وصفت صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية صفقة السلاح الإيطالية المرتقبة لنظام العسكر في مصر بــ«صفقة القرن المصرية» والتي تضم فرقاطات ولانشات وصورايخ ومقاتلات يوروفايتز يايفون الشهيرة، كما تضم الصفقة الضخمة فرقاطتين من نوع “فريم بيرجاميني” والموجودتين في البحرية الإيطالية، فضلاً عن 4 فرقاطات أخرى سوف يتم بناؤها للنظام في مصر خصيصاً، بالإضافة إلى ذلك، تشمل الصفقة التي تبلغ قيمتها ما بين 9 إلى 10 مليارات يورو والمتوقع إبرامها خلال الأسابيع المقبلة، نحو 20 لانش صواريخ، وعدد 24 مقاتلة يوروفايتر تايفون، وعدد 24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال المتقدم، وقمراً للتصوير الراداري.
ويثير حجم الصفقة الكبيرة وقيمتها الضخمة، التساؤلات عن أسرار وأبعاد توقيت وهدف الصفقة التي تأتي في وقت تعاني فيه مصر وضعا مزريا على المستوى الاقتصادي جرءا التداعيات الكارثية الطاغية لتفشي جائحة كورونا وتعليق النشاط الاقتصادي منذ أكثر من شهرين على الأقل.
كما تأتي هذه الصفقة في ظل توجهات النظام نحو التوسع في صفقات السلاح المليارية حتى باتت القاهرة من أكبر مستوردي السلاح في العالم وحلت في المركز الثالث عالميا بعد الهند والسعودية، وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” المتخصص في مراقبة حركة بيع وشراء السلاح بالعالم، بصفقات بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات من فرنسا وروسيا وألمانيا، وزادت واردات مصر من الأسلحة بنسبةٍ هائلة بلغت 215% في السنوات الماضية التي تلت انقلاب 3 يوليو 2013م.
ويمكن النظر إلى هذه الصفقة المحتملة لشراء يورو فايتر على أنها بديل لطائرات سوخوي 35 التي أبدت سلطات الانقلاب رغبة في شرائها من روسيا ولكنها ووجهت بتهديدات من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات رغم رفض واشنطن منح نظام السيسي الطائرات الأمريكية الشهيرة إف 35، ولهذا خشيت روسيا من أن تكون صفقة طائرات “يورو فايتر” من إيطاليا بديلا لصفقة طائرات “سوخوي ــ35” الروسية التي تعاقدت عليها القاهرة في 2018م، ونشرت وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” تقريرا في 9 يونيو ، كشفت فيه أن الموقع الرسمي للتعاقدات والمناقصات الحكومية الروسية نشر وثيقة مناقصة مرتبطة بعقد توريد بعض الوصلات الكهربائية والكابلات التي ستدخل في صناعة سلاح جديد لمصر، وأوضحت الوثيقة أن العقد تم إبرامه بين شركة “روس أوبورون اكسبورت” والجانب المصري عام 2018، وقالت وسائل الإعلام الروسية إن الجيش المصري يستعد خلال الفترة المقبلة لامتلاك عدد كبير من الأسلحة المتطورة أبرزها مقاتلة “سوخوي-35″ الروسية الملقبة بـ”الأفعى الروسية” أو “ملكة المقاتلات”.([1]) ونشر الإعلام الروسي لهذه الوثائق في هذا التوقيت يمثل رسالة للسيسي بأنها لن تسمح أن تكون الصفقة الإيطالية على حساب الصفقة الروسية الموقعة بين الجانبين منذ سنتين.
أهمية الصفقة لإيطاليا
رغم الصعوبات التي تواجه الحكومة الإيطالية بشأن تمرير الصفقة فيما يتعلق بمسألة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني بالقاهرة على يد ضباط الأجهزة الأمنية وإصرار نظام السيسي على التغطية على القتلة وعدم تقديم أحد من ضباطها لمحاكمة جادة وحقيقة؛ إلا أن الصفقة تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لروما، التي تريد تعزيز العلاقات مع القاهرة وإكسابها صلابة من أجل الحفاظ على حوار سياسي تراه مهما وبناء في كثير من الملفات المشتركة بالشرق الأوسط.
ووفق صحيفة “نوتيزي جيوبوليتيك” الإيطالية، فإن حكومة إيطاليا ضحت بقضية “ريجيني”، مقابل الحفاظ على التنسيق التجاري بين البلدين، والتعاون الثنائي في الأزمة الليبية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، ويشكل الملف الليبي أولوية لروما التي تريد تأمين مصالحها في البلد العربي المليء بالنفط، خاصة أن مصر تعد أحد اللاعبين الرئيسين على الساحة الليبية، إلى جانب الإمارات وفرنسا، ولم تضع وزارتا الخارجية والدفاع في إيطاليا أي قيود أو موانع تحول دون إتمام الصفقة مع القاهرة، حسب إفادة مدير وحدة ترخيص الأسلحة في وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية “ألبرتو كوتيلو”، وإن كانت الخارجية الإيطالية أعلنت في 10 يونيو أنها لم توافق بعد على الصفقة.([2])
أيضا، تبرز مصالح عملاق النفط الإيطالي “إيني” في خلفية الصفقة المرتقبة بين القاهرة وروما؛ حيث تعمل الشركة الإيطالية في حقل “ظهر” المصري، أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط. وتتوافق المصالح المصرية والإيطالية في أهمية تأمين موارد الطاقة، وحماية استثمارات البلدين في منطقة شرقي المتوسط. ومن المتوقع أن تصل معدلات إنتاج “ظهر” بنهاية العام الجاري إلى أكثر من 3 مليارات قدم مكعبة غاز يوميا، وتقدر احتياطياته بـ30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وتحصل “إيني” على 40% من عوائد الحقل لاسترداد تكاليف الاستثمار، إضافة إلى حصة 35% من عوائد الحقل كأرباح، على أن تكون حصة الشركة 35% من عوائد الحقل بعد استرداد تكاليف الاستثمار.
كما تكتسب الصفقة الضخمة أهمية كبيرة لروما التي تعاني حاليا من أزمة اقتصادية حادة في ظل تعليق النشاط الاقتصادي لأكثر من 3 شهور وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات من أجل مكافحة تفشي جائحة كورونا بخلاف خسائر تقدر بمئات المليارات نتيجة تعليق النشاط الاقتصادي، وبالتالي فإن الصفقة شديدة الأهمية لشركات تصنيع السلاح الإيطالية سوف تمثل خير تعويض لها عن هذا الفترة المؤلمة.
الطابع السياسي للصفقة
ما يؤكد الطابع السياسي للصفقة أنها تتضمن شراء 25 طائرة من طراز يورو فايتر تايفون، وهي طائرة من إنتاج كونيسيرتوم مكون من أربع دول أوروبية هي ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا. ومعظم دول منطقة الشرق الأوسط التي اشترت الطائرة مثل الكويت والسعودية وقطر، اشترتها من بريطانيا. لكن نظام السيسي يريد شراءها من إيطاليا للاعتبارات السياسية المرتبطة بالملف الليبي وتوجهات السياسية الإيطالية الداعمة للموقف التركي وحكومة الوفاق.([3])
ويعزز الطابع السياسي للصفقة من زاوية ثانية أن الطائرات يورو فايتر تايفون Eurofighter Typhoon التي تمثل ركناً مهماً في الصفقة باهظة الثمن حتى إنها تفوق في سعرها الـ”إف 35″ الأمريكية، رغم أنها تعتبر طائرة من الجيل الرابع والنصف، بقدرات شبحية جزئية، بينما الـ”إف 35″ طائرة من الجيل الخامس، أي إن لديها قدرات شبحية أعلى بكثير. كما أن اليورو فايتر واجهت مشاكل من جراء تعدد مصنّعيها، إضافة إلى مشاكل في ارتفاع تكلفة الصيانة وقصر عمر البدن عن المتوقع. وتؤدي هذه العوامل إلى أن أن هذه الطائرة الباهظة وقليلة الاعتمادية قد تمثل عبئاً على دولة ليست غنية كمصر، وهي عوامل عادة تكون مؤثرة للغاية في حال اتخاذ قرار على أسس فنية، لكن ذلك لا يمنع من أن طائرة يورو فايتر تايفون تعتبر من أكثر الطائرات تقدماً في العالم، وهي تتفوق على الرافال التي اشتراها السيسي من فرنسا، حسب بعض التقارير في قدرتها على القتال الجوي، خاصةً أن لديها محركاً أقوى وراداراً أكثر تقدماً. ولكن في المقابل تتفوق الرافال في قدرات القصف التي تأخرت اليورو فايتر في الحصول عليها. وهذا يجعل اليوروفايتر تتكامل مع الرافال.
ومن زاوية ثالثة تؤكد الطابع السياسي للصفقة أن إيطاليا ليست من الدول المعروفة بصناعة السلاح، وخلال السنوات الماضية لم تتجاوز صفقات السلاح المصرية من إيطاليا سوى عشرات الملايين من الدولارات ففي 2015 بلغت واردت السلاح المصرية من إيطاليا نحو 37.6 مليون يورو، وتراجعت بشدة بعد مقتل ريجيني إلى 7.1 ملايين يورو في 2016 ثم 7.4 ملايين يورو في 2017 لترتفع إلى أقصى حد في 2018 لتبلغ نحو 69.1 مليون يورو؛ احتلت بها مصر صدارة ترتيب الدول الإفريقية المشترية للسلاح الإيطالي؛ وعندما يبرم السيسي صفقة تصل إلى 10 مليارات يورو من دولة غير معروفة بصناعة السلاح، فإن ذلك يعني أن الطابع السياسي هو المسيطر على الصفقة ويأتي المعيار الفني لاحقا لأسباب تتعلق بالصراع الدائر في المنطقة وتوجهات تحالف الثورات المضادة نحو تكريس الدكتاتوريات العربية بالصفقات والقمع واسترضاء الغرب لمواجهة تركيا وقمع ثورات الربيع العربي.
أهداف الصفقة لنظام السيسي
بعد انقلاب 3 يوليو 2013م وحتى 2015 كان هاجس السيسي الأكبر هو تأمين شرعية النظام على المستوى الدولي؛ وجاءت صفقات السلاح كوسيلة لتحقيق هذا الهدف؛ ولذلك أبرم السيسي عدة صفقات خلال وقت وجيز لإثبات حضوره الدولي. خلال هذه الفترة نجح السيسي في توظيف الهجمات العنيفة التي شنها تنظيم “ولاية سيناء” فرع داعش في مصر، في تقديم نفسه بوصفه رأس حربة للمجتمع الدولي والأكثر إصرارا على “مكافحة الإرهاب”، وهو الخطاب الذي لاقى صدى إيجابيا لدى الحكومات الغربية المهوسة بالإسلاموفوبيا. وهو ما أسهم في شرعنة صفقات السلاح وتأمين مزيد من القروض للنظام لجلب مقاتلات متطورة، وحاملات طائرات وأنظمة صاورخية حديثة؛ بدعوى الحرب على الإرهاب. لكن عام 2015، شهد تحولا لافتا، في دوافع صفقات السلاح، من تأمين الشرعية ومكافحة ما يسمى بالإرهاب، إلى الرغبة الخالصة في استرضاء حلفاء دوليين، لأسباب تعود إلى عدة أزمات ضربت النظام في عمقه. فإسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء في أكتوبر 2015 دفع السيسي نحو استرضاء موسكو بصفقات سلاح مليارية شملت مقاتلات ميج 29ودبابات تي 90 ومروحيات وصواريخ كورنيت المضادة للدبابات وأخيرا صفقة سو 35 التي تتحفظ عليها واشنطن. وفي العام 2016، سقطت الطائرة المصرية القادمة من باريس إلى القاهرة ما تسبب في مقتل 65 راكبا، وهو ما دفع نظام السيسي إلى محاولة استرضاء باريس من خلال عدة صفقات أسلحة ضخمة، أبرزها طائرات “رافال” المقاتلة وحاملتي الطائرات من طراز “ميسترال”، إضافة إلى مجموعة فرقاطات وقطع بحرية متطورة. حتى باتت مصر أكبر مستورد للسلاح الفرنسي في المنطقة بنسبة بلغت 28% خلال السنوات الأربع الماضية. ودفع مقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني” في العام ذاته، وسط اتهامات بتورط أجهزة السيسي الأمنية في تعذيبه حتى الموت، دفع النظام في مصر نحو شراء الصمت الإيطالي بأكبر صفقة سلاح مصرية خلال السنوات الماضية.([4])
بالنسبة للجانب المصري، فإن الأهداف السياسية للصفقة الحالية تفوق الجوانب التسليحية؛ ويستهدف النظام في مصر من هذه الصفقة تحقيق عدة أهداف سياسية:
أولا، ترميم العلاقات المصرية الإيطالية التي تأثرت بشدة في أعقاب مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في فبراير 2016م ولا تزل الحكومة الإيطالية تطالب القاهرة بتقديم القتلة إلى المحاكمة في ظل اتهامات إيطالية طالت ضباطا رفيعين بنظام السيسي في جهازي المخابرات والأمن الوطني. والهدف هو إبعاد شبح أزمة ريجيني ودفع الحكومة الإيطالية نحو دفن القضية وعدم التصعيد بشأنها مجددا خصوصا وأن الاتهامات الإيطالية طالت نجل السيسي الضابط محمود الذي يعد حاليا الرجل الثاني في جهاز المخابرات العامة.
ثانيا، إبعاد روما عن محور تركيا فالصفقة وإن كانت تبدو عسكرية في المقام الأول إلا أن الأبعاد السياسية حاضرة بقوة، وترتبط ارتباطا وثيقا بالمواقف الإيطالية بشأن الملف الليبي واقترابها من المواقف التركية في دعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا. فالهدف من الصفقة في أبعادها السياسية هو محاولة من جانب تحالف الثورات المضادة الذي تقوده السعودية والإمارات ونظام العسكر في مصر من أجل استقطاب إيطاليا لمواقف التحالف كما فعلوا من قبل عبر صفقة طائرات الرافال المليارية مع فرنسا والتي كان الهدف منها منح السيسي شرعية دولية وقيام باريس بدور مؤثر في تطبيع العلاقات الأوروبية مع نظام الانقلاب في مصر. فصفقة السلاح المليارية من إيطاليا هدفها الرئيس هو إبعاد روما عن أنقرة في ظل دعم أبو ظبي والرياض لجهود السيسي نحو لتشكيل تحالف في شرق المتوسط معادٍ لتركيا، يضم فرنسا واليونان وقبرص الرومية وإسرائيل؛ وسبق أن رفض وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، التوقيع على بيان صدر عن اجتماع عُقد بالقاهرة في مطلع العام الجاري، ضم وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان والإدارة الرومية لجنوب قبرص، في القاهرة، ووصفه بـ”غير المتوازن للغاية”. وآنذاك طالب الوزير الإيطالي نظراءه من الدول المجتمعة، بتخفيف موقفهم المتشدد حيال تركيا، ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي، المعترف بها دوليا، فايز السراج. وتتقارب مواقف إيطاليا وتركيا في ليبيا، حيث يدعم كلاهما حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، كما تتناقض المصالح الإيطالية النفطية بليبيا مع فرنسا شريكة مصر والإمارات في دعم حفتر.
ثالثا، من أهدف الصفقة على الجانب المصري أيضا، تعزيز قدرات البحرية المصرية؛ لأنها تركز على الفرقاطات البحرية في ظل توتر بين القاهرة وأنقرة في شرق المتوسط. والمفارقة أن هذا التوتر وما يصاحبه من محاولة القاهرة للحشد ضد تركيا يأتي في وقت تقول فيه أنقرة، إن اتفاقها لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا مفيد لمصر، ويعترف وزير الخارجية، سامح شكري، بأن الاتفاق لا يمس حدود مصر. كما أن تقارير إعلامية غربية تفيد بأن أنقرة لديها عروض لترسيمٍ الحدود مع مصر تمنح القاهرة شروطاً أفضل مما قدمته اليونان، كما يأتي ذلك في ظل حديث عن الاتفاقات التي عقدتها مصر مع اليونان وإسرائيل وقبرص الرومية، تنازلت فيها حكومة السيسي عن حقول غازية، مما يؤشر على أن القاهرة يبدو أنها تضحي بمصالحها الوطنية لأسباب تتعلق بالعناد السياسي. وبينما يلاحظ أن القاهرة خصصت وتخصص المليارات لشراء قطع بحرية مثلما فعلت عبر شرائها حاملتي المروحيات من فرنسا واللتين كانتا مخصصتين لروسيا، فإن تركيا تركز على الإنتاج المحلي لقِطعها البحري، حيث تقوم على سبيل المثال بتصنيع حاملات طائرات خفيفة بالتعاون مع إسبانيا تسمى TCG Anadolu.
رابعا، محاولة لترميم شعبية السيسي والنظام والمؤسسة العسكرية عموما باعتباره حريصا على إعادة تسليح الجيش والحفاظ على الترتيب العالمي للجيش المصري الذي احتل الترتيب التاسع عالميا وفقا للتصنيف الذي أصدره موقع ع “جلوبال فاير باور” العالمي، في فبراير 2020م ويتعلق بتصنيف الجيوش على المستوى العالمي؛ وفي هذا التصنيف تقدم الجيش من الترتيب الـ12 إلى الـ9 عالميا وتصدر تصنيف الجيوش في المنطقة متقدما على جيوش كبيرة مثل الجيش التركي الذي تراجع من التاسع إلى الـ11 والجيش الإيراني الذي حال في الترتيب الــ14 عالميا وجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي حل في الترتيب الـ18 عالميا. وإن كان التصنيف تحوم حوله شكوك حول طبيعة المعايير التي يستند إليها والتوظيف السياسي له والحرص على دفع النظم الاستبدادية نحو عقد المزيد من صفقات السلاح المليارية بما يعود بالمكاسب الهائلة على كبرى شركات صناعة السلاح في العالم في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وإنجلترا وغيرها، والتي تملك نفوذا كبيرا على عمليات التصنيف.
خامسا، لتوقيت الصفقة دلالة مهمة إذ تأتي في ظل تلقي مليشيات اللواء خليفة حفتر هزائم مدوية على يد قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا، وهناك من يروى أن هناك علاقة ما ترتبط بالملف الليبي وربما يكون نظام السيسي وسيطا لتزويد الجنرال الليبي “خليفة حفتر” بقدرات جوية وبحرية متطورة، لا سيما أنه يعاني حظرا أمميا يحول دون شراءه السلاح. وليس من المستبعد أن يتم تمويل جزء من الصفقة المصرية الإيطالية عبر طرف ثالث (الإمارات) بهدف استعادة مقاليد الأمور في ليبيا، فمصر تعد البوابة الكبيرة لدخول السلاح للشرق الليبي، وهي منفذ رئيس لشحنات السلاح الإماراتية الموجهة إلى “حفتر”.([5])
هل تحتاج مصر هذه الصفقات؟
أولا، تأتي صفقات السيسي المليارية في سوق السلاح في وقت تعاني فيه مصر من تراكم الديون الداخلية والخارجية، وتدهور الأوضاع بشكل حاد في ظل تفشي جائحة “كورونا” منذ بداية العام، وهو ما أدى إلى تراجع الاحتياطي النقدي بقيمة 9.5 مليارات دولار في ثلاثة شهور فقط (مارس وإبريل ومايو). وأمام انهيار قطاع السيسي وتعليق النشاط الاقتصادي اعتمد نظام السيسي كعادته على القروض حيث اقترض 13 مليار دولار في شهر واحد فقط وبذلك وصلت الديون الخارجية إلى أكثر من 125 مليارا والمحلية تفوق الــ4.5 تريليون جنيه، وباتت خدمة الدين تصل إلى نحو مليار جنيه بما يصل إلى 90% من إيرادات الدولة؛ وارتفعت معدلات الفقر إلى معدلات مخيفة ومرعبة تقترب حاليا من 70% من الشعب المصري بعد التداعيات الكارثية والطاغية لتفشي جائحة كورونا؛ فلماذا هذه الصفقات المليارية في هذا التوقيت رغم حالة الفقر المدفع التي تمر بها البلاد؟ ولماذا لا يتم توظيف هذه الأموال في إقامة مشروعات تسهم في زيادة موارد الدولية وتوفر الملايين من فرص العمل للشباب العاطل واليائس في ذات الوقت؟
الأمر الثاني أنه صفقات السلاح المليارية التي أبرمها السيسي والأموال الطائلة التي أنفقها على تعزيز القدرات العسكرية لم تنعكس بشكل إيجابي على رفع كفاء المؤسسة العسكرية؛ لأن الجيش المصري سقط في اختبار الكفاءة القتالية والفاعلية في الحرب التي يشنها على أهالي سيناء بدعوى الحرب على الإرهاب، والتي تمثل غموضا عسكريا وسياسيا للجيش المصري، فمنذ انطلاق العملية الشاملة التي ينفذها الجيش في سيناء في 9 فبراير 2018 ، وقبلها 6 حملات عسكرية خرى إلا أن الجيش فشل في إخماد التمرد المسلح وسقط الكثير من ضباطه وجنوده بين قتيل وجريح في عمليات مسلحة كشفت عن ضعف القدرات والروح المعنوية والكفاءة القتالية وحتى في القدرات التسليحية.
لكن الملاحظة الأهم على صفقات السيسي المليارية من السلاح أنها لا تلبي الحاجة والضرورة التي يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف مصر الاستراتيجية وضمان حماية أمنها القومي؛ لأن نوعية السلاح والصفقات التي أبرمها لا تحقق هدفين رئيسيين:
الأول هو القدرة على لجم الاستعلاء الإثيوبي في ملف سد النهضة وضمان حماية حقوق مصر المائية التي لا تمثل ضرورة للأمن القومي فقط بل تتعدى ذلك إلى تهديد الوجود المصري من الأساس.
الثاني هو عدم تلبية هذه الصفقات للحاجة الملحة لإنهاء التمرد المسلح في سيناء وفقا لاعتبارات الأمن القومي وفق تصورات النظام، التي نختلف معه فيها بالطبع؛ ذلك أن النظام هو مصدر الإرهاب الأول في مصر وما يجري في سيناء هو رد فعل للإجرام الذي تمارسه أجهزة السيسي في إطار الدور الوظيفي للنظام كله التي تتعلق بضمان حماية أمن الكيان الصهيوني وتكريس وجوده وتفوقه الإقليمي.
وعلى هذا الأساس فإن «صفقات السلاح التي أبرمها السيسي لا تصب بدرجة أساسية في مستهدفات تعزيز الأمن القومي للدولة المصرية والذي تم إهداره في جزيرتي تيران وصنافير ومياه نهر النيل وغاز شرق المتوسط، فهذا النظام لا يعنيه بأي حال من الأحوال حماية الأمن القومي بقدر ما يعنيه ضمان بقائه في السلطة بضمان حماية أمن الكيان الصهيوني، وبالتالي هذه الترسانة -وإن كانت مهمة- ليست مؤشرا على تعزيز القدرات العسكرية أو القتالية للجيش المصري»، بقدر ما تمثل تكديسا للسلاح من أجل تحقيق مستهدفات تحالف الثورات المضادة على المستوى الإقليمي من خلال التصدي للمشروع التركي والإيراني والحركات الإسلامية والمقاومة الفلسطينية التي باتت هي العدو الأول لهذا التحالف بما يتسق تماما مع حماية أمن الكيان الصهيوني وخدمة المصالح الأمريكية.
[1] الجيش المصري يستعد لامتلاك “سوخوي-35” وعدد كبير من الأسلحة الإيطالية (فيديو+صور)/ روسيا اليوم (RT) 9 يونيو 2020
[2] إيطاليا: لم نوافق حتى الآن على بيع سفينتين حربيتين لمصر/ الجزيرة مباشر الأربعاء 10 يونيو 2020
[3] “صفقة القرن المصرية”.. هذه أهداف القاهرة السياسية من شراء طائرات وفرقاطات إيطالية بمليارات الدولارات/عربي بوست 2 يونيو 2020
[4] السيسي وأوروبا.. صفقات الأسلحة أولا/ الخليج الجديد الأحد 23 فبراير 2020
[5] صفقة القرن العسكرية.. ماذا وراء أكبر عملية بيع سلاح إيطالي لمصر؟/ الخليج الجديد الثلاثاء 2 يونيو 2020 م