الإمارات بين اليمن وإيران .. بداية سقوط حلم "إسبرطة" الجديدة
بقلم: حازم عبد الرحمن
في الجغرافيا السياسية تعتبر مساحة الدولة وعدد السكان من أهم عوامل قوتها, وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام الدول صغيرة المساحة في حماية أمنها القومي, لكن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات لا يعي هذه الحقيقة, بعدما نجح في تغييب الرئيس الشرعي الشيخ خليفة بن زايد عن المشهد؛ لتبدأ الإمارات نهجا غير مسبوق في تاريخها, وشرعت في التدخل غير المحسوب العواقب في مناطق كثيرة من العالم, تتحاشى قوى عظمى الاقتراب منها؛ خشية ما يمكن أن يجره ذلك من عواقب عليها, هي في غنى عنها.
وتجاوب محمد بن زايد مع تشبيه وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس الإمارات بإسبرطة القديمة, وهي المدينة اليونانية التي امتازت بقوة جيشها رغم قلة عدده, وكان ازدياد ثروتها وتوسع نفوذها على ما جاورها من المدن الإغريقية، أحد النتائج المباشرة لعدة حروب خلال تلك الحقبة الزمنية البعيدة.
وقد تدخلت الإمارات للتأثير في قرار السعودية باختراق الديوان الملكي عن طريق رجلها خالد التويجري رئيس الديوان السابق؛ لتكون توجيهات الملك عبد الله بن عبد العزيز وقراراته طبقا لما يحدده محمد بن زايد في أبو ظبي, وتواصل التدخل بعد وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان وخروج خالد التويجري من الديوان, حيث نجح بن زايد للمرة الثانية في إنشاء علاقة قوية مع محمد بن سلمان الابن المفضل لدى أبيه, وعن طريقه جرت تغييرات خطيرة في المملكة تثير الفتنة بين أمراء الأسرة الحاكمة, وتهدد أمنها بإدخالها في معارك وخصومات لا تجني السعودية من ورائها إلا الشوك, وقد دخلتا في حرب اليمن تحت لافتة دعم الشرعية, في حين كان هدف بن زايد مختلفا تماما؛ حيث يسعى لفصل جنوب اليمن عن شماله, والسيطرة على موانئه الاستراتيجية وجزيرة سقطري الفريدة, ونجح في إنشاء ميليشيات موالية للإمارات لفصل الجنوب؛ ما يمثل انقلابا ثانيا على الشرعية في اليمن, وأصبح اليمنيون يطالبون برحيل الإمارات عن بلادهم بعدما أنشأت سجونا تعتقل وتعذب أبناء اليمن التي جاءت بزعم مساندتهم لمواجهة الانقلاب الحوثي على الشرعية.
وكانت الأيادي السوداء لمحمد بن زايد سباقة في الوقوف وراء الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو 2013 , لتهدد مقدراتها بعد ذلك؛ حيث تغلغلت استثماراتها داخل القطاعات المصرية المختلفة من الطاقة وحتى العقارات والمواصلات, كما وقفت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15 يوليو 2016 , وما زالت تدعم انقلابا ضد الحكومة الشرعية في ليبيا؛ بتمويل الضابط المتقاعد خليفة حفتر عميل المخابرات الأمريكية, وتنفق المليارات لتسليحه وجلب المرتزقة للقتال في صفوفه, ورغم ذلك يتلقى الهزيمة تلو الأخرى, وتلعب في السودان دور الداعم لحكم العسكر ومنع الشعب من تحقيق أحلامه في الحرية وحكم نفسه بنفسه, وفشلت محاولاتها للانقلاب على الديمقراطية في تونس, وذهبت إلى الصومال لكنها تلقت صفعات مدوية بعد اكتشاف مؤامراتها هناك, كما تورطت في محاولات فاشلة للانقلاب في سلطنة عمان, ومثلها في الأردن.
وسلكت الإمارات بقيادة حاكمها الفعلي محمد بن زايد سلوك الدول العظمى ذات المصالح العابرة للقارات, في حين أنها دولة إقليمية صغيرة, يجب أن تكون لها أولويات أخرى غير التمدد العسكري؛ فارتفع طموحها السياسي, دون أن تكون لها قاعدة راسخة يرتكن إليها هذا الطموح؛ فمساحة الإمارات صغيرة, وعدد من يعيشون على أراضيها عشرة ملايين, لكن 90% منهم أجانب, وعدد السكان المواطنين هو مليون نسمة فقط, وهو من العوامل الأكثر أهمية في حساب عناصر القوة؛ ما يجعل مقارنتها بدول أخرى لا تسلك النهج نفسه ليس في صالح الإمارات, بل يكشف عن خلل خطير في رأس الدولة, أكسبها عداوة شعوب كثيرة؛ فبرغم نجاح الانقلاب العسكري في مصر إلا أن غالبية الشعب المصري يدرك دور الإمارات في الانقلاب على ديمقراطيته الوليدة ودعمها العسكر في قتل الآلاف من الأبرياء, وفي اليمن قالها الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي لمحمد بن زايد صراحة: "أنتم دولة احتلال", ولا يوجد في اليمن من يقبل بالوجود الإماراتي إلا الميليشيات التي دربتها وتمولها الإمارات, وفي السودان طالبت قوى الثورة بإبعاد الإمارات عن التدخل في شئونهم حتى لا تعمل على إفساد ثورتهم, وفي ليبيا تسببت الهزائم المتتالية للمنقلب حفتر في البحث عن بديل, وحل سياسي, حسبما ينادي المجتمع الدولي.
*تململ حكام الإمارات
إزاء نهج محمد بن زايد الخطير, لم يكن حكام الإمارات السبع راضين عن الخروج على سياستها منذ نشأتها في عام 1971 م فحدث تململ بين الحكام السبعة, وعلى رأسهم محمد بن راشد حاكم دبي رئيس الوزراء وقد شاهد الصواريخ الباليستية, والطائرات المسيرة تقصف مناطق عسكرية في السعودية, ويتم احتلال عشرات الكيلو مترات من أراضيها, من قوة جماعة الحوثي الصغيرة , وهي ليست جيشا لدولة كبيرة مثل إيران؛ فكان لا بد من اجتماع يتصارح فيه الحكام ويناقشون الأخطار الي أوردهم فيها محمد بن زايد؛ فالإمارات دولة بلا عمق, صغيرة المساحة والسكان, ولا يمكنها أن تتحمل ما جرى للسعودية التي استصرخت العالم العربي والإسلامي لنجدتها من جماعة الحوثي, ومع التصعيد الأمريكي الإيراني المتبادل في الخليج عقد حكام الإمارات اجتماعا سريا عقب إعلان إيران إسقاطها طائرة مسيرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية يوم 20 يونيو الماضي, وحضر الاجتماع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد , وانتقد محمد بن راشد خلال الاجتماع سياسة بلاده الخارجية، وطالب بإعادة النظر بشكل كلّي في السياسات الخارجية للدولة وقال صراحة: "علينا أن نتخلى مباشرة عن سياسة التدخل في شئون الدول، فهذه السياسة تكلفنا كثيرا ودون أي مقابل", مشيرا إلى ضرورة الامتناع عن إنفاق أموال ضخمة لصالح مناطق لا مصلحة للإمارات فيها، مؤكدا أن تغيير النظام في ليبيا أو السودان، لن يضر أو ينفع الإمارات في شيء, وحذر من السير قدما في معاداة إيران والتحريض عليها, فإن الرد الإيراني سيكون عبر استهداف الامارات أو السعودية بشكل مباشر أو عبر الحوثيين, كما أن الإمارات ستخلو من المستثمرين الأجانب في حال سقط صاروخ واحد من إيران على أراضيها، ولن تتمكن من الاحتفاظ بالعمال الآسيويين.
ورغم دكتاتورية بن زايد وعناده فإنه لم يستطع إلا الرضوخ لرأي حكام الإمارات السبع, وهو من كان يتحسب من قبل لأن يعارضه منهم أحد ؛ فسعى سرا لخلع بعضهم؛ لولا أن حذره محمد بن راشد من مغبة هذا العمل ومخاطره على وحدة الدولة.
*التراجع
لم يكن قرار الانسحاب من اليمن سهلا؛ فهو سيغضب الحليف التابع في الرياض, ويعكس تراجعا عن الحرب في اليمن ما يعني أن قرار دخولها كان خطأ, وكذلك اتفاقاتها السرية مع جماعة الحوثي بعيدا عن السعودية, ثم زيارة وفد إماراتي إيران لبحث التعاون الأمني, وهي التي كانت بالأمس تحرض على إيران, وتعيب على قطر إقامة علاقات مع طهران, بل اعتبرت ذلك مبررا لحصار الأولى وقطع العلاقات معها, وهو الأمر الذي يكشف عن الخلل الخطير في رئاسة دولة الإمارات, التي سحبت وراءها الكثير من أخطاء الحكم السعودي التابع لأبو ظبي, وسوف يكون انسحاب الإمارات من اليمن, وفتحها طريقا للحوار مع إيران بداية سقوط أحلام محمد بن زايد في إنشاء "إسبرطة" جديدة في الخليج العربي؛ فقد تأكد الآن أنها أضغاث أحلام.