شهدت المغرب، في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي 2025، اندلاع احتجاجات في أكثر من 11 مدينة بالبلاد -مثل الرباط والدار البيضاء ومراكش وسلَا وطنجة1– بشكل مفاجئ ودون مقدمات، شارك فيها مئات الشباب. وقد جاءت مناهضة للحكومة، ومطالبة بإقالتها، ومنددة بإخفاقاتها في سياسات الصحة والتعليم، معربين عن استيائهم من انشغالها بالإعداد لاستضافة كأس العالم في 2030 على حساب القضايا الأكثر إلحاحًا2، فهي احتجاجات على أولويات إنفاق نيوليبرالية لا تتفق مع أولويات الإنفاق لدى المجتمع؛ بينما تعتبر الحكومة المغربية أن الاستعداد لكأس العالم هو الأولوية، يرى المحتجين الشباب أن الأولوية ينبغي أن توجه للصحة والتعليم، مع رفض الفساد المنتشر في الجهاز الحكومي3.
الدعوة للاحتجاج بدأت مع وفاة ثماني نساء حوامل في قسم الولادة بمستشفى الحسن الثاني بمدينة اغادير، منتصف سبتمبر الماضي، لتظهر الدعوة للتظاهر، على قناة «جيل زد 212» التي تتخذ من منصة التواصل الاجتماعي ديسكورد مساحة للنقاش، وتضم أكثر من 185 ألف عضو على قناتها4. ومع اندلاعها، اتسمت باللامركزية، وقادتها مجموعات شبابية.
رد فعل الحكومة على الاحتجاجات:
كما هو متوقع كانت ردة الفعل الأمنية هي الاستجابة الأسرع من جانب الحكومة، ما أسفر عن أعمال عنف، ووقوع قتلى ومصابين، وحركة اعتقالات في صفوف المتظاهرين5. لم تقف المقاربة الأمنية للمشهد الاحتجاجي عند الشارع فقط، إنما امتدت إلى الفضاء الافتراضي؛ إذ طورت أساليب للرصد والمراقبة وحجب المحتوى أحياناً، كما حدث مع بعض الصفحات في فترات الحراك6.
وإن كانت الحكومة عادت في وقت لاحق، وأكدت أنها “تتفهم المطالب الاجتماعية ومستعدة للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها”، وأنها مستعدة للحوار مع الشباب “داخل المؤسسات والفضاءات العمومية وإيجاد حلول واقعية و قابلة للتنزيل للانتصار لقضايا الوطن والمواطن”. وأن “المقاربة المبنية على الحوار والنقاش هي السبيل الوحيد لمعالجة مختلف الإشكالات التي تواجهها بلادنا”7.
سر ظهور المتغير الجيلي:
قاد الاحتجاجات مجموعات شبابية، تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي (TikTok/Instagram/Discord)، دون أجندة سياسية، إنما فقط مطالب تتعلق بالحقوق الأساسية ومستقبل هذا الجيل، فيما لم تشارك في تنظيمها النقابات أو الأحزاب السياسية. خاصة أن قادة الحراك رفضوا مشاركة أي فصيل؛ حيث حالوا دون مشاركة نبيلة منيب، النائبة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي الموحد؛ كون الوقفات لا تضم أي حزب سياسي، وترفض أي استغلال لها من قبل أي مكوّن8.
وهو ما كان مفهومًا؛ فالدعوة انطلقت من منصة تحظى بشعبية بين الشباب والمراهقين من محبي ألعاب الفيديو وكرة القدم، ما يعني أنهم غير مسيسين؛ لكنهم تأثروا بأمرين؛ الأول: أنهم غضبوا لوفاة النساء الحوامل بمدينة أغادير من جراء انهيار المرفق الصحي هناك. الثاني: اهتمامهم بالرياضة وفر لهم معرفة جيدة عن حجم الاهتمام والإنفاق الحكومي على قطاع كرة القدم.
كما يظهر المتغير الجيلي بشكل واضح لو قارنا هذه الاحتجاجات في المغرب باحتجاجات 2011 هناك، ثم باحتجاجات الريف في 2016، التي وقعت كردة فعل على “الموت المفجع لبائع السمك المغربي محسن فكري سحقاً بشاحنة لجمع النفايات في مدينة الحسيمة شمال المغرب بعد مشادة مع عناصر الشرطة9“. فالأولى كانت احتجاجات مسيسة شارك فيها الشارع السياسي المغربي بمختلف مكوناته، أما احتجاجات الريف فقد كانت مناطقية، شارك فيها أفراد من مختلف الأعمار، ولعبت قوى نقابية والمجتمع المدني فيها دورًا واضحًا، أما الأخيرة فهي شبابية بشكل واضح «Genz»، مجموعات غير مسيسة، كما نجحت في تجاوز البعد المناطقي.
عن دلالة المكان: لما كانت أغادير نقطة انطلاق الاحتجاجات:
أيضا انطلاق الاحتجاجات من مدينة أغادير، ثم انتقاله إلى مدن أخرى يبدو أيضا مفهومًا، فالمدينة هي التي شهدت وفاة النساء الثمانية من جراء انهيار الخدمات الصحية وتقادم الأدوات هناك.
ومن ناحية أخرى، فالمدينة رغم أنها سياحية، وتعتبر من الأماكن التي يلجأ إليها المغاربة في الصيف كوجهة للسياحة الداخلية. ورغم تمتعها بنشاط زراعي تصديري تشتهر به مناطقها، حيث تصدر الطماطم والموز والبرتقال، إلا أن المردود الاقتصادي من تلك الأنشطة لا ينعكس على ساكنيها، كون الصادرات معفية من الضرائب، وكون المدينة تعاني من الجفاف بسبب استهلاك الزراعة للمياه، وأخيرًا فقد تعرضت المدينة لزلزال الحوز -منذ عامين- الذي شرد مئات من السكان10.
دلالات عامة للمشهد الاحتجاجي في المغرب:
احتجاجات المغرب هي جزء من مشهد احتجاجي عالمي، في كينيا ومدغشقر، ومن باراغواي إلى بيرو، وفي نيبال.
مشهد تشكله مجموعات شبابية تتراوح أعمارهم بين 13 و28 عاماً، ويكشف عن عدد من السمات؛ منها: الدور الرئيسي الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الحشد والتعبئة والتنظيم، وفي استفادة المحتجين من الخبرات التي راكمتها مجموعات احتجاجية شبابية في بقاع أخرى من العالم، وفي بناء تشكيلات شبكية أكثر مرونة في مواجهة الضربات الأمنية، وفي الوقوف على الفروق الكبيرة في مستويات المعيشة بين غالبية المجتمع ومجموعات نخبوية صغيرة، ما يغذي الغضب ويدفع للتغيير11.
كما يكشف عن نجاح النظم الحاكمة، في الدول التي شهدت هذه الاحتجاجات، في ترويض القوى السياسية التقليدية، وعزلها عن الشارع، وتقويض قدراتها السياسية، ما يفتح المجال لظهور التشكيلات الشبكية المبنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كذلك يكشف عن حالة التكلس السياسي؛ إذ فقدت الكيانات التقليدية قدرتها على استيعاب النشاط السياسي. ويكشف عن غياب الايديولوجيات الجامعة القادرة على استيعاب الغضب الشبابي الصاعد وامداده بالمفردات التي يمكن استخدامها في بلورة مطالبه وبناء خطابه والتعبير عن تطلعاته.
الخاتمة:
أعلنت حركة “جيل زد 212” الشبابية المغربية، في 11 أكتوبر 2025، تعليق احتجاجاتها مؤقتًا، بهدف “تعزيز التنظيم والتنسيق وضمان أن تكون المرحلة المقبلة أكثر فاعلية وتأثيرًا، بعيدًا عن أي ارتجال أو استغلال خارجي”، وأنها “ستعلن عن دعوة جديدة للتظاهر في وقت لاحق”، مشددة على أن مطالبها ثابتة “وعلى رأسها محاسبة الفاسدين وتحميل الحكومة مسؤولية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة”12.
تعليق الاحتجاجات واكب كلمة الملك المغربي، الجمعة 10 أكتوبر، بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الأخيرة من الولاية الحكومية الحالية أمام البرلمان المغربي بمجلسيه. وأكد فيها على ضرورة التركيز على المناطق الأكثر هشاشة، خاصة الجبال والواحات، مؤكًد على أنه “لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية ما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا”13.
وأخر التطورات، كان إعلان الحركة، في 13 أكتوبر 2025، استئناف احتجاجاتها وتوسيع أشكالها، كما أعلنت عن “تنظيم وقفات احتجاجية سلمية في أغلب مدن المملكة يوم السبت المقبل”، ودعوة شباب المغرب كافة وعموم المواطنات والمواطنين إلى “الخروج بكثافة لدعم هذه الحركة حتى تحقيق مطالبنا العادلة”. كما أعلنت عن تطوير أشكالها النضالية، وعلى رأسها توسيع حملة مقاطعة المنتجات التي تم إطلاقها سابقا، حيث “سيتم التفصيل في أهدافها وآلياتها تدريجيا، بالإضافة إلى أشكال أخرى تهدف إلى إيصال صوتنا”14.
1 الجزيرة نت، 7 أسئلة تشرح ما يجري في احتجاجات “جيل زد” بالمغرب، 2 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/eczpm2zs
2 محمد طارق، احتجاجات المغرب.. جيل يعود للواقع وجرس إنذار لا يتوقف منذ 2011، مدى مصر، 11 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/47rfy45b
3 الاشتراكيون الثوريون، احتجاجات جيل Z في المغرب.. الاستبداد يحصد ما زرع، 29 سبتمبر 2025، في: https://tinyurl.com/27j2dysh
4 المرجع السابق.
5 أحمد الطاهري (فيس بوك)، 2 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/24zya8zs
6 عربي بوست، “جيل Z” ينتفض في المغرب.. تفاصيل حراك شبابي أعاد الروح إلى الشارع، هذه مطالبه وهكذا واجهته السلطة، 29 سبتمبر 2025، في: https://tinyurl.com/nhf9e6yj
7 الجزيرة نت، 7 أسئلة تشرح ما يجري في احتجاجات “جيل زد” بالمغرب، مرجع سابق.
8 حمزة فاوزي، “جيل Z” يجدد الاحتجاجات .. والقوة العمومية تفعل قرار المنع بالرباط، هسبريس، 28 سبتمبر 2025، في: https://tinyurl.com/4uh3nh36
9 إلين ديباكير و ياسين الأكوح، بعد خمس سنوات من احتجاجات الريف المغربي: أين التغيير؟، 12 نوفمبر 2025، في: https://tinyurl.com/5523bme4
10 مدى مصر، مرجع سابق.
11 لويس باروشو وتيسا وونغ، جيل زد يطيح بالحكومات، فهل تستطيع الاحتجاجات عبر مواقع التواصل تحقيق تغيير دائم؟، BBC عربي، 8 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/vncx7htj
12 القدس العربي، “جيل زد 212″ تعلّق الاحتجاجات مؤقتاً في المغرب لـ”مرحلة مقبلة أكثر فاعلية”، 12 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/2jeawha2
13 سناء القويطي، أبرز مضامين خطاب الملك المغربي بعد أسبوعين من احتجاجات “جيل زد”، الجزيرة نت، 10 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/5xhs42ht
14 عادل نجدي، “جيل زد” تستأنف احتجاجاتها في المغرب بعد تعليقها يومين، العربي الجديد، 13 أكتوبر 2025، في: https://tinyurl.com/2nuuyc6k
