شماعة «الزيادة السكانية».. لماذا يتبنى السيسي مزاعم “مالتوس” ويتجاهل نظرية “بن خلدون”؟

 

 

 

المشكلة السكانية هي عدم التوازن بين عدد السكان من جهة والموارد والخدمات المتاحة من جهة أخرى، بمعنى زيادة عدد السكان دون تزايد مماثل في فرص العمل والتعليم والمرافق الصحية، وارتفاع المستوى الاقتصادي، وبالتالي تظهر المشكلة بشكل واضح عندما تكون معدلات الزيادة السكانية تفوق معدلات التنمية، وبالتالي لا تتماشى مستويات التنمية مع معدلات الزيادة السكانية؛ أي أنه لا ينظر إلى الزيادة السكانية باعتبارها مشكلة في حد ذاتها، وإنما ينظر إليها في ضوء التوازن بين السكان والموارد. فهناك كثير من البلاد لديها كثافة سكانية عالية لكنها لا تعاني من أزمة سكانية؛ لأن لديها حكومة رشيدة نجحت في تحقيق التوازن بين السكان والموارد.  وقد تجد بلدا قليل أو متوسط الكثافة السكانية لكنه يعاني من أزمة لأن لديها حكومة فاشلة لم تتمكن  من تحقيق التوازن بين معدلات التنمية ومستويات الزيادة السكانية.  وهناك وجه آخر للمشكلة السكانية فهي لا تتعلق فقط بزيادة معدلات السكان عن معدلات التنمية بل يمكن أن يكون هناك مشكلة تتعلق بزيادة معدلات التنمية عن معدلات الزيادة السكانية؛ وبالتالي تعاني مثل هذه البلدان من مشكلة “النقص السكاني”، وهو ما يترتب عليه نقصان في الأيدي العاملة وبالتالي نقصان في معدلات الإنتاج وتراجعا في مستوى الاقتصاد.

إزاء ذلك فإن مواجهة المشكلة السكانية في حالة تزايد معدلات السكان عن معدلات التنمية إنما يمكن أن يتحقق بطريقتين: الأولى، هي زيادة معدلات التنمية بما يواكب معدلات الزيادة السكانية، وهو ما يتطلب كفاءة عالية من جانب نظام الحكم من أجل تحقيق معدلات التنمية المنشودة لتحقيق التوازن بين عدد السكان واستثمار الموارد المتاحة. الطريقة الثانية،  هي الحد من التزايد السكاني، وإجبار المواطنين على الحد من النسل بالتشريعات والعقوبات المغلظة والضغط الحكومي والإعلامي وتوظيف المؤسسات الدينية بما يخدم أجندة نظم الحكم. وهذه الطريقة لا تلجأ إليها إلا النظم المعروفة بالاستبداد و الديكتاتورية؛ لأنها غالبا تفتقد إلى أدنى معايير الحكم الرشيد، وتدير بلادها بالبروباجندا والدعاية الإعلامية من جهة أو البطش والقمع الأمني من جهة ثانية.

ووفقا لإحصاءات الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن إجمالي عدد السكان في مصر بلغ نحو 101 مليون و375 ألفًا و894 نسمة، بداية العام الحاليّ، بزيادة بلغت مليون و375 ألفًا و894 خلال 10 أشهر و20 يومًا، فيما تصدرت القاهرة والجيزة قائمة المحافظات الأكثر اكتظاظًا بالسكان.

 

«العدو الوهمي»

ومنذ سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، دأب الجنرال عبدالفتاح السيسي وأركان النظام العسكري في مصر على تعليق فشلهم  المتواصل على شماعتين: الأولى خطر الإرهاب المحتمل. والثانية شبح الزيادة السكانية. وهو ما يأتي وفق نظرية ” صناعة العدو الوهمي” التي صاغها مفكرون فرنسيون في الستينات والسبعينات بينهم غوستاف لوبون، الذي رأى أن الدولة “القوية” ينبغي أن تبحث لها دوما عن (عدو وهمي) وتخلق حالة من (التحدي) لأغراض الحفاظ على حيوية الدولة القومية، وأن (التحدي) يوجه الأنظار دوما  إلى الخطر المحتمل، حتى إنه وصف الجماهير المطالبة بحقوقها آنذاك بأنهم (قطيع غنم) لايفقهون شيئاّ!

«العدو الوهمي» إذا هو صناعة سياسية تقوم بها أجهزة المخابرات من أجل تخويف الجماهير من هذا العدو الافتراضي والتضخيم في قوته ووحشيته والمبالغة في الدعاية السوداء بحقه، وفي هذه الحالة تتراجع مطالب الجماهير بالحقوق والحريات وتتهم الأنظمة الشمولية المطالبين بها بالأعداء! وهي أجواء تسمح للنظم المستبدة بممارسة أعلى درجات الانتهاك لحقوق الإنسان وارتكاب أبشع الجرائم  بدعوى محاربة هذا العدو الوهمي!

ويرى صاحب كتاب «صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح؟» للمفكر الفرنسي “بيار كونيسا”[1] أن وجود العدو ضرورة لكثير من الحكومات وأن معظم أجهزة الدولة والمخابرات، ومراكز التفكير والتخطيط الإستراتيجية، وكل صُناع الرأي يشتغلون على صنع العدو، سواء أكان هذا العدو منافساً عالمياً، أم عدواً قريباً، أم عدواً داخلياً حميماً (كما يحدث في مصر حاليا)؛ حيث ترى هذه القطاعات والأجهزة أنه من المفيد وجود عدو يصهر الأمة، ويؤكد قوتها، ويشغل قطاعها الصناعي والعسكري.

وأمام تراجع اقتناع الشعب المصري بأكذوبة الإرهاب كعدو وهمي  أمام جرائم النظام المتتابعة التي تؤكد كل يوم أن مصدر الإرهاب في مصر هو النظام نفسه الذي ارتكب أبشع الجرائم والانتهاكات كان لا بد من البحث عن عدو  وهمي جديد يعلق عليه النظام فشله  ويتستر خلفه مطالبا الشعب بالتأهب المستمر من أجل مواجهة هذا العدو الجديد الذي يلتهم «الإنجازات الكبرى» وجهود التنمية وتتلاشي إلى جواره هذه الإنجازات الضخمة التي قام بها النظام، لكن الشعب لا يرى لها أثرا أو ثمرة بسبب هذا «الغول»  المسمى بالزيادة السكانية!

في هذا السياق يمكن فهم أبعاد تصريحات الجنرال السيسي مؤخرا وقبل ذلك حول «غول» الزيادة السكانية، في الوقت الذي يتوسع فيه في بناء القصور والاستراحات الرئاسية في مناطق مميزة بالسواحل المصرية، ويهدر نحو 45 مليار دولار في بناء العاصمة الإدارية رغم أنها بلا جدوى اقتصادية ولا تسهم مطلقا في توفير أي فرص عمل دائمة أو زيادة الدخل القومي، ولا يكف الجنرال عن اتهام الشعب ـ باستمرار ــ  بالتسبب في حالة الفشل الدائم التي تمر بها البلاد في كافة القطاعات. ويحاول ــ عبثا ـ إقناع الشعب – المحصور في شريط ضيق على ضفتي النيل لا تتجاوز مساحته ٦ في المئة من إجمالي مساحة مصر – بالصبر على مصاعب الحياة العام تلو الآخر، دون إيجاد بدائل تنموية تحقق حد الكفاية للمواطنين، أو تساهم في تمكين جيل الشباب الذي يقضي المخلصون منهم زهرة عمره بالسجون والمعتقلات، ليستكمل – دونما خجل – رحلة البحث عن شماعة جديدة يعلق عليه إخفاقاته التي لا تنتهي.

وفي “23” يناير 2021م،  خرج الجنرال بتصريح مستفز قائلا: «الناس اللي بتقولي أخبار التعليم إيه، هقولهم وأخبار تحديد النسل إيه؟»، هكذا تحدث السيسي رابطًا بين تردي المنظومة التعليمية والزيادة السكانية خلال افتتاح مشروعات صغيرة في محافظة بورسعيد، متابعًا “ولا أنتم عايزين تطلبوا مننا، وإحنا منطلبش منكم حاجة؟”. وقبل أيام أعاد السيسي الحديث عن نفس الموضوع خلال كلمته في افتتاح عدد من مشروعات القطاع الصحي في محافظة الإسماعيلية بشأن مشكلة الزيادة السكانية، قائلًا: “لا نسعى لحل هذه المشكلة من خلال إصدار قوانين حادة.. مش كل الأمور ممكن تتعمل بشدة.. وإحنا شغالين على برنامج لمواجهة الزيادة السكانية.. ونوفر الخدمات المطلوبة لهذا الأمر”.

وكانت وزيرة التخطيط، هالة السعيد، على رأس المهللين لحديث السيسي؛ حيث خرجت لتؤكد أن المواطن المصري يكلف الدولة منذ الولادة حتى سن 70 عامًا نحو 1.5 مليون جنيه (96 ألف دولار)، مضيفة “لا نستطيع التحدث عن تنمية مستدامة دون التطرق إلى الزيادة السكانية التي تلتهم كل ثمار التنمية”، وهي التصريحات التي أثارت غضب المصريين على منصات التواصل الاجتماعي، رغم أنها ليست الأولى من نوعها.

بهذه التصريحات المستفزة يعمل السيسي وحكومته وآلته الإعلامية على تضخيم شماعة «الزيادة السكانية» لتبرير أي إخفاق في معدلات التنمية، ملقيًا بالكرة في ملعب الشعب الذي يعتبره السيسي متقاعسًا عن الدور المنوط به وهو تحديد النسل وتقليل معدلات النمو السكاني. حديث السيسي – الذي يمتلك أربعة أبناء – عن خطة حكومية لتقليص عدد الأطفال ليصبح أقل من طفلين خلال الأعوام المقبلة، أثار الكثير من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما بعد هرولة الإعلام الموالي للنظام ومؤسساته الدينية والثقافية للعزف على ذات الوتر، ليبقى السؤال الجدلي على مدار عقود طويلة مضت ما زال قائمًا: هل أزمة مصر في ثروتها البشرية فعلًا؟

 

أدوات النظام للحد من النسل

في أعقاب تصريحات السيسي انبرت حكومته وآلته الإعلامية لتددشين حملة واسعة متعددة الجوانب والزوايا والأبعاد، استخدمت فيها كل إمكانات الدول ومؤسساتها للتخديم على أجندة السلطة للحد من نسل المصريين وتقليل أعدادهم حتى تتواكب مع معدلات التنمية المنخفضة التي يحققها النظام.

أولا، شن الآلة الإعلامية حملة واسعة شاركت فيها الفضائيات والصحف والمواقع ومواقع التواصل الاجتماعي بهدف إقناع المصريين بضرورة الحد من النسل تحت لافتة “تنظيم الأسرة”.  في ذت السياق وضمن الحملة الحكومية أعلن  «المركز القومي للسينما» عن إنتاج عدة أفلام تناقش الموضوعات المتعلقة بالزيادة السكانية بهدف توعية المرأة والمقبلين على الزواج بضرورة تنظيم الأسرة، على أن يتم ذلك بالشكل الدرامي الذي بدورة أن يلائم كل طوائف المجتمع وخاصة المجتمع الريفي. مع التأكيد على عرض هذه الأفلام في كل محافظات وقرى مصر من خلال المسارح المتنقلة الخاصة بوزارة الثقافة. ويأتي ذلك في إطار إتجاهات النظام نحو تعزيز مفهوم الأسرة الصغيرة، والزعم بتصحيح المفاهيم المجتمعية الخاطئة التي تدفع الأسرة إلى كثرة الإنجاب، مع الالتزام بمبدأ عام وهو حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، وتأمين حقها في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة التي تمكنها من الوصول إلى العدد المرغوب من الأبناء، وكذلك لمساعدة الدولة في توفير التعليم والصحة والتأمين الاجتماعي لكل فرد في المجتمع.[[2]] إضافة إلى زيادة (جرعات التوعية الحكومية) بمشاركة جميع المؤسسات وعلى رأسها التضامن الاجتماعي والأوقاف حيث تم تدشين حملة “2 كفاية” للحد من الزيادة السكانية، والذي استهدف  أكثر من مليون سيدة من المستفيدات من برنامج تكافل وكرامة.

ثانيا، توظيف المؤسسة الدينية لتسويغ أجندة النظام وإضفاء مسحة دينية زائفة على مواقف السلطة؛[[3]] البداية كانت مع وزير الأوقاف محمد مختار جمعة الذي خصص عنوان خطبة الجمعة للحديث عن هذا الموضوع تحت عنوان “تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية”، وحذَّر جميع أئمة الأوقاف من الخروج عن مضمون الخطبة المحدد. وخرج  الوزير في خطبة جمعة بأحد مساجد المنوفية ليزعم أن “العقم” قد يكون نعمة من الله”. واعتبر لجوء بعض الأزواج الذين لم يرزقوا بالذرية إلى الوسائل الطبية من أجل الإنجاب شكلا من أشكال الاعتراض على حكم الله! أما دار الإفتاء لم تقف عند حاجز تأييد مواقف السلطة وفقط، بل دشنت حملة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، بهاشتاغ #تنظيم_النسل_جائز، للتأكيد على جواز تنظيم النسل، فيما أكد أمين الفتوى بالدار، خالد عمران، أن تنظيم النسل من الإسلام. عمرن خلال مداخلة هاتفية مع برنامج “على مسؤوليتي” المذاع على قناة “صدى البلد” شدد على أن تنظيم النسل ليس بدعة ولا يتعارض مع شرع الله، منوهًا أن هذا الإجراء كان معمولًا به أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلًا “الصحابة كانوا يعزلون بعلم الرسول محمد صلى عليه وسلم لأسباب كثيرة منها رعاية لصحة الأم وجودة النسل للحفاظ عليهم”. وكان طلعت عبدالقوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، قد دعا في 2018م إلى إعادة النظر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “تكاثروا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”متهما ما أسماها بالموروثات الثقافية والمعتقدات الدينية الخاطئة بالتسبب فيما أسماه بأزمة الزيادة السكانية.[4] و لكن هناك ملاحظتان بشأن التوظيف السياسي للمؤسسة الدينية لخدمة أجندة السلطة في هذا الملف:

  • الملاحظة الأولى أن المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية شاركت في التخديم على أجندة السلطة بكل طاقتها بينما اختفت المؤسسة الدينية النصرانية، ولم يسمع للكنيسة في هذا الأمر صوت؛ تفسير ذلك أن الكنيسة تحرم تحديد النسل، كما أنها تحض رعاياها على زيادة النسل لزيادة عدد رعايا الكنيسة التي عادة ما تعمل على تضخيم نسبة الأقباط في مجتمع تصل نسبة المسلمين فيه نحو 95% من جملة السكان؛ وبالتالي فإن مشاركة الكنيسة في هذه الحملات سيجعل الكنيسة في تناقض كبير؛ حيث سيكون خطابها موجها لرعاياها الذين تحرضهم على زيادة النسل دون اكتراث من جانب النظام وكأنهم ليسوا مصريين وليسوا معنيين بأزمات النظام مع شماعة الزيادة السكانية.
  • الملاحظة الثانية، أن المؤسسة الدينية الرسمية الإسلامية تمارس الخداع والتضليل؛ ذلك أنهم يستخدمون مصطلح “تنظيم النسل” في الإشارة إلى مفهوم “الحد من النسل”؛ فالحكومة تتبنى الثاني وهو محرم وفقا لفتاوى المجامع الإسلامية ومشايخ الأزهر، بينما لا توجد مشكلة (فقهية أو شرعية) مع “تنظيم النسل”. «فالإسلام لا يمنع تنظيم النسل، بل في تعاليمه ما يكفل ذلك من خلال إكمال مدة الرضاعة الطبيعية إلى عامين، ولا حرج أن تستريح المرأة بعد ذلك سنة مثلا، ثم تأتي مدة الحمل الثاني فيكون الفارق بين الطفلين أربع سنوات وربما أكثر، ولا بأس من استخدام الوسائل التي تؤخر الحمل خلال هذه الفترة، أما تحديد النسل من خلال الإعلان عن الاكتفاء بطفلين أو ثلاثة مثلا، فحرام شرعا ويخالف نصوص الدين وثوابت الشريعة، ومحاولة بعض المفتين مجاملة رؤسائهم بإصدار فتاوى تجيز ذلك، يصادم ما استقرت عليه فتاوى العلماء الكبار الذين رحلوا دون أن يغيّروا أو يبدّلوا، وما أكدته المجامع الفقهية التي تتحرك تحت مظلة المسؤولية الشرعية بعيدا عن التوجيهات الحكومية، ومن ذلك ما صدر عن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي وجاء فيه: *”موضوع تحديد النسل، أو ما يسمى تضليلًا بـ(تنظيم النسل)، وبعد المناقشة، وتبادل الآراء في ذلك، قرر المجلس بالإجماع ما يلي: نظرًا إلى أن الشريعة الإسلامية، تحض على تكثير نسل المسلمين، وانتشاره، وتعتبر النسل نعمة كبرى، ومنة عظيمة منَّ الله بها على عباده، وقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودلت على أن القول بتحديد النسل، أو منع الحمل، مصادم للفطرة الإنسانية، التي فطر الله الناس عليها، وللشريعة الإسلامية، التي ارتضاها الله تعالى لعباده. ونظرًا إلى أن دعاة القول بتحديد النسل، أو منع الحمل، فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين؛ لتقليل عددهم بصفة عامة، وللأمة العربية المسلمة، والشعوب المستضعفة بصفة خاصة؛ حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد، واستعباد أهلها، والتمتع بثروات البلاد الإسلامية. وحيث إن في الأخذ بذلك ضربًا من أعمال الجاهلية، وسوء ظن بالله تعالى، وإضعافًا للكيان الإسلامي، المتكون من كثرة اللبنات البشرية، وترابطها؛ لذلك كله فإن المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع: أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقًا”.[[5]]

ثالثا، التوجه ـ لأول مرة في تاريخ مصرــ  نحو سن تشريع جديد لتحديد النسل والحد من الزيادة السكانية؛ إذا كشفت النائبة بالبرلمان هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة بالمجلس، أن المجلس سيناقش مشروع القانون المقدم منها للحد من الزيادة السكانية خلال الفترة المقبلة، ووصفتها بالخطر الذي يهدد البلاد ويضرب أمنها القومي.[[6]] في ذات السياق، دعت وزيرة التضامن الاجتماعي بحكومة الانقلاب، غادة والي، الإثنين 15 فبراير 2021م، إلى فرض عقوبة قانونية على كثرة الإنجاب، للمساهمة في الحد منه. وشددت والي، خلال مشاركتها باحتفال منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشائها، على أهمية تضافر الجهود والعمل مع جهات الدولة للحد من هجرة الأطفال، وحمايتهم مما يقع عليهم من أذى في مراحلهم السنية المختلفة. وأضافت أن مصر لديها 9 ملايين طفل تحت خط الفقر، ما يعني افتقارهم إلى الحد الأدنى من الرعاية، مشيرة إلى أنهم يتعرضون لأنواع مختلفة من العنف أشد قسوةً من مجرد التربية السليمة أو عدمها، وضربت أمثلة منها الزواج المبكر، والفتيات اللاتي يعانين من الإنجاب المبكر. وكانت لجنة الأمن القومي بالبرلمان السابق قد أوصت في 2018م بتحفيز الأسر التي تنجب طفلا واحدا  وإصدار الدولة شهادات شرفية للوالدين اللذين يقرران ذلك من تلقاء نفسيهما ، وإعفاء الطفل الوحيد من الرسوم الدراسية في مراحل التعليم المختلفة الابتدائي والمتوسط والجامعي، وإعطاء أولوية في العمل للطفل الوحيد حين يصل إلى سن العمل”.[7] بخلاف توصيات البرلمان برفع سن الزواج وتوفير وسائل منع الحمل ودمج برامج التوعية بشأن الأسرة والسكان والحد من الزيادة السكانية في برامج التعليم المختلفة.[8]

رابعا، معاقبة الأسر التي لديها 3 أطفال ومكافأة الأسر التي لديها طفلان فقط، حيث أعلن مصطفى مدبولي رئيس الحكومة في أواخر نوفمبر 2018 حصر الدعم النقدي في برنامج المساعدات النقدية المشروطة (معاش تكافل وكرامة) بالأسر التي تضم طفلين فقط، واستبعاد الأسر التي تضم ثلاثة أطفال فأكثر (مليون أسرة تقريباً)، وهو ما جرى العمل به اعتباراً من بداية يناير 2019م، بدعوى إتاحة الفرصة لدعم المزيد من الأسر الصغيرة، كاشفاً كذلك أن الحكومة تدرس أكثر من سيناريو حالياً لترشيد الدعم العيني. وطالب  جميع مؤسسات الدولة بالعمل على الحد من الزيادة السكانية، والتي وصلت إلى 2.5 مليون نسمة، وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.[9]

 

نعمة أم نقمة؟

ثمة نظريتان حول جدوى الزيادة السكانية وتأثيرها على قطاعات التنمية في البلدان المختلفة:

النظرية الأولى في السكان لصاحبها الاقتصادي الانجليزي الشهير (توماس روبرت مالتوس ــــ14 فبراير 1766 – 23 ديسمبر 1834) في القرن الثامن عشر، والتي ادعى فيها أن العالم لابد أن يشهد كل ربع قرن ما يشبه المجاعة, وذلك نتيجة ميل سكانه للزيادة وفق متوالية هندسية ، بينما يميل الغذاء إلى الزيادة بحسب متوالية عددية. ومن ثم فإن وجود فجوة بين السكان والموارد الغذائية أمر لا مفر منه، وازدياد هذه الفجوة اتساعا بمرور الزمن أمر لا فكاك عنه. وانتهى (مالتوس) لحل ينافي الفطرة الإنسانية لهذه المشكلة من خلال مطالبته بالعزوف عن الزواج أو تأجيله بهدف الحد من الزيادة السكانية، وإلا فإن الطبيعة ستحصد الرؤوس الزائدة من خلال الأمراض والأوبئة نتيجة سوء التغذية، أو بالحروب نتيجة للتصارع على الموارد الغذائية.[10]

النظرية الثانية لعالم علم الاجتماع الأعظم الإمام “عبدالرحمن بن خلدون” في مقدمته الشهيرة  في  القرن الرابع عشر الميلادي، «مقدمة ابن خلدون»،  الذي نظر للزيادة السكانية كقوة تنموية، حيث أولى أهمية كبرى لعدد السكان في تحقيق التنمية، واعتبره من مقوماتها ودلالتها، فالزياة السكانية في نظره تؤدي إلي زيادة درجة العمران. وقلتها في بداية الدولة تعيق التنمية وفي نهايتها تضعفها. وعبر “بن خلدون” عن ذلك بالقول في مقدمته: «الترف (الرفه) يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها، والسبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهم الملك والترف كثر التناسل والولد والعمومية، فكثرت العصابة واستكثروا أيضاً من الموالي والصنائع وربيت أجيالهم في جو ذلك النعيم والرفه، فازدادوا بهم عدداً إلى عددهم وقوة إلى قوتهم بسبب كثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد»‏. ويضيف أستاذ علم الاجتماع الأعظم في التاريخ الإنساني: «عظم الدولة واتساع نطاقها وطول أمدها على نسبة القائمين بها في الكثرة والقلة»، وأضاف أيضاً: «ألا ترى إلى الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق والكسب فيها أو يفقد؛ لقلة العمال الإنسانية، وكذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر يكون أهلها أوسع أحوالاً وأشد رفاهية؟»[11].

 

 

السيسي يتبنى نظرية القس مالتوس

نظام العسكر في مصر  منذ أيام الدكتاتور جمال عبدالناصر يتبنى النظرية الأولى للسكان للقس الأمريكي “مالتوس” باعتبارها  مشكلة وعامل من عوامل الإعاقة وتجاهل نظرية الإمام “ابن خلدون” التي ترى أن الزيادة السكانية عوامل رئيس من عوامل القوة والنهضة، وعلى خطاه يمضي جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي متبنيا  نظرية القس مالتوس لاعتبارات سياسية تتعلق باتخاذ الزيادة السكانية شماعة يعلق عليها فشله كلما احتاج.

هذا العدو الوهمي تحدث عنه السيسي مرارا وتكرار، ففي مؤتمر الشباب الرابع بمدينة الإسكندرية يوليو 2017 قال الجنرال إن «الإرهاب والزيادة السكانية، هما أكبر خطرين يواجهان مصر في تاريخها»[12].   وبذلك ينتقل الجنرال من اتهام الإسلاميين بإعاقة جهوده المزعومة في التنمية بدعوى الإرهاب إلى  اتهام الشعب كله بالتسبب في إجهاض إنجازاته ونسف جهوده في التنمية عبر  زيادة النسل والتكاثر ؛ وبذلك باتت الزيادة السكانية شماعة جديدة للسيسي يعلق عليها فشله وعدم قدرته على إدارة موارد الدولة بشكل صحيح تسهم في تحسين مستويات معيشة المواطنين.

وأمام “1300” شاب وفتاة اختارتهم الأجهزة الأمنية بعناية إضافة إلى عدد كبير من الوزراء والمحافظين والمسئولين، تناول السيسي شماعة “الزيادة السكانية” وأكد على عدد من المضامين والمخاوف منها:

أولا، التأكيد على أن موضوع الزيادة السكانية تحد يقلل فرص مصر في أن تتقدم للأمام». وعلق عليه فشله في قطاع التعليم مضيفا «إذا كنا نرغب في توفير موارد للتعليم وتوفير وظائف مناسبة للشباب والصحة يجب أن يتم ضبط النمو السكاني».

ثانيا، التشديد على أن الزيادة السكانية مستمرة بمعدلات كبيرة، وسوف يشكل ذلك عبئاً كبيراً على الدولة إذا استمرت هذه المعدلات الكبيرة للنمو السكاني».

ثالثا، اتهم هذا العدو الوهمي الجديد “الزيادة السكانية” بالتسبب في اختفاء ما أسماها بالآثار الإيجابية للإنجازات مدعيا أن  التحدي السكاني هو تحدٍ عظيم جداً ويتطلب تضافر كل الجهود بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني والأهالي لتحقيق نتيجة جيدة.

وفي أكتوبر الماضي 2018م، أعاد السيسي نفس التحذيرات خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، مؤكدا «إذا ظللنا على هذا الوضع لن يكون هناك أمل أو تحسن للواقع، وأن كل ما يقام بالدولة المصرية من إنجازات، سيهدر ويختفى بدون فهم ووعى المصريين».[13] وهي التصريحات التي تكررت في عشرات المواقف وتلح عليها وسائل الإعلام المختلفة باستمرار.

 

«حقائق تعصف بأكاذيب السيسي»

أولا، النموذج الصيني، فعلى عكس السيسي ونظام العسكر تتبنى الصين (1.4 مليار نسمة) وأوروبا النظرية الإسلامية للإمام ابن خلدون؛ وعندما سُئِل  الرئيس الصيني ذات يوم (عندكم مليار فم يطلبون الطعام يومياً فكيف ستوفرونه لهم؟!) أجاب: (تذكروا أن عندنا 2مليار يد مُنتِجه!),وكان هذا قبل أن يظهر التعداد الأخير للصين وقتها بمليار و300مليون نسمه. كان هذا الرد يُمثل الفلسفه والمنهج الذي  انتهجته حكومة الصين لمواجهة زيادة السكان، وهو ما خالفت فيه قائد ثورتها ماوتسي تونج الزعيم الشيوعي والتاريخي للبلاد الذي كان يتبنى مزاعم اعتبار الزيادة السكانية عبئا ثقيلاً، فقال ذات يومٍ (مرحباً بالحرب  فلو أكلت مائه مليون أو أكثر فسنكون مُمتنين لها).[14]

القياده الجديد للصين  تبنت النظرية الإسلامية  باعتبار زيادة السكان ثروة للبلاد إن أُحسِن استثمارها، وأن هذه العمالة لو وُظِفت بطريقة منظمة وعلمية لأدخلت ثروة للبلاد لا تقدر بثمن، وقد كان حيث دربوا تلك العمالة وخصصوا لكل منطقة صناعة معينة أو سلعة معينة يبرعون في صناعتها ويعمل فيها الجميع، وأعطوا للعامل الصيني مايقارب دخله لو هاجر للخارج، فتحوا باب المنافسة، وجعلوا الربح بقدر العمل وليس بقدر الحاجة، وفتحوا الباب للاستثمارات الخارجية التي وجدت في العمالة الصينية المُدربة والرخيصة نسبياً مقارنة بالعامل الأمريكي أو الأوربي  ضالتها، وفرصة لزيادة التوزيع بالخارج، وأصبحت الصين تنتج كل شيء لكل بلدان العالم.

أثمر تبني الصين لنظرية الإمام ابن خلدون الإسلامية ارتفاع  دخل المواطن الصيني من 150 دولار إلي 6400 دولار أي أكثر من 110 ألآف جنيه  مصري، فلو ضربته في مليار وأربعمائة ألف لصار رقماً مهولاً، وارتفع الاحتياطي النقدي إلي أكثر من ثلاثه تريليون دولار (الاحتياطي المصري 38 مليارا معظمها ديون وودائع ويتفاخرون به)، وصار الاقتصاد الصيني أعلي معدل نمو في العالم، وثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، ساهم في ذلك جدية الحرب على الفساد والقضاء عليه بمحاكمات عاجلة ناجزة وعقوبات رادعة وصلت إلى الإعدام الفوري.

وفي 2015م أدركت الحكومة الصينية خطأها بسن قوانين صارمة تحد من النسل وتفرض عقوبات على من ينجب أكثر من طفل، لكنها تراجعت عن كل ذلك وبدأت في تحفيز الصينيين  على الإنجاب، وكشفت صحيفة The Times البريطانية في تقرير لها، نشرته في 19 مايو/أيار 2020، أنَّ الصين تتجه لتغطية أغلب تكاليف رعاية الأطفال منذ الولادة وحتى التخرج في الجامعة، لتساعد في زيادة معدلات الإنجاب.تقرير الصحيفة البريطانية أوضح أن هيئة استشارية ذات نفوذ سياسيٍّ، اقترحت عرض مساعداتٍ ماديةٍ واسعة النطاق على الأُسر؛ لرفع معدلات الإنجاب المنخفضة في كبرى دول العالم من حيث السكان، من بينها خفض الضرائب على الدخل للآباء الجدد. من جهتها، قالت الرابطة الديمقراطية الصينية: “انخفضت معدلات المواليد في السنوات الأخيرة، وباتت المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا أشد وطأةً اليوم”. وتقترح الرابطة سلسلةً من المعونات؛ للمساعدة في تكاليف رعاية الأطفال، وأيضاً معونات للأجداد؛ لمكافأتهم على مساعدتهم الآباء الصغار في الاهتمام بنسلهم. وعلى خطى الصين تمضي الهند (1.3 مليار نسمة) واليابان (180 مليون نسمة) ودول أوروبا التي تفتح باب الإنجاب لمواجهة مظاهر الشيخوخة التي تفشت في بلادها في العقود الأخيرة.

من جهة ثانية، فإن اليابان (نحو 125 مليون نسمة)، تمثل أكبر رد على إفك السيسي وأكاذيبه، فهي  دولة صغيرة المساحة نسبيا، تبلغ مساحتها ثلث مساحة مصر تقريبا، وتحتل المرتبة الحادية عشرة عالميا من حيث الكثافة السكانية، ومواردها الطبيعية محدودة للغاية، وتتعرض بين حين وآخر لكوارث طبيعية مثل الفيضانات العارمة والزلازل المدمرة. ورغم شح الموارد الطبيعية لديها واعتمادها على استيراد مختلف المواد الخام التي تحتاجها في الصناعات الثقيلة وتكنولوجيا المعلومات، تمكنت اليابان من إحراز تقدم تكنولوجي هائل، واحتلت موقعا متميزا على خارطة الصناعة العالمية. بدأت اليابان خطواتها الأولى مع النهضة بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها – في توقيت متقارب جدا مع استلام الجنرالات حكم مصر عام ١٩٥٢م – فبعد فترة وجيزة من هزيمتها في الحرب العالمية، التي خرجت منها منهارة اقتصاديا وغير قادرة على الإنتاج، وإعلانها الاستسلام وقبول مبادئ مؤتمر بوتسدام، استثمرت اليابان في البشر، فأولت التعليم مكانة خاصة، وفي غضون سنوات قليلة تحولت مرارة الهزيمة إلى إنجازات في شتى المجالات، ليسجل ميزانها التجاري ربحا سنويا يصعب تصوره، بعدما اعتمدت مفهوم الجودة الشاملة كشعار لمنتجاتها التي حظيت بسمعة مرموقة ساعدتها على الاستمرار والمنافسة، إلى حد تجد معه الدول الصناعية الكبرى صعوبة في اللحاق بها تكنولوجيا فضلا عن إيقافها أو منافستها.[[15]]

من جانب ثالث، فإن الدول الأكثر نموا هي الدول التي تحفز شعوبها على زيادة الإنجاب، فقد احتلت الهند والصين وماليزيا والفلبين وتركيا المراتب الأولى بين الدول الأكثر نموا متوقعا في 2021م وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي في تقرير الصادر عن شهر يناير 2021م. وهو التقرير الذي يشير إلى أن الهند مرشحة لتحقيق أعلى نسبة نمو على مستوى العالم قد تصل إلى “11.5%”. تليها الصين “8.1%”، وتركيا نحو “6%”.[[16]]

من جانب رابع، فإن زيادة النسل تعد نقطة قوة في عرف حكومات معظم الدول المتقدمة، ولذا تحرص الدول التي تعاني عجزا في السكان وخصوبة أقل لمواطنيها على تعويض النقص الحاصل في السكان عبر تشجيع الإنجاب وجذب المهاجرين، ولنا مثل في ألمانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندة وغيرها. المجر مثلا تشجع المواطنين على كثرة الإنجاب، بل وفي حال زيادة الإنجاب يتم إلغاء الضرائب على الأسر، وكذا الحال لدول شمال أوروبا، مثل الدنمارك والسويد والنرويج، فهذه البلدان تشجع الزوجين على إنجاب المزيد من الأطفال ومنحهما مزايا نقدية، مثل العطلة مدفوعة الأجر عقب الإنجاب، ووجود حضانات ومدارس عمومية ذات جودة عالية. ومنذ سنوات تطبق فنلندا برامج لدعم الأسر، منها صندوق الطفل، الذي تقدمه للأبوين قبل موعد الولادة، ويتضمن توفير جميع مستلزمات الطفل، وإعانة نحو 100 يورو للطفل شهريا، وإجازات أمومة وأبوة تصل إلى تسعة أشهر مع دفع 70% من الراتب المستحق. واشتهرت فرنسا بسياساتها المؤيدة للإنجاب، وبأنها تنفق أكثر من سائر الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على رعاية الأسرة. وفي روسيا كشف الرئيس فلاديمير بوتين، في فبراير/ شباط 2019، عن قرار تقليل الضرائب على الأسر التي يزيد إنجابها للأطفال. وتحت شعار “كونوا مثل الأرانب”، أطلقت بولندا، التي تم إدراجها ضمن الدول الأدنى في معدلات الإنجاب في أوروبا، حملة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، لحث المواطنين على زيادة الإنجاب. وفي 2019 شجعت إيطاليا المواطنين على زيادة الإنجاب، بمنحهم قطعة أرض مجانية كهدية عند إنجاب طفل، وتبنت الحكومات المتعاقبة شعار “الأرض مقابل الأطفال”.[[17]]

الخلاصة، الكثير من الخبراء لا ينكرون تأثير الزيادة السكانية في معدلات التنمية، لكن في الوقت ذاته يرجعون هذا التأثير السلبي إلى سوء إدارة هذا المورد العظيم، فالثروة البشرية من الممكن أن تكون نعمة ونقمة في الوقت ذاته، غير أن هذا يعتمد على  إستراتيجية إدارتها وتوظيفها لصالح مسارات التنمية والتطور، وهو ما تترجمه تجارب العشرات من الدول التي لديها معدلات سكانية كبيرة لكنها في الوقت ذاته تحقق طفرات اقتصادية هائلة.

أمام تجارب الصين والهند واليابان وهي تجارب فريدة وملهمة، إضافة إلى التجارب العالمية الأخرى كما في الولايات المتحدة وتركيا وماليزيا وبلاد أوروبا كلها تثبت صحة النظرية الإسلامية التي وضعها الإمام ابن خلدون في السكان، وتجعلنا ندرك كم يفتري العسكر على الزيادة السكانية في مصر، فلا همَّ لهم سوى النواح ولطم الخدود وشق الجيوب وتعليق الفشل المتواصل على شماعة السكان، وهو الثروة  القومية الكبرى التي تستطيع أن تنقل مصر إلى بلد عظيم لو أحسن استثمارها على النموذج الصيني أو الياباني. كما ندرك من خلال هذه المقارنات الكاشفة كم يرتكب حكم العسكر في حق مصر من جرائم كبرى بالتسبب في تخلفها ووأد أي محاولات جادة لنهضتها،  فلا هم لهم سوى السطو على الحكم عبر الانقلابات العسكرية وقمع الشعب بالحديد والنار وفق نظرية «إما نحكمكم أو نقتلكم»!

 

———————————

[1] محمود المنير/قراءة في كتاب: صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح/ مجلة المجتمع  18 مارس 2017

[2] «القومي للسينما» يستعد لإنتاج سلسة أفلام لمواجهة الزيادة السكانية بمصر/ بوابة الشروق الأربعاء 17 فبراير 2021

[3] مؤسسات دينية تنتفض لإقناع المصريين بتحديد النسل/ الجزيرة نت 18 فبراير 2021م

[4] نشأت أبو العينين/”الجمعيات الأهلية”: المعتقدات الدينية الخاطئة وراء الزيادة السكانية/ البوابة نيوز الإثنين 25/سبتمبر/2017

[5] د. محمد الصغير/ تحديد النسل بين الفتاوى الشرعية.. والجينات العسكرية/ الجزيرة مباشر 26 فبراير 2021م

[6] برلمانية: النواب يناقش مشروع قانون للحد من الزيادة السكانية/ المصري اليوم السبت 27 فبراير 2021م

[7] مصر: البرلمان يوصي بتشجيع الأسر ذات الطفل الواحد/العربي الجديد 25 نوفمبر 2018

[8] محمد غريب/«دفاع النواب» توصي برفع سن الزواج وتوفير وسائل منع الحمل مجانًا..إصدار شهادات شرفية للوالدين اللذين يقرران إنجاب طفل واحد/ المصري اليوم الأحد 25 نوفمبر 2018

[9] مصر: البرلمان يوصي بتشجيع الأسر ذات الطفل الواحد/العربي الجديد 25 نوفمبر 2018

[10] أشرف دوابه/ الزيادة السكانية نعمة أم نقمة؟/“عربي 21” الأربعاء، 10 مايو 2017

[11] د.أشرف دؤابة/ ابن خلدون والزيادة السكانية/ مجلة المجتمع 05 سبتمبر 2017م

[12] السيسي: الإرهاب والزيادة السكانية أكبر خطرين يواجهان مصر/ الشرق الأوسط الثلاثاء25 يوليو 2017

[13] سمير حسنى – إبراهيم حسان/السيسى: الزيادة السكانية تحدٍ كبير أمام الدولة وعدم الوعى يهدم أى شىء/ اليوم السابع الخميس، 11 أكتوبر 2018

[14] دكتور جمال المنشاوي/زيادة السكان.. نعمه أم نقمه؟ مصر.. والصين.. نموذجاً!/ راي اليوم 02 أكتوبر 2017

[15] إبراهيم بدوي/ الزيادة السكانية.. معضلة الاستبداد الأزلية/ “عربي 21” الثلاثاء، 23 فبراير 2021

[16] تعرّف إلى الدول الأكثر نمواً متوقعاً في 2021… الهند والصين وماليزيا في الصدارة/ العربي الجديد 27 يناير 2021

[17] مصطفى عبد السلام/ عندما تتفاخر الدول بثروتها البشرية/ العربي الجديد 24 فبراير 2021

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022