
النظام المصري بين مطرقة الانتخابات وسندان الدستور
النظام المصري بين مطرقة الانتخابات وسندان الدستور شهدت الفترة الأخيرة استعار الجدل مجدداً حول مسألة تعديل الدستور، وقد انقسمت الأصوات بين مؤيد ومعارض، هذا فيما لم يتبقى على إنتهاء مدة الرئيس الحالي، وبدء تنظيم انتخابات رئاسية جديدة في بداية 2018، سوى بضعة شهور، وهو ما آثار عدد من التساؤلات، حول دلالة توقيت إثارة الجدال حول الدستور، وأيضاً التساؤل حول موقف النظام الحالي من الجدال القائم ومن مسألة التعديل، وكذلك المسارات والمالآت المتوقعة لمسألة الصراع على الدستور؛ بين تمرير التعديلات في الوقت الراهن، أو ارجائها حتى الانتهاء من الموسم الانتخابي، أو حتى التغاضي عنها نهائياً والإلتزام به في شكله الراهن. كل تلك النقاط نتناولها في السطور الأتية. في البدء كانت الكلمة لعبدالفتاح السيسي: في كلمته خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في يوليو 2015 اعتبر السيسي أن "الدستور ده طموح جدًا، وحط صلاحيات لو ما كانش هيستخدم في البرلمان برشد وبوطنية ممكن يتأذى المواطن قوي ومصر تتأذى قوي.. مش هنعمل إجراء استثنائي، وأنا أؤكد ذلك، وممكن البرلمان يكون أداؤه خطير جدًا بقصد أو بدون قصد يغرق كل اللي بنعمله"، وبعدها بشهرين فقط كرر الرئيس حديثه عن الدستور قائلًا إنه "كتب بنوايا حسنة والنوايا الحسنة لا تبني الدول"[1]. كانت هذه هي بداية طرح قضية تعديل الدستور. ارتفعت –بعد ذلك- نبرة الدعوة لتعديل الدستور عقب الهجمات الإرهابية الدموية التي ضربت مصر مؤخرًا؛ فعقب تشييع جنازة ضحايا تفجير الكنيسة البطرسية في 12 ديسمبر 2017، قال علي عبد العال إن "مجلس النواب عاقد العزم على مواجهة الإرهاب بالتدابير والتشريعات المناسبة حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور ذاته، وسوف يتحمل مجلس النواب مسؤولية المواجهة التشريعية بما يتناسب مع تطوير الإرهاب لأساليبه، والأهداف التي يريد النيل منها، نعم أقولها بصراحة، لو تطلب الأمر، وأكرر: لو تطلب الأمر تعديل الدستور لمواجهة الإرهاب فسوف نقوم بتعديله، بما يسمح للقضاء العسكري بنظر جرائم الإرهاب بصفة أصلية"[2]. في الفترة الآخيرة عادت الأصوات للإرتفاع مجدداً مطالبة بتعديل الدستور؛ فخلال مشاركته فى مناقشة إحدى رسائل الدكتوراه بجامعة المنصورة، صرح رئيس البرلمان الحالي "علي عبدالعال" أن عمل أى دستور فى فترة تكون فيها الدولة غير مستقرة لابد من إعادة النظر فيه، مضيفاً أن هناك موادا بالدستور تحتاج لإعادة معالجة لأنها غير منطقية[3]. وقد سبق حديث رئيس مجلس النواب، دعوة أطلقها الكاتب الصحفى ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار، والمقرب من مؤسسة الرئاسة، من خلال مقالة له، لتعديل الدستور؛ نظرًا لوجود إشكالية ستواجه الدولة المصرية بعد انتهاء الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسى، الأمر الذى يتطلب تعديلًا دستوريًا لزيادة مدة الولاية[4]. وبالتالي يظهر من تتبع الجدال حول تعديل الدستور، الذي يطفو إلى السطح ثم يتبدد ثم ما يلبس أن يطفو مرة أخرى ليحوز اهتمام الرأي العام المصري، أن مؤسسة الرئاسة والنظام القائم، ونخب الحكم والمؤيدين الملتفين حولها، هم المحركين لدعاوى تعديل الدستور كل فترة، وأنه لم يسبق أن أأثار قضية تعديل الدستور أحد يقع خارج هذه الدائرة. المواد المثيرة للجدل ومخاوف النظام: هناك مواد بعينها تُقلق النظام الحالي وتهدد بقائه في السلطة -بشكل غير مشروط- كما يريد، وأيضاً تخلق نوع من التعدد في مراكز القوى في قلب النظام؛ وهو ما يدفع النظام إلى تبني أطروحة تعديل الدستور، باعتباره المخرج الوحيد من هذه الثقوب السوداء التي تلاحقه، وهي قادرة على هدم وامتصاص كل جهود النظام ونجاحاته –خلال الفترة السابقة- في تأميم السياسة من جهة، وفي أضعاف كل ما يمثل وجوده خطورة على بقاء النظام واستقراره، في جمع كل خيوط اللعبة السياسية في يده. أبرز هذه المواد: المادة 140 من الدستور، والتي تحدد ولاية رئيس الجمهورية بـ (أربع سنوات ميلادية) وأنه (لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة)، حيث تنص على أنه "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة"[5]. المادة 226 من الدستور، والتي تحظر (تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات)، حيث تنص على أن "لرئيس الجمهورية، أو لخٌمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر فى الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل. وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كليًا، أو جزئيًا بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالى. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء. وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات"[6]. المادة 234 من الدستور، والتي تحصن منصب وزير الدفاع وتحول دون إقالته إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث تنص على أن (يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور)، وهو ما يجعل منصب وزير الدفاع يقع خارج الدوائر التي تقبع تحت سيطرة مؤسسة الرئاسة بصورة كاملة، وهو ما يؤرق النظام الحالي الذي ينظر للمجال السياسي باعتباره ساحة حرب؛ إما يعلن فاعليها خضوعهم وإما يتم اعتبار مارقهم عدو ينبغي تركيعه أو إفنائه. وقد أفادت مصادر مصرية مقربة من دوائر صنع القرار، إن عبد الفتاح السيسي يسعى من خلال دوائر سياسية تتبع توجيهاته، لطرح المادة الخاصة بتحصين منصب وزير الدفاع لمدة 8 سنوات بين التعديلات التي يعتزم البرلمان مناقشتها بداية الفصل التشريعي الجديد، والذي سينطلق في أكتوبر 2017، ومن بين السيناريوهات المطروحة لتعديل المادة أن يتم إعطاء المؤسسة العسكرية الحق في ترشيح ثلاثة أسماء، يقوم الرئيس بالاختيار من بينها لمن سيتولى منصب وزير الدفاع. وتنص المادة 234 من الدستور على أن "يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتباراً من تاريخ العمل بالدستور"[7]. ردود الأفعال على دعاوى التعديل: في نهاية فبراير 2017، تقدّم عضو مجلس النوّاب إسماعيل نصر الدين النائب عن إئتلاف دعم مصر –إئتلاف الأغلبية- بمقترح…