جمد وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، في 30 أكتوبر 2025، صفقة تصدير الغاز إلى مصر، التي أُبرمت قبل ثلاثة أشهر، معلنًا رفضه توقيع الرخصة التصديرية اللازمة لإتمام الاتفاق، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن بيان من مكتبه، أرجع خلاله رفض التوقيع إلى ضرورة ضمان شروط تجارية أفضل للسوق المحلية، وسط تخوفات من ارتفاع أسعار الكهرباء في إسرائيل. رفض كوهين التوقيع على الرخصة التصديرية، وإن كان لا يلغي الاتفاق نهائيًا، إلا أنه أثار استياء الجانب الأمريكي، في ظل تشغيل شركة “شيفرون” الأمريكية كبرى حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلية، ما تسبب في إلغاء زيارة وزير الطاقة الأمريكي، كريس رايت، لإسرائيل. شركة “نيوميد” الإسرائيلية، المساهمة في حقل “ليفياثان”، اعتبرت أن بيان كوهين لا يعني أي تغيير في الصفقة، معربة عن ثقتها في الحصول على جميع الموافقات اللازمة لإتمام الصفقة البالغ قيمتها 35 مليار دولار، لتزويد مصر بـ 130 مليار متر مكعب إضافية حتى عام 2040، والتي سبق وأعلنت عنها في أغسطس 20251.
وفي أغسطس 2025، أُعلن عن اتفاقية من أضخم اتفاقيات الطاقة في تاريخ العلاقات بين مصر و”إسرائيل”، قُدرت قيمتها بنحو 35 مليار دولار، وتمتد حتى عام 2040. وتعتبر هذه الصفقة تعديل لاتفاق سابق تم توقيعه بين تل أبيب والقاهرة عام 2019، وكان يقضي ببيع الطرف الأول 60 مليار متر مكعب فقط للطرف الثاني حتى عام 2030. ويتمثل إجمالي ما سيضخه حقل “ليفياثان” الخاضع لسيطرة إسرائيل إلى مصر وفق الاتفاق الجديد نحو 130 مليار متر مكعب حتى عام 2040. يتضمن الاتفاق مرحلتين، تبدأ الأولى بإمدادات جزئية عام 2026، تقدر بنحو 20 مليار متر مكعب من الغاز تليها المرحلة الثانية بنحو 110 مليارات متر مكعب بعد استكمال توسعة خطوط الربط بين الحقل ومحطات الإسالة في مصر. ومن المقرر أن تستخدم القاهرة الإمدادات الإسرائيلية لتغطية جزء من الطلب المحلي، كما تعيد تصدير كميات على شكل غاز مسال2.
أولًا: دوافع إسرائيل لتجميد اتفاق الغاز مع مصر:
على الرغم من التوترات في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين مصر وإسرائيل منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، فإن تلك التوترات، حتى وقت قريب، لم تنعكس على التعاون المتبادل في مجال الطاقة. فمنذ بداية الحرب تصاعدت عدة أزمات بين الطرفين حول التهجير، ومحور فيلادلفيا، ومعبر رفح، والدور المستقبلي للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وغيرها من القضايا التي كانت مصر الأكثر حساسية تجاهها بحكم موقعها السياسي والجغرافي فيما يتعلق بقطاع غزة.
ففي الأسابيع الخمسة الأولى من الحرب تقلص إمداد الغاز الإسرائيلي إلى مصر بأكثر من 50 في المئة، بسبب توقف ضخ الغاز من حقل “تمار”، الذي يقع على بعد حوالي 20 كم قبالة سواحل غزة، خشية تعرضه للقصف بصواريخ المقاومة. ولكن في المقابل، استمر الغاز الإسرائيلي الذي يصل إلى مصر عبر الأردن في التدفق كالمعتاد منذ بداية الحرب. فقد سعت كل من مصر وإسرائيل إلى إبقاء التبادل التجاري في مجال الطاقة بعيدًا عن التوترات الناتجة عن الحرب؛ لإدراكهما أن هذا الموضوع يمثل مصلحة استراتيجية للطرفين وله فوائد متبادلة. فقد أتاح فصل الغاز عن التطورات المرافقة للحرب والخلافات السياسية إمدادًا منتظمًا للطاقة لمصر، انعكس بطبيعة الحال على استقرارها السياسي، وعدم تعميق أزمتها الاقتصادية، وتكريس نفسها كمركز إقليمي لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى الأسواق الأوروبية، ومن ناحية إسرائيل فقد حافظت على سوق نهم لغازها ما وفر لها إيرادات مهمة، وعزز من دورها كمصدر إقليمي للطاقة3، خاصة وأنها لا تمتلك محطات إسالة لتصديره إلى أوروبا، وأن كلفة تأسيس تلك المحطات تتجاوز المليار دولار، ومن دون الاتفاق مع القاهرة لن تستطيع تل أبيب التصرف في إنتاج كميات الغاز المستخرجة من الحقول الواقعة شرق البحر المتوسط4.
ومن المهم الإشارة إلى أن إسرائيل كانت الطرف الأكثر استفادة من هذه الصفقة، إذ كانت ترى فيها أداة رئيسية لتعويض العجز المالي الذي خلفته الحرب وتكاليفها الباهظة على القطاع الاقتصادي الإسرائيلي، فتل أبيب كانت بحاجة لاتفاق بهذا الحجم لتقليل فجوة الخسائر المتراكمة لأكثر من عامين من الحرب. إضافة إلى ذلك، استطاع الكيان فرض معظم شروطه أثناء صياغة الاتفاق، وأبرزها إلغاء بند جوهري كان يمنح مصر حق خفض كميات الاستيراد في حال تراجع سعر خام برنت إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل، هذا التعديل يعني عمليًا أن القاهرة ستكون ملزمة بدفع قيمة الغاز وفق الأسعار الحالية، حتى إذا انخفضت الأسعار عالميًا أو تراجعت احتياجات السوق المحلي المصري. كما تضمن الاتفاق بند “Take or Pay” الذي يلزم شركة “بلو أوشن إنرجي” – ممثل الجانب المصري – بدفع قيمة الكميات المتعاقد عليها سواء تم استلامها فعليًا أم لا، وبموجب هذا الشرط النمطي في عقود الطاقة، تصبح مصر مرغمة على تحمل التزامات مالية ثابتة حتى لو تراجعت رغبتها أو حاجتها للاستيراد من “إسرائيل”5.
غير أن تصاعد الخلافات السياسية، خاصة تلك المرتبطة بالحرب على قطاع غزة، والاتهامات الإسرائيلية لمصر بانتهاك اتفاقية السلام والملحق الأمني المتعلق بسيناء، أخذ يلقي بظلاله على مجمل العلاقات بين الطرفين6. ففي أوائل سبتمبر 2025، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليماته بعدم استكمال تنفيذ اتفاق الغاز بين مصر وإسرائيل إلا بموافقته المباشرة. وقد علقت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، نقلًا عن مراقبين، أن تل أبيب تستخدم الطاقة كورقة ضغط سياسية وأمنية، عبر ربط التزام القاهرة باتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين عام 1979 باستمرار إمدادات الغاز الإسرائيلي. وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، كررت تل أبيب شكواها إلى واشنطن بخصوص توقف القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة عن مراقبة الانتشار العسكري المصري في سيناء، كذلك عبر مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم إزاء إدخال القاهرة قوات ومعدات بسيناء تتجاوز ما يسمح به اتفاق السلام الموقع قبل قرابة 50 عامًا7. ولا يتوقف الانتقاد الإسرائيلي علي زيادة عدد قوات الجيش المصري في سيناء باعتباره انتهاكًا مصريًا لاتفاقية السلام، وإنما يركزون أيضًا علي تعاظم قوة الجيش المصري بشكل عام. ومنهم سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون الذي هاجم تعاظم قوة الجيش المصري وادعى أنهم يستعدون لكل سيناريو، وذلك خلال مقابلة صحفية في يناير 20258.
وبالتالي، فإن إسرائيل تسعي إلي توظيف اتفاق الغاز كورقة ضغط استراتيجية علي مصر لدفعها إلى قدر أكبر من المرونة في ملف تهجير سكان غزة – وهو خط أحمر لدى القاهرة لما يمثله من تهديد مباشر للأمن القومي المصري – إضافة إلى التجاوب مع باقي المطالب الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل غزة قيام قوة الاستقرار الدولية – المقرر تشكيلها لفرض الأمن في غزة –، والمنتظر أن تشارك فيها مصر، بنزع سلاح حماس من قطاع غزة، وهو ما ترفضه القاهرة التي تصر علي اقتصار دور هذه القوة في مراقبة وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل.
كما يمكن تفسير الخطوة الإسرائيلية بتجميد اتفاق الغاز مع مصر باعتباره مساحة للمناورة مع العواصم الغربية، إذ تقدم رسالة ضمنية مفادها أن أي ضغط سياسي على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيؤذي أمن الطاقة الإقليمي، خاصة في ظل حاجة أوروبا لمنافذ غاز بديلة، بمعنى آخر أن الغاز هنا ليس سلعة، بل رافعة نفوذ سياسي، وسلاح تفاوض استراتيجي9.
ثانيًا: الرد المصري علي تجميد الاتفاق:
وصف رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وهي الجهة التابعة لرئاسة الجمهورية، ضياء رشوان خلال لقاء متلفز، في 3 سبتمبر 2025، الموقف الإسرائيلي بالاستفزازي الذي يحمل أهدافًا سياسية، وشدد على قدرة القاهرة على التعامل مع أي تداعيات اقتصادية أو سياسية محتملة جراء تجميد أو إلغاء اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي، موضحًا أن بلاده لا تعتمد على مصدر واحد للطاقة. وتابع “ثمة خطط بديلة لمواجهة أي تحديات ناجمة عن إلغاء الاتفاقية، والجانب الإسرائيلي سيكون الخاسر”10.
غير أن الموقف المصري الرسمي تجاه قرار إسرائيل بتعليق الصفقة لم يكن حادًا، ويبدو فيه نوع من البراغماتية، إذ تنظر مصر إليها كخيار عملي ما زال مجديًا على الرغم من المناخ الإقليمي المتوتر والتوتر في العلاقات بين الطرفين. ويتأكد هذا الفهم من خلال تصريحات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، المشار إليها آنفًا، ما يوحي بعدم نية مصر للانسحاب ما لم تضطر إلى ذلك في ظل التعنت الإسرائيلي. ينبع الموقف المصري من اعتبارين أساسيين، الأول اقتصادي، حيث تقدر تكلفة البدائل الأخرى للغاز بنحو 2.5 مليار دولار إضافية سنويًا، والثاني يتعلق بمسألة الاستقرار النسبي في الإمدادات. فبالمقارنة مع حدة التوتر الإقليمي المستمر والتوقف المؤقت في إمدادات الغاز خلال الحرب، اتسمت المعادلة بالاستقرار النسبي، ما يدعو مصر إلى النظر إلى تلك التوترات على أنها غير جوهرية، ويجد في استمرار الاتفاق خيارًا مقبولًا انطلاقًا من حسابات التكلفة والجدوى.
ومع ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي قد أثار القلق المصري من قضية الاعتماد على الغاز الإسرائيلي إلى درجة تحوله إلى ورقة ضغط عليها، وسط مخاوف من ميل إسرائيل لاستخدام هذه الورقة كأداة ضغط على مصر في قضايا مختلفة في المستقبل، خاصة في ظل التحذيرات من مخاطر ربط قطاع الطاقة المصري بإسرائيل على الأمن القومي11. ناهيك عن مدي تأثير هذا الأمر بشكل سلبي على صورة مصر، الذي لطالما قدمت نفسها لاعبًا محوريًا وصاحبة نفوذ في ملفات الإقليم، فإذا بها تظهر – بسبب استخدام تل أبيب هذا الملف للضغط – في موقع أقرب إلى المرتهن بشروط الطرف الأخر، وليس الطرف القادر على فرض إيقاعه وإرادته12.
وعليه، يشير اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 7 سبتمبر 2025 مع رئيس الوزراء ووزير البترول، الذي ركز على تعزيز الإنتاج المحلي وتكثيف أنشطة البحث والاستكشاف، إلى سعي مصري حثيث لتجهيز بدائل تضمن استمرار أمن الطاقة في حال تعطل التعاون مع إسرائيل مستقبلًا13.
ومع تصاعد التوترات، بدأت الحكومة خطوات أولية نحو تنويع مصادر الغاز، غير أن هذه الخطوات لا تعوض السنوات الطويلة من الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، وهو ما يعكس تباطؤ النظام المصري في اتخاذ قرارات جذرية لتعزيز أمن الطاقة الوطني. وفيما يلي بعض الخطوات التي بدأ النظام مؤخرًا في اتخاذها:
1- الاعتماد على الإنتاج المحلي: يسعى النظام المصري إلى تعظيم الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي عبر تطوير الحقول الحالية وحفر آبار جديدة في البحرين المتوسط والأحمر وخليج السويس والصحراء الغربية وشمال سيناء، وذلك من خلال اتفاقيات مع شركات دولية واستثمارات تجاوزت 121 مليون دولار. لكن بالرغم من هذه الخطوات، يظل الإنتاج المحلي غير كاف لتغطية الاستهلاك الحالي، خاصة في ذروة الصيف التي تصل فيها الحاجة إلى نحو 7 مليارات قدم مكعبة يوميًا، بينما الإنتاج المحلي لا يتجاوز 5.3–5.5 مليارات قدم مكعبة.
2- استيراد الغاز المسال: لجأ النظام المصري إلى استيراد الغاز الطبيعي المسال من الأسواق العالمية لتغطية العجز، وذلك عبر وحدات تخزين وتغويز عائمة. وذكرت وزارة البترول المصرية أن قدرات التغييز خلال ذروة الاستهلاك للعام 2025 وصلت إلى 2700 مليون قدم مكعب في اليوم، عبر 4 وحدات عائمة، وذلك بتواجد الوحدة “هوج جاليون” بالعين السخنة منذ العام 2024، وإضافة الوحدتين “إنيرجيوس إسكيمو” و”إنيرجيوس باور”، القادمة من ألمانيا، وربطهما برصيفى مينائى سوميد وسونكر بالعين السخنة، وإضافة الوحدة “وينتر” وربطها برصيف الشركة المتحدة لمشتقات الغاز بدمياط، ليصل إجمالى عدد وحدات التغييز المتاحة خلال ذروة فصل الصيف إلى 4 سفن تغييز عائمة. هذا فضلًا عن التعاون مع الأردن، عبر استقدام وحدة تغييز أخرى “إينيرجيوس فورس” والتى وصلت لميناء العقبة بالأردن أواخر يوليو 2025، لربطها بخط الغاز العربى مما يوفر إضافة جديدة للبلدين بتوفير مدخل جديد للشبكات القومية، بقدرة تغييز تصل إلى 750 مليون قدم مكعب في اليوم. وقد أجرت مصر محادثات لشراء ما بين 40 إلى 60 شحنة من الغاز المسال هذا العام، مع احتمال ارتفاع الطلب إلى 150 شحنة على المدى الطويل.
لكن تعد هذه الاستراتيجية حلًا قصير إلى متوسط المدى، يمكن مصر من ضمان استمرار تشغيل محطات الكهرباء والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، رغم ارتفاع التكاليف مقارنة بالغاز الإسرائيلي، حيث قد تصل تكلفة شراء الغاز المسال إلى نحو 3 مليارات دولار سنويًا. ومن المتوقع أن توفر هذه الواردات الاحتياجات الطارئة حتى انتهاء الصيف أو حتى بدء تشغيل مشروعات إنتاج محلي جديدة أو ربط الغاز القبرصي بمصر.
3- الربط بشركاء إقليميين ودوليين: يعمل النظام على تنويع مصادر الغاز عبر اتفاقيات مع قطر لاستيراد الغاز الطبيعي طويل الأجل، وكذلك عبر خطوط غاز مستقبلية مع قبرص، حيث تمتلك الأخيرة احتياطيات كبيرة في حقل “أفروديت”، يمكن معالجتها في منشآت الإسالة المصرية في إدكو ودمياط. وفي هذا السياق، توافقت مصر وقبرص، في 9 سبتمبر 2025، على تسريع آلية ربط حقول الغاز الطبيعي القبرصي، وفي مقدمتها حقلي “كرونوس” و”أفروديت”، بالبنية التحتية للطاقة في مصر، على أن يتحقق ذلك بحلول عام 2027. كما تبحث مصر عن اتفاقيات محتملة مع دول أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة وتركيا لتعزيز خياراتها الاستراتيجية في حال توقف الإمدادات الإسرائيلية.
4- زيادة الاعتماد على المازوت والسولار والطاقة المتجددة: مع ارتفاع الطلب على الكهرباء وتراجع الإمدادات، بدأت مصر بتقليل الاعتماد على الغاز في تشغيل محطات الكهرباء الحرارية، واستبداله بالمازوت والسولار، مع تعزيز مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة (الرياح والشمس) في مزيج الطاقة، حيث تستهدف زيادة مساهمتها من 14 بالمئة حاليًا إلى 42 بالمئة بحلول 2030. ومنذ استضافة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ (COP 27) في عام 2022، أبرمت عددًا من مذكرات التفاهم في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، مع تطلع لتصدير الكهرباء إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا عبر كابل بحري يصل إلى اليونان14.
ثالثًا: الدور الأمريكي في تمرير الاتفاق:
ألغى وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت زيارته المقررة إلى إسرائيل؛ احتجاجًا علي رفض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين الموافقة على اتفاقية الغاز مع مصر15. وتسعي الولايات المتحدة إلي تمرير هذا الاتفاق، لعدة أسباب:
- أن شركة “شيفرون” الأمريكية العملاقة للطاقة هي من تدير حقل “ليفياثان” الإسرائيلي الذي كان من المفترض أن يضخ الغاز لمصر، وفق الاتفاق المعطل، بالتالي فهي متضرر رئيسي من موقف تل أبيب16.
- تأمين تشغيل محطات إعادة تسييل الغاز الطبيعي الوارد من إسرائيل، بمصنعي أدكو ودمياط شمال مصر، بما يوفر ما بين شحنتين إلى أربع شحنات من الغاز المسال شهريًا، تصدر إلى السوق الأوروبية، خلال فصل الشتاء، لضمان تأمين الطاقة لأوروبا، بعد وقف واردات الغاز من السوق الروسية تمامًا17.
- تشجع الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة فكرة الاندماج الإقليمي، بجوانبه المختلفة خاصة في الجانب الاقتصادي، وهي تهدف في هذا السياق إلى إعادة صياغة العلاقات بين دول المنطقة من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة مثل الغاز والبنية التحتية المشتركة. وقد ظهر ذلك في دعمها للمنتديات متعددة الأطراف مثل منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يضم مصر وإسرائيل إلى جانب دول أخرى، فضلًا عن تشجيعها لشبكات ثنائية وإقليمية مثل محور إسرائيل-الأردن-مصر أو اليونان-قبرص-إسرائيل. فهي ترى أن هناك دولًا في الإقليم غنية بموارد تسعى إلى تصديرها، وأخرى بحاجة إلى الاستيراد، بما يخلق شبكات اعتماد متبادل تعزز من استقرار التحالفات التقليدية للولايات المتحدة.
- إلغاء الاتفاق قد يقوض طموحات إسرائيل في التوسع الإقليمي لتصدير الغاز، إذ تعد الثقة حجر الأساس في هذه العملية. لكن استخدام الغاز كورقة ضغط سياسي يضعف هذه الثقة ويهدد العقود طويلة الأجل، ويعرقل خطط تصدير الغاز ليس فقط إلى مصر، بل أيضًا إلى لبنان وسوريا وحتى تركيا. لذلك، أي سياسات تستهدف استغلال الغاز للضغط قد تبعد العملاء المحتملين وتضعف جهود الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن إطار اتفاقيات التطبيع والمشاريع الكبرى الأخرى18.
- ترى الولايات المتحدة أن تعطيل اتفاق الغاز المصري ـ الإسرائيلي يشكل عرقلة مباشرة لمشروع “الممر الهندي-الأوروبي IMEC”، الذي تراهن عليه واشنطن وحلفاؤها كبديل عالمي مضاد لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
- خطورة الخطوة الإسرائيلية لن تقف عند حاجز البعد الاقتصادي فحسب، بل قد تتجاوز إلى العامل السياسي، وتفاقم التوتر في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة ومصر، وهما الوسيطان الرئيسيان في اتفاق وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحماس الذي أوقف حربًا استمرت أكثر من عامين19.
ختامًا؛ على الرغم من التوتر بين الطرفين والتصعيد الإسرائيلي تجاه مصر، فإنه من الواضح أن كلًا من الحكومتين المصرية والإسرائيلية تدركان أن لديهما مصلحة مشتركة قوية في الحفاظ على الاستقرار والتعاون الاستراتيجي في مجال الغاز والطاقة؛ لأن العلاقة فيها قائمة على وجود مصلحة حيوية لدى كل طرف عند الطرف الآخر، فمصر بحاجة ماسة للغاز الإسرائيلي، وإسرائيل كذلك بحاجة ماسة للسوق المصري، والبنية التحتية المصرية لتسييل الغاز، التي لا يوجد لديها بديل عنها في الوقت الحالي. من ناحية أخرى، فإنه حتى وإن تراجعت إسرائيل عن قرار تعليق الصفقة، إلا أن الخطوة الإسرائيلية قد أثارت مخاوف مستقبلية لدى مصر تتعلق بخطورة الارتهان إلى إسرائيل في مجال حيوي كالطاقة، ما سيدفعها للبحث عن بدائل لتنويع مصادرها من الطاقة سواء من الإنتاج المحلي أم من الاستيراد. وهذا الأمر سينطبق على إسرائيل أيضًا التي قد تبدأ بالبحث عن بدائل بعيدة المدى للانفكاك عن الارتهان لمصر في مجال التصدير20.
1 ” وزير الطاقة الإسرائيلي يجمد صفقة الغاز لمصر لـ«ضمان شروط تجارية أفضل محليًا»”، مدي مصر، 2/11/2025، الرابط: https://www.madamasr.com/2025/11/02/news/u/%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84%d9%8a-%d9%8a%d8%ac%d9%85%d8%af-%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7/
2 “لماذا تعثرت أضخم صفقة غاز بين مصر وإسرائيل؟”، الجزيرة نت، 12/11/2025، الرابط: https://www.aljazeera.net/ebusiness/2025/11/12/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%AA%D8%B9%D8%AB%D8%B1%D8%AA-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9
3 “” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 24/10/2025، الرابط: https://vision-pd.org/%d8%b5%d9%81%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%b2-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%84-%d8%a3%d8%ba%d8%b3%d8%b7%d8%b3-2025-%d8%af%d9%84%d8%a7/
4 ” مصر وحتمية إلغاء صفقة الغاز الإسرائيلي”، العربي الجديد، 4/11/2025، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/economy/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A
5 “إسرائيل” تلعب بورقة الغاز: كيف وضعت القاهرة في مأزق مزدوج؟”، نون بوست، 2/11/2025، الرابط: https://www.noonpost.com/341032/
6 ” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مرجع سابق.
7 “لماذا تعثرت أضخم صفقة غاز بين مصر وإسرائيل؟”، مرجع سابق.
8 ” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مرجع سابق.
9 ““إسرائيل” تلعب بورقة الغاز: كيف وضعت القاهرة في مأزق مزدوج؟”، مرجع سابق.
10 “لماذا تعثرت أضخم صفقة غاز بين مصر وإسرائيل؟”، مرجع سابق.
11 ” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مرجع سابق.
12 ““إسرائيل” تلعب بورقة الغاز: كيف وضعت القاهرة في مأزق مزدوج؟”، مرجع سابق.
13 ” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مرجع سابق.
14 “صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.. المصالح والمخاطر المتقاطعة”، المسار للدراسات الإنسانية، 13/10/2025، الرابط: https://almasarstudies.com/egypt-israel-gas/
15 ” مصر تتسبب بإلغاء زيارة وزير الطاقة الأمريكي إلى إسرائيل”، أر تي عربي، 31/10/2025، الرابط: https://arabic.rt.com/world/1725844-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AA%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A8%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84/
16 “لماذا تعثرت أضخم صفقة غاز بين مصر وإسرائيل؟”، مرجع سابق.
17 ” تدخلات أميركية وأوروبية لتنفيذ إسرائيل اتفاقات توريد الغاز لمصر”، العربي الجديد، 4/11/2025، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/economy/%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A%D8%B0-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1
18 “صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.. المصالح والمخاطر المتقاطعة”، مرجع سابق.
19 ““إسرائيل” تلعب بورقة الغاز: كيف وضعت القاهرة في مأزق مزدوج؟”، مرجع سابق.
20 ” صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل أغسطس 2025: دلالات التعليق الإسرائيلي ومآلاتها”، مرجع سابق.
