تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران علي مصر

شنت “إسرائيل”، في 13 يونيو 2025، هجومًا عسكريًا جويًا واستخباراتيًا علي إيران تحت مسمي “الأسد الصاعد”، استهدفت خلالها المواقع النووية والقيادات العسكرية والعلماء النوويين والبنية الصاروخية. فيما ردت إيران بقذف “إسرائيل” بالصواريخ الباليستية والفرط صوتية تحت مسمي “عملية الوعد الصادق 3”. ومع استمرار المواجهات، قامت الولايات المتحدة، في 22 يونيو 2025، بشن هجوم على ثلاثة مواقع نووية في إيران، هي فوردو ونطنز وأصفهان. وفي 24 يونيو 2025، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق تام بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار كامل وشامل، وذلك بعد هجوم إيران على قاعدة العديد في قطر. وقد كان لهذه الحرب التي اصطلح علي تسميتها بحرب الـ “12 يوم” تداعيات كبيرة علي مصر، اقصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.

أولًا: التداعيات الاقتصادية: 

قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، أن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أصدر قرارًا، في 16 يونيو 2025، بتشكيل “لجنة أزمات” عليا لمتابعة التطورات المتسارعة في المنطقة، في ظل التصعيد العسكري بين إيران و”إسرائيل”، وذلك بهدف تعزيز الاستعدادات الحكومية للسيناريوهات المحتملة كافة. وأوضح الحمصاني أن “اللجنة التي يترأسها مدبولي تضم عددًا من كبار المسؤولين وصناع القرار في الدولة، بينهم محافظ البنك المركزي، ووزراء الصناعة، والتخطيط، والتعاون الدولي، والكهرباء، والمالية، والتموين، والبترول، إلى جانب ممثلين عن وزارتي الدفاع والداخلية، وجهازي المخابرات العامة والرقابة الإدارية”. وأضاف أن “رئيس الوزراء سيعقد اجتماعات دورية مع اللجنة لمتابعة تطورات الوضع”، مؤكدًا أن “هناك تكثيفًا في الاجتماعات مع اللجان الاستشارية لمناقشة انعكاسات التصعيد الإقليمي على الاقتصاد المصري، وأمن الطاقة، والتوريد، والاستعدادات الأمنية، في إطار رؤية استباقية للتعامل مع أي تداعيات مباشرة أو غير مباشرة” وفق تعبيره.

وكانت للحرب بين إسرائيل وإيران تداعيات اقتصادية سلبية علي مصر، تمثلت في:

1- ارتفاع أسعار النفط: يأتي النفط في مقدمة السلع التي تتأثر بالاضطرابات الجيوسياسية، وكانت الحكومة المصرية تخشي من ارتفاع أسعار النفط عالميًا (ارتفع النفط بحوالي 7% دفعة واحدة)، مما يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات لمصر من الطاقة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل محليًا. كما أن ارتفاع أسعار النفط الدولية سوف يضغط على الموازنة العامة التي تحدد متوسط سعر البرميل عند 74 دولارًا، في حين أن المؤشرات قد تجعله يتجاوز 80 دولارًا للبرميل وأكثر في حال إطالة أمد الحرب. وكان من المتوقع أن يدفع ارتفاع أسعار النفط إلي انعقاد لجنة التسعير التلقائي التي تنعقد كل ثلاثة أشهر لزيادة أسعار الوقود، في حين أن الحكومة قدمت وعودًا بعدم زيادة أسعار البنزين والسولار حتى نهاية هذا العام.

2- توقف إمدادات الغاز: ترتبط الحكومتان المصرية والإسرائيلية باتفاق رسمي موقع في 18 فبراير 2018، بين مجموعة “دلك” الإسرائيلية وشركة “دولفينوس” المصرية، بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7.2 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، لمدة 15 عامًا. منذ ذلك الحين تعتمد مصر على الغاز المستخرج من الأراضي الفلسطينية المحتلة لتلبية ما بين 15 إلى 20 بالمئة من استهلاكها، وما بين 40 إلى 60% من إجمالي الإمدادات المستوردة إلى مصر.

لكنه منذ بدء حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، شهدت الإمدادات الإسرائيلية من الغاز لمصر 4 انقطاعات متتابعة؛ فمع عملية “طوفان الأقصى”، أغلقت إسرائيل حقل غاز “تمارا” لأسباب أمنية، لتنخفض واردات مصر بنسبة 51 بالمئة إلى 357 مليون قدم مكعب يوميًا، من نحو 850 مليون قدم مكعب يوميًا. وفي مايو 2025، أوقف الاحتلال الإسرائيلي ضخ الغاز من حقل “ليفياثان” مدة 10 أيام بدعوى أعمال الصيانة مما أدى إلى تفاقم عجز الغاز الطبيعي في مصر، واضطرت حكومتها إلى قطع إمدادات الغاز عن بعض الأنشطة الصناعية كثيفة الاستهلاك.

ومع بدء الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو 2025، أوقفت إسرائيل ضخ الغاز من حقلي “ليفياثان” و”كاريش”، ما فاقم النقص الحاد في إمدادات الغاز لدى مصر، التي واصلت قطع إمدادات الغاز عن مصانع الأسمدة وتحويل محطات الكهرباء للعمل بالديزل.

بعد 5 أيام من هذا التوقف وتحديدًا في 18 يونيو 2025، أعادت إسرائيل ضخ كميات محدودة من الغاز من حقل (تمارا) فقط، الأمر الذي استمر نحو 4 أيام فقط لتعاود تل أبيب منع إمدادات الغاز. وفي 22 يونيو 2025، أوقف الاحتلال الإسرائيلي ضخ الغاز للمرة الرابعة إلى مصر، دون إخطار مسبق، بالتزامن مع الضربة العسكرية الأمريكية ضد إيران، زاعمة أن حقل “ليفياثان” لم يُعاد تشغيله بالكامل.

هذه الانقطاعات المتكررة لها تأثيرات سلبية مباشرة على الاقتصاد المصري، منها تقليص توريد الغاز لمصانع كثيفة الاستهلاك مثل الأسمدة والبتروكيماويات، وزيادة ساعات تخفيف الأحمال وانقطاع التيار الكهربائي عن المنازل. مما يجعل وزارة الكهرباء تضطر لتشغيل محطات الكهرباء بوقود بديل عن الغاز الطبيعي مثل المازوت والديزل، وهما أكثر تكلفة وأقل كفاءة ويساهمان في تلوث البيئة. فضلًا عن اضطرار القاهرة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية بأسعار أعلى. كما أن تلك الضغوط دفعت بمصر إلى اللجوء إلى تأجير 6 وحدات تغويز عملاقة من ألمانيا وأمريكا وتركيا وقبرص لاستقبال الغاز المستور وإعادة ضخه إلى الشبكة القومية للغاز، ما يتطلب دفع مبالغ مالية ضخمة. وهي الإجراءات التي تضغط على احتياطيات مصر من العملة الصعبة وتزيد من فاتورة الواردات، وتؤثر سلبًا على سعر صرف الجنيه المصري الذي يشهد انخفاضًا مع بداية المواجهات العسكرية الإسرائيلية الإيرانية.

ذلك الوضع دفع كثيرون للتساؤل حول رد الفعل المصري تجاه خرق إسرائيل اتفاقية تصدير الغاز الموقعة بينهما عام 2018، والإجراء القانوني الذي يجب أن تتبعه الحكومة المصرية. وهل ستقدم حكومة القاهرة على تقديم شكوى ضد حكومة تل أبيب في “غرفة التجارة الدولية” بالعاصمة الفرنسية باريس، كما فعلت إسرائيل مع مصر عقب تفجير خط الغاز بينهما المار في سيناء (خط أنابيب نقل الغاز بين عسقلان والعريش) وتوقف الإمدادات المصرية إلى الاحتلال في عام 2011، والحكم لـ”إسرائيل” في عام 2015 بتعويضات 1.76 مليار دولار.

وبينما تتحدث تقارير عن وصول تدفقات من الغاز الإسرائيلي إلى الشبكة القومية في مصر بقدرات مبدئية 650 إلى 750 مليون قدم مكعب يوميًا اعتبارًا من بداية شهر يوليو 2025، وصولًا لمعدلات توريد الغاز إلى مليار قدم مكعب يوميًا خلال الفترة المقبلة من حقلي تمار وليفياثان. فقد تفاجأ المصريون بتلميح تقارير اقتصادية إسرائيلية إلى احتمال رفع تل أبيب سعر المتر المكعب من الغاز الذي تورده لمصر، مستغلة فترات دخول فصل الصيف وانقطاع الكهرباء، وتراجع إنتاج مصر من الغاز. ففي حين يبلغ سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الإسرائيلي لمصر حوالي 6.7 دولارات، حسب صفقة الاستيراد الأولى، بقيمة 15 مليار دولار لـ 64 مليار متر مكعب، فإن “تل أبيب” طلبت زيادة السعر بنسبة 25% في الصفقات الحالية، ما يعني رفع السعر إلى حوالي 9.4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.

3- ارتفاع تأمين النقل البحري: دفعت الحرب بين إسرائيل وإيران نحو زيادة تكاليف النقل البحري من ناحية تكلفة التأمين على الرحلات، وكذلك أسعار نوالين الشحن (أي أسعار النقل البحري)، نتيجة ارتفاع مخاطر الحرب، في وقت يُنقل فيه ما بين 80 إلى 85% من إجمالي واردات مصر عبر الشحن البحري. وكان من المتوقع أنه إذا استمر التصعيد العسكري بين الجانبين لفترة، فإن ذلك كان سيعمق من أزمة عزوف شركات الملاحة عن المرور بقناة السويس، واللجوء أكثر إلى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح.

وتعد رسوم العبور بقناة السويس من أهم مصادر الدولار للموازنة العامة، وشهد هذا المصدر تضررًا عميقًا، إذ انخفضت العوائد بأكثر من النصف خلال عام 2024، نتيجة الحظر البحري الذي فرضه الحوثيين علي السفن الإسرائيلية والأمريكية.

4- تراجع عوائد السياحة: أن التعامل مع دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط دائمًا ما يبقى ككتلة واحدة بالنسبة لوجهات السفر بالنسبة للأوروبيين، وبالتالي رغم ابتعاد مصر عن الأحداث، فقد لا تتجاوز ما حققته العام الماضي من أرقام تتعلق بجذب 16 مليون سائح، وتحقيق عوائد تصل إلى 15 مليار دولار، في حين كان من المأمول أن يصل ذلك إلى 18 مليار دولار، بحثًا عن سد عجز الموازنة. كما أن قرار المسؤولين تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير الذي دعت إليه القاهرة عددًا كبيرًا من قادة دول العالم، وكان مقررًا افتتاحه مطلع يوليو 2025، سيبعث برسائل سلبية لشركات السياحة العالمية مفادها أن المنطقة تعاني عدم استقرار.

ثانيًا: التداعيات السياسية والأمنية: 

أشارت تقارير إعلامية إلي أنه خلال المشاورات الهاتفية التي جرت بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره الإيراني عباس عراقجي، في 13 يونيو 2025، أكد عبد العاطي علي عدم سماح مصر باستغلال مجالها الجوي في عمليات تستهدف مصالح ايران تحت أي ظرف. 

كما كانت مصر واحدة من الدول الـ 21 التي وقعت علي بيان منظمة التعاون الإسلامي الذي أدان العدوان الإسرائيلي علي إيران، وطالب بوقف التصعيد العسكري والعودة إلى طاولة المفاوضات. 

كما أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا، في 21 يونيو 2025، بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أعرب السيسي خلاله عن رفض مصر الكامل للتصعيد الإسرائيلي الجاري ضد إيران، لما يمثله من تهديد لأمن واستقرار الشرق الأوسط في وقت بالغ الدقة تشهد فيه المنطقة أزمات متعددة ومتفاقمة. ومؤكدًا على الأهمية التي توليها مصر لوقف إطلاق النار بشكل فوري، وبما يسمح باستئناف المفاوضات بهدف التوصل لحل سلمي مستدام لهذه الأزمة.

وعقب الضربة الأمريكية علي إيران، أعربت وزارة الخارجية عن قلق مصر البالغ إزاء التطورات الأخيرة في إيران، مدينة التصعيد المتسارع الذى ينذر بعواقب خطيرة على الأمن والسلم الإقليمى والدولى. وأكدت الخارجية أن مصر ترفض أي انتهاك لميثاق الامم المتحدة وللقانون الدولى وشددت على ضرورة احترام سيادة الدول، وتجدد تحذيرها من مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر. وأكدت الخارجية علي أن الحلول السياسية والمفاوضات الدبلوماسية وليس الحل العسكري هي السبيل الوحيد نحو الخروج من الأزمة وتحقيق التسوية الدائمة. كما جددت الخارجية دعوتها إلى ضرورة وقف التصعيد وضبط النفس وتغليب لغة الحوار، حفاظًا على أرواح المدنيين وصونًا لأمن واستقرار المنطقة.

وأكد السيسي، خلال مكالمة هاتفية أجراها، في 25 يونيو 2025، مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، على رفض بلاده القاطع للهجوم الذي شنته إيران واستهدف قاعدة العديد الأميركية في قطر، مشيدًا في الوقت ذاته بما تم التوصل إليه من اتفاق بين إسرائيل وإيران لوقف الحرب التي استمرت لمدة 12 يومًا.

وفي كلمة متلفزة له، في 30 يونيو 2025، بمناسبة ذكرى “30 يونيو 2013″، قال السيسي إن السلام لا يولد بالقصف ولا بالقوة ولا بتطبيع ترفضه الشعوب، داعيًا إلى الاستلهام من تجربة السلام المصري لإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي.

وعلي المستوي العسكري، رفعت مصر من جاهزية قواتها المسلحة إلى حالة التأهب القصوى، ونفذت مناورات شاملة لاختبار أنظمة الدفاع الجوي في جميع أنحاء البلاد. ووضعت جميع وحدات القتال في الجيش المصري في حالة تأهب مرتفعة على مستوى الجمهورية، في حين تلقت القوات المنتشرة في سيناء أوامر برفع حالة التأهب إلى أقصاها. وقد شمل اختبار منظومات الدفاع الجوي في مصر تقريبًا جميع محافظات البلاد الـ27. وصُمم التمرين للكشف عن أي ثغرات في تغطية الدفاعات الجوية على مستوى الجمهورية، وتركت هذه المناورات حطامًا متناثرًا في عدد كبير من المناطق.

ويبدو أن مصر اتخذت موقفًا أكثر قربًا من إيران؛ فبينما كان هناك غياب أي تواصل رسمي معلن بين القاهرة و”تل أبيب”، أجرى السيسي اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الإيراني، ناهيك عن تحميل مصر لإسرائيل مسئولية الحرب، كما صعدت من لهجتها المنتقدة لـ”إسرائيل” عبر تصريحات لمقربين من النظام المصري مثل اللواء سمير فرج، في حديثه لفضائية “الجزيرة”، وقوله إن “إيران ليست عدوًا لمصر، وإن عدو مصر الحقيقي هي إسرائيل، وتأكيده على وقوف الشعب المصري خلف طهران”. ويمكن تفسير هذا الموقف المصري وفقًا لما يلي:

1- أن مصر وإيران أمضت العامين الماضيين في تمهيد الطريق بهدوء لانفراج دبلوماسي، بعد اتفاق السعودية وإيران عام 2023 على تطبيع العلاقات، بوساطة صينية. فعلى مدى نصف القرن الماضي، لم يكن تردد مصر في التعامل مع إيران ناتجًا عن عداء مباشر بقدر ما كان مدفوعًا برغبة في الحفاظ على علاقات جيدة مع حلفاء مصر الخليجيين. ولا يعني ذلك أنه لم يكن بين البلدين خلافات سياسية وأيديولوجية وجيوسياسية، وهي خلافات ما زالت قائمة، لا سيما منذ اندلاع الثورة الإيرانية في إيران عام 1979. وتعزز الخلاف بسبب معارضة إيران معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية في العام ذاته، ولطالما كان دعمها جهات فاعلة غير حكومية، مثل “حزب الله” و”الحوثيين” و”حماس”، تراها مصر عوامل مزعزعة للاستقرار الإقليمي، ناهيك عن شعور القاهرة بالاستياء العميق لدور إيران في تدمير سوريا والعراق.

وفي مطلع يونيو 2025، أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال زيارته الثانية للقاهرة منذ أكتوبر 2024، أن العقبة الأخيرة أمام تحسين العلاقات بين البلدين قد أُزيلت، من دون أن يحدد ماهية تلك العقبة. وبعد أيام قليلة، قال المتحدث باسم مجلس بلدية طهران إن اسم شارع خالد الإسلامبولي سيتم تغييره، حيث تم طرح خيارات بديلة لهذا الاسم. وبحسب ما نقلته “وكالة تسنيم”، تشير بعض الأنباء غير الرسمية إلى أن أحد الخيارات المطروحة من قبل لجنة تسمية الشوارع لتغيير اسم الشارع هو “الشهيد السيد حسن نصر الله”. تجدر الإشارة إلى أن الضابط المصري السابق خالد الاسلامبولي كان المتهم الرئيسي في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، عام 1981. وكانت تسمية الشارع على اسم قاتل الرئيس المصري من العوائق الرئيسية أمام عودة العلاقات المصرية الإيرانية. وقد علق وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، على إعلان السطات الإيرانية تغيير اسم شارع “خالد الإسلامبولي” في طهران، بأن “هذه المبادرة تعد خطوة جيدة، وتزيل أحد المعيقات التي كانت تعيق تحسن العلاقات بين القاهرة وطهران.

ويبدو أن الرغبة في فتح صفحة جديدة متبادلة، فلكل من القاهرة وطهران دوافعها الخاصة للشروع في مرحلة جديدة. من ناحيتها، تواجه مصر، على وجه الخصوص، مشهدًا إقليميًا يتبدل بسرعة غير مسبوقة. فعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض تحمل معها تحولًا في قواعد اللعبة الإقليمية، إذ يتبنى الرئيس الأميركي مقاربة قائمة على المعاملة بالمثل الخالصة في علاقاته مع دول المنطقة. وفي ظل هذا الإطار المستجد، تجد مصر نفسها بلا أوراق ضغط تذكر، فأزماتها الاقتصادية تحد من قدرتها على تقديم ما يغري واشنطن من فرص تجارية أو استثمارية أو شراكات مالية. وقد زاد من تهميش الدور المصري رفض القاهرة استقبال لاجئين من قطاع غزة، ما جعلها عقبة أمام رؤية ترمب الهادفة إلى تحويل القطاع الساحلي إلى ما سماه “الريفييرا الشرق أوسطية”. كما امتنعت مصر عن دفع تكاليف الضربات الأميركية ضد الحوثيين، رغم أنها كانت من أكثر الدول تضررًا من هجماتهم على حركة الملاحة في البحر الأحمر. كل ذلك ساهم في تراجع موقع مصر في حسابات الإدارة الأميركية الجديدة. ضمن هذا السياق، بدأت القاهرة تنظر إلى إعادة وصل ما انقطع مع طهران بوصفها فرصة استراتيجية لاستعادة حضورها السياسي في الإقليم.

وقبل اندلاع الحرب الراهنة، كانت مصر تبذل جهدًا ملموسًا لبناء رصيد سياسي مع إيران، فاستضافت لقاءات جمعت بين الوزير عراقجي ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في محاولة لتخفيف التوتر بشأن الملف النووي الإيراني. كما عرضت لعب دور الوسيط في الخلاف القائم حول البرنامج النووي، من دون أن تتجاوز، بحذر محسوب، الدور التقليدي الذي تضطلع به سلطنة عمان في هذا المجال. بيد أن قرار إسرائيل حل النزاع النووي مع إيران بالقوة العسكرية وجه ضربة مباشرة لطموحات مصر، وباتت محاولتها العودة إلى المسرح الإقليمي من بوابة الوساطة السياسية، على ما يبدو، مجمدة.

وبعد انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، عادت مصر مرة أخري إلي محاولة تخفيف التوتر بين إيران ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عبر اتصالين قاما بهما وزير الخارجية بدر عبدالعاطي مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي، والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.

2- تمر العلاقات بين مصر وإسرائيل بحالة من التوتر نتيجة حرب غزة المستمرة منذ 21 شهرًا، وتدهورت العلاقات بشكل أكبر في مايو 2024، عندما سيطرت القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي، إضافة إلى شريط أمني ضيق يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر “محور فيلادلفيا”. وبمرور الوقت، أصبحت هذه العلاقات أكثر توترًا وسط إصرار أمريكي- إسرائيلي على تنفيذ إملاءات لم يقبلها النظام المصري علانية، ولن يقبلها الشعب حتى لو قبل بها النظام، تتمثل في الآتي:

  • ترحيل الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، إلى سيناء أو الداخل المصري، موزعين على عدد من المحافظات، بما يجعل من الحديث عن عودتهم مرة أخرى إلى القطاع قضية غير ذات معنى، حيث سيتم استيعابهم مقابل مبالغ مالية، ومعونات اقتصادية.
  • إقامة قاعدة عسكرية أمريكية على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر، وهما الجزيرتان المتنازع عليهما بين مصر والمملكة السعودية، على الرغم من الإقرار الرسمي المصري بهما للمملكة، إلا أن ذلك الإقرار يواجه معارضة شعبية وقضائية كبيرة.
  • طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بمرور سفن وناقلات الولايات المتحدة من قناة السويس، دون سداد رسوم مرور.
  • إجراء تغييرات واسعة في المناهج التعليمية، التاريخية والدينية، تجعل من الكيان صديقًا غير محتل، ومن فلسطين ماضيًا بلا تاريخ، ومن المسجد الأقصى قضية هامشية، ومن الديانة الإسلامية بشكل عام مسخًا، يمكن استبداله بما تسمى الديانة الإبراهيمية، التي رفضها الأزهر شكلًا وموضوعًا.
  • تقليل التقارب الأخير مع إيران، والانفتاح الاقتصادي والعسكري على كل من الصين وروسيا.

وبالتالي، فإنه إذا ما نجحت “إسرائيل” وأميركا في إخضاع إيران وإجبارها على الرضوخ الكامل لشروط المشروع الصهيو-أميركي. في هذا الإطار، تكمن خطورة فرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رؤيته الأمنية، مدعومًا بالكامل من الولايات المتحدة، وما يمكن أن يترتب عليها من تسويات سياسية تشمل تطبيعًا كاملًا مع القوى العربية التي ما تزال خارج “الاتفاقات الإبراهيمية”. كما أن نجاح المشروع الصهيو- أميركي في كسر شوكة إيران، وسقوط آخر قلاع المقاومة، قد يفرض ضغوطًا سياسية كبيرة على القاهرة من قبل أميركا وإسرائيل في العديد من القضايا الخلافية.

3- تنظر دوائر القرار في القاهرة إلي استمرار “تل أبيب” في نهج التصعيد العسكري من شأنه أن يحدث تحولًا جوهريًا في موازين القوى الإقليمية، الذي قد يقتطع من رصيد مصر السياسي ويضعف موقعها التاريخي في المعادلات الأمنية والاستراتيجية في الشرق الأوسط. حيث أن انتهاء الحرب بنجاح إسرائيل في تحييد المشروع الإيراني، الذي كان يمثل العقبة الأكبر أمام تفردها وهيمنتها الإقليمية، سيجعلها أكثر تحررًا في التحرك ضد باقي القوى الإقليمية، وفي مقدمتها مصر، لا سيما في ظل حالة التوحش التي تمر بها إسرائيل حاليًا، وقدرتها على ضرب عواصم عربية واحدة تلو الأخرى من دون رادع، ما يؤكد علي أن المشروع الإسرائيلي يسعى لتصفية أي توازن ردع في الشرق الأوسط.

وقد بات السؤال المهم الذي يُطرح طوال الوقت: هل حان دور المواجهة مع مصر، في حالة انتصار “إسرائيل” على إيران؟ وهل اقتربت هذه المواجهة، اعتمادًا على عمليات تمهيد واضحة، اتهمت خلالها “إسرائيل” الجيش المصري بنشر قوات في المنطقة (ج) في سيناء، على خلاف اتفاق الطرفين، إضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بحفر الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، ناهيك عن نقض معاهدة السلام من جانب العدو، بعد احتلال محور “فيلادلفيا” أو “صلاح الدين”، على امتداد الحدود مع القطاع؟ مع ورود أنباء عن حصول إيران على وثائق إسرائيلية عسكرية سرية، توضح خططًا تفصيلية لاجتياح سيناء، وهو ما جعل القوات المسلحة تبادر بنشر قوات على امتداد شبه الجزيرة.

وتتزايد المخاوف لدي المصريين في ظل ما تكشفه التقارير من تفوق تسليحي نوعي إسرائيلي، خاصة طائرات “F-35I” الشبحية، وقدرات متقدمة في مجال الحرب الإلكترونية، والتشويش، والتحكم والقيادة، والدمج الشبكي بين المنصات. وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على الحفاظ على هذا التفوق العسكري النوعي لدولة الاحتلال في المنطقة، وعمدت في سياق ذلك إلى فرض قيود على استخدام المقاتلات الأمريكية من طراز (إف-16) التي بدأ تسليمها للجيش المصري أوائل تسعينيات القرن الماضي، بداية من تقييد المدى المرئي وبيانات تحديد المواقع، وحتى تقييد نوعية الصواريخ المحمولة. وتمثل هذه المقاتلات الأمريكية 48 بالمئة من عدد مقاتلات سلاح الجو المصري، 90 بالمئة منها لم يتم تحديثها منذ عقود، وتصنف حاليًا ضمن الأقدم والأكثر محدودية من حيث القدرات القتالية والإمكانات التقنية بين نظيراتها في العالم. وأصبحت هذه المقاتلات غير قادرة – أو قادرة بصعوبة بالغة – على الاشتباك الجوي أو تنفيذ عمليات الإقفال على الهدف مع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي الأكثر تقدمًا. حيث أن المدى الأقصى الفعال لصواريخ المقاتلات المصرية من تلك الطرازات القديمة ما بين 50 إلى 80 كم، في المقابل المدى الفعال لصواريخ مقاتلات الجو الإسرائيلية يصل إلى 200 كم. ولتقريب الصورة، فإن المقاتلات الإسرائيلية يمكنها قصف قواتنا المسلحة المتواجدة في المنطقة (أ) شرق قناة السويس، من خلال التحليق فوق صحراء النقب بدون الحاجة إلى الدخول إلى الأراضي المصرية. في الوقت الذي تحتاج مقاتلاتنا الأمريكية القديمة إلى الوصول إلى منتصف المنطقة (ب) وسط سيناء، كي تتمكن من استهداف الجيش الإسرائيلي على الشريط الحدودي فقط وليس أبعد من ذلك. ورغم سعي سلاح الجو المصري كثيرًا إلى تحديث أسطوله الجوي، إلا أنه واجه تعنتًا ورفضًا أمريكيًا سواء فيما يتعلق بالحصول على المقاتلات الأمريكية الحديثة من طراز إف-15، أو حتى المقاتلات الروسية المكافئة من طراز سوخوي 35، وذلك للحفاظ على التفوق الإسرائيلي النوعي وضمان بسط سيطرته والسيادة الجوية في المنطقة.

ختامًا؛ دفع اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، مراقبين وخبراء لإعلان مخاوفهم من التأثير السلبي لانشغال الجيش المصري بأعماله الاقتصادية، وخاصة سلاح الجو، الذي أظهر تفوقًا على الأسلحة التقليدية. حيث يشهد سلاح الجو المصري وضعًا مترديًا، خاصة مع تحوله عبر (جهاز مستقبل مصر) منذ عام 2022، لأعمال الاقتصاد من الزراعة والاستصلاح الزراعي، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية. ومن الأمور الجوهرية كذلك، الحاجة إلى خلق حاضنة شعبية داخلية تدعم صانع القرار. فقد أظهرت تطورات الحرب مدى قابلية الداخل الإيراني للاختراق من قبل أجهزة الاحتلال، وهو ما سهل على تل أبيب إحراز تقدم. ورغم أن المجتمع الإيراني متعدد ومعقد على نحو يختلف عن المجتمع المصري المتماسك، فإن الحصانة المجتمعية تظل عاملًا حاسمًا في دعم الدولة. ومن هنا، فإن توسيع المجال العام، ومنح المواطنين مزيدًا من حرية الرأي والتعبير، لا يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية تمكن القيادة من اتخاذ قرارات جريئة لمواجهة تداعيات الحرب، لا سيما إذا أُجبرت على التعامل مع ترتيبات إقليمية صعبة، قد تفرض اتخاذ خطوات منفردة تحت ضغط الواقع.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022