أبعاد التصعيد الدبلوماسي بين الجزائر والرباط بعد سحب القنصل المغربي في ضوء التوترات التاريخية

تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب بعد محاولات ثنائية لطي قضية قنصل المغرب “أحرضان بوطاهر”  في وهران الجزائرية (400 كيلومتر غرب العاصمة) في “هدوء”، إثر تصريحات جانبية له وصف فيها الجزائر بأنها “بلد عدوّ”، وتجادل البلدان خلال الساعات الماضية حول الجهة التي طلبت إنهاء مهام القنصل في أعقاب إعلان الخارجية المغربية أن عودة السفير “مبادرة خاصة منها”، ما جعل الجزائر تنفي وتوضح أنها خاطبت الرباط لإنهاء مهام القنصل “بلغة لا تحتمل التأويل.

 

ويوم 10 يونيو الجاري، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الجزائرية “محند أوسعيد بلعيد” أن القنصل المغربي في مدينة وهران ” أحرضان بوطاهر” غادر البلاد بعدما تسبب بأزمة دبلوماسية بين البلدين وقال إنه “ضابط في المخابرات”. من جهته رد وزير الخارجية المغربي  “ناصر بوريطة” قائلا إن “استدعاء القنصل جاء بمبادرة حصرية من المغرب” معبرا عن رفض المغرب ما وصفها “الادعاءات السخيفة التي لا أساس لها من الصحة مشيرا إلى أنه يعمل بالخارجية المغربية منذ 28 عاما.

 

بينما أكد المتحدث الجزائري في مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام أن الجزائر طلبت سحب القنصل المغربي “لأنه تجاوز حدوده، وحدود اللياقة وحتى الأعراف الدولية  “وأضاف: “تصرف القنصل المغربي لم يكن مستغربا، لأنه كما علمنا هو ضابط في المخابراتوأكد المتحدث باسم الرئاسة الجزائرية أن هذه الصفحة في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين “قد طويت”، موضحا: “نحن نعمل لرفع المستوى حفاظا على العلاقات بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي.

 

من جهته، عبر المغرب مساء الثلاثاء الماضي “عن امتعاضه” و”رفضه هذه الادعاءات السخيفة التي لا أساس لها من الصحةوقال وزير الخارجية ناصر بوريطة في تصريح لوكالة الأنباء المغربية أن “استدعاء القنصل جاء بمبادرة حصرية من المغرب” مؤكدا أن الأخير “نهج على الدوام خيار التهدئة في علاقاته مع الجزائر.”

 

أزمة فيديو

 

وتفجرت القضية عندما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تناقلته أيضا وسائل إعلام جزائرية، يظهر فيه قنصل المغرب بمدينة وهران وهو يتحدث لرعايا مغاربة تظاهروا أمام القنصلية للمطالبة بترحيلهم إلى بلدهم، بعدما وجدوا أنفسهم عالقين في الجزائر إثر وقف الرحلات الجوية منتصف مارس بسب انتشار وباء كورونا، وحاول القنصل إقناع المتظاهرين بضرورة تفريق التجمع، قائلا “أنتم تعرفون نحن في بلد عدو.”

 

وفي 13 مايو الماضي، استدعت الجزائر سفير المملكة لديها وتم إبلاغه بأن “توصيف القنصل العام المغربي في وهران، للجزائر، إذا ما تأكد حصوله، على أنها -بلد عدو- هو إخلال خطير بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله” كما جاء في بيان نشر في اليوم التالي.

 

وتبعا لذلك طلبت الجزائر من “السلطات المغربية اتخاذ التدابير المناسبة لتفادي أي تداعيات لهذا الحادث على العلاقات الثنائية بين البلدين.”

 

تصعيد سياسي

 

وبحسب خبراء، فإن تبادل البيانات واستدعاء السفراء بين الجزائر والمغرب لا يوحي بـ”تطبيع” وشيك للعلاقات الثنائية المتوترة منذ عقود بسبب نزاع الصحراء الغربية واستمرار غلق الحدود البرية بين الدولتين منذ عام 1994. يقول الوافي بوشماخ، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية لـ”اندبندنت عربية” إن “العلاقات الجزائرية المغربية لطالما ميّزها تنافس وشحن دبلوماسي يُترجم إعلامياً في العادة، وما يحدث هو استمرار في مستوى نفسه من العلاقات، أي أن انتخاب رئيس جديد في الجزائر لم يغيّر أي معطى.”

 

المستجد وفق بوشماخ هو أن “الجزائر حالياً تقوم بإعادة هندسة علاقاتها المغاربية والإقليمية، وهناك عملية إعادة تموقع في الملف الليبي، وفي تونس وموريتانيا ومنطقة الساحل وداخل الاتحاد الأفريقي، وهذه العملية تتم بسرعة ملحوظة، ضف إليها حدوث تغييرات في السياسة الخارجية وحتى في عقيدة الجيش بشأن المشاركة في عمليات خارج الحدود.”

 

ويضيف أن “المغرب يلاحظ هذه التغييرات، لذلك من الطبيعي أن تظهر مؤشرات تنافس إقليمي، لا سيما أن الرباط استفردت بكثير من النفوذ في سنوات سابقة، مستفيدة من انكماش الدبلوماسية الجزائرية بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وتركيزه على استرضاء عواصم غربية كبرى مقابل تزكية استمراره في الحكم لا أكثر.”

 

وعلى ما يبدو فإن الأمور ستزداد تعقيدا في الأيام المقبلة، وهو ما يتصادم مع جهود التطبيع في أزمة الحدود البرية المغلقة،  فالرئيس الجزائري وضع شرطاً أمام هذا المسعى يتعلق باعتذار مغربي رسمي عن أحداث سبقت إغلاق الجزائر حدودها البرية بعد فرض التأشيرة على الجزائريين من قبل الرباط، بينما السلطات المغربية لم تولِ هذا الشرط أدنى انتباه، بل تعامل الإعلام المغربي معه باستخفاف وأحياناً بتهكم، وهو ما فهمته الجزائر على أنه رفض مطلق وهي اليوم تُخرج الملف المغربي من نطاق الاستعجال في بناء سياستها الخارجية الجديدة إقليمياً.

 

تاريخ من الأزمات

 

وتشهد العلاقات الجزائرية-المغربية توترا منذ عقود بسبب النزاع في الصحراء الغربية، والحدود بين البلدين الجارين مغلقة منذ 1994، وتعتبر الأمم المتحدة، الصحراء الغربية “إقليما غير مستقل” في ظل غياب حل نهائي للنزاع بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، ويريد المغرب منح الصحراء الغربية “استقلالا ذاتيا”، في حين تطالب بوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة، والمفاوضات متوقفة منذ عدة أشهر.

 

يشار إلى أنه وبفعل الاستعمار، الذي خلف بؤرا للخلافات بين الدول العربية، فمنذ استقلال البلدين (المغرب عام  1956 والجزائر عام  1962) لم ينجحا يوماً في بناء علاقة جيرة خالية من التوتّر. شهدت السنوات الماضية عدداً من الأحداث الأمنية وتبادلاً للاتهامات في شأن أمور كثيرة.

 كان عنوان التوتّر الأبرز هو القضية الصحراوية، فالجزائر دعمت جبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) المطالبة باستقلال الصحراء الغربية بعد سيطرة المغرب عليها فور خروج المستعمر الإسباني، عام 1975، من خلال ما يُعرف بـ”المسيرة الخضراء.

 

قبل احتدام الصراع على القضية الصحراوية، غزت دولة المغرب بعض المناطق الجزائرية. وفي العام 1994 أقفلت الجزائر حدودها البرية مع المغرب،  جاء القرار ردّة فعل على فرض الرباط تأشيرة دخول على الجزائريين على أثر اتهامات مغربية للجزائر بالتورّط في تفجير بفندق في مراكش.

 

ورغم الوساطات لضمان التهدئة على مرّ السنوات الماضية، يستمر الصراع في التصاعد بين حين وآخر، من خلال الحرب الإعلامية أو المناوشات العسكرية، ففي 1956، جرى اتهام السلطات المغربية بالتآمر مع فرنسا في حادثة اختطاف طائرة مغربية كانت تقل مسؤولين في جبهة التحرير الجزائرية وتتجه من الرباط إلى تونس العاصمة. كان هؤلاء ذاهبين للاجتماع بالرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة والملك المغربي وممثلين عن الحكومة الفرنسية.

 

وفي 1963، اندلعت حرب الرمال بعد عام واحد من استقلال الجزائر. غزت القوات المغربية الجزائر بحجّة أن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بله لم يستجب لمطالب الملك حسين الثاني في شأن الأراضي المتنازع عليها بين البلدين. حينذاك، تدخّلت مصر في الحرب إلى جانب الجزائر ووضع الرئيس المصري جمال عبد الناصر ثقله السياسي والعسكري في مواجهة التدخل المغربي، وهذا أدى إلى توتير العلاقة المصرية- المغربية.

 

وفي 1972، بعد مناوشات عسكرية على الحدود، حثّ مجلس الأمن الدولي الدولتين على التوصل إلى إتفاق ترسيم الحدود بينهما، وذلك بعد فشل جولات تفاوضية سابقة عقدت عامي 1969 و1970. رمى الاتفاق آنذاك إلى ترسيم الحدود لإتاحة فرصة للتعاون على استغلال مشترك لمناجم الحديد.

 

وفي  1973 ، أُسّست جبهة البوليساريو وهي جبهة تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية.

 

وفي 1975، بعد خروج إسبانيا من المغرب، سيطرت المغرب على الصحراء، فدعمت الجزائر الجبهة بشكل علني عام 1976، ما أشعل الصراع.

 

وفي 197قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وأقفلت الحدود وطُرد المغاربة المقيمون في الجزائر. لم تعد العلاقات الدبلوماسية إلا عام 1988 بعد مساهمة الأمم المتحدة في حلّ النزاع.

 

وفي 1980، بدأت المغرب ببناء حزام فاصل بين جزء الصحراء الخاضع لسيطرة المغرب وجزئها الخاضع لسيطرة البوليساريو، وذلك لمنع جنود الجبهة من الإغارة على القوات المغربية. بني الحزام على ست مراحل واستغرق بناؤه سبع سنوات وبلغ طوله أكثر من 2,700 كلم ابتداء من الحدود المغربية الجزائرية حتى الحدود الجنوبية مع موريتانيا، بارتفاع يصل إلى ثلاثة أمتار.

 

وفي 1991، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار وإبرام هدنة بين قوات البوليساريو والحكومة المغربية بعدما أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 690. وفي الوقت نفسه، ظهرت مخيّمات للاجئين في منطقة تيندوف قرب الحدود الجزائرية مع المغرب يعيش فيها حوالي 100 ألف صحراوي.

 

وفي 1992، رفضت المغرب فكرة الاستفتاء على تقرير الصحراويين لمصيرهم وطرحت عليهم حكماً ذاتياً واسعاً مع البقاء تحت سيادتها.

 

وفي 1994،  جرى اتهام الحكومة المغربية للجزائر بالوقوف وراء تفجير فندق أطلس أسني بمدينة مراكش، والذي أسفر عنه مقتل عدد من السائحين.

 

وفي 2008، شاعت أجواء السباق إلى التسلح بين البلدين. راحت المغرب تحدّث بنيتها العسكرية وخصصت 3.5 مليار دولار لموازنتها العسكرية. في المقابل عقدت الجزائر صفقات عسكرية عدّة منها صفقة بـ 2 مليار دولار مع روسيا، عام 2001، وخصصت، في العام 2008، مبلغ 4.5 مليار دولار لموازنتها العسكرية.

 

بينما في 2013، وعقب مطالبة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في خطاب في مدينة أبوجا النيجيرية، باستحداث آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، اقتحم مغاربة غاضبون القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء. على أثر ذلك، استدعى كل من البلدين سفيره في البلد الآخر للتشاور في شأن الحادث.

 

وفي 2018، أعلنت المغرب سحب سفيرها من الجزائر، بعد كشفها عن مؤامرة إيرانية تتعلق بدعم جبهة البوليساريو، من قبل عناصر من “حزب الله” عبر الأراضي الجزائرية.

 

مستقبل الأزمة

 

وبحسب مراقبين، فعلى ما يبدو أن السجال بين الجزائر والمغرب “لن يصل إلى مرحلة القطيعة في المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء التطورات المحورية المتسارعة في ليبيا، خاصة وأن المغرب سبق وأن تدخل في الوساطة بين المتنازعين، وعقد على أراضيه اتفاق الصخيرات، المعترف به دوليا، لحل الصراع المسلح بين الأطراف الليبية”.

 

ومؤخرا، أعلن الرئيس الجزائري استعداد بلاده للتدخل والوساطة في الشأن الليبي ، طارحا رؤية للحل، وهو ما قد يكون مدخلا للتقارب بين الجارتين، خاصة وأن قطع العلاقات لا يخدم لا الجزائر ولا المغرب، لأن “القطيعة تعني المواجهة المباشرة التي يمكن أن تتحول إلى دعم مباشر (من قبل الجزائر) للبوليساريو.”

 

كما أن ما لا يسمح بهذه القطيعة هي العلاقات الوطيدة بين الشعبين الجزائري والمغربي بصرف النظر عن النظامين السياسيين.

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022