لقد أصبحت المأساة اليمنية واحدة من أقوى الكوارث الإنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، نتيجة حجم الدمار الذي تعرضت له البلاد، نتيجة انهيار البنية التحتية بصورة شبه كاملة، وهو ما أدى لشلل الحياة الاقتصادية والصحية، ما ساهم في انتشار المجاعات في محافظات ومدن اليمن بطولها وعرضها، وانتشار البطالة وتفكك النظام الاجتماعي نتيجة دخول حرب الكل ضد الكل، التي هي أسوء أنواع الحروب الأهلية، والتي لا يمكن معها تصور حدوث سلام أهلي على المدى القريب، ناهيك عن تخيل حدوث تنمية ونهضة حضارية.
وقد ساهم تحول اليمن لبؤرة، الحرب بالوكالة بين اثنين من أكبر أقطاب الاقليم وهما السعودية وإيران، ثم وجود اختلافات بينية في محور من المحورين وهو المحور السعودي الإماراتي، مما أدى إلى مزيد من التعقيد في المشهد من جهة أخرى.
وبالنزول للوضع الاجتماعي والميداني فحدث ولا حرج، فقد أزّمت الطبيعة القبلية للدولة من المشهد، وتحول شيوخ القبائل لأمراء حرب والأهالي لمتحاربين، وبالتالي كان طبيعي أن يحدث احتراب بين القبائل الحوثية وقبائل الشرعية، واحتراب أخر بين قبائل الجنوب وقبائل الشمال، واحتراب ثالث بين قبائل جنوبية شيعية وجنوبية سنية، ورابع بين قبائل شمالية سنية وشمالية شيعية، وخامس بين قبائل تابعة للإمارات وأخرى تنتمي للسعودية، وغيرها الكثير من الاختلافات التي أتاح الوضع الكارثي في انفجارها.
الورقة الثالثة: الحوثي والإصلاح وبريطانيا في حرب اليمن:
توسع حوثي متجدد:
منذ رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونجاح جو بايدن، الذي تعهد بإنهاء حرب اليمن، وهناك حرص شديد من الحوثيين على توسعة رقعتهم الميدانية باستمرار، حيث شعر الحوثيين بأن بايدن يرغب في تغيير توجهات بلاده من السعودية، وهي اللحظة التي رأي الحوثيون ضرورة استغلالها إلى الحد الأقصى.
على الصعيد الميداني، وصل التقدم الحوثي إلى محافظة البيضاء وسط البلاد، بعدما كان حبيس المناطق الشمالية، فقد حقق تقدما ميدانيا مهما، بعد هجوم مباغت على القوات التابعة للحكومة اليمنية في محافظة البيضاء، حيث دارت معارك عنيفة في مديرية نعمان، شرق محافظة البيضاء، بعدما شن الحوثيون هجوما مباغتا، وسيطروا على مناطق عدة في المديرية، الحوثيين حققوا اختراقا كبيرا في المديرية وصولا إلى عقبة القنذع، وهي تل استراتيجي، يقع في أطراف مديرية نعمان على الحدود الإدارية مع مديرية بيحان في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، ثم انتقلت المواجهات إلى مثلث البدع بين منطقتي العصر والجريبات بمديرية نعمان، شرق البيضاء.
رغم أن الجيش والمقاومة الشعبية قاموا بتنفيذ هجمات مضادة مكنتهم من استعادة السيطرة على بعض المناطق التي خسروها، إلا أن الحوثيين تمكنوا من العودة مرة أخرى، نتيجة ضعف الدعم الذي يقدمه التحالف السعودي الإماراتي، وهو ما دفع المتحدث باسم جماعة الحوثي، محمد عبد السلام، أن ما سمّاه “العدو”، في إشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية وقوات الحكومة الشرعية. وتابع: “وفي هذه الجولة، سيفيق الأمريكي على وقع خيبة أكبر، ومن ثم صراخ؛ أكبر نتيجة تداعي مرتزقته في البيضاء، وسقوط رهان التصعيد هناك”.
وفي الوقت ذاته حاولت المليشيات الحوثية التسلل باتجاه مواقع للجيش، في جبهات المشيريف، وجبل مراد، ورحبة، جنوبي مدينة مأرب، وكذلك جبهات مديرية صرواح غربي مأرب، بينما تحاول قوات الجيش صد تلك الهجمات واجبارها على الفرار والتراجع، إلا أنها سرعان ما تعود أقوى وأشرس، مستغلة ضعف الموقف السعودي في الرأي العام العالمي.
كما حققت تقدمًا في محافظة شبوة، وسيطرت على عدد من المواقع الاستراتيجية، ضمن عملية عسكرية تسعى من خلالها لتحقيق عدد من الأهداف الميدانية والسياسية، بعد من سيطرتها على مواقع داخل محافظة البيضاء ذات البعد الاستراتيجي.
في مقابل ذلك، تشن قوات الحكومة الشرعية في مناطق قبائل مراد في محافظة مأرب هجوماً استباقياً على مواقع الحوثيين في جبهات المشيريف- الرحبة جنوباً ضمن عملية التفاف عسكرية نفذتها قوات الشرعية والقبائل، تستهدف حصار وقطع الإمداد عن قوات الحوثيين التي تحاول التقدم في حدود محافظتي شبوة ومأرب.
وقد سيطرت، على مديرية رحبة، غربي مأرب، والتوغل نحو مديرية ماهلية المحاذية لها، بعد هجوم سريع على الحوثيين الذين يحكمون قبضتهم على المديريتين منذ نحو عام تقريبا. وقد وصلت السيطرة الحوثية إلى داخل شبوة وهو ما جعل من خسائرهم في مأرب اقل قيمة من مكاسبهم في نقاط الاشتباك الأخرى.
ويعتبر فتح الحوثيين معركة المثلث الرابط بين المحافظات الثلاث البيضاء وشبوة ومأرب تطوراً مهماً، لأنه يهدف من خلاله إلى تقطيع أوصال المحافظات الثلاث عن بعضها، وأهمها أولاً فصل مأرب عن شبوة، وقطع طرق الإمداد إلى مأرب وحصارها من الجنوب، والتوغل نحو الغرب حتى حدود حضرموت مع مأرب، لفصل أول المحافظات النفطية عن البقية في شرق اليمن.
وتسعى المحاولات الحوثية نحو تغيير معادلات الواقع الميداني بما يخدم المفاوضات السياسية، لاسيما مع وجود جدية لدى الإدارة الأمريكية الجديدة على تصفية خلافاتها مع إيران في ظل عودة مفاوضات الإتفاق النووي المنتهي، حيث تحاول إيران تقوية جبهاتها، بما يمنحها أفضلية على طاولة المفاوضات الدبلوماسية مع الغرب، وهو ما ينجح فيه الحوثيين حتى الآن، نتيجة الضوء الأخضر الذي منحتهم إياه إيران بعد التراجع الأمريكي، ناهيك أن المعسكر السعودي الإماراتي المتخبط في أضعف مواقف في الفترة السابقة.
بريطانيا تدخل على خط النار والإصلاح يندد:
شهدت الأيام الماضية دخول طرف جديد إلى المعادلة اليمنية، وليس طرف عادي، بل هي قوات للمملكة المتحدة العظمي إنجلترا، وكانت صحيفة “ديلي إكسبرس” البريطانية قد نشرت قبل أيام تقريرا يكشف وصول فريق خاص من الجيش البريطاني إلى محافظة المهرة اليمنية، لتعقب من أسمتهم إرهابيين مدعومين من إيران، نفذوا هجوما على الناقلة “ميرسر ستريت” في خليج عمان، أواخر الشهر الماضي. وقالت الصحيفة إن فريقا من 40 جنديا من القوات الخاصة وصل إلى مطار الغيظة، عاصمة محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان، لتعقب الإرهابيين، الذين يعتقد أنهم حوثيون، نفذوا الهجوم عبر طائرة من دون طيار، بأمر من طهران، على ناقلة بريطانية في الخليج، أسفرت عن مقتل حارس أمن بريطاني، وقبطان السفينة، روماني الجنسية.
رغم الجهود الحثيثة والمؤامرات التي قام بها محور الثورة المضادة ضد الإسلاميين في البلاد العربية بصفة عامة، ودول الربيع العربي بصفة خاصة، فلم يتوان المحور في محاربة حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين بكل ما أوتي من قوة، ورغم ذلك ظل الحزب قائمًا ويحاول الصمود أمام موجات متزايدة من التصعيد التي تستهدف تمزيق اليمن إلى أشلاء متناثرة.
ويحاول الحزب من وقت لأخر، إثبات أن له صوت وحضور في المشهد السياسي والميداني، ولو حتى من أجل تسجيل مواقف تذكر للتاريخ، بأنه ثمة من كان يندد بالسياسات المعادية لاستقرار اليمن، ويعمل على تدميرها، ولتعليم الأجيال القادمة، بأنه الصوت الثوري ظل قائمًا رغم شدة العواصف.
فمؤخرًأ، دعا حزب التجمع اليمني للإصلاح، الحكومة المعترف بها، إلى التوضيح حول وجود قوات عسكرية أجنبية في محافظة المهرة، شرق اليمن. جاء ذلك في بيان صادر عن الفرع المحلي للحزب في محافظة المهرة، بعد نشر تقارير صحفية غربية عن وصول قوات بريطانية خاصة إلى مطار مدينة الغيظة، عاصمة المحافظة، الواقعة أقصى شرق البلاد على الحدود مع سلطنة عمان.
وقال الحزب اليمني، إنه يطالب الحكومة اليمنية والسلطة المحلية بالمهرة بتوضيح شفاف حول وجود قوات عسكرية أجنبية خارج إطار التحالف العربي التي دعت إليه الشرعية، تحت ذرائع واهية. وحذر من جر محافظة المهرة إلى فضاءات الفوضى، وتمرير أجندات ومطامع وتسابق محموم ينتقص من سيادة البلد. ودعا البيان الجهات المسؤولة للوقوف أمام مسؤولياتها، وتجنيب المحافظة الصراعات، والنأي بها بعيدا عن التجاذبات والصراعات الإقليمية، أو أن تكون منطلقا لذلك الصراع. كما حث كافة القوى الحية إلى استنكار ورفض كل ما من شأنه ارتهان المهرة لمن يطمح أن يعيد مطامعه التاريخية، وإعادة سيطرته على الأرض والإنسان المهري واليمني عموما، حيث لفت النظر إلى التاريخ الاستعماري السئ للإنجليز.
من جانبه، دعا رئيس لجنة الاعتصام السلمي بالمهرة، الشيخ، علي سالم الحريزي، القيادات الميدانية إلى رفع اليقظة، والبدء بمرحلة جديدة من النضال لمواجهة التحديات والمخططات التي تحاول إسقاط المحافظة واحتلالها تحت ذرائع واهية. وأكد الحريزي المعروف بمقارعته القوات السعودية المتواجدة في المهرة، على أن أبناء المحافظة سيتصدون لكل المخططات، وسيكون النصر حليفهم.
وأقرت لجنة الاعتصام السلمي، في اجتماعها، برئاسة الشيخ الحريزي، برنامجا تصعيديا لمواجهة كافة المشاريع التي تهدد الأمن والاستقرار في المحافظة وتنتهك سيادة البلاد. وأثارت هذه الأنباء ردود فعل في اليمن، حيث أعلنت لجنة الاعتصام السلمي التي تشكلت لمناهضة الوجود العسكري السعودية بالمهرة في بيان لها، رفضها القاطع لأي تواجد عسكري في المهرة، أو تحويل أراضي المحافظة إلى مسرح للقوات الأجنبية. وأعربت عن استنكارها كل المحاولات البائسة والمشينة من قبل ما وصفته “الاحتلال السعودي الإماراتي البريطاني الأمريكي” بإلصاق التهم والأكاذيب الباطلة بأبناء محافظة المهرة، وبأعمال ممنهجة متعددة الأساليب، الغرض منها السيطرة والاستحواذ على هذه المحافظة الآمنة، وتشويه تاريخها المجيد.
الغريب في الأمر، أنه في فبراير من العام الجاري، اتهم وكيل محافظة المهرة السابق، الشيخ علي سالم الحريزي، بريطانيا بتدريب عناصر على التجسس لاستهداف الدولة ومؤسساتها ورجال القبائل في محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن. وأضاف أن المملكة العربية السعودية تعمل على تثبيت نفسها في المهرة، من خلال الدعم الأمريكي البريطاني. وهو ما يعني أنه ثمة مؤامرة تتم على أبناء المهرة، بدعم وتواطؤ من الحوثيين.
وتمتلك المهرة أطول شريط ساحلي في اليمن بـ560 كم مطل على بحر العرب، ومنفذين بريين مع سلطنة عُمان هما “صرفيت” و”شحن”، إضافة إلى ميناء نشطون البحري.
ملخص استنتاجات الأوراق الثلاثة:
أولا: المعسكر الإماراتي والفصائل التابعة له ليس على قلب رجل واحد، ولا تنعم الأراضي التي تقع تحت سيطرتهم بالاستقرار والسلام كما تدعي، بل أن هناك حالة غليان يغطيها الانشغال بمحاربة الحوثيين والقوات الشرعية، ولكن في لحظة هدوء تلك الحرب، ستتشعل حرب أخرى في داخل هذا المعسكر.
ثانيًا: السعودية أصبحت تضيق ذرعا بالإمارات بصورة دفعتها إلى الجلوس مع سلطنة عُمان رغم الخلافات الكبيرة بينهما، ورغم ان العلاقات بين مسقط والرياض كما هي ولم تتطور بالصورة التي تقلق ابوظبي، إلا أنها تدق ناقوس الخطر.
ثالثًا: دخول بريطانيا الحرب لو حدث سيعقد الأزمة اليمنية وسيطيل عمرها، ومعني هذا أن المجتمع الدولي غير صادق في نيته انهاء الحرب.
رابعًا: حزب الإصلاح اليمني مازال قادر على توصيل أصوات الثوار ولو عبر بيانات توثق لأجل التاريخ.