علاقة الدولة بالمجتمع في مصر بين نموذجي الشركة والمستعمرة

ما شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع الذي يسعى النظام إلى تحقيقها في مصر؟ بداية فقد انهار العقد الاجتماعي الحاكم للعلاقة بين الدولة والمجتمع، الذي كان سائدا منذ خمسينات القرن العشرين وحتى نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك، وكان قائما -بشكل مختصر- على التزام الطاعة والعزوف عن المجال السياسي مقابل حد أدنى من الحياة المستقرة، والأسعار التي في المتناول. مع اندلاع ثورة يناير وما تلاها، لم يتم استعادة العقد الاجتماعي الذي كان سائدًا، فيما لم يولد عقد اجتماعي جديد. ومن هنا يكتسب التساؤل عن العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع في ظل حكم السيسي شرعيته.

الدولة الشركة:

أشار محمد نعيم في مقالاته، إلى بعض التجارب التي ظهرت فيها نماذج الحكم الشبيهة بالشركة، ومنها، النموذج الصيني في القرن الـ 19 ولمدة 70 سنة؛ لما سيطرت على شواطئها قوى استعمارية أوروبية وأمريكية، كانت معنية فقط بالشواطئ لحماية تجارتها، بالتعاون مع السلطات الصينية، التي كانت لها السلطة الصورية على هذه الموانئ، التي تديرها قوى عمل محلية وأجنبية بالتشارك. دون أن تورط القوى الاستعمارية نفسها مسئولية ملايين الصينيين، الذين تحكمهم السلطات المحلية بالحديد والنار.

يقوم هذا النموذج على حماية الاستثمارات، والحفاظ على استمرار السوق وانتعاشه، دون تحمل أية مسئولية اجتماعية أو تنموية تجاه المجتمع، الذي يتحول إلى ملف أمني موكول إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ويصبح القمع والإرهاب والتهجير هي آليات التعامل معه1.

في نموذج الاجتماع السياسي الخليجي الذي يشبه الشركة، لدينا ثلاث مكونات رئيسية، تمثل الهيكل الرئيسي للمجتمع هناك؛ المكون الأول؛ المواطنين، وهي قياسًا إلى إجمالي السكان أقلية محظوظة. المكون الثاني: العمالة الوافدة، وهي غالبية السكان في هذه المجتمعات، لكن لأنها وافدة؛ فهي لا تتمتع بأية حقوق سياسية أو تنظيمية أو نقابية، رغم أنها من تنتج القيمة أو تدفع عجلة الإنتاج. المكون الثالث: نخبة الحكم أو الأسر الحاكمة2.

لذلك تنظر هذه الممالك لإسرائيل نظرة إكبار وإعجاب؛ لما تتمتع به الأخيرة من قدرة متميزة على ضبط السكان الفلسطينيين، وإبقائهم تحت السيطرة؛ فهي تحاول الاستفادة من القدرات الإسرائيلية على الضبط عبر استيرادها وتطبيقها على جحافل العمالة الوافدة.

إن الدولة في الممالك الصغيرة للخليج العربي، هي أقرب شبها للشركة منها للدولة، إذ السلطة مجلس إدارة لهذه الشركة، والمواطنين هم حملة الأسهم، أما غالبية المغتربين فهي العمالة الرخيصة المحرومة من أية حقوق مهما طالت مدة خدمتها، والدولة هنا توزع فائض الربح على الأقلية من حاملي الأسهم، وتحرص على إحكام السيطرة الأمنية على العمالة الجرارة. حيث تقوم علاقة السلطة في الخليج بالمجتمع هناك بشقيه، المواطنين والعمالة الوافدة، على مسارين؛ الأول: المسار السياسي، الثاني: مسار توزيع عوائد ريع المواد الخام على المواطنين، وبعض الفتات على العمالة الوافدة. مع التأكيد أن هذا النموذج ينطبق بشكل أساسي على الممالك الخليجية الصغيرة3. والدولة الشركة في علاقتها بالعمالة تشبه إلى حد بعيد علاقة إسرائيل بمواطنيها اليهود وبالفلسطينيين4.

الدولة المعسكر:

منطق المعسكر يختلف عن التعامل مع المجتمع بمنطق السوق، في الأخير، يتم تقييم السكان وفق قيمتهم السوقية؛ فيتم دمج ذوي القيمة في النظام الربحي القائم، فيما يتم التخلص من الفائض السكاني قليل القيمة من الناحية الاقتصادية، على أن يتم التعامل معه باعتباره تهديد أمني.

أما المعسكر، على الرغم من التكدير والإهانة والقسوة، وتبني قواعد “الحذر واجب، وتعدد الآراء بلبلة، والكذب دهاء، والسيئة تعُم والحسنة تخص، وليس كل شيء يُعرف5“، تبقى السلطة التي تدير المعسكر مسؤولة عمن فيه، معنية ببقائه للاحتفاظ بسلطتها عليه.

نموذج المعسكر هو نمذوج استبدادي، عنيف وقمعي، لكنه يضمن الحد الأدنى من الحياة لرعاياه؛ على الرغم من الهرمية الصارمة، والفروق الطبقية الصارخة. لكن يبقى نموذج المعسكر يتشابه مع معسكر الاعتقال في كونه، يتعامل مع السكان باعتبارهم مجرد مادة بيولوجية يتم تشكيلها بما يحقق مصالح السلطة؛ إذ هو فضاء محكوم بالأحكام العرفية وحالة الاستثناء؛ فهو فضاء يعلق فيه القانون، يعامل فيه السكان باعتبارهم حياة عارية، حيث يتم “التعامل مع مجموعة كاملة من السكان المدنيين من خلال تمديد حالة الاستثناء”؛ وهو “يشكّل أيضاً أقصى درجات السياسة الحيوية التي عرفناها على الإطلاق، حيّزاً لا تواجه فيه السلطة إلا الحياة البيولوجية مجرّدةً”

الخاتمةمصر بين نموذجي الشركة والمعسكر:

يبدو أن نموذج الحكم الذي تسعى السلطة السياسية إلى توطينه في مصر، هو نموذج الدولة الشركة؛ إذ يرى “نعيم” أن الحكومة هنا تحالفت مع أصحاب رؤوس أموال، على حماية استثماراتهم، في العقارات داخل القاهرة، أو المدن الساحلية، كما في رأس الحكمة ورأس جميلة، على أن يتم التعامل مع المجتمع نفسه كملف أمني وفقط؛ خاصة بعد أن أصبح الإنفاق على الخدمات المقدمة للمجتمع من قبل الحكومة بات شبه مستحيل، بعد أن باتت الديون وفوائدها وأقساطها تلتهم أي إيراد. في حين يتم التعامل مع جموع السكان باعتبارهم ملف أمنى؛ إذ تطلق سلطات أجهزة الأمن من كل قيد، وتستبعد كل القيود التي يمكن أن تحول دون ذلك.

1 محمد نعيم، رسالة إلى تافه وأخرى إلى جربوع، المنصة، 24 أكتوبر 2024، في: https://almanassa.com/stories/20051

2 محمد نعيم، خلجنة مصر وبنغلة الأفندية، المنصة، 27 يوليو 2023، شوهد في: 19 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/22u4yzaj

3 محمد نعيم، خلجنة مصر وبنغلة الأفندية، المنصة.

4 محمد نعيم، إسرائيل كزعامة عربية وشقيقة كبرى، المنصة، 2 فبراير 2020، شوهد في: 19 أكتوبر 2024، في: https://tinyurl.com/28afmt8o

5 حكيم عبد النعيم، حتى لا نتحول إلى حالة ميئوس منها في محاولة التمييز بين سخرية المقاومة وسخرية التهدئة، المنصة، 30 يوليو 2023، في: https://manassa.news/stories/12381

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022