برلمان الانقلاب وقانون منح الجنسية.. حصان طروادة الصهيوني
بقلم: حازم عبد الرحمن
وافق برلمان الانقلاب على تعديل قانون خاص بمنح الجنسية، بزعم تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية، والتيسير على الأجانب ذوي الارتباط الطويل بمصر, والعمل على توفير الثقة والاستقرار، ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم!.
وسواء كان المبلغ المدفوع للحصول على الجنسية عشرة آلاف دولار, أو حتى ملايين الدولارات؛ فإنه يمثل خطرا على الأمن القومي لمصر, في ظل الظروف التي تمر بها البلاد, وتربص العدو الصهيوني وأذرعه الأخطبوطية؛ من أجل الاختراق والهيمنة والسيطرة, كما أنه يأتي في وقت يجري فيه التحضير لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أشرف عليها صهره الصهيوني جاريد كوشنر, فيما أسموه "صفقة القرن", خاصة أن رئيس برلمان الانقلاب علي عبد العال نفى ارتباط منح الجنسية بخطة الصفقة المشبوهة, وقد اعتاد المراقبون للشأن المصري أن نفي السلطة يحمل في حقيقته معنى التأكيد, وتتضافر المؤشرات على ذلك, ومنها ما تردد حول أن الخطة الأمريكية تقوم على إجبار الفلسطينيين، بمساعدة دول عربية، على تقديم تنازلات لصالح الصهاينة، مقابل تعويضات واستثمارات ومشاريع تنموية.
وفي سياق التبرير, ذهبت الأذرع الإعلامية للانقلاب إلى القول بأن الدول الأخرى مثل تركيا تمنح الجنسية مقابل الاستثمار, وهي حجة داحضة؛ لأن مناخ الحريات هناك كفيل بالكشف عن أي تجاوز, كما أن السلطات التركية تشترط الاحتفاظ بعقار بمليون دولار لمدة ثلاث سنوات، أو إيداع ثلاثة ملايين في بنك تركي، أو توظيف مائة عامل تركي في مشروع يملكه الأجنبي، أو الاستثمار في سندات حكومية بقيمة لا تقل عن ثلاثة ملايين. في حين أن برلمان الانقلاب وحكومته سوف يتواطآن؛ ليتم منح الجنسية المصرية للوافدين الذين يرغب عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب في أن يقيموا ويتملكوا داخل البلاد, وسوف يكون هدفهم ليس تنشيط الاستثمار, وإنما السيطرة على الاقتصاد, ومن بعده السياسة, ومنظومة الحكم, ما يمثل خطرا على الأمن القومي.
*المستثمر المقصود بمنح الجنسية
يبحث المستثمر عن البلدان الواعدة اقتصاديا, المستقرة سياسيا حيث تزيد فرص النجاح, وتتعاظم الثقة في المستقبل, بينما الوضع خلاف ذلك تماما في مصر, التي تقف على حافة الإفلاس, وتعيش حالة غير مسبوقة من القمع, ويواصل قائد الانقلاب الحديث عن حروبه ضد الإرهاب!
والسؤال: ما الفائدة التي تعود على المستثمر من حصوله على الجنسية؟, إنه إذا كان يريد جنسية أفضل من بلده التي جاء منها فأمامه دول في الاتحاد الأوربي, أو تركيا حيث مناخ الاقتصاد الحر الذي لا يهيمن عليه الجيش, وهناك أيضا الحريات لمن يفكر في ترك بلاده بسبب القمع والاضطهاد, كما أن المستثمر الجاد ليس في حاجة إلى الحصول على الجنسية إذا كانت الدولة تقدم كل التسهيلات أمام الاستثمار الأجنبي؛ ما يجعل الباحث عن الجنسية المصرية صاحب أهداف أخرى غير معلنة, مثل أن يكون الصهاينة قد خططوا لتوطين أعداد منهم في مصر, تحت ستار قانون منح الجنسية (أو بالأحرى بيعها لهم), بالإضافة إلى ارتباط ذلك بالاتفاقات السرية لقائد الانقلاب مع الصهاينة وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان, وهما المتعهدان بتمويل إجراءات تصفية القضية الفلسطينية, على أن يجري التنازل عن أراض مصرية.
إن سوابق سلطة الانقلاب لا تقدم أي طمأنة على مقدرات مصر؛ حيث تنازل عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير, وعن حقوق مصر في مياه النيل, والغاز والبترول في البحر المتوسط , ومن ثم يكون التشكيك في أهداف منح الجنسية موضوعيا, ومنطقيا تماما؛ فمصر تتعرض لمؤامرة كبرى لاختراقها, وليس أوضح دليلا على ذلك من دعم الانقلاب العسكري على حكم شرعي منتخب, وإذا سنحت الفرصة لزرع أقليات, خاصة من العدو الصهيوني؛ فإنها ستكون قاعدة للتخابر والتخريب, وتنفيذ مخططات خطيرة تقوض أمن البلاد وسلامتها.
ومما يثير الشكوك أيضا أن القانون الذي عدله برلمان العسكر يضمن السرية للراغبين في الحصول على الجنسية المصرية, ويتجاهل ذكر من يجب منعهم من الحصول عليها, وهي تغطية مكشوفة على الأهداف الخفية للقانون المشبوه, الذي ليس جديدا, وإنما جرى تعديله فقط, من أجل تيسير الاختراق الصهيوني للبلاد.
*ما الذي يكشفه القانون؟
يكشف إقرار القانون من قبل, ثم موافقة برلمان العسكر على تعديله عن الحالة التي سقطت فيها مصر منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013, وأن البرلمان المزعوم ليس إلا أداة في يد السيسي لاستمرار مخططه في تخريب البلاد وتسليم مقدراتها لدول وكيانات خارجية, طمعا في رضاهم عن بقائه مغتصبا لسلطة الحكم في مصر, كما يؤكد أيضا تهمة عمالته للعدو الصهيوني, والتي باتت لا تحتاج إلى دليل, وكذلك أكدت فشل حكم العسكر, وضحالة وعيهم بالمخاطر التي تترتب على استباحة الأجانب للبلاد, حيث تتحول الجنسية المصرية إلى سلعة يشتريها المتربص والعدو المتخفي، بما يشكل خطرا على الأمن القومي، خاصة في ظل التهديدات التي تحيط بالمنطقة، وتحاول فرض تصفية القضية الفلسطينية، وانهاء حق عودة الفلسطينيين, وتوطينهم في بلدان عربية بدلا من أراضيهم المحتلة, وقد كشفت أيضا عن حالة القمع غير المسبوقة التي جعلت الحياة السياسية في مصر تمر بحالة موات؛ فلا مظاهرات, ولا احتجاجات ضد القانون الكارثة .
إن منح الجنسية المصرية للأجانب في هذه الظروف يمثل تجسيدا للأسطورة الإغريقية القديمة حول حصان طروادة, الذي كان حيلة جيش الإغريق لاحتلال المدينة, بعد خداع أهلها, لكن يقظة الشعب المصري تنتظر الفرصة لهدم كل ما يخطط له العدو وعملاؤه, وإن غدا لناظره قريب.