يعيش الملف السوري – الإسرائيلي حالة من الزخم الإعلامي والسياسي غير المسبوق منذ عقود. فمع انهيار النظام السوري في ديسمبر 2024، وانكشاف الجنوب السوري أمام متغيرات ميدانية غير مألوفة، طفت على السطح تسريبات عن لقاءات غير معلنة بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، وسط وساطات عربية وإقليمية، وتصريحات أمريكية تفيد بإمكانية “تفاهمات قريبة”. فهل نحن أمام تحول استراتيجي في العلاقة بين دمشق وتل أبيب؟ أم أن السلام الموعود لا يزال بعيدًا، رغم حرارة التصريحات؟.
أولًا: مؤشرات التطبيع بين إسرائيل وسوريا:
كثر مؤخرًا الحديث عن لقاءات ذات طابع أمني بين سوريا و”إسرائيل”، بعضها لقاءات مباشرة شارك فيها مسؤولون رفيعو المستوى من الجانبين، إضافة لأحاديث وتصريحات أمريكية و”إسرائيلية” عن احتمال التوصل لاتفاق أمني بينهما يمهد لاحقًا لتطبيع العلاقات، في ظل حالة من شبه الصمت الرسمي السوري.
كانت الإشارة الأولى على إمكانية تطبيع العلاقات بين سوريا و”إسرائيل” وردت لأول مرة في لقاء الرئيس السوري للفترة الانتقالية أحمد الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض، في 14 مايو 2025، حين حث الأخير نظيره السوري على التطبيع في سياق وعده برفع العقوبات عن سوريا.
وفي مؤتمره الصحافي مع نظيره الفرنسي، أقر الشرع بوجود مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل”، مؤكدًا على أن هدفها هو “تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة”، في إشارة للاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة، بما في ذلك نقض اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 وتوسيع الاحتلال وتدمير مقدرات الدولة السورية من سلاح ومنشآت ومعاهد بحثية، إضافة لحديث التقسيم ودعم الأقليات.
وزعمت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، نقلًا عن مصادر سورية، لم تسمها، أن الرئيس السوري أحمد الشرع التقى برئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي خلال زيارته إلى أبوظبي. وتابعت الصحيفة أن هذه المصادر أفادت بأن سوريا تجري محادثات “هادئة” مع إسرائيل، لا تهدف إلى السلام، بل إلى اتفاقية أمنية محدودة. على جانب آخر، نفت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” في خبر مقتضب، نقلًا عن مصدر في وزارة الإعلام لم تسمه، صحة الأنباء المتداولة عن اجتماع الشرع مع مسؤولين إسرائيليين.
ونقل موقع i24NEWS الإسرائيلي عمن وصفه بالمصدر السوري المطلع أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع حضر اجتماعًا مباشرًا واحدًا على الأقل، مع مسؤولين إسرائيليين في العاصمة الأذربيجانية باكو، في تطور يتعارض مع رواية رسمية نُشرت في وسائل إعلام سورية أكدت عدم مشاركته في أي محادثات مع الجانب الإسرائيلي. وأوضح المصدر، الذي وُصف بالمقرب من الرئيس الشرع، أن اللقاء كان جزءًا من سلسلة من اجتماعين أو ثلاثة عُقدت بين الطرفين، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى جانب أحمد الدالاتي، منسق الحكومة السورية للاجتماعات الأمنية مع إسرائيل.
ويضم الوفد الإسرائيلي مبعوثًا خاصًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب مسؤولين أمنيين وعسكريين رفيعي المستوى. ووفق المصدر ذاته، تهدف الاجتماعات إلى بحث اتفاقية أمنية محتملة بين سوريا وإسرائيل، تتناول ملفات الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، أسلحة “حزب الله”، الفصائل الفلسطينية، المخيمات في لبنان، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين من غزة، بالإضافة إلى إمكانية فتح مكتب تنسيق إسرائيلي في دمشق دون طابع دبلوماسي.
في السياق نفسه، أفادت قناة “كان” الإسرائيلية بأن اجتماعًا مباشرًا عُقد بالفعل بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في باكو، ناقش خلاله الطرفان المطلب السوري بانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب سوريا، وسلسلة من التنسيقات بين الجانبين. وذكرت القناة أن لقاءً مرتقبًا سيجمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الإسرائيلي جدعون ساعر، في 14 يوليو 2025، في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، دون تأكيد بشأن اجتماع ثنائي منفصل.
واستندت صحيفة “يسرائيل هيوم” في تقريرها إلى ما نقلته قناة “إل بي سي آي” الإخبارية اللبنانية عن شروط سوريا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ويفيد التقرير بأن هذه الشروط تتضمن اعترافًا إسرائيليًا رسميًا بحكومة الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، وانسحابًا كاملًا من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في ديسمبر 2024. كما تتضمن الشروط وقفًا شاملًا للغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا وترتيبات أمنية جنوبي البلاد، إلى جانب ضمانات ودعم أمريكي للحكومة السورية. وفي المقابل، حسب الصحيفة، قد توافق سوريا على الاعتراف الدائم بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل.
في التصريحات الرسمية وتعقيبًا على أخبار المحادثات بين الجانبين، قال وزير خارجية “إسرائيل” جدعون ساعر نهاية يونيو 2025 إن “لبلاده مصلحة في ضم دول جديدة، كسوريا ولبنان، لدائرة السلام والتطبيع”، مشددًا على أن الجولان “ستبقى جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل”. في المقابل، كانت صحيفة “الوطن” السورية قد نقلت عن مصادر رسمية نفيها القاطع لمشاركة الرئيس الشرع في أي لقاء مع وفود إسرائيلية، مؤكدة أن ما يجري في أذربيجان يندرج ضمن “استراتيجية تهدئة، لا تطبيع”، وأن الحديث عن اتفاق سلام “سابق لأوانه”. في المقابل، أفاد مصدر دبلوماسي مطلع في دمشق بأن اللقاءات تدور حول “الوجود العسكري الإسرائيلي المستحدث في جنوب سوريا”، في إشارة إلى توغل الجيش الإسرائيلي بعد سقوط نظام بشار الأسد قبل أكثر من سبعة أشهر. وفي الرابع من يوليو 2025، وفيما بدا ردًا على التصريحات “الإسرائيلية”، أكدت الخارجية السورية في بيان لها استعداد دمشق “للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974″، وهو البيان الذي صدر إثر اتصال هاتفي بين وزيري خارجية البلدين ناقشا فيه “الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب السوري”. فيما كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب منه رفع العقوبات عن سوريا.
وفيما يتعلق بالخطوات العملية، قامت دمشق بإغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية المدعومة من إيران على الأراضي السورية، والقبض على عناصر من منظمات مسلحة شيعية وسنية مثل حركة الجهاد الإسلامي، ومصادرة شحنات أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله. وعليه، اعتبرت هذه الخطوة رسالة طمأنة من دمشق إلى إسرائيل مفادها أن الأراضي السورية لن تكون مكانًا لنشاط تنظيمات معادية لإسرائيل.
أما من الجانب الإسرائيلي فتمثلت الخطوات العملية في تراجع عمليات القصف الإسرائيلي في سورية؛ فمنذ اللقاء الثاني الذي جمع نتنياهو وترامب في البيت الأبيض في 8 أبريل 2025، تراجع القصف الإسرائيلي على سورية بشكل كبير، وفي بعض الفترات سادت حالة من الهدوء في العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية. وأيضًا تجاوز أزمة الدروز في سورية؛ فبعد اندلاع الأزمة في بلدتي صحنايا وجرمانا بريف دمشق، لم تتخذ إسرائيل إجراءات شديدة في هذا الشأن كما وعدت مع صعود السلطة الجديدة، فقد هددت بعمليات عسكرية في المناطق الدرزية للدفاع عنهم، بل اكتفت بعمليات غلب عليها الطابع الرمزي، مثل قصف مجموعة مسلحة كانت متوجهة إلى منطقة درزية، والتحليق فوق القصر الرئاسي وقصف هدف قربه. والتغير الأهم تمثل في دعوة إسرائيل لأول مرة النظام السوري إلى أخذ مسؤولياته للحفاظ على الدروز، وهو توجه جديد يدل على تطبيع إسرائيل مع السلطة الجديدة في سورية.
ثانيًا: محفزات التطبيع بين إسرائيل وسوريا:
تؤدي مصالح الطرفين، السوري والإسرائيلي، دورًا في انطلاق المباحثات بينهما، ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المصالح المهمة لكل منهما من نجاح هذه المباحثات:
1- المصالح السورية
- تعزيز شرعية النظام السوري الدولية، يدرك النظام السوري أن شرعيته الدولية، ولا سيما نيل الاعتراف الأمريكي، تتطلب منه فتح مسار محادثات مع إسرائيل، على الأقل لتسوية الجوانب الأمنية بين البلدين. ولتشجيع سوريا على المضي في هذا التحول، اتخذت الإدارة الأمريكية خطوات غير مسبوقة تمثلت في رفع كامل للعقوبات المفروضة على سوريا الجديدة، تسهيل الاعتراف الدولي بالإدارة السورية الجديدة.
- تجنب المواجهة مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه التوصل معها إلى تفاهمات أمنية تؤدي إلى وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في سورية، والتي تهدد مكانة وهيبة النظام الداخلية، وتضعه أمام ضغوط داخلية للرد على الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية، وهي مرحلة لا يريد النظام السوري الدخول فيها لأنها قد تهدد وجوده، لذلك فإن التفاهمات الأمنية مع إسرائيل – التي تضمن فيها السلطة السياسية في سورية الأمن الإسرائيلي على الحدود – تخدم شرعية النظام الداخلية وتساهم في استقراره الداخلي من خلال وقف التدخل الإسرائيلي في تغذية الانقسامات الداخلية، وتساعد في التفرغ لقضايا التنمية الاقتصادية والحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية.
- تسريع إعادة الإعمار، إذ تدخل التفاهمات مع إسرائيل ضمن سياسات النظام السوري نحو تسريع رفع القيود الاقتصادية عن سورية. وبالرغم من أن الموقف الإسرائيلي لم يكن حاسمًا في قرار كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية، إلا أن التفاهم الأمني مع إسرائيل يشجع – بلا شك – الاستثمار الاقتصادي في سورية لما يحمله من حالة من الهدوء الأمني والاستقرار الداخلي.
2- المصالح الإسرائيلية
- ضمان الأمن على الحدود الإسرائيلية، لا سيما أن إسرائيل لا تزال تعيش صدمة السابع من أكتوبر، وإمكانية تكرار ذلك على الحدود السورية، فالتوصل إلى تفاهمات أمنية مع السلطات الجديدة في دمشق من قبيل تأسيس منطقة منزوعة السلاح في جنوب غربي سوريا يحقق المصالح الأمنية لإسرائيل.
- الضغط على النظام السوري لتفكيك سلاح المنظمات الفلسطينية في سورية ومنع أي نشاط للفصائل الفلسطينية في سورية، وذلك بعد أن قضى النظام الجديد على وجود المليشيات الإيرانية في سورية، فالمباحثات تدفع النظام السوري إلى منع النشاط الفلسطيني أو أن تكون سورية ساحة لنشاط فلسطيني، سواء سياسي أو عسكري، وبالذات أن سورية كانت موقعًا لبعض الفصائل الفلسطينية المسلحة، لا سيما الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وحركة حماس قبل الثورة السورية.
- ضمان المصالح الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل سورية، لا سيما فيما يخص النفوذ التركي في سورية وتعميق دمشق علاقاتها الأمنية والعسكرية بتركيا، إذ تأتي المباحثات في محاولة لطمأنة النظام السوري من الأهداف الإسرائيلية في سورية، لإبعاده قدر المستطاع عن المحور التركي ومحاولة تقريبه للمحور العربي، كما تأتي لضمان عدم عودة نفوذ المحور الإيراني إلى سورية. وفي الوقت نفسه، بات واضحًا لإسرائيل أن العالم يعترف بشكل تدريجي بالنظام السوري ويتعامل معه، وعزوف إسرائيل عن ذلك قد يؤدي إلى عزلتها الدولية وعدم تأثيرها في التحولات في سورية، لا بل قد يظهرها كعامل عدم استقرار في سورية، وهو الأمر الذي يحاول المجتمع الدولي تجنبه.
ثالثًا: معوقات التطبيع بين إسرائيل وسوريا:
تواجه المباحثات بين سورية وإسرائيل وإمكانية التوصل إلى تفاهمات مشتركة، جملة من التحديات، أبرزها ما يأتي:
1- مستقبل الجولان المحتل، حيث تشدد إسرائيل علي ضرورة تثبيت سيادتها على الجولان وجعله أمر واقع، خاصة بعد أن اعترف ترامب في ولايته الأولى بضم إسرائيل لها، في المقابل لا يمكن لحكومة الشرع أن تتنازل عن الجولان (وهو الذي جعل من الجولان اسمًا له “أبو محمد الجولاني”).
2- في حين أن إدارة الشرع تسعي إلي الوصول إلي تفاهمات مع إسرائيل تمنعها من العمل أو ضرب أهداف داخل الأراضي السورية، فإن إسرائيل تصر على الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التهديدات الأمنية، لا سيما في السيناريوهات التي تنسحب فيها إسرائيل من المناطق العازلة كما طالبت إدارة دمشق.
3- يتحدث الجانب السوري عن ضرورة انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بعد ديسمبر 2024، وعودة الوضع إلى ما كان عليه وفق اتفاق 1974. ويعتبر السوريون هذه الخطوة مدخلًا ضروريًا لبناء الثقة، وإثبات جدية الجانب الإسرائيلي في التفاوض. من جهتها، ترى إسرائيل أن الظروف الحالية لا تسمح بانسحاب آمن، لأسباب متعددة:
- تفكك الجيش السوري، وعدم وجود كيان عسكري منظم قادر على ملء الفراغ الأمني.
- استمرار نشاط مجموعات مسلحة فلسطينية في الجنوب.
- وجود قواعد وميليشيات مرتبطة بإيران، قد تستغل الانسحاب لإعادة تموضعها قرب الحدود.
وفي هذا السياق، تقبل إسرائيل بفكرة التعاون الأمني المرحلي مع الإدارة السورية الجديدة، لكنها ترفض الانسحاب في المدى المنظور، وتربط أي تحرك بانخراط تدريجي طويل الأمد، يضمن أمنها ويضع حدًا لأي تهديد محتمل.
4- ما يزيد المشهد تعقيدًا هو رفض إسرائيل القاطع لإنشاء أي قواعد عسكرية تركية في وسط سوريا، ومطالبتها بفرض ضوابط واضحة ومحددة للتواجد العسكري التركي في سوريا الجديدة، كجزء من أي تفاهم مستقبلي. بينما تنظر الحكومة السورية إلي التواجد التركي باعتباره عامل موازن ضد إسرائيل وإيران، خاصة في ظل ضعف الجيش السوري.
5- ظهور معارضة سورية داخلية للتفاهم مع إسرائيل أو حتى التوصل إلى اتفاق معها، وبخاصة أن نظام الشرع يضم تيارات دينية ترى في إسرائيل عدوًا لا يجوز التصالح معه. وفي الوقت نفسه، قد تستغل القوى المعارضة للنظام السوري الجديد من المحور الإيراني هذه المباحثات في محاولة لنزع شرعية النظام وإظهار “تواطئه” مع إسرائيل، وذلك لتأليب الداخل السوري على حكومة الشرع.
6- قضية الأقليات في سورية، فلا تزال إسرائيل ترى في مسألة الأقليات في سورية، وبالذات الدروز والأكراد، عاملًا لإبقاء التأثير الإسرائيلي في سورية، وورقة تستغلها للضغط على النظام السوري والتدخل في الشأن السوري، وليس من السهولة أن تتنازل إسرائيل عن هذه الورقة في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ سورية. ويسود اعتقاد بأن إسرائيل قد ترى في سوريا المقسمة مصلحة أكبر من سوريا الموحدة التي تبرم معها اتفاق سلام. ومؤخرًا، شن الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات على سوريا ضد قوات الجيش والداخلية السورية؛ بدعوي حماية الدروز، وذلك عقب تجدد الاشتباكات العنيفة في السويداء جنوب البلاد بين مجموعات درزية وأخرى بدوية شهدتها أحياء المدينة قبل أيام، وخلفت قتلى وجرحى، وعلى إثرها دخلت قوات تابعة للجيش ووزارة الداخلية السورية سعيًا لضبط الأمن في المدينة.
ختامًا؛ يبدو أن الأهداف المعلنة للطرفين، سوريا و”إسرائيل”، من المحادثات مختلفة نوعًا ما، حيث تريد الأولى وقف الاعتداءات بينما ترغب الثانية في استثمارها لإبرام اتفاق سلام وتطبيع، ما يجعل زخم الأخبار والتصريحات “الإسرائيلية” جزءًا من خطة ضغط على دمشق. بيد أنه من المهم الإشارة إلى أن بعض التصريحات السورية، رسمية كانت أم على لسان “مقربين”، لا تستبعد تمامًا فكرة التطبيع وإبرام اتفاق، بل تضعها كخطوة محتملة مستقبلًا وفق ظروف وشروط معينة وبعد “مسار تفاوضي متدرج”، وضمن تسوية إقليمية شاملة. وتبدو القيادة السورية أمام ثلاثة خيارات مستقبلية في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي:
1. الحفاظ على ثوابت الموقف السوري في رفض التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني مع الجانب الإسرائيلي، والتعامل الحذر مع أي استحقاقات أمنية اضطرارية للجم السلوك الإسرائيلي المندفع عسكريًا داخل الأراضي السورية.
2. الانفتاح والتقارب الجزئي المتدرج على الجانب الإسرائيلي، وتسويق ذلك بالضرورات السياسية والاقتصادية والأمنية.
3. الاندفاع في عملية تطبيع ثنائي أو جماعي تقودها أطراف عربية منخرطة في مسار التطبيع و”الاتفاقيات الإبراهيمية”.