مستقبل الشرق الأوسط علي ضوء الحرب بين إسرائيل وإيران

بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف إطلاق النار في الحرب التي نشبت بين إسرائيل وإيران وامتدت لاثنى عشر يومًا، في الفترة من 13 حتى 24 يونيو 2025، باستهداف إسرائيل المنشآت الإيرانية الاستراتيجية، منها النووية والعسكرية والاقتصادية، وكذلك استهداف عدد من علماء الذرة والقيادات العسكرية، وفي المقابل ردت إيران باستهداف العديد من المدن الإسرائيلية والمواقع الاستراتيجية في تل أبيب وحيفا وبئر السبع وغيرها. ومع إعلان طرفي الصراع انتصار كل منهما فى تلك الحرب، بدا التساؤل المركزي يدور حول ما إذا كانت نتائج تلك الحرب ستؤدى إلى تغير موازين القوى فى إقليم الشرق الأوسط، أم إن نتائج المواجهات بين الطرفين – وحتى بعد دخول الولايات المتحدة لمساندة إسرائيل واستهداف ثلاث منشآت نووية إيرانية هى: فوردو ونطنز وأصفهان – لا تزال قيد التقييم، وأن تغيير موازين القوى في إقليم الشرق الأوسط يحتاج لعقود متتالية فى ظل التداخل الإقليمي والدولي مع تفاعلات المشهد المعقد بمفرداته المتعددة. وفي محاولة للإجابة علي هذا التساؤل، يمكن الإشارة إلي مجموعة من العوامل الرئيسية التي يمكن أن تساهم في محاولة استشراف مستقبل إقليم الشرق الأوسط علي ضوء هذه الحرب، تتمثل أبرزها فيما يلي:

أولًا: جدل النصر والهزيمة: أثارت الحرب بين إيران وإسرائيل حالة من الجدل حول حسابات النصر أو الهزيمة لكلا الطرفين. ففي حين يري البعض أن الحرب انتهت بانتصار إسرائيل بعد أن اتضح بجلاء الاختلال النوعي في ميزان القوى بين إسرائيل المدعومة أمريكيًا، وإيران التي حاربت منفردة. ناهيك عن إثبات إسرائيل لقدراتها الفائقة علي مهاجمة إيران عسكريًا داخل أراضيها عبر استباحة أجوائها، ومن خلال عمليات عسكرية نوعية قام بها عملاء لجهاز الاستخبارات الإسرائيلى “الموساد” إلى جانب عدد من أفراد القوات الخاصة الإسرائيلية “كوماندز”. فضلًا عن حالة الاختراق الاستخباراتى الغير مسبوقة التي استهدفت اغتيال قادة الصفين الأول والثانى فى الحرس الثورى والجيش الإيرانى، إلى جانب عدد كبير من العلماء النوويين وآخرين يعملون فى مجال التكنولوجيا العسكرية. كما أن الضربة الإسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني؛ تجعل من إسرائيل القوة النووية الإقليمية الوحيدة، بل وخارج نطاق الرقابة الدولية. 

في المقابل، يري البعض أنه بغض النظر عن نتائج حرب الـ(12) يومًا التى انتهت بقرار وقف اطلاق النار بإيعاز من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ورغم الخسائر المادية والعسكرية والبشرية التى لحقت بإيران، إلا أن الأخيرة أبدت قدرة لافتة على الصمود أمام الاستهدافات الإسرائيلية، رغم حالة الاختراق الاستخباراتى الواسعة، كما انتقلت من مرحلة الصمود إلى مرحلة الردع المتبادل واكتساب القدرة على استهداف البنية الداخلية فى إسرائيل من مراكز عسكرية وموانئ ومحطات للطاقة – غاز وكهرباء – ومراكز بحثية عسكرية مهمة. هذا بخلاف حالة الصدمة المعنوية التى أحدثتها صواريخ إيران الباليستية لدى المجتمع الإسرائيلى، وانكشاف نظام القباب الحديدية المتنوعة كأداة حماية أمنية عسكرية ضد الاستهدافات الصاروخية والمسيرات المناوئة، ما يشير إلي أن إيران استطاعت – رغم قسوة الخسائر- أن تفرض معادلة ردع متبادل مع إسرائيل، وأن إسرائيل لم تستطيع تحقيق أهداف النصر الذى ترغبه فى إيران؛ فلم تستطع القضاء الكلى على البرنامج النووى الإيرانى فضلًا عن احتفاظ إيران بمخزون اليورانيوم المخصب – وإن كانت الضربات الأمريكية لمنشآته ستؤدى حتمًا إلى تأخير مساره لسنوات مقبلة تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات – كما أنها لم تستطع إحداث تحول داخلى قوى على الساحة الإيرانية ينتج عنه تغيير النظام السياسى القائم.

ثانيًا: بروز إسرائيل كقوة مهيمنة علي الإقليم: سوف تسعى تل أبيب إلى الاستفادة من هذه الحرب في تحقيق هدفها المتمثل في إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي تحدث عنه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عدة مرات على مدى عامين، والذي تتمثل أبرز ملامحه فيما يلي:

  1. التخلص من أي مصدر للتهديد العسكري ضد إسرائيل قادر على إلحاق الضرر والأذى بها باستخدام القوة العسكرية، وفقًا لرؤية نتنياهو، على نحو ما حدث في فلسطين وسوريا ولبنان وإيران. 
  2. الإسراع في تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، والضغط على الدول المجاورة لقبولهم تمهيدًا لتصفية القضية الفلسطينية.
  3.  تشجيع الأقليات في بعض الدول العربية ضد حكوماتها ودعمها لإضعاف التماسك الوطني فيها.
  4. متابعة ومراقبة جهود إيران لإحياء مشروعها النووي والصاروخي، والتزامها ببنود الاتفاق الذي سوف تتوصل إليه طهران مع واشنطن، أو أي نشاط لها لإحياء دور أذرعها في المنطقة. 
  5. توسيع اتفاقات أبراهام، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن ما وصفه بـ”الانتصار” على إيران يتيح فرصًا جديدة لاتفاقات سلام جديدة لا يجب على إسرائيل أن تضيعها. كما قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن إسرائيل مهتمة بتوسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية ودائرة السلام والتطبيع (في المنطقة)، وأنه لدينا مصلحة في ضم دول جديدة، مثل سوريا ولبنان إلى هذه الدائرة. فيما أطلق “الائتلاف الإسرائيلي للأمن الإقليمي”، الذي يضم أكثر من مئة شخصية بارزة من النخب السياسية والأمنية في الاحتلال الإسرائيلي، حملة إعلانية واسعة النطاق في مختلف أنحاء البلاد، تحت شعار “تحالف أبراهام”. وظهرت على اللوحات الدعائية صور عدد من القادة العرب، من بينهم شخصيات لا تعد حتى الآن جزءًا من اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ”اتفاقات أبراهام”، مثل الرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس اللبناني جوزيف عون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 
  6. فرض مزيد من الضغوط على الأنظمة العربية لتنفيذ أجندات أمنية والالتزام بالمعايير الإسرائيلية، بحجة محاربة الإرهاب، وبالتالي مزيد من قمع الحريات، وقمع الاتجاهات الداعمة للمقاومة ولفلسطين، وتيارات “الإسلام السياسي” والقوى الوطنية والقومية المعادية للمشروع الصهيوني، ومواجهة مشاريع النهضة والوحدة.

ولكن في مقابل ذلك فإن هناك عددًا من العراقيل أمام إسرائيل في قيادة الشرق الأوسط الجديد كما يصرح نتنياهو:

  • أن إسرائيل رغم قوتها العسكرية تبقى دولة صغيرة جغرافيًا تقع وسط محيط عربي وإسلامي رافض لوجودها وغير متقبل لها، ولا تزال شعوب المنطقة تنظر إليها بوصفها “حدثًا طارئًا”، لا دولة طبيعية في المنطقة، ولا جزءًا من نسيجها الحضاري. بمعنى أن خصومها ليسوا حركات مسلحة مقاومة لها فقط، بل هم أيضًا شعوب دول المنطقة العربية التي عبر 84% من مواطنيها عن رفضهم الاعتراف بإسرائيل في تقرير المؤشر العربي 2022، ليس بسبب مواقف سياسية حكومية، بل لأنهم يعتبرونها كيانًا استعماريًا احتلاليًا. كذلك قال 76% من مواطني المنطقة إن القضية الفلسطينية ليست حكرًا على الفلسطينيين، بل قضية العرب جميعًا.
  • افتقار إسرائيل، وبخلاف القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة (تركيا وإيران ومصر والسعودية)، إلى عمق استراتيجي يسمح لها بالمناورة وامتصاص الهجمات، مما يقيد إمكانات التوسع والنفوذ الجغرافي المستدام، وهو ما برهنت عليه الحرب أخيرًا مع إيران.
  • طبيعة التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فمشروع “هندسة الشرق الأوسط” لا يمكن أن يتحقق من دون الارتكاز ضمنًا إلى تفوق الولايات المتحدة وهيمنتها على القرار الدولي. وبالتالي، أي تغيير من واشنطن في المنطقة قد يسهم مباشرة في إضعاف إسرائيل وقدرتها على التأثير في الإقليم.
  • وجهت إسرائيل ضربات مدمرة لحماس وحزب الله والحوثي وكذلك إيران، إلا أنها في نفس الوقت لم تستطع القضاء على الفواعل من دون الدول في غزة واليمن ولبنان ولا تزال تسقط في كمائن تنصبها القسام، وهو ما يعني أن إسرائيل ورغم الإمكانات العسكرية والاستخباراتية الضخمة التي وظفتها في حرب على مدار عامين لا تزال عرضة للاستهداف من مليشيات أو جماعات مقاومة لم تتمكن من القضاء عليها.
  • تنبغي الإشارة أيضًا إلى أن العامل الديموغرافي ليس في صالح إسرائيل، ولن يكون كذلك في المستقبل وهو عامل ضعف آخر لا يسمح لها بقيادة المنطقة أو برئاسة مشروع إقليمي.
  • أن الجانب الأهم، هو أن هذا السلوك الإسرائيلي المتعجرف، عندما يتعامل مع بيئة عربية وإسلامية ويحاول فرض عصاه الغليظة المباشرة على شعوب عريقة تعتز بدينها وتراثها وتاريخها وهويتها الحضارية؛ فهو إنما يقوم فعليًا بتوسيع دائرة الصراع ودائرة التحدي ضده، وتوسيع دائرة السخط والغضب في البيئة الاستراتيجية، ويتسبب بتسريع قيام “ربيع عربي” جديد يكون الخاسر الأكبر فيه هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه، والأنظمة الحليفة معه.

ثالثًا: إعادة إيران تقييم سياساتها: تبقى إيران بعد الحرب قوة إقليمية جريحة وضعيفة نسبيًا، وخاصة بعد تآكل أذرعها في المنطقة. والأرجح أن إيران سوف تسعى إلى ترميم نظامها الدفاعي لتعويض خسائرها، وإعادة بناء قدراتها العسكرية، وربما تصل إلى الاقتناع بأن الوصول إلى القنبلة النووية هو أهم ضمانة لحماية أمنها في المستقبل كما حدث في حالة كوريا الشمالية. 

كما أن المشروع الإيرانى فى المنطقة يبدو وكأنه مقبل على تطورات ومتغيرات جديدة نابعة من نتائج الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، التي أثارت العديد من التساؤلات حول أسباب عدم مساندة محور إيران الإقليمى – حزب الله اللبنانى والمليشيات العراقية وجماعة أنصار الله الحوثية اليمنية – لها فى حرب الـ 12 يومًا من ناحية، ومستقبل هذا المحور من ناحية ثانية، وهل ستعيد إيران بناؤه مجددًا؟ أم أنها ستكتفى بالحفاظ على ما تبقى منه – المليشيات العراقية وجماعة أنصار الله الحوثية – انتظارًا لما ستسفر عنه جولة التهدئة الحالية بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية ثالثة؟

ثمة رؤى مختلفة حول موقف إيران- وبعد المواجهة المباشرة مع إسرائيل- من فكرة إعادة إحياءها لـ”محور المقاومة” الإقليمى من عدمها. فثمة آراء تقول بأن موقف النأى بالنفس الذى اتخذته أذرع إيران فى الإقليم بشأن المواجهات بين الأخيرة وبين إسرائيل يعود إلى وجهة نظر إيرانية هدفها عدم انزلاق تلك الأذراع وتحديداً (المليشيات العراقية وجماعة أنصار الله الحوثية) ضمن حرب قد تؤدى إلى “إنهاء” تلك الأذرع بصورة كاملة؛ بمعنى أن إيران لا ترغب فى أن تتعرض المليشيات العراقية ولا الجماعة الحوثية للسيناريو الذى تعرض له حزب الله اللبنانى، ويدلل أنصار هذا الرأى على تلك الاحتمالية بنمط التفاعل الإيرانى نفسه مع مسار الحرب خلال مدة الـ (12) يومًا؛ حيث لم تنفذ إيران تهديدها بشأن غلق مضيق هرمز أو الإيعاز للحوثيين بإغلاق باب المندب، وهو ما اعتبره المحللون نمطًا للرد المحسوب والمدروس من قبل إيران، بحيث لا يؤدى إلى الإجهاز على نظامها الداخلى ولا على برنامجها النووى من ناحية، ولا يؤدى كذلك إلى إشعال حرب إقليمية واسعة تتطلب دخول أذرعها الإقليمية على خط المواجهة من ناحية ثانية، وهذا التفسير يعنى أن إيران لاتزال ترغب فى الحفاظ على محورها باقيًا، حتى وإن لم يقدم لها دعمًا واضحًا فى حربها مع إسرائيل.

وهناك رؤية مقابلة تقول بأن إيران لم تعد تمتلك خيارات واسعة بشأن إعادة إحياء “محور المقاومة” الإقليمى من منطلق أنها نفسها قد تعرضت لهجوم مباشر على أراضيها، وأن ما تعرضت له من خسائر سيؤخر دورها فى دعم هذا المحور ومن ثم ستتراجع قدرتها العسكرية والمادية (وليس رغبتها) على إحياء هذا المحور مجددًا، فضلًا عن أن حسابات الداخل بالنسبة للجماعات المنضوية فى المحور باتت تفرض نفسها بقوة على طموحات تفاعلاتها الخارجية.

ومن المرجح القول بأن إيران باتت غير قادرة حاليًا على إعادة الزخم لمحورها الإقليمى – وإن كان بصورة مؤقتة – حيث ستنشغل لفترة بترميم خسائرها الداخلية لاسيما حالة الاختراق الأمنى والاستخباراتى التى تعرضت لها من قبل إسرائيل، فضلًا عن انشغالها بمسارات التفاوض حول برنامجها النووى، هذا بخلاف فقدان أدوات التنسيق بينها وبين أذرعها نتيجة لحجم الاغتيالات التى وقعت فى صفوف الحرس الثورى الإيرانى الذى كان مسئولًا بشكل مباشر عن التنسيق الإقليمى بين جماعات وفصائل المحور. لكن فى الوقت نفسه لن تتخلى بصورة كاملة عن محورها الإقليمى لأسباب تتعلق بمصالحها مع كل جماعة من الجماعات المتبقية ضمن هذا المحور على حدة لاسيما (المليشيات العراقية وجماعة أنصار الله الحوثية)، وأن خسارتها الساحة السورية وتقلص قدرة الردع الخاصة بحزب الله خارجيًا وإشكاليات علاقاته الداخلية على الساحة اللبنانية ستكون معطيات مهمة تدفع إيران إلى ضرورة التمسك بمن بقى ضمن هذا المحور لخدمة مصالحها الإقليمية سواء فى العراق، أو فيما يتعلق باليمن وقدرة الحوثيين على تهديد الملاحة والتحكم فى المضايق البحرية. وبالتالى ستكون إيران مضطرة لقبول خيار “التهدئة” مؤقتًا بما يشمل إدخال محورها الإقليمى ضمن حالة من “الجمود” فى الوقت الراهن، وهذا يعنى استمرار بقاء المحور وإن تراجعت فاعليته بصورة مؤقتة.

رابعًا: موازنة الدول الخليجية بين إيران وأمريكا: من المرجح أن تواصل دول الخليج نهجها الراهن تجاه التعامل مع إيران، والذي يتضمن احتواء التوترات وتطوير التعاون، من جهة، وفي نفس الوقت تعزيز الشراكات الدفاعية مع الولايات المتحدة. خاصة بعدما تجاوزت إيران، ولو رمزيًا، خطًا أحمر يتمثل في استهداف القواعد الأمريكية في منطقة الخليج عبر استهدف “قاعدة العديد” في قطر. فعلى الرغم من إضعاف إيران وتعرضها لضربات إسرائيلية مؤلمة، فإن طهران أظهرت قدرتها على تهديد جيرانها ومن ثم احتفظت بقدر من الردع يبقي دول الخليج علي سياسة الحياد. ومن جهة أخرى، فإن الحرب القصيرة أظهرت أن إسرائيل تحتاج إلى قدر من التدخل الأمريكي، وهو ما يعني أن دول الخليج باتت أكثر اقتناعًا أن الولايات المتحدة، وليست إسرائيل هي الشريك الدفاعي في مواجهة تهديدات إيران.

كما أن السلوك الإسرائيلي العدواني في المنطقة والاستناد لغرور القوة العسكرية سيثير قلق دول الإقليم، وسيدفع بعضها لمراجعة استراتيجياتها العسكرية والدفاعية، ومناعتها الأمنية ضد العمليات الاستخبارية، كما أنه سيدفع بعضها لتعزيز تحالفاتها لموازنة مساعي الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. تتسم هذه الديناميكية بغموض كبير من حيث مآلاتها المحتملة على توازنات المنطقة وتحالفاتها، في ظل استمرار التباينات بين القوى الأساسية، تركيا والسعودية وإيران ومصر.

خامسًا: استمرار الهيمنة الأمريكية علي المنطقة: أثبتت واشنطن أنها القوة الدولية الوحيدة القادرة على حسم الصراعات في الشرق الأوسط، وشريك أساسي في توجيهها بما يتفق مع سياساتها ويخدم مصالحها، وذلك مقارنة بالدور المحدود لكل من روسيا والصين. ومن المرجح أن واشنطن سوف تسعى لفرض وجهة نظرها على طهران في القضايا محل الخلاف مثل تخصيب اليورانيوم، ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرقابة والتفتيش؛ وذلك مقابل حوافز مالية واقتصادية.

ورغم محاولات الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة أوباما الثانية لتخفيف الالتزام تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل تعقد صراعات المنطقة وتراجع الآمال الأمريكية حول حدود قدرة واشنطن على إعادة تشكيل المنطقة من خلال تغيير أنظمة الحكم فيها، بالإضافة إلى حاجة واشنطن لتوجيه مواردها إلى منطقة الصراع الدولي الرئيسي في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ. إلا أن الولايات المتحدة ستظل غارقة في شؤون المنطقة، ومن المرجح أن يتعزز هذا الاتجاه نتيجة أن الحرب على إيران أظهرت حدود القدرات العسكرية الإسرائيلية، الهجومية والدفاعية، مما جعل التدخل الأمريكي أساسيًا للدفاع عن إسرائيل ولتوجيه ضربات استراتيجية لإيران. أي إن الالتزام الأمريكي التاريخي بضمان أمن وتفوق إسرائيل في المنطقة لن يتحقق فقط بإمدادات عسكرية واسعة، وإنما يتطلب أيضًا استمرار التواجد الأمريكي المباشر.

سادسًا: محدودية الدور الروسي والصيني في الإقليم: اعتقدت العديد من التحليلات أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية، والتى شهدت دعمًا أمريكيًا منقطع النظير للحليف الاستراتيجي لها إسرائيل، ربما تمثل فرصة ملائمة للصين وروسيا لمساندة إيران، باعتبارهما تمتلكان شراكة استراتيجية معها، وبما يتماشى مع تبنيهما لمبدأ التحول نحو التعددية القطبية بدلًا من وجود نظام أحادى القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي لم يتحقق، فالموقفين الصيني والروسي جسدا التوازن إزاء تطورات الحرب دون الانحياز لأي من طرفي الصراع، بما عكس التوجه الصيني البعيد عن الانخراط فى الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية والتركيز على الصعود الاقتصادي، والانشغال الروسي بالحرب مع أوكرانيا.

ختامًا، سترتبط تفاعلات إقليم الشرق الأوسط ومدى تغيير موازين القوى الإقليمية بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية بتقييم نتائج تلك الحرب، وحدود تحقيق كل طرف لأهدافه، ومدى خسائر كل طرف من تلك المواجهات التي تمت بعد الانخراط الأمريكي فى مسار الحرب، ومع إعلان طرفي الصراع إسرائيل وإيران عن احتفال كل منهما بتحقيق النصر، فإن فصول المواجهات لا تزال مفتوحة ما لم يتم تسوية موثوقة وطويلة الأمد بين الجانبين. وإلي أن يتم التوصل إلي هذه التسوية، فقد تسعى إسرائيل إلى تصدر المشهد الإقليمي واستكمال إعادة تشكيله وفقاً لرؤيتها ومصالحها، وقد ينشأ توازن للقوى بين إسرائيل وإيران تحت إدارة أمريكية وربما بتنسيق مع تركيا، أو أن تتحرك عدد من الدول العربية وتركيا لبناء توافق إقليمي لا يعتمد فقط على العلاقات بين إسرائيل وإيران. وسوف يسهم سلوك دول الإقليم في ترجيح الاتجاه إلى أي من هذه الصور.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022