبيق أحكام قانون انتظار السيارات عليها.

الارتباك الحكومي مع بداية تطبيق القانون أثار لغطا وجدلا واسعا حتى بين المؤيدين للنظام؛ وكان على رأسهم المذيع أحمد موسى، الذي استهجن تطبيق القانون في حيّ الدقي بمحافظة الجيزة. وتساءل موسى: “ماذا يعني أن أجد أحدهم يطالبني بدفع 300 جنيه لأن سيارتي موجودة أمام منزلي، بدعوى أنها في الشارع وليس في الكراج، هل أقوم بحمل العربية على أكتافي والصعود بها إلى شقتي حتى الصباح أم ماذا أفعل؟”. وتابع ساخرا: “ماذا أفعل بسيارتي ولا يوجد كراج أسفل العقار، هل أبيع السيارة؟ هل ستوفرون لي وسيلة مواصلات؟ من يحدد الرسوم (رسوم الانتظار)؟ كيف ستتعامل الحكومة مع الناس في القرية، وماذا عن الشوارع الرئيسية، وهذا الموضوع سوف يحدث بلبلة ونحن لا نريد المزيد من الارتباك”.[[3]]

بيزنس الجيش

تطبيق "قانون السايس" .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

اللافت في الأمر أن هناك تقارير إعلامية كشفت أن محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، ومحافظ الجيزة اللواء أحمد راشد وافقا على منح “الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق”؛ إحدى الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة (الجيش)، حق استغلال ساحات انتظار السيارات في شوارع المحافظتين، وذلك بـ”الأمر المباشر” من دون اتباع المزايدات المتعارف عليها للحصول على أفضل العروض من الشركات. وبمقتضى هذا الإسناد فإن الشركة التابعة للجيش ستتولى تطبيق قانون تنظيم انتظار السيارات في الشوارع وفقا للقانون رقم 150 لسنة 2020، الهادف إلى تقنين مهنة “السايس” من خلال وضع الحي المختص لافتة توضح إيجار الشركة لأماكن انتظار السيارات، وأسماء “السياس” المسؤولين عن تحصيل الأموال من المواطنين، والذين ستؤجر لهم الشركة هذه الساحات من الباطن على الأرجح.[[4]] معنى ذلك أن الجيش سوف يتشارك مع السايس الأموال التي يحصل عليها بخلاف الرسوم المفروضة عليه “ألفا جنيه” مقابل رخصة مزاولة المهنة.

من جانب آخر فإن المواطن سيدفع رسوماً لصالح “الشركة الوطنية” بواقع 10 جنيهات لانتظار السيارة الملاكي، و20 جنيهاً للسيارة (نصف نقل)، و30 جنيهاً للحافلات الكبيرة، و300 جنيه شهرياً لمبيت السيارة أسفل العقار المقيم فيه، مع منح السائق إيصالاً بالمبلغ عن طريق أحد “السياس”، ووضع حواجز مرورية في مكان الانتظار نظير مبلغ شهري.

و”الشركة الوطنية” هي نفسها الحاصلة على حق استغلال المئات من المتاجر والمطاعم والكافيهات المنتشرة تحت الجسور الجديدة في مناطق شرق القاهرة، لا سيما في أحياء مدينة نصر ومصر الجديدة والنزهة، وكذلك على امتداد محور 26 يوليو بين مدينة السادس من أكتوبر وطريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، وفي محيط المحطات الجديدة لتموين الوقود على الطرق السريعة.

ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013، يواصل الجيش تغلغله في جميع نشاطات المال والأعمال في مصر برعاية السيسي، ما ضاعف حجم اقتصاد المؤسسة العسكرية – غير الخاضع لأي نوع من الرقابة – بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، نتيجة الاستحواذ على جميع مشروعات إنشاء الطرق والجسور، وتأجير المطاعم والكافيهات، وتوريد الوجبات المدرسية لنحو 13 مليون تلميذ في المدارس الرسمية. وتحظى شركات الجيش بإعفاء كامل من الضرائب والرسوم والجمارك، فضلاً عن امتلاكها عمالة رخيصة ممثلة في “التجنيد الإلزامي” وإخضاع الأشخاص الذين يؤدون الخدمة العسكرية للعمل في مشروعاتها برواتب هزيلة، لا تتعدى في أفضل الأحوال ألف جنيه شهريًا.

فلسفة الجباية

تطبيق "قانون السايس" .. بين بيزنس الجيش وارتباك الحكومة وفوضى الشارع

بنظرة فاحصة للقانون نجد أنه ضمن حزمة التشريعات التي تقوم على فلسفة الجباية وفرض المزيد من الرسوم الباهظة على المواطنين مقابل الخدمة.

  • أولا، القانون يلزم من يريد العمل كسايس الحصول على تصريح رسمي “رخصة” برسوم لا تزيد عن “2000” جنيه لمدة ثلاثة سنوات ويجوز تجديدها؛ بما يعني أن الحكومة ابتداء ستحصل على هذا المبلغ من السايس كل ثلاث سنوات.[[5]] بشرط ألا يقل سنه عن 21 سنة يوم تقدمه بطلب الترخيص للجهة المختصة بإصداره، وإجادة القراءة والكتابة، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية أو أعفي من أدائها قانونًا، وأن يكون حاصلًا على رخصة قيادة سارية، ألا يكون حكم عليه بعقوبة جنائية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو المخدرات أو التعدي على النفس، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، والحصول على شهادة صحية من الطب الشرعي أو المعامل المركزية بوزارة الصحة تفيد خلوه من تعاطي المواد المخدرة. ويجيز مشروع القانون إلغاء رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات بموجب قرار مسبب من اللجنة في حالة تحصيل المرخص له مبالغ مالية من قائدي المركبات تجاوز القيمة المحددة بمعرفة اللجنة.
  • ثانيا، ينص القانون على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من مارس نشاط تنظيم انتظار المركبات في غير الأماكن المحددة أو بدون ترخيص، وتضاعف العقوبة بحديها في حالة العودة.
  • ثالثا، شرعت محافظتا القاهرة والجيزة بتنفيذ قانون السايس، الذي ينظم انتظار السيارات بالشوارع الرئيسية والجانبية وأسفل العقارات بمقابل مادي وفقا للائحة الأسعار، حيث تبدأ بـ10 جنيهات للانتظار المؤقت للسيارة الملاكي، و20 جنيها للانتظار المؤقت للسيارة نصف النقل، و30 جنيها للانتظار المؤقت للحافلات الكبيرة و300 جنيه شهريًا للمبيت أسفل العقار.[[6]]
  • رابعا، المثير في الأمر أن مثل هذه التشريعات الجبائية تتزامن مع تفشي جائحة كورونا، وبينما تقوم كل حكومات العالم بدعم مواطنيها في ظل تفشي الجائحة وتداعياتها الاقتصادية على الناس يقوم نظام السيسي بسن عشرات التشريعات الجبائية التي تستهدف فرض المزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين. وخطورة مثل هذه السياسات أنها تفضي إلى ركود الاقتصاد بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين. لكن الأخطر أنها تقتل في الناس روح الانتماء للوطن، ذلك أن النظام يرى نفسه هو الوطن وعلى الشعب خدمته والإذعان له حتى لو فشل في إدارة موارد الدولة على النحو الأمثل.

وفي مقدمته الشهيرة التي ألفها عام 1377 وأسماها باسمه “مقدمة ابن خلدون” حذر رائد علم الاجتماع الشهير من مغبة الإفراط في فرض الضرائب على الشعب، قائلًا “بزيادتها، أي الضرائب، تضعف عزائم الناس عن العمل، لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة، وحينئذ تنقص الضرائب بقلة الإنتاج وتدهوره، ويزداد الأمر سوءًا بتدهور الإنتاج باستمرار تناقصه مع زيادة الضرائب، فينتج عن ذلك خراب العمران”.

معنى ذلك أن القانون هو جزء من حزمة التشريعات الجبائية التي تستهدف الحكومة من خلالها تعظيم موارد الموازنة العامة للدولة من جيوب المواطنين، وهو ما يتسق مع حزمة تشريعات سابقة تقوم على فلسفة الجباية وفرض المزيد من الإتاوات والرسوم الباهظة والغرامات الكبيرة. ومن بين تلك القوانين قانون المرور الجديد في مارس الماضي “2021م”، وفرض غرامات على كل شيء تقريبا حتى رائحة السيارة إن لم تعجب رجل المرور فمن حقه أن يحرر مخالفة لصاحب المركبة.

واستهدفت الرسوم والغرامات الطبقات الفقيرة جدا، ولم يسلم منها حتى أصحاب “عربات الفول” المتجولون في الشوارع، حيث أقر برلمان السيسي في أبريل 2018 قانون “عربات الطعام المتنقلة”، وفرض دفع مبلغ 10 آلاف جنيه للحصول على الترخيص لمدة 3 سنوات، إلى جانب رسوم أخرى تحددها الجهات الإدارية، كما يلزم صاحب عربة الطعام تركيب (جي بي إس) لمتابعة العربة من قبل الجهاز الإداري للمدينة أو المحافظة التابع لها، وسط سخرية واندهاش الكثيرين.

ومع بداية أزمة جائحة كورونا، فرضت الحكومة في  مايو 2020 ضريبة بنسبة 1 بالمئة على جميع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص لمدة عام لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد، بدلا من دعم المواطنين ما أثار غضبا واسعا بين المواطنين.

ويوليو 2020، تم فرض ضريبة رسوم الراديو في السيارة وارتفعت من 140 قرشًا إلى 100 جنيه كإجمالي ضريبة إذاعة في العام. وأغسطس 2020م وفي قرار غير مسبوق؛ أعلنت مصلحة الضرائب، أنها قررت تطبيق قانون ضريبة الدخل على تجار المخدرات، والدعارة، والسلاح، حال القبض عليهم.

وأصدر السيسي قانون التصالح في مخالفات البناء بهدف تحصيل مئات المليارات من جيوب المواطنين وبالفعل هدم مئات المنازل وجمع نحو 18 مليار جنيه ولكن تزايد منسوب الغضب الشعبي أجبر النظام على شيء من التراجع خوفا من ردة فعل شعبية لا يتمكن النظام من السيطرة عليها.

وفي سبتمبر 2020م تم رفع المصاريف المدرسية بنسبة تصل إلى “156%”، وهو القرار الوزاري رقم 155 لسنة 2020م، الذي أصدره وزير التعليم طارق شوقي يوم 21 سبتمبر، ونص القرار على رفع مصاريف حضانة الأطفال حتى الصف الثالث الابتدائي والتي كانت تقدر بنحو 85 جنيها إلى 300جنيه دفعة واحدة. و200 جنيه للصفوف من الرابع حتى  الثالث الإعدادي والتعليم الفني. و500 جنيه للمرحلة الثانوية والتي كانت لا تزيد عن 195جنيها.[[7]]

الخلاصة أن مثل هذه القوانين (قانون السايس) التي تفرض المزيد من الرسوم والضرائب الباهظة على المواطنين تمثل مؤشرا سلبيا من الناحية الاقتصادية كما تعتبر مجحفة وفجة سياسيا، وفي دولة تمثل حصيلة الضرائب الجزء الأكبر في الموازنة العامة (تقارب تريليون جنيه) فهذا يدل على أن الاقتصاد المصري يمر بحالة مرضية  مستعصية لا سيما في أعقاب قرض صندوق النقد الذي بلغ نحو 20 مليار دولار. وحتى اليوم لا يزال النظام يعتمد على القروض والضرائب التي تحولت إلى البديل لتمويل الموازنة. أحد دلالات سن هذا القانون أن يعكس حالة الإفلاس لدى النظام وعدم قدرته على زيادة موارد الدولة بأدوات الاقتصاد الصحيحة كزيادة الإنتاج والتصدير والسياحة والصناعة والزراعة، وفي مقابل فشله في تنمية الموارد بشكل صحيح فإنه يلجأ إلى الأدوات السهلة (الاقتراض والضرائب)، حتى بات جيب المواطن هو المورد الرئيس لخزينة  الدولة. وكان الأولى بالنظام تخفيض إنفاقه السفيه على مشروعات عملاقة فعلا لكنها بلا أي جدوى اقتصادية.

معنى ذلك أن  نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي يشن حربا بلا هوادة على الفقراء في المجتمع المصري، والتباطؤ الاقتصادي الحالي سبقه زيادات متواصلة بمعدلات الفقر؛ الأمر الذي يتسبب في تفاقم الهشاشة الاجتماعية للمصريين؛ والسياسات المالية والاقتصادية التي يتبناها نظام السيسي تتسبب في تفاقم معدلات الفقر، وتسرّع بنقل الثروات  من الطبقتين الدنيا والوسطى إلى الحكومة ونخب المال والأعمال.

وكان تحليل أعده الكاتب والمحلل ماجد مندور لمركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy»، في بداية أكتوبر”2020″ توقع أن يفضي ذلك إلى نتائج كارثية. ويعزو مندور أسباب تزايد معدلات الفقر في مصر إلى تبني النظام حزمة من السياسات المالية والاقتصادية تستهدف تسريع نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى نخب الأعمال وعلى رأسها المؤسسة العسكرية وقادتها التي باتت تحتكر وتتحكم في مفاصل النشاط الاقتصادي بما تحوزه من امتيازات ونفوذ واسع.

تستند هذه السياسة إلى مرتكزات عدّة: 

أوّلها أن الحكومة تعتمد بشدّة على القروض، بدلاً من الضرائب التصاعدية، لتمويل عملياتها والمشاريع الضخمة في البنى التحتية. أما الإيرادات الضريبية فتُستخدَم على نحوٍ غير متكافئ في تسديد القروض والفوائد، ما يُفضي إلى نقل الثروات من الطبقتَين الدنيا والوسطى إلى الجهات الدائنة للنظام، الخارجية والداخلية على السواء.

ثانياً، تواصل الحكومة خفض الدعم والإنفاق الاجتماعي.

ثالثاً، يستمر العمل بالضريبة التنازلية التي تلقي بالعبء الضريبي على كاهل الطبقتَين الوسطى والدنيا. (في إشارة  إلى عدم تبني فلسفة الضريبة التصاعدية التي تحدد قيمة الضريبة بناء على حجم المكاسب والأرباح وفق معادلة (ترتفع الضريبة كلما ارتفع الدخل وتقل كلما قل الدخل). وفي الوقت نفسه، تستمر الحكومة في العمل على تنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية بقيادة الجيش، ما يُشكّل أداةً للاستحواذ على الأموال العامة، لا أداةً لتطبيق برامج الإنفاق الاجتماعي والحد من الفقر. ويسمح هذا بدوره للأعمال والشركات المملوكة من الجيش بأن تزدهر، ما يساهم في تعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية وشبكة المحسوبيات التابعة لها. وهذا الدعم الخارجي يحمي الجيش أيضاً من التدقيق العام، ويقترن مع الاعتماد المتزايد على الضرائب باعتبارها مصدراً للإيرادات الحكومية.

وحول انعكاسات تبني نظام السيسي العسكري لهذه السياسات المالية والاقتصادية على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، يتوقع “مندور” أن تفضي هذه المقاربة إلى آثار خطيرة في المدى الطويل تذهب أبعد من الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي الذي يعاني منه المواطن العادي، إذ إنه من المحتّم أن يصبح هذا النظام أكثر قمعاً وسلطوية فيما يستمر في فرض سياساته القاسية. وهذا بدوره سيغذّي صعود المقاومة العنيفة للدولة. وينتهي إلى أن هذه المقاومة حتى وإن لم تتبلور إلى إطار حركة سياسية متماسكة، فلا بد من أن يتفاقم مستوى العنف الاجتماعي، ما يفضي إلى تداعيات مزعزعة للاستقرار في المدى الطويل. فضلاً عن ذلك، يؤدّي توسّع الأعمال والشركات المملوكة من الجيش إلى زيادة الضغوط على القطاع الخاص الاقتصادي فيما يسعى جاهداً للتنافس مع العملاق العسكري. وسوف تكون لهذا الأمر تأثيرات بنيوية طويلة الأمد على الاقتصاد والمنظومة السياسية، وهي تأثيرات يصعب العودة عن مفاعيلها وسوف تستمر على الأرجح إلى ما بعد السيسي ونظامه.[[8]]

 

 

[1] يتضمن شروط عمل السايس.. السيسي يصدر قانون تنظيم انتظار المركبات في الشوارع/ مصراوي ــ الجمعة  17 يوليو 2020مـ

[2] إبراهيم معوض, محمود رمزي, ولاء نبيل, محمد محمود خليل/ جدل حول «قانون السايس» بعد تفعيل منظومة انتظار السيارات/ المصري اليوم ــ الإثنين 23 أغسطس 2021م

[3] “قانون السايس” يثير غضب المؤيدين والمعارضين لـ”السيسي”/ “عربي 21” ــ  الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

[4] مصر: بزنس الجيش يمتد لتأجير ساحات السيارات والمطاعم / العربي الجديد ــ 24 اغسطس 2021

[5] برلمان السيسي يقنن مهنة “السايس” مقابل 2000 جنيه/ العربي الجديد ــ 10 فبراير 2020

[6] قانون السايس الجديد .. 300 جنيه شهريًا لمبيت السيارة أسفل العقار (تفاصيل)/ المصري اليوم ــ الأحد 22 أغسطس 2021مـ

[7] وفاء يحيى/تعرف على المصروفات الدراسية لطلاب المدارس الحكومية/ المصري اليوم الإثنين 21سبتبمر -2020// عبدالله عبده/ زيادة مصروفات مدارس الفقراء في مصر 156% والأهالي: “مش دافعين”/ العربي الجديد 24 سبتمبر 2020

[8] ماجد مندور/ مصر.. حرب السيسي على الفقراء/ مركز كارنيجي ونشر بموقع «open democracy» ترجمة موقع الخليج الجديد الجمعة 2 أكتوبر 2020

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022