في خضم اشتعال حدة المواجهات المسلحة الإسرائيلية-الإيرانية، التي استمرت 12 يومًا من الهجمات والهجمات المضادة العنيفة (من 13 إلي 24 يونيو 2025)، التي كادت أن تصل إلى حرب شاملة كارثية على الشرق الأوسط برمته، أصطف خلالها الجيش الأمريكي الأقوى في العالم إلى جانب جيش الدفاع الإسرائيلي، وكذلك أعلنت غالبية العواصم الأوروبية دعمها الكامل لإسرائيل في ضرورة تحقيق هدفين: إزالة التهديدين النووي والباليستي لإيران. في المقابل، وجدت إيران نفسها وحيدة في المعركة، في موقف لا تحسد عليه، ولم تقدم لها الدول التي تصنفها على أنها حليفة مثل الصين وروسيا، أي شكل من أشكال المساندة أو التهديدات الرادعة، التي تمكنها ردع إسرائيل أو الحد من سقف أهدافها تجاه إيران، مقارنة بما قدمته الولايات المتحدة من مساندة عسكرية مباشرة لإسرائيل بقصف قاذفاتها الاستراتيجية الشبحية الأُصول النووية الإيرانية. واختار الشريكان الاستراتيجيان لإيران الوقوف على الحياد، واكتفيا بإدانة التصعيد الإسرائيلي، وحتى عندما أخذت روسيا خطوة أبعد من الإدانة، فلم تتخط حاجز الحياد المصلحي، وطرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوساطة لإنهاء المواجهات المسلحة بين الطرفين.
أولًا: أبعاد الموقف الروسي والصيني تجاه الحرب بين إيران وإسرائيل:
يمكن الوقوف علي أبعاد الموقفين الروسي والصيني تجاه الحرب بين إيران وإسرائيل كما يلي:
1- لم تكن لهجة روسيا في الحرب بين إيران وإسرائيل متوقعة بالنسبة للكثيرين ممن انتظروا سماع عبارات تهديد رنانة من الرئيس الروسي بوتين ومسئوليه، والأهم ربما توقعوا دعمًا عسكريًا روسيًا مؤثرًا لطهران، خاصة أن موسكو لا تحتمل أن تخسر حليفًا جديدًا في الشرق الأوسط بحجم إيران بعد أشهر من سقوط بشار الأسد في سوريا، لكن روسيا آثرت أن تكون لهجتها أكثر ميلًا للاتزان، مقتنعة بأن الدور الذي يمكن أن تلعبه هو دور الوسيط بين المتخاصمين.
منذ الساعات الأولى للتصعيد الإيراني الإسرائيلي، اتخذت موسكو موقفًا اتسم بالحذر الشديد، عبرت فيه عن قلق بالغ من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة إقليمية شاملة، دون أن تتورط في أي دعم عملي لطهران. فقد أدانت وزارة الخارجية الروسية الضربات الإسرائيلية ووصفتها بأنها “انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة”، ومحذرة من أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية “يهدد بكارثة نووية عالمية”، وبحسب ما صرحت به المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا”، التي وصفت الغارات الإسرائيلية بأنها “لعبة مروعة لا يمكن التنبؤ بعواقبها”. ومع ذلك، بقي الرد الروسي في إطار التنديد اللفظي والدعوة إلى التهدئة، دون أن يترجم إلى دعم عسكري أو سياسي نوعي لإيران.
هذا التوجه الروسي أثار جدلًا واسعًا حول مدى التزام موسكو باتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع طهران الموقعة في يناير 2025، خاصة أن المتحدث باسم الكرملين، “دميتري بيسكوف”، أوضح بشكل صريح أن “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران لا تتضمن بنودًا تتعلق بتقديم دعم عسكري متبادل”. وأضاف أن موسكو لم تتلق أي طلب رسمي من طهران لتقديم مثل هذا الدعم، مشددًا على أن المواقف الروسية واضحة في إدانة التصعيد لكنها لا تنسحب إلى خطوات ميدانية. وهذا التأكيد العلني بعدم وجود آلية دفاع مشترك يعكس سعي موسكو للفصل بين شراكتها السياسية مع إيران وبين انخراط مباشر في مواجهة قد تجرها إلى صدام مع إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، سعت روسيا إلى إبراز دورها كوسيط محتمل، وركزت على اتصالاتها الدبلوماسية المتكررة مع جميع الأطراف؛ إذ أجرى الرئيس فلاديمير بوتين محادثات هاتفية مع كل من الرئيس الإيراني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الأمريكي، مؤكدًا أن “الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لتسوية الخلافات”. كما أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن “روسيا تواصل جهودها لتفادي المزيد من التصعيد”، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك المشترك لاحتواء الأزمة. كل هذه التحركات تعكس تموضعًا روسيًا يهدف إلى الحفاظ على قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف، دون الانحياز بشكل مباشر لطرف على حساب آخر، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه موسكو اللعب بورقة التهدئة لكسب النفوذ دون كلفة استراتيجية باهظة.
وعقب الضربة الأمريكية علي إيران، وصفت وزارة الخارجية الروسية الضربات الأمريكية بأنها “انتهاك صارخ” لميثاق الأُمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، محذرة من أن الهجوم ألحق “ضررًا بالغًا” بمصداقية “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وآليات الرقابة التي تعتمدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. ودعت موسكو إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، مطالبةً بعودة فورية إلى المسار الدبلوماسي. كما وصف البيان التحرك الأمريكي بأنه “غير مسؤول”، مشيرًا إلى خطر تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي. وفي الأُمم المتحدة، اتهم السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا واشنطن بأنها “فتحت صندوق باندورا”؛ أي بوابة الشرور، وشبه مبررات الضربات بتلك التي سبقت غزو العراق عام 2003. كما رفض التبريرات الأمريكية واعتبرها واهية، محذرًا من مخاطر تطبيع العمليات العسكرية الأحادية الجانب.
وربما كان أحد التصريحات الروسية القليلة التي ظهرت فيها النبرة المرتفعة هو إعلان الكرملين أن محاولة تغيير النظام في إيران يعد أمرًا غير مقبول، إذ صرح ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأن روسيا سترد “بشكل سلبي للغاية” في حال اغتيال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وأكد أن مثل هذا الأمر ينبغي ألا يكون الحديث عنه أو التفكير فيه مقبولًا. لكن حتى في تلك الحالة رفض بيسكوف – بحسب “سكاي نيوز”- أن يوضح التصرف الذي ستتخذه روسيا في حال اغتيال المرشد، وفضل القول إن الرد سيكون قويًا للغاية من داخل إيران، وبدأ يتحدث عن الأثر السلبي على المنطقة في حالة حدوث ذلك، إذ قال إن هذا سيؤدي إلى نشوب نزعات متطرفة داخل إيران، وإن على من يتحدثون عن قتل المرشد أن يستوعبوا ذلك ويضعوه في اعتبارهم، وأن يفهموا أنهم سيفتحون بذلك أبواب الشرور. ومثله، كان تهديد الرئيس الروسي السابق ونائب مجلس الأمن الروسي الحالي دميتري ميدفيديف بأن دولًا ثالثة قد تزود إيران بأسلحة نووية، حيث لم يفصح ميدفيديف عن هذه الدول، فيما امتنع المسؤولون الروس عن التعليق على هذا التصريح الذي انتقده الرئيس الأمريكي ترامب.
2- جاء الموقف الصيني متشابهًا مع الموقف الروسي، من حيث الوقوف علي الحياد، مع انتقاد الهجمات الإسرائيلية، ولكن دون تقديم دعم عسكري فعلي لإيران. حيث أجرى وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”، في 14 يونيو 2025، اتصالات هاتفية مع نظيريه الإيراني والإسرائيلي. وقد أعرب الوزير “وانغ يي” خلال اتصاله مع نظيره الإيراني عن إدانة بلاده انتهاك إسرائيل لسيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها، ومعارضتها بشدة الهجمات المتهورة التي تستهدف المسئولين الإيرانيين وتتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين. كما اعتبر أن هجمات إسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية تشكل سابقة خطيرة ذات عواقب كارثية محتملة، مؤكدًا على دعم الصين لإيران في حماية سيادتها الوطنية والدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة وضمان سلامة شعبها. وخلال اتصاله الهاتفي مع نظيره الإسرائيلي، كرر وزير الخارجية الصيني الإعراب عن معارضة بلاده استخدام القوة ضد إيران، مؤكدًا على أن المهمة العاجلة تتمثل في اتخاذ تدابير فورية لتجنب تصعيد الصراع، ومنع المنطقة من الوقوع في اضطرابات أكبر، والعودة إلى مسار حل القضايا بالوسائل الدبلوماسية، بما في ذلك القضية النووية، إذ لا يمكن للوسائل العسكرية أن تحقق سلامًا دائمًا.
وخلال اتصاله مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في 19 يونيو 2025، قدم الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أربعة مقترحات في سبيل مواجهة الوضع الراهن؛ أولًا: ينبغي على أطراف النزاع، وخاصة إسرائيل، وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن لمنع تصعيد الوضع وتجنب امتداد الحرب. وثانيًا: ضمان سلامة المدنيين وتسهيل إجلاء رعايا الدول الأخرى. وثالثًا: بذل الجهود لإعادة القضية النووية الإيرانية إلى مسار الحل السياسي من خلال الحوار والتفاوض. ورابعًا: فإنه بدون استقرار في الشرق الأوسط، يستحيل أن يكون هناك سلام في العالم. ولذلك، ينبغي على المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى ذات النفوذ الخاص على أطراف الصراع، بذل جهود لتهدئة الوضع، لا العكس. وينبغي لمجلس الأمن أن يلعب دورًا أكبر في هذا الصدد، مشيرًا إلى استعداد بكين لتعزيز التواصل والتنسيق ولعب “دور بناء” في استعادة السلام في الشرق الأوسط.
وعقب ساعات من بدء إسرائيل شن ضربات واسعة على الأراضي الإيرانية، دعمت الصين الطلب الذي تقدمت به روسيا إلى مجلس الأمن، بطلب من إيران، بشأن عقد اجتماع طارئ لبحث تطورات الأوضاع. وخلال هذه الجلسة، أعرب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة “فو كونغ” عن إدانة بلاده للانتهاكات الإسرائيلية لسيادة وأمن وسلامة الأراضي الإيرانية، ومعارضة بكين استخدام القوة والعقوبات الأحادية غير القانونية والهجمات المسلحة على المنشآت النووية السلمية. وأضاف بأنه ينبغي للدولة ذات النفوذ الكبير على إسرائيل أن تلعب دورًا بناءً وفاعلًا. وقد شاركت الصين إلى جانب الدول الأعضاء بمنظمة “شنغهاي للتعاون” في إدانة الضربات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، والتي تضر بالأمن الإقليمي والدولي وتعرض السلام والاستقرار العالميين للخطر.
بل إن السلوك الصيني قد أخذ بعض الاتجاهات المناهضة لإيران، حيث قامت بكين بالضغط علي طهران؛ لعدم تفعيل تهديد إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي أمام الملاحة والتجارة الدولية؛ لأن إيران والصين ستكونان المتضرر والخاسر الأكبر حال إغلاقه، من حيث كميات النفط المتدفقة نحو الصين، التي تعتمد عليها عجلة الاقتصاد الصيني الجبارة، أو من حيث حجم التجارة الصينية المارة عبر المضيق، والتي تبلغ نسبتها نحو 33% من إجمالي حجم التجارة المارة عبر المضيق؛ ما يفسر عدم إقدام إيران على إغلاق المضيق، فهو ليس ورقة ضاغطة علي الأمريكيين ولا الأوروبيين، بل ستكون ورقة ضاغطة على الصين.
3- كشف أداء الدفاعات الجوية الإيرانية، عن حالة الضعف في التصدي لسلاح الجو الإسرائيلي المتطور، وتحول الأجواء الإيرانية إلى ساحة مستباحة لسلاح الجو الإسرائيلي، لحد القدرة الإسرائيلية على فرض السيادة الجوية، وعن عدم حصول إيران على المنظومة الدفاعية الروسية المتقدمة «S-400» والطائرة الروسية المتطورة المصممة لاختراق الدفاعات الجوية للعدو “سوخوي 35″، التي يمكنها فرض هيمنة جوية شاملة في سماء العدو، والتي تتقارب في إمكاناتها ومقدراتها من المقاتلات الأمريكية مثل «F-35»، وذلك على الرغم من الحاجة الإيرانية الملحة والعاجلة لتعزيز دفاعاتها الجوية بأسلحة روسية وصينية متطورة، بعدما انكشفت مرتين في المواجهات مع إسرائيل في “الوعد الصادق 1 و2”.
ففي أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية اللاحقة على غزة، قالت الحكومة الإيرانية إنها أبرمت صفقة مع موسكو لتزويدها بطائرات مقاتلة من طراز سوخوي “سو-35″، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “مي-28″، وأنظمة دفاع جوي من طراز “إس-400″، وطائرات تدريب من طراز “ياك-130″، لكن طهران لم تحصل فعليًا إلا على طائرات التدريب؛ نتيجة مشكلات الإنتاج والضغوط الدبلوماسية من دول الخليج، التي دفعت روسيا إلى حجب التقنيات الأكثر حساسية وقوة عن إيران.
أكثر من ذلك عندما دمرت الضربات الإسرائيلية في أكتوبر 2024 بعضًا من أفضل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية التي قدمها الروس، بدا أن موسكو إما غير قادرة وإما غير راغبة في استبدالها. وذلك رغم توقيع كل من إيران وروسيا معاهدة شراكة استراتيجية شاملة في يناير 2025، وصادق البرلمان الروسي عليها في أبريل 2025، كما صادق عليها البرلمان الإيراني في 21 مايو 2025. وهو ما تم تفسيره بأن تلك المعاهدة للدفاع المشترك لا تلزم روسيا ولا إيران بأن تساعد عسكريًا حليفتها في حال هاجمتها قوة أخرى، وإنما يتوقف الالتزام على عدم مساعدة الدول المعتدية.
ثانيًا: محددات الموقف الروسي والصيني تجاه الحرب بين إيران وإسرائيل:
كانت أغلب التوقعات تشير إلي أن الدور الروسي والصيني سيكون أكثر دعمًا لإيران في حربها ضد إسرائيل، وأن هذا الدعم لن يقتصر علي الدعم السياسي، بل سيشمل الدعم العسكري أيضًا؛ نظرًا لمتانة العلاقات بين روسيا والصين وإيران، والتي تقوم علي مجموعة من الأسس الاستراتيجية والاقتصادية، تتمثل في:
1- مناهضة الهيمنة الغربية: تجد الأطراف الثلاثة أرضية مشتركة في رفض الهيمنة الغربية، لا سيما الأمريكية، وفي الدعوة إلى تعددية الأقطاب، وقد تعزز هذا التوجه بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022 وتصاعد التوترات في بحر جنوب الصين.
وتمثل إيران بالنسبة لروسيا والصين شريكًا أساسيًا في مساعيهما لإعادة تشكيل النظام الدولي، وهو ما تجلى في انضمام إيران الكامل لمنظمة “شنغهاي للتعاون” في قمة أوزبكستان عام 2022، هذا بالإضافة إلى انضمامها إلي مجموعة “البريكس” التي تضم الدول غير الغربية ذات الاقتصادات الصاعدة. ويوفر هذا الانضمام لطهران مظلة حيوية لمقاومة الضغوط الغربية المتزايدة، خاصة في ظل العقوبات الممتدة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018.
وعلي الجانب الآخر، تُوظف إيران كأداة ضغط متقدمة في المواجهة الجيوسياسية مع الغرب، فبالنسبة لروسيا توفر طهران مسرحًا مهمًا لزيادة تعقيد الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وتحويل الأنظار والموارد بعيدًا عن الجبهة الأوكرانية الحاسمة. أما بالنسبة للصين، فتمثل إيران حاجزًا جيوسياسيًا أمام التمدد الأمريكي المحتمل في آسيا الوسطى.
وكان من المنتظر أن تقدم روسيا دعمًا عسكريًا لإيران، علي غرار ما قامت به إيران من تزويد روسيا في حربها مع أوكرانيا بالذخائر وقذائف المدفعية وآلاف الطائرات بدون طيار التي تهاجم من خلالها البنية التحتية في أوكرانيا. فضلًا عن نجاح منظومات الدفاع الجوي الصينية في مواجهة مقاتلات الرافال الفرنسية خلال المواجهات العسكرية الأخيرة بين باكستان والهند. كما أن التدخل الروسي والصيني – في حالة حدوثه – إلي جانب إيران كان سيعزز الروابط التي تجمع بين الصين وروسيا مع دول الجنوب العالمي، التي تعاني من الهيمنة الأمريكية، وهو من شأنه أن يثقل الخطاب والتحركات الصينية والروسية الداعية إلى إرساء نظام دولي متعدد الأقطاب أكثر عدلًا.
2- الشراكات الاقتصادية: تتعاون روسيا والصين وإيران بنشاط في إنشاء قنوات مالية ولوجستية بديلة لتجاوز العقوبات الغربية، وأحد أبرز مظاهر هذا التعاون هو الارتفاع الملحوظ في استخدام اليوان والروبل في التعاملات التجارية بين موسكو وطهران وبكين.
وترتبط الصين بعلاقات شراكة استراتيجية شاملة مع إيران، والتي تعد من أعلى مستويات الشراكة بالنسبة للصين. وقد توجت هذه الشراكة في مارس 2021 مع توقيع الجانبين لاتفاقية “شراكة استراتيجية شاملة” بين الجانبين لمدة 25 عامًا، ستسمح للصين بالاستثمار داخل إيران بقيمة تصل إلى حوالي 400 مليار دولار، منها 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار في قطاع النقل والبنية التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وقد نُظر إلى هذا الاتفاق باعتباره يمثل شريان حياة للنظام الإيراني في مواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها.
فيما تعد بكين أكبر شريك تجاري لطهران، ويقدر بأن نحو 15% من واردات الصين من النفط تأتي من إيران مما يجعلها ثاني أكبر مزود نفطي لبكين بعد السعودية منذ عام 2024، وهو ما يقابله شراء بكين لما يقدر بنحو 90% من صادرات إيران النفطية بقيمة بلغت 1.7 مليون برميل يوميًا في مايو 2025. وبالنسبة للصين، يعد النفط الإيراني رخيصًا، ويباع بخصومات كبيرة مقارنة بالأسعار العالمية (تبلغ الخصومات 30%)؛ نظرًا لقلة المشترين بسبب العقوبات، ومن ثم يعد خيارًا مناسبًا في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد الصيني.
من ناحية أخرى، تعد إيران ركيزة أساسية بمبادرة “الحزام والطريق”، إذ يشكل موقع إيران الجغرافي جسرًا يربط آسيا الوسطى بالشرق الأوسط. حيث توفر إيران ممرات برية بديلة عن الممرات البحرية المحفوفة بالمخاطر الجيوسياسية والأمنية، مثل مضيقي هرمز وباب المندب، وتعزز أمن إمدادات الطاقة الصينية عبر آسيا الوسطى. ويعكس هذا الاهتمام الصيني بالبنية التحتية الإيرانية رؤية بكين الاستراتيجية لتعزيز أمن ومرونة طرقها التجارية والنفطية، مما يمنح إيران أهمية جيواقتصادية خاصة في سياق المبادرة الصينية العالمية، ويجعل استقرارها حيويًا بالنسبة لبكين.
يذكر أن الضربات الإسرائيلية أدت إلى تهديد مباشر لبعض المشاريع الصينية الحيوية في إيران، مثل خط السكك الحديدية من طهران إلى بندر عباس. كما تتخوف الصين من أي أطروحات بإسقاط النظام أو إضعاف مؤسساته الأمنية والعسكرية؛ لأن ذلك سيعزز من نشاط الحركات المسلحة ذات الطابع الانفصالي خاصة في ظل الطبيعة العرقية والمذهبية المتداخلة بين إيران ودول جوارها في آسيا الوسطى، وتتخوف الصين من دعم أنشطة الجماعات الانفصالية البلوشية التي تهدد “ميناء جوادر” الباكستاني الذي يعد مفصلًا رئيسيًا في مشروع “الحزام والطريق”.
وعلي ضوء هذين العاملين، تدرك موسكو وبكين أن احتمال انهيار النظام الإيراني علي خلفية الحرب مع إسرائيل أو استبداله بنظام موال للغرب سيكون كارثيًا على مصالحهما السياسية، وسيخلق فراغًا أمنيًا هائلًا واضطرابات واسعة قد تهدد تدفقات الطاقة الحيوية. وهو ما جعل الكثيرون يرجحون بأن روسيا والصين ستقدم دعمًا عسكريًا – ليس المقصود انخراط عسكري مباشر – لإيران في حربها ضد إسرائيل.
ولكن، لم تقدم روسيا والصين أي دعم عسكري لإيران، واكتفت بإدانات لفظية للعدوان الإسرائيلي، وبدا أن الدولتين حريصتان علي الوقوف علي مسافة واحدة بين طهران وتل أبيب، ويمكن إرجاع ذلك إلي عدة عوامل، أهمها:
1- غياب الروابط الأيديولوجية: على الرغم من التلاقي في المواقف السياسية المعارضة للغرب، فإنه لا توجد روابط أيديولوجية متينة تجمع بين روسيا والصين وإيران. حيث تبدي الصين حذرًا واضحًا من نزعة “تصدير الثورة الإسلامية” الإيرانية خشية تأثيراتها المحتملة على مسلمي الإيغور في إقليم شنغيانغ.
أما روسيا، فترى في إيران شريكًا مصلحيًا بحتًا، وهو ما ظهر في ملف سوريا، حيث رافق دعم الدولتين نظام بشار الأسد تنافس خفي على النفوذ الاقتصادي والعسكري منذ التدخل الروسي المباشر عام 2015. وفي الوقت الحالي، ترى روسيا في إيران منافسًا محتملًا في سوق الطاقة العالمية، خصوصًا بعد تزايد صادرات موسكو النفطية إلى آسيا لتعويض خسائرها في السوق الأوروبية بعد العقوبات الغربية بين عامي 2022 و2023. وفي مفارقة مثيرة، يمكن أن تستفيد روسيا اقتصاديًا من الضربات الإسرائيلية على إيران. فقد أدت هذه الضربات إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، مما يزيد من عائدات موسكو التي تعتمد بشدة على صادرات الطاقة في تمويل حربها في أوكرانيا. ومع استمرار تدفق الطلب على الغاز والنفط الروسي في السوق الآسيوية، لم يكن لدى موسكو حافز لتقويض هذا المكسب عبر الدخول في صراع مباشر.
ناهيك عن أن الحرب الإسرائيلية – الإيرانية قد مثلت فرصة ذهبية لروسيا فيما يخص حربها المستمرة مع أوكرانيا، فانشغال القادة الأوروبيين والأمريكيين مع إيران، ما دام لم يصل إلى حد تهديد النظام فعليًا، يقدم لروسيا خدمة مجانية بإبعاد أعينهم ولو قليلًا عن الساحة الأوكرانية ذات الأولوية لموسكو، وبالفعل فقد انتهزت روسيا الموقف، وسددت هجومًا هو الأشرس منذ شهور على كييف، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 14 شخصًا وإصابة العشرات. هذا الاهتمام الشديد بأوكرانيا دفع الروس إلى تقليص الدعم لحلفائهم الأبعد، وهو ما حدث على سبيل المثال مع أرمينيا، التي تربطها معاهدة دفاع مشترك مع روسيا، ولم تتلق أي مساعدة من موسكو حين هوجمت قواتها في إقليم ناغورني قره باغ على يد قوات أذربيجان عام 2023. وقد سرعت هذه الحرب تحول أرمينيا الجذري من التحالف مع موسكو إلى الشراكة مع الولايات المتحدة. وبالمثل، عندما أُطيح بالأسد في سوريا العام الماضي، اكتفى بوتين بعرض اللجوء على الرئيس المخلوع وعائلته، ولم تتدخل روسيا للدعم بقوة رغم وجود قواتها بالفعل على الأراضي الروسية، ما يشير إلى أن روسيا باتت أقل رغبة في استثمار المزيد من الموارد في صراعات بعيدة عن محيطها الجغرافي.
على جانب آخر، رغم أن إيران قد زودت روسيا في الأشهر الأولى من حربها مع أوكرانيا بالآلاف من الطائرات المقاتلة بدون طيار، التي ساعدت موسكو في ضرب أهداف مهمة في مدن أوكرانية مختلفة، فضلًا عن مساعدتها من خلال إرسال مدربين وخبراء إيرانيين لأعماق جبال الأورال بهدف إنشاء مؤسسة روسية تنتج الطائرات بدون طيار اعتمادًا على الخبرة والتصميمات الإيرانية، فإن روسيا الآن لم تعد تعتمد على إيران بهذا الشكل في إنتاج الطائرات المسيرة، إذ بات لديها الخبرة الكافية لإنتاجها بنفسها محليًا وبكميات كبيرة، وهي تستورد الآن مكونات تلك الطائرات من أماكن أخرى غير طهران، وهذا ما يجعل احتياج موسكو إلى طهران أقل في الوقت الحالي.
مسألة أخرى لا تقل أهمية هي أن روسيا لم تتحمس أبدًا لفكرة امتلاك إيران لسلاح نووي أو تجاوزها للعتبة النووية. فإيران دولة طموحة لديها مشروعها الخاص ورؤيتها المستقلة وليست مجرد دولة تابعة تدور في فلك الكرملين، ومن ثم فإن امتلاكها لأسلحة تضعها في مصاف الكبار عالميًا يعني أنها ستصبح منافسة لروسيا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضًا في آسيا الوسطى.
وأخيرًا وليس آخرًا، لربما يدرك الرئيس بوتين أن أي مساعدة يقدمها لإيران دون مستوى التدخل الكامل، كما حدث في سوريا، لن تكون كافية لتغيير مسار الحرب، وربما تظهر موسكو بمظهر الضعف بدلًا من أن تعزز صورتها، خاصة في ظل تعرض طهران “ومحورها” لانتكاسات كبيرة مؤخرًا، ما يعني أن موسكو تخشى الرهان على “فرس خاسر” مجددًا كما فعلت في سوريا. وبالنسبة لبوتين، فإن تكاليف التخلي عن حليف أقل من الضريبة المتوقعة لمغامرة عسكرية جديدة دون أي ضمانات لتحقيق النصر.
وبالنسبة للصين، فإنها أكبر المستفيدين من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وإيران بزيادة وارداتها من الطاقة بأسعار منخفضة، ما قد يجعلها أقل رغبة في إزالة هذه العقوبات.
هذا الغياب للروابط الأيديولوجية العميقة يجعل التضامن بين هذه الأطراف محدودًا وضعيفًا، ويعكس طبيعة التحالف القائمة على المصالح الآنية والمتقلبة بدلًا من القيم المشتركة الراسخة.
2- علاقات الدولتين مع الغرب وإسرائيل ودول الخليج: يعد متغير طبيعة العلاقات مع الغرب وتوازن العلاقات مع إسرائيل محددًا رئيسيًا للعلاقات الصينية والروسية مع إيران، فالدولتان ربما تقيمان حجم المصالح مع الغرب الحليف لإسرائيل أكثر بكثير من حجم المصالح مع إيران المعزولة، بفعل سياساتها التوسعية والنووية والباليستية؛ حيث تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والصين 25 مليار دولار سنويًا. وتعد إسرائيل من المزودين الرئيسيين للصين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الرقائق الإلكترونية، والأمن السيبراني، والتكنولوجيا الطبية. وتخشى بكين من أن تقديم الدعم لإيران قد يؤثر على العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، منذ توقيع الرئيس دونالد ترامب رسوم جمركية على الصين، ورد الصين بالمثل.
كما أن الاضطراب المحتمل في مياه الخليج حال تصعيد الصراع قد يمثل ضربة كبرى للاقتصاد الصيني الذي يعتمد على نحو 4.9 مليون برميل يوميًا من نفط السعودية والعراق وعمان والإمارات والكويت وقطر.
ناهيك عن أن الصين في صراعها مع الغرب تؤمن بأنها تحتاج إلى أن تأتي قيادتها للعالم طواعيةً لا عن طريق الإكراه وفرض القوة، أو التدخل المباشر في الصراعات الإقليمية والدولية المعقدة؛ ومن ثم لا تفضل التدخل القهري في الصراعات والأزمات الدولية. كما تقسم الصين العالم إلى نطاقات جغرافية، أكثرها أهمية بالنسبة لها جنوب شرق آسيا. والتي ترى أنها منطقة اهتمامها ونفوذها المباشر، والتي عليها أن تضمن هيمنتها عليها أولًا، ثم بعدها تنطلق إلى غيرها من المناطق والأقاليم الفرعية. كما أنها تعرف أن الولايات المتحدة أكبر متحد لهيمنتها فيها؛ وبالتالي فإن أي انشغال لهذه القوة عن المنطقة؛ وهو بمثابة مؤشر إيجابي للصين؛ فرؤية الصين أن الولايات المتحدة كلما تشتت تركيزها عن الصين، تمكنت الأخيرة من تحقيق أهدافها بطريقة أفضل.
وبالنسبة لروسيا، فإنها حريصة حاليًا على علاقاتها المتحسنة نسبيًا مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، ولا تريد أن تشعل أي صراع مع ترامب من خلال مساندة إيران بأكثر مما ينبغي. وتخشى موسكو من تغيير الغرب لحالة التوازن العسكري المدروس في أوكرانيا، حال تقديم الدعم العسكري لإيران، ورد الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتقديم الأسلحة الاستراتيجية المتطورة لكييف على نحو يغير قواعد اللعبة في الحرب الروسية-الأوكرانية، ورفع التكلفة على روسيا، التي باتت منهكة اقتصاديًا بفعل مدة الحرب.
ورغم خطابها الحاد تجاه الغرب، تحرص روسيا على عدم تجاوز “الخطوط الحمراء” مع إسرائيل، إذ توجد مصالح متشابكة تجعل الكرملين حريصًا على عدم استعداء تل أبيب. فموسكو التي حافظت على علاقة مرنة مع دولة الاحتلال منذ تسعينيات القرن العشرين، تنظر إلى إسرائيل باعتبارها بوابة مهمة إلى المصالح الغربية، وفاعلًا حيويًا في النظام الإقليمي لا يمكن تجاهله. وقد أدى حرص روسيا على عدم التصعيد مع إسرائيل في عام 2010، إلى تجميد صفقة بيع منظومة S-300 إلى إيران لعدة سنوات رغم توقيع العقد، ما ترك انطباعًا عميقًا لدى الإيرانيين بأن روسيا شريك انتهازي أكثر منها حليفًا موثوقًا.
وفي سوريا قبل سقوط نظام بشار الأسد، سمحت موسكو بانتظام للطائرات الإسرائيلية باختراق الأجواء السورية واستهداف مواقع الحرس الثوري والميليشيات الموالية لطهران، دون تدخل من منظوماتها الدفاعية المنتشرة في البلاد. بل حدث هذا عبر آلية تنسيق عسكري مباشر عُرفت باسم “لجنة الاتصال الروسية الإسرائيلية”، والتي ضمنت أن تبقى الغارات الإسرائيلية بعيدة عن المصالح الروسية.
وفي المقابل، امتنعت إسرائيل عن تزويد أوكرانيا بأي سلاح نوعي، بما في ذلك منظومة القبة الحديدية، رغم الضغوط التي مارستها كييف منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، مراعاة لحساسية روسيا في هذا الملف. وفي سياق متصل، وخلال الحرب بين إيران وإسرائيل، فقد أكد الكرملين أنه تم التوصل إلى تفاهم مع إسرائيل بشأن ضمان أمن الخبراء الروس العاملين في المنشآت النووية الإيرانية، وتحديدًا في محطة بوشهر (والمقدر بنحو 600 فني روسي).
علاوة على ذلك، فإن العلاقات الروسية – الإسرائيلية لها خصوصية نتيجة تواجد الجالية اليهودية الروسية الكبيرة. وفي هذا السياق، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن سبب امتناع بلاده عن تقديم الدعم العسكري المباشر لإيران في مواجهتها الحالية ضد الاحتلال الإسرائيلي هو “علاقتها الوثيقة مع إسرائيل، والتي تعيش فيها ما يقارب المليوني ناطق بالروسية”، على حد قوله. وتابع قائلًا: “تكاد إسرائيل تكون دولة ناطقة بالروسية”.
كما تسعي موسكو إلي الحفاظ على علاقاتها مع الدول الخليجية، التي لا تزال ترى في النظام الإيراني تهديدًا لها رغم تحسن العلاقات الخليجية الإيرانية مؤخرًا. وتستهدف روسيا التنسيق الدائم مع السعودية داخل منظمة “أوبك” فيما يخص أسعار النفط، وكلها أسباب تجعل روسيا مراعية دائمًا لفكرة ألا تقدم دعمًا لإيران يثير حفيظة الأطراف المختلفة في الشرق الأوسط.
ختامًا؛ رغم محدودية الدعم الروسي والصيني لإيران في حربها مع إسرائيل، إلا أن طهران لا يبدو أنها بصدد مراجعة جذرية لعلاقتها مع موسكو وبكين. فهي تدرك أن البدائل محدودة، وأن روسيا والصين يبقيان شريكان مهمان في مواجهة الضغوط الغربية. وفي هذا السياق، يمكن قراءة زيارة وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” إلى موسكو، والتي كانت أقرب إلى استعراض سياسي هدفه كسر العزلة، أكثر من كونه محاولة لتغيير قواعد التوازن الإقليمي. وكذلك، زيارة وزير الدفاع الإيراني، عزيز ناصر زادة، إلى الصين؛ حيث اجتمع بنظيره الصيني، دونغ جونغ، بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وهي الزيارة التي جاءت بهدف التحرك بسرعة لتعويض الخسائر الكبيرة على مستوى الدفاع الجوي، إلى جانب البحث عن بدائل حديثة لسلاح الجو المتقادم، وتعويض الفجوات في القدرات الدفاعية والهجومية الإيرانية مع إسرائيل. ولكن تظل العقبة الرئيسية التي تواجه إعادة بناء القدرات العسكرية الإيرانية متمثلة في الاستراتيجية الإسرائيلية المستقبلية للتعامل مع هذه القدرات، مع طرح تساؤل جوهري حول احتمال تنفيذ ضربات استباقية محكمة تهدف إلى إحباط أي محاولات لإعادة الإعمار العسكري، على غرار ما يحدث حاليًا مع حزب الله. وتتزايد هذه المخاوف في ظل الأجواء الإيرانية المفتوحة أمام أي مجهود جوي إسرائيلي، دون وجود ردع أو منظومة دفاع فاعلة تعوق تنفيذ مثل هذه العمليات. كما قد يتم التوصل إلى تفاهمات غير معلنة مع الجانب الصيني تقضي بتمرير أنظمة تسليح منخفضة الأداء أو مخففة القدرات، بما يضمن عدم الإخلال بالتفوق النوعي الإسرائيلي في المنطقة ويخفف حدة التوترات مع الغرب، لا سيما في ظل التدقيق الدولي المتزايد على أي دعم خارجي للقدرات العسكرية الإيرانية. جدير بالذكر هنا، أن السفارة الصينية لدى تل أبيب قد نفت صحة التقارير الإخبارية التي تتحدث عن تسليم بكين منظومة دفاع جوي لإيران عقب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل. وفي ظل هكذا وضع، قد تسعي طهران إلى البحث عن تحالفات إقليمية جديدة، أو حتى إلى العودة لقنوات تفاوضية مع الغرب لتخفيف الضغط المتزايد.