انقلاب جديد في السودان: الأحداث والمواقف والدلالات

يعيش السودان حالة من التوتر منذ أن أفسحت محاولة انقلاب فاشلة الشهر الماضي المجال لتبادل حاد للاتهامات بين الطرفين العسكري والمدني اللذين يفترض تقاسمهما للسلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019 بعد احتجاجات في الشوارع استمرت لشهور. وتُوجت تلك الحالة من التوتر بمحاولة انقلابية جديدة صباح اليوم الاثنين 25 أكتوبر، نتج عنها اعتقال حمدوك ومجموعة من قيادات الحكومة والمجلس السيادي السوداني، وسط إدانات داخلية وخارجية. فماذا حدث؟ وما هي المواقف الداخلية والخارجية منه؟ وكيف يُمكن قراءة دلالاته؟ تلك هي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها سريعًا خلال السطور القليلة القادمة..

ماذا حدث؟

اعتقل الجيش السوداني، صباح اليوم الاثنين 25 أكتوبر، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومعظم أعضاء حكومته والعديد من المسؤولين والعاملين بقطاع الإعلام، وسط الحديث عن انقلاب عسكري يجري تنفيذه. وقالت وزارة الإعلام والثقافة -في صفحتها على فيسبوك- إن رئيس الوزراء اقتيد إلى مكان مجهول بعد رفضه إصدار بيان مؤيد للانقلاب. ونقلت عن حمدوك دعوته السودانيين -في رسالة من مقر إقامته الجبرية- إلى التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم. ومن جانبها قالت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي أن أي انقلاب مرفوض وسنقاومه بكافة الوسائل المدنية. وأضافت المهدي أن احتجاز رئيس الوزراء في جهة غير معلومة أمر خطير وغير مقبول. وذكرت أنه لا توجد أي اتصالات بين وزراء الحكومة بسبب انقطاع وسائل التواصل المباشرة، وإغلاق الجسور. وقالت الوزيرة أيضًا إن وزراء الحكومة غير المعتقلين سيجدون طريقة للتواصل، وترتيب الأمور خلال الساعات القادمة. وفي وقت سابق، كانت وزارة الثقافة والإعلام قد أعلنت أن “قوى عسكرية” اعتقلت “أغلب أعضاء مجلس الوزراء والمدنيين من أعضاء مجلس السيادة”. وقالت “الثقافة” إن ما حدث انقلاب عسكري متكامل الأركان، ودعت الجماهير لقطع الطريق على التحرك العسكري. ونقلت أن “قوات عسكرية مشتركة تقتحم مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان وتحتجز عددا من العاملين”. كما انقطع بث عدد من الإذاعات السودانية بينها الإذاعة الرسمية على موجات “إف إم”، وتم قطع شبكة الإنترنت كذلك. كما تحدثت مصادر إعلامية عن تعزيزات عسكرية في محيط مطار الخرطوم الدولي، ونقلت بعض وسائل الإعلام أنه تم إغلاق المطار. وأعلن اتحاد الطيارين السودانيين الإضراب العام والعصيان المدني، والخروج للشوارع ردًا على “الانقلاب العسكري”.[1]

المواقف الداخلية والخارجية من الانقلاب:

على المستوى الداخلي؛ قام محتجون بقطع بعض الطرق في العاصمة وأضرموا النار احتجاجًا على الاعتقالات. ومن جانبها، أعلنت نقابة الأطباء الإضراب العام في المستشفيات باستثناء الحالات الطارئة، وقررت الانسحاب من المستشفيات العسكرية، وطالبت القطاعات المهنية بالنزول إلى الشارع. كما أعلن تجمع المصرفيين أن موظفي القطاع دخلوا في إضراب وعصيان مدني مفتوح احتجاجًا على الاعتقالات. من جهته، قال تجمع المهنيين إن هناك أنباء عن تحرك عسكري يهدف “للاستيلاء على السلطة” ودعا جماهير الشعب إلى الاستعداد لمقاومة أي انقلاب عسكري. وأضاف التجمع في بيان “نتوجه بندائنا لجماهير الشعب السوداني وقواه الثورية ولجان المقاومة في الأحياء بكل المدن والقرى والفرقان، للخروج إلى الشوارع واحتلالها تماما، والتجهيز لمقاومة أي انقلاب عسكري، بغض النظر عن القوى التي تقف خلفه”. وتابع البيان “نهيب بلجان المقاومة والقوى الثورية المهنية والنقابية والسياسية والمطلبية والشعبية الاستعداد وتفعيل أدوات الاتصال والتنسيق والتشبيك الأرضي المجربة”. ومن ناحيته، قال حزب الأمة القومي “ندين -بأقوى العبارات- الاعتقالات والانقلابات، وهي تشكل انتهاكًا للوثيقة الدستورية”.[2]

أما على المستوى الخارجي؛ ففي رد فعل دولي على الانقلاب؛ دعا الاتحاد الأوروبي إلى إعادة العملية الانتقالية في السودان لمسارها الصحيح. وأعرب جوزيب بوريل مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عبر حسابه على موقع تويتر، عن بالغ القلق إزاء التطورات في السودان. وكتب أن “الاتحاد الأوروبي يدعو جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين إلى إعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح”. ومن جانبه قال المبعوث الأمريكي الخاص جيفري فيلتمان إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء أنباء سيطرة الجيش على الحكومة الانتقالية في السودان. وحذر فيلتمان عبر حساب مكتب الشؤون الإفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية الرسمي على تويتر من أن سيطرة الجيش تتعارض مع الإعلان الدستوري السوداني وتهدد المساعدات الأمريكية للبلاد. وقال فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان إن المنظمة الدولية تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن انقلاب في السودان اليوم الاثنين ومحاولات تقويض عملية الانتقال السياسي. وأضاف :”الاعتقالات التي تردد أنها طالت رئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين والسياسيين غير مقبولة”. وقال :”أدعو قوات الأمن إلى الإفراج الفوري عن الذين تم اعتقالهم بشكل غير قانوني أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية. وتقع على عاتق هذه القوات مسؤولية ضمان أمن وسلامة الأشخاص المحتجزين لديها”. وعربيًا أعرب أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن بالغ القلق إزاء تطورات الأوضاع في السودان، مطالبًا جميع الأطراف السودانية بالتقيد الكامل بالوثيقة الدستورية. ونقل بيان، نُشر على موقع الجامعة، عن مصدر مسؤول بالأمانة العامة القول إنه “لا توجد مشكلات لا يمكن حلها بدون الحوار، ومن المهم احترام جميع المقررات والاتفاقات التي تم التوافق عليها بشأن الفترة الانتقالية وصولا إلى عقد الانتخابات في مواعيدها المقررة”. وحث المسؤول على “الامتناع عن أية إجراءات من شأنها تعطيل الفترة الانتقالية أو هز الاستقرار في السودان”.[3]

دلالات الانقلاب السوداني الجديد:

تأتي هذه التطورات المتسارعة بعد ساعات من الإعلان عن تقديم الولايات المتحدة مقترحات، لحل الأزمة السياسية الراهنة، تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بدراستها مع رئيس مجلس الوزراء. حيث عقد المبعوث الأميركي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان سلسلة لقاءات مع قادة المرحلة الانتقالية خلال اليومين الماضيين، أكد فيها أن الدعم الأميركي يعتمد على التزام السودان بالنظام الانتقالي المتفق عليه بالإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام. وخلال الأسابيع الماضية، تصاعد التوتر بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية، إثر انتقادات وجهتها القيادات العسكرية للقوى السياسية على خلفية إحباط محاولة انقلاب في 21 سبتمبر الماضي، والخلاف بشأن ترتيبات تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين وفقًا للوثيقة الدستورية. ويأتي ذلك في ظل تعقُّد الوضع في الداخل السوداني والخارج الإقليمي؛ فمن ناحية تمر السودان بأزمات اقتصادية طاحنة، ومن ناحية أخرى تصاعد الصراعات في الأقاليم المختلفة أبرزها الآن شرق السودان، ومن ناحية ثالثة تصاعد الخلاف المدني العسكري داخل المجلس السيادي، ومن ناحية رابعة الأزمات الحدودية. كل هذا بالتزامن مع حالة التوتر التي تعم الأقاليم الإفريقية المختلفة، ويبدو أن عدوى الانقلابات قد انتقلت إلى الإقليم الشرقي مُتمثِّل في السودان؛ فبعد سلسلة الانقلابات في مالي وغينيا وتشاد وحتى تونس التي شهدت انقلابًا ناعمًا على الدستور من رئيسها قيس سعيد؛ جعل كل هذا الوضع في الداخل السوداني مشجعًا لانقلاب جديد لم تتضح ملامحه حتى الآن، لكنه يُعد بادرة لتمزقات وتفككات جديدة قد تشهدها الحالة السودانية في الفترة القادمة، تدعمها أطراف وقوى إقليمية ودولية صاحبة مصالح في السودان. لكن المُلاحظ أيضًا رد الفعل الشعبي السريع وغير المنظم والقوي للشارع السوداني، الذي تمثَّل في النزول للشارع مع العصيان المدني للعديد من مؤسسات الدولة، لرفض الانقلاب العسكري. فهل سيؤثر هذا الموقف على موقف الأطراف المتصارعة في الفترة القادمة؟ هذا هو ما ستحسمه الأيام القليلة القادمة، ومدى قدرة تلك التحركات على الصمود، ومدى قوة وإصرار المنقلبين وداعميهم.

 

[1]  “اعتقال رئيس وأعضاء الحكومة.. أنباء عن انقلاب عسكري بالسودان والقوى المدنية تدعو الشعب للتدفق إلى الشوارع”، الجزيرة نت، 25/10/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/z4s9A

[2]  “اعتقال رئيس وأعضاء الحكومة.. أنباء عن انقلاب عسكري بالسودان والقوى المدنية تدعو الشعب للتدفق إلى الشوارع”، مرجع سبق ذكره.

[3]  “قلق أوروبي وأممي إزاء الأنباء التي تتحدث عن “انقلاب” في السودان”، D & W، 25/10/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/uKf0W

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022