
موقف إسـ،ـرائيل من احتـ،ـلال قطاع غزة: الدوافع والتحديات
تواجه إسرائيل في تعاملها مع الحرب علي غزة خيارًا ما بين ثلاثة بدائل استراتيجية، وكلها تنطوي على تكاليف كبيرة إلى جانب مزاياها، ولا يمكن أي منها تحقيق أهداف الحرب بشكل كامل، كما يذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي. والخيارات الثلاثة التي تدرسها الأوساط السياسية، بحسب المعهد الإسرائيلي، تنحصر ما بين: 1- تعزيز السياسة الحالية وزيادة الضغط العسكري على حماس واستمرار محاولات استنزاف مواردها المالية والسيطرة على السكان بنقلهم إلى “المدينة الإنسانية” في رفح وتعزيز محاولات السيطرة على توزيع المساعدات على السكان من خلال الآلية الإسرائيلية الأمريكية. 2- التوصل إلي اتفاق وقف لإطلاق النار في قطاع غزة يفضي إلى إنهاء الحرب. 3- السيطرة الكاملة على قطاع غزة وفرض حكومة عسكرية مؤقتة. ويبدو أن إسرائيل حسمت خيارها باحتلال قطاع غزة، حيث كشفت القناة الـ12 الإسرائيلية جزءًا من تفاصيل خطة عسكرية لاحتلال قطاع غزة سيناقشها الكابينت (المجلس الوزاري المصغر)، في 7 أغسطس 2025، وهي الخطة التي يعارضها رئيس الأركان إيال زامير، واصفًا إياها بالفخ الاستراتيجي. وقالت إن الحديث يدور عن ما وصفته بمناورة برية تمتد من 4 إلى 5 أشهر، وفق تقديرات واضعي الخطة التي سيتولى تنفيذها من 4 إلى 6 فرق عسكرية. وتحدثت عن هدفين رئيسيين للخطة؛ أحدهما يتعلق باحتلال مدينة غزة والمخيمات الواقعة في وسط القطاع، في حين يتمثل الثاني في تهجير السكان، أو ما وصفته بدفع سكان القطاع جنوبًا بهدف تشجيعهم على الخروج من القطاع. وفي 5 أغسطس 2025، اتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – المطلوب للجنائية الدولية – قرارًا بالمضي في احتلال غزة، خلال اجتماع مغلق مع وزراء ومسؤولين أمنيين، بحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية. أولًا: دوافع إسرائيل لاحتلال قطاع غزة: يتمثل الدافع الرئيسي لدي إسرائيل – المستوي السياسي علي وجه الخصوص – في احتلال قطاع غزة بالكامل في؛ عدم جدوي أي خيارات أخري غير احتلال القطاع في تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية (استعادة جميع الأسرى لدي حماس، وتفكيك حماس كليًا ككيان عسكري ومدني منظم، وتغيير الواقع الأمني في قطاع غزة بحيث يُزال أي تهديد جوهري لإسرائيل، فضلًا عن الحفاظ على حرية العمل العملياتي لـ”جز العشب” متى اقتضت الحاجة على غرار نموذج العمل المتبع في الضفة الغربية)، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 1- تخوض إسرائيل حربًا في قطاع غزة منذ نحو عامين، وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي ألحقتها بقدرات حركة حماس، فإنها لم تحقق أهداف الحرب بعد. لا تزال حماس تمارس وظائفها، المدنية والعسكرية، كجهة مسيطرة على أجزاء كبيرة من القطاع، وعلى الرغم من أن هذه الأجزاء ليست واسعة جغرافيًا، فإن أهميتها تنبع من رمزيتها، ومن كونها تمثل مراكز ثقل للتنظيم ومناطق مكتظة بالسكان. فعلى سبيل المثال، يسيطر التنظيم على مدينة غزة، وغربي خان يونس، والمخيمات الوسطى، ومنطقة المواصي، حيث يتركز نحو نصف سكان القطاع. كما لا تزال تسيطر على الأنظمة البلدية (حتى لو كان ذلك من خلال لجان طوارئ بديلة من البلديات)، وتدير الاقتصاد المحلي، بما يشمل جباية الضرائب، وتحافظ على سيطرتها وتأثيرها في منشآت المساعدات الإنسانية والملاجئ، وخصوصًا تلك التابعة للأونروا التي يقيم بها النازحون. كذلك تواصل حماس تنفيذ إعدامات بحق مشتبه فيهم بالتعاون مع إسرائيل، أو سرقة المساعدات الإنسانية. أما من الناحية العسكرية، فلا تزال حماس تمتلك في هذه المرحلة من الحرب هيكلين عسكريين رئيسيين، هما: لواء غزة ولواء خان يونس، اللذان حتى لو أنهما لا يعملان بكفاءة كاملة، فلا تزال قيادتا هذين اللواءين ناشطتين، وما زالت البنية العسكرية قائمة. ويبدو كأن حماس تنجح في تجنيد عدد كبير من الشبان، وتزويدهم بالسلاح. كذلك، تنجح حماس في استعادة قدراتها الإنتاجية الذاتية، القائمة أساسًا على استخدام بقايا قذائف إسرائيلية ومرافق إنتاج ونقاط معرفة لم تُدمر بعد. كما يبدو أنها تأقلمت مع الواقع الجديد، وتعمل وفق نمط حرب العصابات، وتنجح في إيقاع خسائر بإسرائيل أحيانًا. 2- لم تحقق إسرائيل بعد هدفها المتمثل في خلق ظروف تؤدي إلى تحرير جميع الأسرى لدي حماس، فعلى الرغم من النجاحات الإسرائيلية في استعادة جثامين أسرى مؤخرًا، فإن حماس لا تزال تحتجز 20 أسيرًا علي قيد الحياة و30 جثمانًا، وربما تجد صعوبة في الوصول إلى بعض الجثامين، سواء لأن جهات أخرى احتجزتها، أو لأن من دفن الجثامين قُتل، أو نظرًا إلى التغيرات التي جرت في معالم المناطق بفعل الدمار الهائل، بطريقة لا تسمح بتحديد مواقع الدفن. 3- لا تثق إسرائيل فيما يروج خلال مفاوضات وقف إطلاق النار من استعداد قيادة حماس للتنازل عن السيطرة المدنية على القطاع لمصلحة السلطة الفلسطينية، أو لجنة تكنوقراط، ما دام التنظيم يرفض نزع سلاحه، فما دامت حماس تواصل الاحتفاظ بقدراتها العسكرية، فإنها ستسعى بكل قوة، وبدعم إيراني، لإعادة تنظيم نفسها وتعزيز قوتها العسكرية من جديد، وفقًا لوجهة النظر الإسرائيلية. 4- وبالتالي، وبحسب وجهة النظر الإسرائيلية، فإن السيطرة الكاملة على قطاع غزة وفرض إدارة عسكرية موقتة يعتبر الخيار الوحيد القادر، ولو موقتًا، على تحقيق أهداف الحرب ضد حماس: تدمير قدراتها العسكرية والحكومية بشكل مباشر، ثم إزالة التهديدات من غزة في اتجاه “إسرائيل”، وتهيئة الظروف التي تسمح بعودة سكان “غلاف غزة” إلى منازلهم بأمان. أما بالنسبة إلى استعادة جميع الأسرى، فقد تكون عمليات الجيش الإسرائيلي في هذا الاتجاه محفوفة بخطر الإضرار غير المقصود بالأسرى، أو دفع حماس إلى إيذائهم. ومع ذلك، فأن السيطرة الإسرائيلية على القطاع قد تشجع فلسطينيين يملكون معلومات عن الأسرى على تقديمها لإسرائيل، والذين يمتنعون من اتخاذ هذه الخطوة حاليًا، خوفًا من استهدافهم من حماس. كما أنه إذا اقتنع قادة حماس بأن إسرائيل حسمت أمرها في اتجاه خيار احتلال غزة، ستزداد فرص التوصل إلى اتفاق معها بشروط أقرب كثيرًا إلى شروط إسرائيل. 5- لا يمكن تنفيذ مخططات التهجير والضم والاستيطان بقطاع غزة إلا عبر احتلال القطاع. وفي هذا السياق، طالب وزراء ونواب كنيست، وزير الأمن، يسرائيل كاتس، بالسماح لهم بالدخول إلى قطاع غزة من أجل التحضير لإقامة المستوطنات على أنقاضها، طبقًا لما أفادت به “القناة 12” الإسرائيلية. وذكرت القناة أن “22 وزيرًا وعضوًا في الائتلاف الحاكم يتقدمهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قد تقدموا بطلب لوزير الأمن كي يسمح لهم بالقيام بجولة في شمال قطاع غزة للتمهيد للاستيطان في القطاع”. وكانت صحيفة “هآرتس” قد كشفت أنه في إثر قرار نتنياهو زيادة المساعدات الإنسانية المقدمة إلى القطاع، الذي عارضه حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة الوزير بتسلئيل سموتريتش، تم التعهد لهذا الأخير بضم مناطق من القطاع إلى إسرائيل من أجل إغرائه بالبقاء في صفوف “الائتلاف” الحاكم. أكثر من ذلك، وصل الأمر إلي دعوة وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، إلى احتلال قطاع غزة بالكامل والتخلي عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في القطاع. وقال إلياهو – من “عوتسما يهوديت” (القوة اليهودية)-، إن غزة يجب أن تكون يهودية. وطالب…