بعد مرور عام على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية (الإمارات- البحرين- السودان- المغرب) فى مطلع عام 2020، يبدو أن هناك موجة جديدة من التطبيع العربي مع إسرائيل قد تشمل دخول دول أخرى إلى حظيرة التطبيع مثل تونس والعراق والسعودية، بجانب ذلك فقد شهد هذا العام (2021) تحركات كثيفة للدول المطبعة من أجل تعميق العلاقات مع إسرائيل على المستوى السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي. وهو ما سيتم توضيحه خلال السطور القادمة عبر تقسيم الورقة إلى ثلاثة محاور؛ يتناول المحور الأول مظاهر عمليات التطبيع المتزايدة بين إسرائيل والدول العربية، بينما يتناول المحور الثاني؛ دوافع الأنظمة العربية من خلف التطبيع مع إسرائيل، وأخيرًا، يتناول المحور الثالث؛ حجم المكاسب التي ستحصل عليها إسرائيل من خلف هذا التطبيع.
أولًا: تزايد عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل:
شهدت الأيام القليلة الماضية تزايد فى حجم ومستوى التطبيع الإسرائيلي – العربي سواء من حيث تعميق العلاقة والترابط بين إسرائيل والدول المطبعة معها، أو من حيث ظهور مؤشرات لإمكانية انضمام دول عربية أخرى إلى مسار التطبيع، وهو ما يمكن توضيحه كما يلى:
– الإمارات: قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد، إنه اتفق مع نظرائه في الولايات المتحدة والإمارات والهند على إنشاء “منتدى دولي رباعي للتعاون الاقتصادي”. وجاء الاتفاق خلال لقاء عقده الوزراء الأربعة، فى 18 أكتوبر 2021، عبر اجتماع افتراضي، بحسب ما كتب لابيد على حسابه في “تويتر”. وأضاف: “ناقشنا إمكانيات البُنية التحتية المشتركة في مجالات النقل والتكنولوجيا والأمن البحري والاقتصاد والتجارة، وغيرها من المشاريع المشتركة”.
ويأتى ذلك، بعد أسبوع من لقاء وزراء خارجية أمريكا والإمارات و”إسرائيل”، اتفقوا خلاله على تفعيل اتفاق التطبيع الموقع عام 2020 بين أبوظبي و” تل أبيب”. وعقب الاجتماع قال وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إنه سيزور “إسرائيل” قريباً تلبية لدعوة من لابيد. يذكر أن لابيد قد زار الإمارات في يونيو 2021، حيث افتتح سفارة لدولة الاحتلال في أبوظبي وقنصلية في دبي.
وحالياً، تشارك دولة الاحتلال في معرض “إكسبو-2020″ الذي تستضيفه إمارة دبي، وهي أول مشاركة لـ”تل أبيب” في فعالية بمنطقة الخليج[1]. ومن المتوقع أيضًا أن يزور رئيس الكنيست، ميكي ليفي، معرض «إكسبو»؛ حيث سينضم إلى أكثر من اثني عشر عضواً من أعضاء الكنيست الذين زاروا الإمارات منذ إنشاء معرض “إكسبو- 2020”[2]. كما وجه ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد آل نهيان”، فى 19 أكتوبر 2021، دعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلي “نفتالي بينيت”، لزيارة الإمارات، وذلك للمرة الأولى منذ تطبيع العلاقات بين البلدين، وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن “بينيت” استقبل سفير الإمارات لدى تل أبيب “محمد آل خاجة”، الذي سلمه رسالة من “بن زايد”، تتضمن دعوة رسمية لزيارة الإمارات[3].
ومن جانب آخر، فقد كشف السفير الإسرائيلي لدى دولة الامارات، أمير حايك، فى 18 أكتوبر 2021، خلال مؤتمر beyond business الذي ينظمه بنك “هبوعليم” الإسرائيلي في أبو ظبي، بالاشتراك مع معهد التصدير، أن يتم توقيع اتفاقية تجارة حرة بين إسرائيل ودولة الإمارات في وقت قريب. وتتيح اتفاقية التجارة الحرة للبلدين التجارة بين بعضهما بدون رسوم جمركية، وبالتالي زيادة حجم التجارة في كلا الاتجاهين.
وقبل إعلان حايك، انطلق بنفس الحدث بوقت سابق، فى 17 أكتوبر، “منتدى الأعمال إسرائيل-أبو ظبي” خلال المؤتمر المشترك الذي نظمه بنك “هبوعليم” مع معهد التصدير، وعقد المنتدى بالتعاون مع وزارة الخارجية الإماراتية ووزارة السياحة الإماراتية، اتحاد غرف التجارة الإماراتية ومكتب الاستثمارات أبو ظبي ADIO[4].
كذلك فمن المقرر أن توقع إسرائيل والإمارات اتفاقية بشأن التعاون في مجال الفضاء، فى 20 أكتوبر، بحسب ما ذكر موقع “واينت” الإخباري. ووفقًا للتقرير، ستغطي الاتفاقية العديد من المشاريع الفضائية بما في ذلك التعاون في مهمة “إسرائيل “بيريشيت 2” إلى القمر، والتي من المقرر إطلاقها حاليا في عام 2024[5].
– السعودية: قال قنصل إسرائيل في دبي، إيلان شتولمان، فى 20 أكتوبر 2021، في حديث مع صحيفة “غلوبس” العبرية، إن هناك تسارعا في الاتصالات مع عدة دول عربية في المدة الأخيرة، تتمةً لاتفاقات التطبيع وعلى رأسها السعودية، وأن هناك اتصالات هادئة من وراء الكواليس، لكن ليس من الضروري أن تؤدي إلى اتفاقيات تطبيع كاملة مثل الاتفاقيات المنعقدة مع الإمارات والبحرين.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل تواجه مصاعب في تطبيع علاقات كاملة مع السعودية. ويشير القنصل الإسرائيلي إلى أن الحل الذي يبدو في الأفق، يكمن في اتفاقيات بدرجات منخفضة أكثر، تؤدي إلى فتح ممثليات اقتصادية كما كان في الماضي، علاوة على النية لإبرام اتفاقيات اقتصادية في مجالات محددة.
وتستذكر صحيفة “غلوبس” أن السعودية سمحت بالفعل بمرور الطائرات الإسرائيلية في مجالها الجوي، وتقول إن توقيت الخطوات المشار إليها أعلاه ليس واضحا. لكن بحسب مصدر مطلع قال للصحيفة إن الأمريكيين يضغطون على الدول التي يدور الحديث عنها، لمساعدة حكومة بينيت- لابيد، وإحدى هذه الإمكانيات أن الأمر سيتم مقابل تنازل إسرائيلي، لربما يكون الموافقة على استئناف فتح القنصلية الأمريكية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، التي تقدم خدمات للفلسطينيين.
ونقلت الصحيفة العبرية عن مصدر اقتصادي مطّلع على العلاقات الاقتصادية لإسرائيل مع السعودية، قوله إن الاتفاقيات مع الإمارات وخصوصا مع البحرين أدت خلال الأشهر الأخيرة لإبرام عدة صفقات بأحجام لا بأس بها مع السعودية حيث تنفّذ هذه الصفقات عن طريق البحرين والإمارات. منوهة أن هناك أهمية اقتصادية كبيرة لفتح الأسواق السعودية للشركات الإسرائيلية، حيث يعيش في السعودية 33 مليون مواطن وهناك قدرات شرائية عالية[6].
وفى السياق ذاته، فقد ذكر موقع Axios الأمريكي، 20 أكتوبر 2021، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لا يعترض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام إلى قائمة الدول العربية التي أقدمت على هذه الخطوة، لكنه في المقابل اشترط على أمريكا القيام بمجموعة “خطوات”، أبرزها تحسين العلاقات بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والرياض.
فقد توترت العلاقة بين إدارة بايدن والسعوديين بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي، والملف اليمنى، فضلاً عن سجل المملكة الحافل في مجال حقوق الإنسان. وعلى خلاف علاقة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن بايدن رفض لقاء ولي العهد السعودي أو حتى مكالمته هاتفياً، مكتفياً بإجراء اتصال هاتفي مع الملك سلمان، كما أدان علانيةً جريمة اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، إضافة إلى اعتقال عدد من نشطاء حقوق الإنسان والمدافعات عن حقوق المرأة.
ووصف تقرير الموقع الأمريكي نجاح التطبيع بين السعودية وإسرائيل، إن تم فعلاً، بـ”الإنجاز الكبير”، إذ إن انضمام أكبر طرفٍ إقليمي إلى ما يُعرف بـ”اتفاقيات أبراهام” للسلام مع إسرائيل، يمهد الطريق على الأرجح لدول عربية وإسلامية أخرى للسير على المنوال نفسه.
جدير بالذكر هنا، أن السعودية قد دعمت قرار الإمارات توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، ومنحت البحرين الضوء الأخضر للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، لدرجة أنها سهّلت توقيع الاتفاقيات بفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية بين إسرائيل وتلك الدول الخليجية[7]. وفي يناير 2020، قاد “محمد العيسى” الأمين العام لـ”رابطة العالم الإسلامي” المُموّلة من السعودية، وفدا من كبار العلماء بصحبة ممثلين عن “اللجنة اليهودية الأمريكية” في زيارة غير مسبوقة لموقع معسكر “أوشفيتز” للإبادة الجماعية لليهود في بولندا[8].
– مصر: قالت قناة إسرائيلية رسمية، فى 18 أكتوبر 2021، إن القاهرة طلبت من تل أبيب زيادة معدل التجارة بين البلدين، وأفادت القناة بأن هذا الطلب جاء بعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بينيت واستئناف الطيران بين القاهرة وتل أبيب في 3 أكتوبر.
وفي أعقاب الطلب المصري زارت وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية أورنا باربيفاي الأسبوع الماضي معبر نيتسانا البري الحدودي بين مصر وإسرائيل تمهيدا لتوسيعه لاستيعاب أكبر كم من البضائع المنقولة بين البلدين. ولفتت إلى أن المصريين معنيين بزيادة حجم التصدير والاستيراد مع إسرائيل في عدة مجالات بينها الإسمنت والحديد والكيماويات وغيرها. وقالت القناة إن باربيفاي ستجري خلال الأسابيع القادمة زيارة إلى القاهرة لبحث المزيد من مجالات التعاون بين إسرائيل ومصر[9].
– المغرب: أعلنت شركة التنقيب الإسرائيلية “Ratio Petroleum” عن توقيعها اتفاقية مع المكتب الوطني للهيدرو كاربورات والمعادن المغربي يُمنح بموجبها الحق الحصري للشركة في الدراسة والتنقيب عن النفط والغاز في كتلة “أتلانتيك الداخلة” على طول ساحل المحيط الأطلسي لمدة 8 سنوات قابلة للتمديد، وتبلغ المساحة الإجمالية لـ”البلوك” أكثر من 129 ألف كيلومتر مربع.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أمريكية أواخر عام 2020، تسير العلاقات بين البلدين في منحى تصاعدي توج بافتتاح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، فى 16 أكتوبر 2021، مكتبا تمثيليا لتل أبيب بالعاصمة المغربية الرباط[10].
– تونس: أكد وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج، فى 19 أكتوبر 2021، أن سلطنة عُمان وتونس وقطر وماليزيا قد ينضمون إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل. وبحسب قناة “كان” العبرية، أضاف فريج خلال مقابلة مع موقع “إرم نيوز” الإماراتي، أن لإسرائيل اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع جميع دول الشرق الأوسط “بما في ذلك المعادية منها”.
وفي سياق متصل، صرح وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيّس أن بلاده لا تعتبر إسرائيل عدوًا لها، مضيفًا في تصريحات إذاعية أن “تونس كانت أول دولة عربية في التاريخ اعتبرت أن أنسب وأسلم السياسات العربية هي التفاوض مع إسرائيل على أساس قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة”[11].
ويشير مراقبون إلى إمكانية أن تقبل تونس في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لإنقاذ وإنعاش الاقتصاد التونسي الذي يوشك على الانهيار. ويبدو أن هذا الاعتقاد قد ترسخ مع انطلاق مفاوضات وُصفت بـ”المتقدمة” بين تونس والإمارات، التي تقود موجة التطبيع العربي. كما أنه فى ظل امتناع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي عن مساعدة تونس في تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، وذلك في ظلّ الاتهامات التي تطال السلطة الحالية بانتهاك الحريات والانقلاب على الديمقراطية والأوضاع الدستورية في البلاد، فإن التطبيع مع إسرائيل قد يكون الطريق الفعال لتوسطها لدى تلك الجهات من أجل توفير القروض لتونس[12].
– العراق: ففي 24 سبتمبر 2021، عقد أكثر من 300 عراقي، فى أربيل بإقليم كردستان العراقي، مؤتمرًا عبر خلاله المشاركون عن آمالهم بتطبيع علاقات العراق مع إسرائيل. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة مدعومة من واشنطن التى ترغب فى توسيع رُقعة الاعتراف الإقليمي بإسرائيل تحقيقا لأهداف استراتيجية مهمة وقديمة، أهمها تشكيل تحالف إقليمي يساعد في عزل إيران، كما تُغري البعض الاعتقاد أن التطبيع مع إسرائيل سيجلب منافع اقتصادية من إسرائيل وواشنطن والخليج لتعويض الانخفاض الحاد في عائدات النفط وتعزيز الاستثمارات في بلد مُنهَك اقتصاديا منذ سنوات، ويساعد في تقليص الدور الإيراني من جهة أخرى، والأخير يُعَدُّ هدفا رئيسيا على أجندة الحكومة العراقية الحالية[13].
– جزر القمر: بحسب صحيفة “يديعوت أحرنوت”، فإن هناك محادثات متقدمة جارية بين إسرائيل وجزر القمر للتوقيع على إقامة علاقات دبلوماسية بين الحكومتين. وكان الرئيس القُمري السابق، أحمد سامي (2006-2011)، قال في مقابلة تلفزيونية إنه، خلال ولايته، تلقى اتصالات رسمية من الجانب الإسرائيلي تعرض المساعدة المادية لجزر القمر مقابل التطبيع، وهو ما رفضه. وقال سامي حينها إنه رفض التطبيع مع الاحتلال، برغم فوائده الاقتصادية المرجوة، مطالبا الدول العربية والإسلامية بمساعدة البلاد[14].
ثانيًا: دوافع الأنظمة العربية من خلف التطبيع مع إسرائيل:
يرى زعماء الأنظمة العربية أن هناك مصلحة من تقاربهم مع إسرائيل فى ظل العلاقة الاستراتيجية بين تل أبيب وواشنطن، وهى المصالح التى تتركز بصورة رئيسية فى الحفاظ على أنظمتهم الاستبدادية مع قمع الشارع والحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن ضد محاولات الخصوم (إيران وتركيا) فى تغييره وإبقاء الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الشرق الأوسط باعتبارها الضامن الأمني لأنظمتهم.
فعلى مدى السنوات الماضية، استخدمت إسرائيل نفوذها لحماية هذه الحكومات من الانتقادات الحقوقية والحفاظ على تدفق مبيعات الأسلحة إليها من واشنطن وشيطنة الخصوم المحليين والإقليميين. وفي أغسطس الماضي (بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم)، أعرب “أيباك” والسفير الإسرائيلي في ذلك الوقت “رون ديرمر” عن دعمهما القوي لحصول الإمارات على الطائرات المقاتلة من طراز “F-35” في وقت خضعت فيه صفقة الأسلحة للتدقيق في الكونجرس.
وفي وقت سابق من هذا العام، تم الكشف عن ضغوط إسرائيلية على الرئيس “جو بايدن” لحثه على عدم اتخاذ إجراءات ضد الإمارات والسعودية ومصر بشأن المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد ذهبت شبكة النفوذ الإسرائيلية إلى أبعد الحدود للدفاع عن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بعد اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي”، وقام “جوش بلوك” الرئيس التنفيذي آنذاك لمجموعة الضغط “مشروع إسرائيل” على سبيل المثال، بالتغريد على “تويتر” واصفا “خاشقجي” بـ”حليف الإرهاب الإسلامي الراديكالي الذي كان مقربًا من أسامة بن لادن وتنظيم الدولة وحماس وأراد الإطاحة بالعائلة المالكة السعودية التي تعارض الإرهابيين المدعومين من تركيا وقطر، وكذلك حلفاء إيران”.
وفي الوقت نفسه، سعت “أبياك” إلى حماية الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” على الرغم من قيادته للانقلاب العسكري عام 2013 والذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد. وبالإضافة إلى تحجيم الانتقادات لسجل حقوق الإنسان الخاص بـ”السيسي”، فقد شنت المنظمة حملة ضغط لمنع واشنطن من خفض المساعدات العسكرية إلى القاهرة بسبب الانقلاب.
وكانت آخر الدول التي حظيت بدعم شبكة النفوذ الأمريكية، هما البلدان اللذان انضما مؤخرًا لاتفاقيات التطبيع مع تل أبيب؛ أيّ المغرب والسودان. حيث تفيد التقارير بأن إسرائيل قد ضغطت بشدة على إدارة “ترامب” للاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وبالمثل، كانت إسرائيل مؤثرة في إقناع إدارة “ترامب” بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع ومارست ضغطًا كبيرًا على الكونجرس من أجل الموافقة على مشروع قانون كان من شأنه أن يمنح السودان الحصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة من قبل ضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة.
ويتجلى من هذه الأمثلة سعي المستبدين العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى الاستفادة من شبكة إسرائيل في واشنطن من أجل أنظمتهم المحلية ومواقفهم الإقليمية. وترى دول المنطقة أهمية خاصة للوصول لشبكة الضغط القوية هذه، في الوقت الذي ترغب فيه واشنطن في تقليل تواجدها العسكري في المنطقة[15]، ونقل أعباء الدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها إلى الفاعلين الرئيسيين فى تلك المنطقة، وفى حين أنه ليس بإمكان أي دولة منفردة تحمل تلك الأعباء تسعى الولايات المتحدة إلى تكوين تحالف إقليمي يقوده كلاً من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل، وهى الدول التي تتشارك فى عدائها لكلاً من تركيا وإيران وجماعات الإسلام السياسي[16].
ثالثًا: إسرائيل المستفيد الأول من التطبيع:
ومع ذلك، فإن إسرائيل ستكون المستفيد الأول من عمليات التطبيع مع الدول العربية خاصة من الناحية الاقتصادية، وهو ما يمكن توضيحه كما يلى:
– اهتمام تل أبيب ببناء علاقات تجارية واسعة مع الشركاء الجدد لها في المنطقة العربية، سعياً لفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الإسرائيلية، وتنشيط الحركة الإنتاجية لقطاعات الصناعة والزراعة والمياه والخدمات والتكنولوجيا، وتحفيز دول أخرى على الانخراط في مسيرة التطبيع، وتحقيق مكاسب اقتصادية في هذه المرحلة التي تشهد فيها اقتصاديات المنطقة أزمات مختلفة، لكن بما يضمن الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية.
– طبيعة الاحتياجات الإسرائيلية والعربية التي يمكن أن توفّرها العلاقات التجارية بين الطّرفين، إذ إنَّ التركيب الهيكلي للصادرات والواردات فيهما يعزّز فرص التبادل التجاري وبقيم عالية. مثلاً، تغلب على الصادرات الإسرائيلية المنتجات الأمنية والآلات والأنظمة التقنية والتكنولوجية في عدة مجالات، وهي في صلب ما تستورده الدول العربية المطبّعة وتحتاجه، في حين أنَّ الإمكانيات الزراعية لتلك الدول، كالسودان، والإمكانيات الخدمية والاستثمارية لبعض الدول الأخرى، كالإمارات والبحرين، يمكن أن تشكل مجالات مستهدفة من قبل الشركات ورجال الأعمال الإسرائيليين.
– تجاوب القطاع الخاص الذي يعوّل عليه السياسيون في تنشيط العلاقات الاقتصادية المنشودة من كلا الطرفين، فى ظل ما يقدم لهذا القطاع من تسهيلات ومزايا ورعاية رسمية. إذ إن التصريحات الرسمية الصادرة في أعقاب الإعلان عن التطبيع الاقتصادي، حملت في طياتها وعوداً بتقديم تسهيلات ومعاملة تفضيلية لرجال الأعمال والشركات الخاصَّة.
– تسعى إسرائيل منذ عدة سنوات لتحويل تجارة شرق المتوسط من الموانئ التركية والسورية واللبنانية إلى موانئ فلسطين المحتلة، ولا سيما مرفأ حيفا. هذا المسعى تبلور في عمليات التحديث والتوسعة المستمرة لمرافئ فلسطين المحتلة، وفي المشروعات المطروحة للربط البري والسكي مع الأردن.
وأصبح هذا المشروع أكثر قرباً من التحقق مع اندلاع الأزمة السورية وفرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقوبات على مرفأي اللاذقية وطرطوس، وسيطرة المجموعات المسلحة والجهادية في سوريا على المنافذ الحدودية مع تركيا، ثم مع الأردن والعراق، وتعطيلها تالياً حركة تجارة الترانزيت المتجهة من تركيا باتجاه الأردن ودول الخليج العربي، ومن مرفأي طرطوس وبيروت باتجاه العراق والأردن ودول الخليج العربي. وبهذا، يكون المنفذ الوحيد المتاح أمام دول الخليج والأردن هو مرفأ حيفا في الاستيراد والتصدير.
ومع توقيع عدد من الدول العربية اتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع “إسرائيل” على هامش التطبيع السياسي، تزول أبرز العوائق السياسية والاقتصادية أمام المشروع الإسرائيلي في السيطرة على تجارة شرق المتوسط، وخصوصاً بعد توقيع شركة موانئ دبي العالمية مجموعة اتفاقيات تعاون مع مجموعة “دوفر تاور” الإسرائيلية، المساهمة في ميناء أحواض بناء السفن الإسرائيلية في حيفا، والشريكة في ميناء إيلات. وهناك حديث عن سعي شركة موانئ دبي لإنشاء طريق شحن مباشر بين إيلات وميناء جبل علي الإماراتي.
– تدرك إسرائيل حجم الاستثمارات الإيرانية الكبيرة في الإمارات، ومن السذاجة عدم الاعتقاد بأنَّ الهدف الإسرائيلي الأول سيكون الحدّ تدريجياً من الحضور الاقتصادي الإيراني في الإمارات، ومهمتها في هذا الشأن ستكون أسهل في البحرين التي تتهم دوماً طهران بتشجيع الاضطرابات ودعم التظاهرات المعارضة.
كما أن الوجود الاقتصادي الإسرائيلي في السودان سيكون مفيداً، إذ ستكون “تل أبيب” على مقربة من بعض الدول الأفريقية التي لا تزال تناصبها العداء أو تتواجد فيها حركات ومنظّمات تناهض المشروع الصهيوني، وكذلك الحال بالنسبة إلى المغرب.
– تأثر المساعدات العربيّة، على محدوديتها، للمناطق الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ إنّ “إسرائيل” سوف تستخدم علاقاتها الاقتصادية كورقة ضغط للحدّ من أيِّ مساعدات عربية ترى فيها خطورة على سياستها القاضية باستمرار حصار الاقتصاد الفلسطيني.
– شرعنة عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للثروات والمقدرات الوطنية الفلسطينية والسورية، ففي الوقت الّذي ترفض الدول الأوروبية استقبال أيّ منتجات من المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري المحتلّ، لم تعلن الدول العربية المطبّعة موقفاً واضحاً من هذا الملف حتى الآن، إضافةً إلى أنّ الغاز المستخرج من البحر المتوسط، والذي يصدر اليوم إلى مصر والأردن، هو في النهاية ثروة فلسطينية مسروقة.
– ليس مستبعداً أن تلجأ حكومات بعض الدول العربية المطبّعة إلى تشديد إجراءات السماح بدخول الفلسطينيين إلى أراضيها، خوفاً من مضايقات أو عمليات انتقام قد يتعرَّض لها السّياح الإسرائيليون، وقد تكون مثل هذه الإجراءات بطلب من الحكومة الإسرائيليّة، بحجّة الخوف على سلامة الإسرائيليين[17].
– سيعمل التطبيع على تحول إسرائيل من كيان غاصب بالمنطقة يناصب العداء له، إلى دولة صديقة مساعدة وفاعلة في المنطقة، بالإضافة لذلك سيساعد التطبيع على تجاوز القيود التي كانت تضعها الدول العربية في قيام دولة فلسطينية مما يساعد على التمدد الاستيطاني والتوسعي الجغرافي فى فلسطين وباقى الدول العربية (مثل الجولان السورية) دون عوائق سياسية مع المنطقة أو حتى مع العالم.
– ستعمل حالة التطبيع على تعزيز قوة إسرائيل وحمايتها من المخاطر (سواء القادمة من إيران أو الدول العربية نفسها) من خلال سلسلة من التحالفات والاتفاقيات التي يمكن أن يمهد التطبيع لها الطريق[18].
– أسهم التطبيع في الحد أو التقليص من الدعم العربي لا سيما من تلك الدول المطبعة مع الاحتلال للقضية الفلسطينية سواء على الصعيد السياسي أو المالي لإجبار الفلسطينين على قبول فكرة التطبيع والتعايش مع الاحتلال، كما دفع التطبيع بالقضية الفلسطينية إلى ذيل قائمة الاهتمامات العربية والإسلامية والدولية والإقليمية، وعزلها عن مسارها العربي الإسلامي، وجعل الأولوية للتطبيع بينها وبين الكيان الصهيوني، وتجاوز مبادرة السلام العربية التي تنص على عدم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي إلّا بحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا[19].
[1] ” “إسرائيل” تعلن تأسيس منتدى يضم الإمارات وأمريكا والهند“، الخليج أونلاين، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3C1Wufm
[2] “رئيس الكنيست يزور الإمارات؟“، الأخبار، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/2Z9bz0u
[3] “محمد بن زايد يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة الإمارات“، الخليج الجديد، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3jkNXNs
[4] ” إسرائيل والإمارات تقتربان من الإعلان عن منطقة تجارة حرة“، عكا للشؤون الإسرائيلية، 18/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3DSzIHi
[5] “العلمان الإسرائيلي والإماراتي على سطح القمر: البلدان يقولان إنهما في صدد إبرام اتفاق تعاون في مجال الفضاء“، حضارات للدراست السياسية والاستراتيجية، 20/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3jm27gZ
[6] “حسب مزاعم قنصل إسرائيل في دبي: صفقات اقتصادية بين إسرائيل والسعودية تتم عن طريق الإمارات والبحرين“، القدس العربى، 20/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3pm1hF5
[7] “محمد بن سلمان “يقايض” أمريكا.. أكسيوس: سيقبل التطبيع مع إسرائيل مقابل تحسين علاقات واشنطن مع بلاده“، عربى بوست، 20/10/2021، الرابط: https://bit.ly/30BQFr5
[8] ” كيف استفاد المستبدون العرب من شبكة النفوذ الإسرائيلية في واشنطن؟“، الخليج الجديد (مترجم)، 20/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3E2qsAi
[9] “تقارير إعلامية: مصر تطلب من إسرائيل زيادة معدل التجارة وتل أبيب تتحرك (فيديو)“، الجزيرة مباشر، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3jjJIBz
[10] “شركة إسرائيلية تنقب عن البترول في صحراء المغرب“، الحقيقة بوست، 17/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3G3T8uT
[11] “وزير إسرائيلي: دول عربية أخرى تنوي التطبيع مع إسرائيل“، عكا للشؤون الإسرائيلية، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3n36FKm
[12] “تسريبات متلاحقة من تل أبيب.. هل تجر الأزمة المالية تونس للتطبيع مع إسرائيل؟“، تى أر تى عربى، 19/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3lWSOGe
[13] “الجائزة الكبرى.. لماذا تسعى إسرائيل لجذب العراق إلى التطبيع؟“، ميدان، 20/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3C4qSG0
[14] “وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث عن تطبيع قريب مع جزر القمر“، عربى21، 18/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3G0lDcI
[15] ” كيف استفاد المستبدون العرب من شبكة النفوذ الإسرائيلية في واشنطن؟“، مرجع سابق.
[16] “صيغة أمريكية لدعم الأنظمة العربية.. التطبيع أولا“، عربى21، 15/12/2020، الرابط: https://bit.ly/3np9Riw
[17] “اقتصاد “التطبيع”: خريطة جديدة للتحالفات والمصالح“، الميادين، 18/10/2021، الرابط: https://bit.ly/3FZyCvl
[18] “التطبيع (الدوافع والمحفزات)“، المركز الفلسطينى للإعلام، 18/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3nrczEb
[19] “ندوة التحولات في العلاقات العربية- الإسرائيلية وتداعياتها على الأمن العربي والقضية الفلسطينية“، مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن، 13/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3qWved0