استبدال فريد حجازي بأسامة عسكر في رئاسة الأركان.. قراءة في الدلالات

 

أصدر عبد الفتاح السيسي، الأربعاء 27 أكتوبر، قرار بتعيين الفريق أسامة عسكر، رئيس لأركان حرب القوات المسلحة المصرية خلفاً للفريق محمد فريد حجازي، الذي تم تعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية لمبادرة حياة كريمة المعنية بتطوير قرى الريف المصري، وفي هذه السطور محاولة للوقوف على دلالات القرار وخلفياته.

دلالات القرار:

(أ)- التخلص من حجازي:

وجهة النظر الأولى: هناك من يرى أن خطوة استبدال “حجازي” بـ “عسكر” كانت متوقعة؛ “بعد تصديق السيسي على مشروع القانون الذي قدمته الحكومة للبرلمان في شهر يونيو 2021، والذي يقضي بتعديل ثلاثة قوانين تخص القوات المسلحة المصرية، وهي (القوانين الخاصة بشروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة)، (خدمة ضباط الشرف والصف والجنود بالقوات المسلحة)، و(قانون القيادة والسيطرة على شؤون الدفاع عن الدولة وعلى القوات المسلحة)؛ وكانت أبرز المواد التي تم تعديلها في القانون متعلقة بتحديد مدة البقاء في المناصب الرئيسية بوزارة الدفاع بين عامين وأربعة أعوام فقط. بالتالي “خروج الفريق محمد فريد حجازي من منصب رئيس الأركان في هذا التوقيت ليس أمراً مستغرباً، بل هو أمر طبيعي؛ حيث جاء قبيل نشرة التحركات التي يعتمدها القائد الأعلى للقوات المسلحة نهاية كل عام، كما جاء بناء على القوانين الخاصة بالخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة التي صدق عليها السيسي في يونيو 2021، والتي لا تسمح لقائد الأركان بالبقاء في منصبه لأكثر من 4 سنوات، وبالنسبة للفريق محمد فريد حجازي فقد تولى المنصب بداية من 2017.

وجهة نظر الأخرى: في المقابل ربط مراقبون بين قرار تصعيد عسكر بدلاً من حجازي؛ وبين مشاركة الأخير في إحدى مراحل المشروع التكتيكي “بجنود” الذي تنفذه إحدى وحدات الجيش الثالث الميداني. خاصة أن القرار جاء بعد ساعات من حضور حجازي للمشروع. وكان حجازي قد نقل في ختام التدريب تحيات وتقدير “السيسي”، ووزير الدفاع الفريق أول “محمد زكي”، لرجال الجيش الثالث. وبالتالي استبعاد حجازي بحسب هذه الرؤية هو نتيجة تخوف السيسي من زيادة نفوذ رئيس الأركان بين ضباط الجيش. وأن السيسي الذي يعتمد أسلوب “العصا والجزرة” في التعامل مع العسكريين، قرر استخدام العصا مع محمد فريد حجازي.

(ب)- تصعيد أسامة عسكر:

وجهة النظر الأولى: أن تصعيد أسامة عسكر لمنصب رئيس الأركان، وهو المنصب الذي يخول لصاحبه السيطرة على تشكيلات القوات المسلحة الرئيسية، بينما تنحصر مسئوليات وزير الدفاع في السياسة العامة للمؤسسة، جاء نتيجة قرب أسامة عسكر من الرئيس، وثقة السيسي في ولاء أسامة عسكر له، وقد رصد مراقبون مؤشرات عدة على قوة العلاقة بين “عسكر” و”السيسي”؛ منها: (1) تعديل قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، في مايو الماضي، والذي بموجبه تم رفع سن تقاعد “رتبة الفريق” إلى 65 عاماً بدلاً من 64، وقيل وقتها أن هذا التعديل كان يهدف فقط إلى استمرار خدمة أسامة عسكر، الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، وكان من المفترض أن يصل إلى سن التقاعد في الأول من يونيو، أي بعد التعديل بأقل من شهر. ومما يدعم هذا الطرح أن في تلك الفترة التي مرر خلالها التعديل على القانون لم يكن في الجيش إلا شخصان يحملان رتبة فريق، الشخص الأول هو قائد أركان الجيش الفريق محمد فريد حجازي، وبالنسبة للفريق حجازي، فرغم بلوغه سن 67 عامًا، فيما ينص القانون على أن السن الأقصى لرتبة الفريق 64 عامًا فقط، فإنه يستفيد من عدة قوانين، كحق رئيس الجمهورية في مد سنوات خدمته، إضافة إلى أن رئيس الأركان يجوز له أن يظل في المنصب قانونًا لمدة 4 أعوام، وبالتالي، فإن هذا التشريع المستعجل لا علاقة مباشرة له بحجازي. الشخص الثاني الذي يحمل رتبة الفريق في هذا التوقيت، كان الفريق أسامة عسكر، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة عمليات الجيش المصري.

(2) استحداث وظائف لـ “عسكر” لم تكن موجودة في الهيكل الإداري للمؤسسة العسكرية، مثل (قيادة منطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب) في الفترة من يناير 2015 إلى ديسمبر 2016، ومنصب (مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء) وذلك بعد إزاحته من منصبه السابق قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب، وقد استمر في منصبه الجديد المستحدث حتى نهاية 2017. (3) من المؤشرات أيضا أن قرار السيسي تصعيد أسامة عسكر إلى منصب رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة، هي خطوة غير معتادة أن يعود قائد عسكري يحمل رتبة الفريق إلى وظيفة مهمة بعدما أُبعد بالفعل؛ ففي ديسمبر 2016 تولى الفريق أسامة عسكر منصباً شرفياً هو مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء، بعد استبعاده من منصب (القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب)؛ جراء عدم تحقيقه النتائج المتوقعة منه في تقليص تواجد الجماعات المسلحة في سيناء، وقد استمر “عسكر” في منصبه الشرفي حتى نهاية 2017، غاب بعدها عن الأضواء وقيل إنه كان تحت الإقامة الجبرية، ولم يظهر للنور مجدداً إلا بنهاية 2019، حينما أعاده السيسي إلى الواجهة العملياتية من خلال تعيينه في منصب رئيس هيئة عمليات الجيش على رتبة فريق. (4) كما إن ترقية عسكر جاءت بعد إخفاقاته في ملف مكافحة الجماعات المسلحة في سيناء سواء إبان توليه قيادة الجيش الثالث الميداني المسؤول عن النطاق العملياتي في محافظة شمال سيناء إلى أوائل عام 2015، أو بعد تكليفه برئاسة القيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة في فبراير 2015، وهي الوحدة التي أسست خصيصاً لمكافحة العناصر المسلحة في سيناء، وتوحيد القيادة والتنسيق بين الجيشين الثاني والثالث.

بحسب وجهة النظر تلك فإن عودة عسكر لمنصبه كانت مقدمة ضرورية لترقيته لمنصب رئاسة هيئة الأركان؛ فالصعود “من رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، إلى رئاسة أركان حرب القوات المسلحة، هو التدرج الطبيعي للرتب داخل الجيش المصري، إذ إن رئيس هيئة العمليات يأتي في الترتيب الثالث بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان”.

وجهة نظر أخرى: ترى أن تصعيد للفريق أسامة عسكر ليست محاباة وموالاة لـ “عسكر”؛ كل ما في الأمر أن السيسي في الوقت الحالي، ينتهج سياسات جديدة للتعامل مع قيادات الجيش، حيث أيقن أن كسب عدوات قيادات الجيش أو أفراد جهاز المخابرات العامة ليس في صالحه، ومن ثم عمل على ترضيتهم بإرجاع البعض للخدمة وإعطاء امتيازات عير مسبوقة للجميع “القيادات المستبعدين أو الحاليين”، وبدأ يستمع لأصوات المعارضين داخل المؤسسات السيادية، الذين يرى أنهم يشكلون التهديد الحقيقي عليه وعلى نظامه، لذلك قام بمحاولة إعادة رسم شكل جديد لنظام حكمه كي يستمر لسنوات عديدة.

وبالنسبة للفريق أسامة عسكر فهو صاحب شعبية ورصيد داخل صفوف الجيش، كما أن عودته تعكس “محاولة من السيسي لكسب ود تيار لم يعد صغيراً، من الضباط الغاضبين من عمليات التهميش التي يتعرضون لها، إضافة إلى عدم القدرة على التعامل مع هذا التيار من خلال رجاله الذين سيطروا على المشهد بشكل كامل”. وكذلك لعلاقاته الخارجية مع الجانب الأمريكي جيدة، والسيسي يحاول أن يستفيد من وجود شخصيات عسكرية لها تواصل متميز مع الجانب الأمريكي في ترميم العلاقات المتوترة بعض الشيء مع إدارة جو بايدن ونظام السيسي. كما أن الفريق أسامة عسكر تماهي بشكل تام مع سياسات السيسي خلال السنتين 2020 و2021 وأصبح داعماً قوياً لسياسات السيسي.

الخاتمة: منطق السيسي في تدوير القيادات العسكرية:

ثمة تفسيرات طرحها مراقبون عن مبادئ كلية يرون أنها تحكم طريقة السيسي في تدوير قيادات المؤسسة العسكرية في مصر؛ منها:

أولاً: أن السيسي لا يميل إلى تكرار تجربة المعزول حسني مبارك في الإبقاء على قادة الجيش سنوات طويلة، كما فعل مع المشير الراحل حسين طنطاوي وزير الدفاع، والفريق سامي عنان رئيس الأركان؛ حتى لا يتسبب ذلك في تكوين ما يشبه مراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية. فمنذ وصوله إلى الحكم، وهو يسير على نهج واحد لا يغيّره، بأن قادة الجيش عموما، مثل وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية لا يستمرون في مناصبهم لمدة طويلة، قد يمكثون أربع سنوات على الأكثر، وربما عامين فقط.

ثانياً: أن السيسي يسعى في الفترة الأخيرة لتصفير مشكلاته مع قيادات المؤسسة العسكرية؛ كجزء من استعدادات النظام لانتخابات 2024؛ لضمان تأييد أوسع للجنرال من أجل البقاء في السلطة حتى 2030. وبالتالي فإن التغييرات الأخيرة في قيادات المؤسسة العسكرية في مصر يدخل في إطار هذه السياسة؛ فتصعيد الفريق أسامة عسكر محاولة من السيسي استرضاء مكون داخل الجيش مقرب من “عسكر” ومن قبله من سامي عنان.

وفي سياق تصفير مشكلاته مع المؤسسة العسكرية يمكن أن ندرج القرار الجمهوري بـ “معاملة كبار ضباط القوات المسلحة -حتى من لم يشغل منهم هذا المنصب- المعاملة المقررة للوزير، مع التمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، فضلاً عن تحصينهم من الملاحقات القضائية، عبر إصدار قانون يقضي (بعدم جواز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي ضدهم، فيما يخص أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور حتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة).

ومما يرجح ذلك أيضاً أن الفترة الممتدة من “أكتوبر 2017 حتى ديسمبر 2018، قبل انتخابات الرئاسة السابقة، قد شهدت إقصاء مفاجئ لكل من محمود حجازي رئيس الأركان، واللواء خالد فوزي مدير المخابرات العامة، ووزير الدفاع صدقي صبحي، واللواء محمد عرفان جمال الدين مدير جهاز الرقابة الإدارية، ومحمد الشحات مدير المخابرات العسكرية. وخلال الفترة نفسها، جرت عملية إقالة واسعة النطاق لأكثر من مائتين من كبار قيادات المخابرات العامة، وذلك بصورة غير متوقّعة من دون تقديم أي مبرّر للرأي العام”، و”وصل هذا الصراع ذروته في نهاية عام 2017 حين أعلن على التوالي اثنان من أبرز القادة العسكريين المتقاعدين، أحمد شفيق القائد الأسبق للقوات الجوية، وسامي عنان رئيس الأركان الأسبق، اعتزامهما تحدي السيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2018، وتلاهما ضابط ثالث هو العقيد أحمد قنصوه من القيادات الوسطي وغير متقاعد. انتهى الأمر بوضع الأول في الإقامة الجبرية، وبمحاكمة وسجن الثاني والثالث. كما تعرض عشرات من ضباط الجيش المتعاطفين مع عنان للاحتجاز في السجن”. بالتالي يحاول السيسي تجنب تكرار هذا الصدام في الانتخابات الرئاسية 2024. بعد أن بات يعرف أن شرعيته لم تعد كما كانت في السابق، ويعرف أن السخط الشعبي بلغ ذروته، وأن الجيش يملك من القوة والوضع الدستوري -وفق المادة 200 من الدستور- الذي يسمح له بالانقلاب على الوضع القائم وتبديله. وأن تكلفة الدخول في صراع آخر مع عسكريين على غرار ما حدث في انتخابات 2018 قد تكون عالية للغاية.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022