فرصة اقتصادية لمصر أم تحديات مستقبلية؟
في الآونة الأخيرة، أبرم النظام الحاكم، عبر الصندوق السيادي، سلسلة من الاتفاقيات مع مطورين أوروبيين في مجال الأمونيا الخضراء، وذلك على هامش مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي المشترك. وبلغت التكلفة الاستثمارية لهذه الاتفاقيات نحو 37 مليار دولار. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على تفاصيل هذه الاتفاقيات وتقديم مجموعة من الحقائق والمعلومات حول الأمونيا الخضراء، مع إبراز التحديات والمخاطر التي قد تواجه الدولة المصرية.
ما هي الأمونيا الخضراء
الأمونيا عبارة عن غاز ذو رائحة قوية يستخدم على نطاق واسع في صناعة الأسمدة، المبيدات الحشرية، المستحضرات الطبية، الصناعات المعدنية، النسيج، المنظفات، تنقية المياه، معالجة مياه الصرف الصحي والمتفجرات. صيغتها الكيميائية هي NH3، وتتشكل من نيتروجين (82%) وهيدروجين (18%).
تُنتج الأمونيا بطرق مختلفة تعتمد على مصدر الطاقة المستخدم:
الأمونيا الرمادية: تعتمد على الوقود الأحفوري، وتعتبر الأكثر تلويثًا للبيئة.
الأمونيا الزرقاء: تستخدم الوقود الأحفوري مع تقنية التقاط الكربون، مما يقلل من الانبعاثات الكربونية.
الأمونيا الخضراء: تُنتج باستخدام التحليل الكهربائي بدلاً من الاحتراق، ما يجعلها تعتمد على الكهرباء بشكل أساسي ولا تصدر انبعاثات كربونية، مما يجعلها الخيار الأكثر صداقة للبيئة.
ملحوظة هامة وهي إنتاج الكهرباء في حد ذاته يحتاج إلى الوقود الأحفوري ولذلك تسعى كثير من الدول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الأمونيا الخضراء وهو ميزة من ناحيتين حيث يصعب تخزين الطاقة الفائضة التي تولد من التوربينات أو الخلايا الشمسية وخلافها ويسهل تخزينها في صورة أمونيا سائلة
اتفاقيات الأمونيا المصرية الأوروبية
رغم العديد من المزايا المصاحبة لإنتاج الأمونيا مثل كونها مصدر نظيف للطاقة يساهم في تقليل انبعاثات الكربون وكونها مخزن جيد للطاقة بطاقة تخزينية أعلى من الهيدروجين المسال للتر، إلا أنها يصاحبها العديد من التحديات، أولها؛ الكهرباء المطلوبة لإنتاجها، فإذا لم تكن الكهرباء المطلوبة قادمة من مصادر للطاقة المتجددة وإنما من الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي تحديداً، حينئذ تعد عملية إنتاج الأمونيا في هذه الحالة هدر للطاقة والأموال.
لذلك من الأساسي لقيام مشاريع لإنتاج الأمونيا لابد من وجود مصادر للطاقة المتجددة أولاً. وكما وضحنا في تقرير سابق فإن إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر لا يتجاوز ال10% من الإنتاج الكلي للكهرباء
ومن الجدير بالذكر أن مصر تعاني من أزمات في توفير الكهرباء للاستهلاك المحلي وكذلك أزمة في توفير الغاز اللازم لتوليد الكهرباء والمطلوب للمصانع، فليس من المنطق توقع توافر الكهرباء اللازمة لإقامة مشاريع لإنتاج الأمونيا الخضراء
وهو ما يقود إلى استنتاج مماثل لكثير من الاستنتاجات السابقة وهو أن مصر تسعى إلى توفير العملة بأي ثمر للسيطرة على النظام الاقتصادي المهترئ، مع عدم توافر خطط لكيفية الوفاء بالاتفاقيات مستقبلا، ما يعرض الأصول المصرية لخطر.
ثالثاً: بعض الاتفاقيات وتفاصيلها
شركة داي إنفراستركتور: 11 مليار دولار
وقعت شركة داي إنفراستركتور (DAI) التي تتخذ من ألمانيا مقراً لها اتفاقية إطارية مع السلطات المصرية لتطوير مشروع را (Project Ra) بشكل أكبر، وهو مشروع لإنتاج ملايين الأطنان سنوياً في شرق بورسعيد. واعتبارًا من نوفمبر العام الماضي، وقعت داي اتفاقيات شراء لتغطية 85% من القدرة الإنتاجية الكاملة، مع التركيز الأساسي على وقود السفن. ستبدأ إنتاج الأمونيا في أواخر عام 2028.
الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات، شركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، سكاتك: 0.9 مليار دولار
في دمياط غرب بورسعيد، ستطور الشركات الثلاث ما يصل إلى 480 ميجاوات من توليد الطاقة المتجددة وما يصل إلى 240 ميجاوات من قدرة التحليل الكهربائي لإنتاج المواد الأولية للهيدروجين المتجدد. باستخدام هذه المواد الأولية، سيتم إنتاج الأمونيا المتجددة في منشأة الإنتاج الحالية لشركة موبكو بالقرب من دمياط. سيتم إنتاج ما يصل إلى 150,000 طن من الأمونيا المتجددة سنوياً للتصدير. ويُقدر الاستثمار الأولي من الشركاء بحوالي 890 مليون دولار.
أعلنت شركة سكاتك أنها وقعت خطاب نوايا مع بنك الاستثمار الأوروبي لتمويل المشروع على المدى الطويل. وأعلنت شركة يارا للأمونيا النظيفة في المؤتمر أنها ستعمل كالمشتري للأمونيا من مشروع دمياط الجديد. يضيف اتفاق الشراء هذا إلى قائمة متزايدة لشركة يارا للأمونيا النظيفة، والتي ستقوم بنقل وتوزيع الأمونيا المتجددة إلى قاعدة عملائها العالمية.
شركتي (مصدر – بي بي): 14 مليار دولار
بموجب اتفاقية التطوير المشتركة، ستنضم شركة بي بي إلى مصدر وحسن علام للمرافق وإنفينيتي باور لاستكشاف مشروع هيدروجين متجدد كبير متعدد المراحل في العين السخنة. سيقوم الثلاثي الحالي “بدمج” مشاريعهم المتعلقة بالهيدروجين في المنطقة لإنشاء مشروع كيميت، وهو مشروع واحد كبير متعدد المراحل يركز على إنتاج الهيدروجين والمشتقات، بما في ذلك الأمونيا.
شركة أوكيور إنرجي: 4.25 مليار دولار
في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالقرب من العين السخنة، تقوم شركة أوكيور إنرجي الهندية بتطوير مشروع أمونيا بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنوياً، حيث سيتم إنتاج 100,000 طن سنوياً اعتبارًا من عام 2027. تساهم الاتفاقية الإطارية الجديدة في تقدم تطوير المشروع، والذي يستهدف سوق وقود السفن.
شركة فولتاليا: 3.46 مليار دولار
وقعت شركة فولتاليا الفرنسية وشريكتها في المشروع طاقة عربية اتفاقية إطارية لتطوير “مجموعة” هيدروجين متجددة بالقرب من العين السخنة. سيتم بناء 1.3 جيجا وات من توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية مجتمعة بالإضافة إلى 500 ميجاوات من قدرة التحليل الكهربائي في مرحلتين متطابقتين. تم إطلاق المشروع في ديسمبر 2022.
شركة ديمي: 2.76 مليار دولار
في غرب مصر (ولكن على ساحل البحر الأبيض المتوسط)، يتم إنشاء ميناء جرجوب ومنطقة صناعية مرتبطة به من قبل الحكومة المصرية. ستقوم شركة ديمي البلجيكية بتطوير مشروع هيدروجين وأمونيا من ثلاث مراحل، يعتمد على توليد الطاقة من الرياح والشمس الذي سيتم بناؤه على بعد 70 كيلومترًا جنوب غرب الميناء (مرتبطًا بخط نقل عالي الجهد مخصص). ستشمل المرحلة الأولى من مشروع HYPORT Gargoub إنتاج الأمونيا المتجددة بحوالي 320,000 طن سنوياً. ستستثمر ديمي 3 مليارات يورو للمرحلة الأولى، و24 مليار يورو إجمالاً.
شركة إي دي إف رينيوابلز، زيرو ويست: 1.8 مليار دولار
يستثمر الثنائي إجمالي 7 مليارات يورو عبر ثلاث مراحل، حيث سيتم بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين والأمونيا في رأس شقير على الساحل الغربي لخليج السويس. سيتم تخصيص 2 مليار يورو للمرحلة الأولى، والتي ستنتج مليون طن من الأمونيا المتجددة سنوياً.
شركة Fertiglobe
في أول مزاد مرتقب لاستيراد منتجات الهيدروجين الأخضر، منحت ألمانيا عقداً لاستلام الأمونيا الخضراء من مصر. وقالت وزارة الاقتصاد: “بين عامي 2027 و2033، سيتم تصدير ما لا يقل عن 259,000 طن من الأمونيا الخضراء إلى ألمانيا، وهذا يعادل أكثر من عشرة في المئة من الإنتاج السنوي للأمونيا في ألمانيا.” ووصف وزير الاقتصاد والمناخ الأخضر، روبرت هابيك، اتفاقية الشراء مع البلد الإفريقي الشمالي بأنها “خطوة مهمة لتحول ألمانيا كموقع صناعي، وحماية المناخ وتوفير وظائف مستدامة في بلدنا”، مضيفًا أن استيراد منتجات الهيدروجين الأخضر “سيساهم بشكل حاسم في بدء سوق الهيدروجين في ألمانيا”.
تم منح العقد لشركة Fertiglobe المتخصصة في الأسمدة، وهي شركة مقرها الإمارات العربية المتحدة. وستنتج Fertiglobe الأمونيا الخضراء في مصر من خلال تركيب 273 ميغاواط من الطاقة المتجددة، مما يؤدي إلى توفير 93,000 طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بحسب ما قالت الوزارة.
تم منح العقد بسعر 811 يورو للطن الواحد من الأمونيا، مما يعني أقل من 4.50 يورو لكل كيلوغرام من الهيدروجين الأخضر. وقالت الوزارة إن هذه تكاليف أقل لمشتقات الهيدروجين الأخضر مقارنة بالتقديرات الحالية ونتائج المزادات الأولية الأخرى. ورحب الخبراء أيضاً بالنتائج.
وقال المتخصص في الهيدروجين، غنيوومير فليس: “ليست سيئة على الإطلاق لمشروع من المقرر أن يدخل الخدمة في 2027/2028، ومتفوقة على توقعات بعض النظرات التشاؤمية في الفترة الأخيرة”. وأضاف أن المشروع يزود الهيدروجين الأخضر إلى مصنع أمونيا قائم، مما يوفر ميزة تكلفة كبيرة. وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية إنها ستبني الآن على خبرة المزاد الأول للعمل على جولة استيراد أخرى بقيمة إجمالية تصل إلى 3.5 مليار يورو.
تحليل جيوسياسي للاتفاقيات المصرية الأوروبية بواسطة الخبير الإقتصادي وائل النحاس
يرى وائل النحاس أن المنطقة حالياً في حالة توتر وتأهب وأن الحرب قد تندلع في أي لحظة بين حزب الله وإسرائيل وستتورط العديد من الدول في هذه الحرب منها مصر وأن هذه الاتفاقيات والتسهيلات الاقتصادية التي حصلت عليها مصر لا تأتي دون مقابل وقد يكون الثمن هو الطلب من مصر اتخاذ مواقف سياسية معينة أو تقديم بعض التسهيلات العسكرية مثل فتح قناة السويس حركة الملاحة الحربية أو استخدام بعض الموانئ والقواعد العسكرية كقواعد عسكرية لأطراف أخرى
الخلاصة:
على الرغم من السردية التي يوجهها إعلان النظام بشأن الاتفاقيات المصرية الأوروبية لإنتاج الأمونيا الخضراء، هناك وجهة نظر معارضة تثير العديد من المخاوف والشكوك حول الجدوى الفعلية لهذه المشاريع، منها:
التحديات الكهربائية والاقتصادية
نقص الكهرباء المتجددة: يعتمد إنتاج الأمونيا الخضراء على الكهرباء المتجددة، لكن مصر لا تنتج سوى 10% من إجمالي الكهرباء من مصادر متجددة. هذا يثير تساؤلات حول كيفية توفير الطاقة اللازمة لتشغيل هذه المشاريع دون الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما قد يقلل من الفوائد البيئية المتوقعة.
أزمات الكهرباء والغاز: تعاني مصر من أزمات متكررة في توفير الكهرباء والغاز للاستهلاك المحلي والصناعي. في ظل هذه الأزمات، قد يكون من الصعب تأمين الكهرباء اللازمة لمشاريع الأمونيا الخضراء دون التأثير سلباً على القطاعات الأخرى.
دوافع اقتصادية وسياسية
البحث عن العملة الأجنبية: يعتقد بعض النقاد أن الحكومة المصرية تسعى من خلال هذه الاتفاقيات إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير العملة الصعبة لتخفيف الضغط على الاقتصاد المصري المتدهور، دون وجود خطة واضحة ومفصلة لتنفيذ هذه المشاريع بكفاءة.
التبعات الجيوسياسية: يتخوف البعض من أن تكون هذه الاتفاقيات مشروطة بمواقف سياسية معينة أو تقديم تسهيلات عسكرية لأطراف دولية، مما قد يعرض السيادة المصرية للخطر ويجر البلاد إلى صراعات إقليمية.
مخاطر مالية
عدم استدامة التمويل: مع عدم وجود بنية تحتية قوية للطاقة المتجددة في مصر، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة للاقتراض أو الدخول في شراكات مالية معقدة لتغطية تكاليف هذه المشاريع، مما يزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد الوطني.
فشل محتمل في الوفاء بالالتزامات: بدون خطة تنفيذية واضحة وموارد متاحة، قد تجد مصر نفسها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشركاء الأوروبيين، مما قد يؤدي إلى خسارة الاستثمارات وتهديد الأصول الوطنية.
مصادر:
https://www.sciencedirect.com/topics/engineering/haber-bosch-process
https://aowenergy.com/articles/egypt-boosts-renewable-energy-ambitions-with
