وافق البرلمان المصري يوم 17 يونيو2020م على مشروع قانون ربط الموازنة العامة للدولة للعام المالي (2020ــ2021) والذي يبدأ من يوليو المقبل حتى 30 يونيو 2021م. كما وافق على ربط مشروعات ربط موازنات الهيئات العامة الاقتصادية، وعددها 53 هيئة، وربط موازنة الهيئة القومية للإنتاج الحربي عن السنة المالية نفسها.
ومن أهم الملاحظات على مشروع الموازنة الجديدة:
أولا، موافقة البرلمان على مشروع ربط الموازنة الجديدة خالف دستور 2014؛ ذلك أن الموافقة جرت في حضور أقل من 50 نائباً بالمخالفة لنصاب التصويت القانوني.
ثانيا، مشروع الموازنة نفسه الذي تقدمت به الحكومة خالف المواد أرقام 18 و19 و21 و23 من الدستور للعام الخامس على التوالي، وهي المواد المتعلقة بالتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي لصالح قطاع الصحة، و4% للتعليم قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي.[[1]]
ثالثا، يبلغ جملة استخدامات مشروع الموازنة العامة الجديدة التي توصف بالأكبر في تاريخ مصر بحسب وصف صحف وفضائيات النظام، نحو تريليوني جنيه و297 مليارا و497 مليونا. بزيادة قدرها “318” مليار جنيه و560 مليونا عن موازنة العام الماضي التي بلغت تريليون جنيه و978 مليارا و937 مليونا. وبلغت الإيرادات المتوقعة نحو تريليون و288 ملياراً و753 مليون جنيه، والمصروفات نحو تريليون و713 ملياراً و178 مليون جنيه، وبذلك يبلغ عجز الموازنة 424 ملياراً و425 مليون جنيه، بخلاف خدمة الدين العام عن القروض المحلية والأجنبية، والبالغة نحو 566 مليار جنيه.
رابعا، الترويج الإعلامي لحجم الموازنة بأنه الأكبر في تاريخ البلاد لا يعكس الحقيقه؛ والغرض هو بيع الوهم للمواطنين، حيث كان يفترض أن تكون أكبر موازنة في حجم الإنفاق على الخدمات لا في حجم دفع أقساط الديون”. ووصف الموازنة بالأكبر في تاريخ هو أمر طبيعي؛ لأنه بعد التعويم فقد الجنيه نصف قيمته، فالزيادة في حجم الموازنة هو انعكاس طبيعي لانخفاض قيمة الجنيه، ومنذ عدة سنوات والموازنة هي أكبر موازنة نظرا لأعباء أقساط وفوائد القروض”. والدليل على ذلك أن مدفوعات الفوائد تمثل أكبر باب على جانب المصروفات منذ عام 2015 / 2016، وفق البيان المالي لوزارة المالية. وتبلغ قيمة إجمالي مخصصات أقساط القروض وفوائدها 1.12 تريليون جنيه، عبارة عن مخصصات سداد القروض 555,5 مليار جنيه، ومخصصات فوائد الدين فتقدر بنحو 556 مليار جنيه، أي 48.8 % من جملة المقدر من الاستخدامات بمشروع الموازنة. وارتفع حجم الدين الخارجي في سنوات ما بعد الانقلاب من نحو 43 مليار دولار في يونيو 2013م إلى 112.67 مليار دولار في نهاية ديسمبر2019م، بخلاف ما اقترضته الحكومة خلال الشهور الست الأولى من 2020م وأبرزها اقتراض 13 مليار دولار خلال شهر مايو الماضي فقط من صندوق النقد الدولي وسندات دولية. وارتفع الدين المحلي من 1.3 تريليون جنيه في يونيو2013م، إلى 4.355 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2019م، بخلاف ما اقترضته الحكومة خلال الشهور الست الأولى من عام 2020م، ليرتفع حجم الديون المحلية حاليا إلى أكثر من 4.5 تريليون جنيه على أقل تقدير.
خامسا، أرقام الموازنة ومستهدفاتها بعيدة عن الواقع ولا تتحقق في الحساب الختامي للموازنة، ومن الصعوبة بمكان أن تحقق الحكومة أهدافها في ظل تفشي جائحة كورونا، وتضرر كل مصادر البلاد بالعملة الأجنبية، ومعظم بنود الإنفاق على الخدمات الأساسية تتراجع على الرغم من زيادتها رقميا بسبب زيادة التضخم. بخلاف «الإفراط في الإنفاق على الجهات السيادية في البلاد، مقارنة بتراجعها في أجور الموظفين، وهي تحابي بعض الجهات على حساب بقية المصريين دافعي الضرائب».[[2]]
سادسا، تجاهلت النقاشات القليلة التي دارت حول مشروع الموازنة مصير الفوائض الضخمة المحققة في موازنة العام الحالي من تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وهو ما خفض بشدة مخصصات الوقود والكهرباء، كما أنها مفتوحة حيث يتم تعديل بنود المصروفات والنفقات من وقت لآخر، فقد قدرت موازنة (2019/2020) سعر برميل النفط بنحو 68 دولارا بيما تهاوي سعر النفقط إلى أقل من 30 دولارا. وبدلا من توجيه هذه الفوائض لدعم القطاع الصحي لتعزيز قدراته على مواجهة تبعات تفشي جائحة كورونا أو حتى لقطاع التعليم فإن النظام فضل توجيه هذه الفوائض لزيادة مخصصات البرلمان لترتفع إلى “1.6” مليار جنيه بزيادة قدرها 55 مليون جنيه. بخلاف تخصيص نحو 550 مليون جنيه لموازنة مجلس الشيوخ الجديد وهو مجلس صوري بلا صلاحيات الهدف منه هو محاباة بعض الشخصيات والرموز والمؤسسات الداعمة للسلطة القائمة، سواء من الشرطة أو القضاء أو الإعلام.
سابعا، خالفت الحكومة وعودها المستمرة بخفض الدين العام، وتخفيف الأعباء المالية الملقاة على الدولة، وتستهدف وزارة المالية في مشروع الموازنة اقتراض نحو تريليون جنيه عبر إصدارات الدين العام “قروض عبر طرح سندات وأذون خزانة” بنسبة 19.7% لتصل إلى 974.482 مليار جنيه، وهو ما يعني مواصلة الحكومة زيادة الاقتراض من البنوك المحلية وجذب مزيد من الأموال الأجنبية الساخنة التي هربت من البلاد منذ تفشي كورونا.
ثامنا، مشروع الموازنة لا يزال ينحاز ضد الفقراء؛ حيث تتجه الحكومة مع استمرار تداعيات تفشي جائحة كورونا نحو إجراءات تقشفية تستهدف في المقام الأول الفئات الفقيرة والمهمشة ومحدودي الدخل بتخفيض الدعم وأقد أشار مسئولون بوزارة المالية إلى التوجه نحو المزيد من تخفيض الدعم المقدم إلى منظومتي الخبز والسلع التموينية في الموازنة الجديدة، والمخفض أساسا الي نحو 78.9 مليار جنيه بدلا من 89 مليار جنيه في الموازنة الحالية. ويأتي هذا الخفض رغم ضخامة عدد المستحقين لدعم المقررات التموينية والبالغ 63.5 مليون مواطن، وعدد مستحقي الخبز المدعم البالغ 70 مليون مواطن، وهذا يعني ببساطة أن هذا الدعم الذي ترمي الحكومة الي تخفيضه يخدم ثلثي المواطنين، ورغم أن 32% منهم يقبعون تحت خط الفقر طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، و27% منهم حول خط الفقر طبقا لبيانات البنك الدولي.ولم يكتف مشروع الموازنة بذلك، ولكن امتدت تخفيضات الدعم الي مجموعة أخري من البنود، ومنها تخفيض 47% من دعم المواد البترولية، كذلك خفض دعم الكهرباء إلى (صفر)، وهو ما يعني تحرير أسعار بيع الكهرباء للمواطنين، وكذلك دعم نقل الركاب. [[3]]
تاسعا، في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة التقتير على الفقراء في مشروع الموازنة، فإنها ورغم التدهور المالي الحاد وتراجع إيرادات الدولة إلا أنها تبسط يدها بسخاء بالغ لما تسمى بالمؤسسات السيادية، والتي تمثل الطبقات الأعلى دخلا في المجتمع حيث زاد بند “المصروفات الأخرى” الذي يشمل المخصص لميزانيات الدفاع والأمن القومي، ووزارة الخارجية، والجهاز المركزي للمحاسبات، ومجلس النواب”، في مشروع الموازنة الجديدة من 90 مليار جنيه إلى 105 مليارات جنيه، أي بما يقارب 15 مليار جنيه، وهذه الزيادة للعام الثاني على التوالي بنفس المبلغ. كما زادت الحكومة من مخصصات باب “قطاع النظام العام وشؤون السلامة العامة” الذي يشمل خدمات الشرطة، والسجون، والحماية ضد الحريق، والمحاكم، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل، والمحكمة الدستورية العليا، والهيئات القضائية، ودار الإفتاء المصرية، وصندوق تطوير الأحوال المدنية، وصندوق أبنية المحاكم، وصندوق السجل العيني، من 69 ملياراً إلى 78 ملياراً في الموازنة الجديدة.
هيمنة فلسفة الجباية
تقوم فلسفة السياسة الضريبية، في الأساس، على إقرار العدالة الاجتماعية، فلا ضريبة من دون ربح، ولا رسوم من دون خدمات تعود بالنفع على دافعها؛ وبالتالي تقتطع الدولة جزءاً من أرباح الأثرياء وأصحاب المداخيل العالية لتعيد توزيع ما اقتطعته على الطبقات الفقيرة والمهمشة ومحدودي الدخل؛ وعلى هذا الأساس يتم توجيه جزء من حصيلة الضرائب إلى الخدمات العامة الموجهة لأفراد المجتمع، مثل التعليم والصحة، كما يتم توجيه جزء آخر من حصيلة الضرائب لتحسين أحوال الفقراء المعيشية في صورة “دعم” عيني أو مالي. كما يتم توجيه جزء من حصيلة الضرائب نحو الاستثمارات المباشرة التي تستهدف خلق تنمية تعتمد على الإنتاج. وعلى هذا الأساس، بنيت فلسفة الضرائب ضمن السياسات الاقتصادية. لكن الوضع في مصر مقلوب ويناقض هذه الفلسفة؛ حيث تلجأ الحكومة إلى الضرائب، بوصفها أداةً لحل فشلها في إدارة الملف الاقتصادي، فتفرض على المواطنين مقابل الخدمات، أو تعاملها مع أجهزة الدولة الرسمية ومصالحها المختلفة، رسوماً مبالغًا فيها. وتمثل الحالة المصرية تجسيدا واضحا لإقرار سياسة جبائية تتصف بانعدام العدالة وتكريس التمييز الطبقي لحساب الأغنياء على حساب الفقراء، وتصل أحيانا حد تكريس سياسيا لصوصية حيث تتحول سياسة الضريبة ورسوم الخدمات من أداة لإقرار العدالة إلى سلاح لانتهاكها.[[4]]
وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، فإن الموازنة الجديدة تخالف الدستور وتبالغ في التقديرات المتعلقة بسعر النفط، وتضغط على المواطن البسيط والفقير، وتتيح للحكومة اغتراف ما تبقى من سيولة محدودة لديه، إن كان هناك سيولة فائض مالي أصلاً، كما تحمل عدة مفاجآت غير سارة للمصريين، ولا تراعي الظروف الصعبة التي يمر بها معظم المواطنين، بخلاف أنها تتسم بالغموض خاصة على مستوى بعض النفقات. ومع بداية تطبيق الموازنة الجديدة خلال أيام قليلة مع بداية يوليو، سيكون المصريون على موعد مع زيادات جديدة في أسعار السلع الرئيسية والخدمات العامة، كالكهرباء والمياه والمواصلات العامة والاتصالات، وكذا زيادة الضرائب والرسوم الحكومية.
وارتفعت معدلات الفقر في مصر خلال السنوات الماضية، والتي تصل إلى 32,5% بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سنة 2019م، وهي التقديرات التي يشكك كثيرون في مصداقيتها خصوصا وأن تقديرات البنك الدولي تصل بنسبة الفقراء في مصر إلى نحو 60%، ما يعني أن أكثر من 60 مليون مصري يعانون من الفقر المدقع. ومع تداعيات تفشي جائحة كورونا، فإن دراسة حكومية أعدها معهد التخطيط القومي التابع لوزارة التخطيط تحت عنوان «التداعيات المحتملة لأزمة كورونا على الفقر في مصر»، قدرت أعداد الفقراء الجدد بحوالي 12.5 مليون مصري. استندت خلالها إلى توقعات مستويات البطالة والدخل والتضخم في تقدير الانعكاسات السلبية المتوقعة لتداعيات أزمة كورونا على معدل الفقر في مصر.[[5]] معنى ذلك أن عدد الفقراء في مصر يقترب إلى نحو 50 مليونا وفقا لتقديرات حكومية، وترتفع إلى نحو 75 مليونا وفقا لتقديرات أخرى على رأسها البنك الدولي.
ورغم تزايد معدلات الفقر إلا أن فلسفة الجباية هيمنت على مشروع الموازنة العامة؛ ذلك أن مشروع الموازنة المقدر بنحو “2.3” تريليون جنيه، إيرادته تقدر بنحو 1.3 تريليون جنيه تستهدف منها نحو 965 مليارا عبارة عن ضرائب بزيادة قدرها نحو 12.6%، وبذلك فإن الضرائب تمثل نحو 76% من جملة إيرادات الموازنة، وهو ما يفتح الباب أمام الحكومة للاستمرار في زيادة الضرائب والرسوم داخل المؤسسات الحكومية الخدمية. وربما تمتد الزيادة إلى ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يعني ارتفاع كل أسعار السلع والخدمات في السنة الجديدة التي تبدأ من أول يوليو القادم.
ويسهم في زيادة وتيرة سرعة وقيمة الزيادات الجديدة دخول الحكومة في مفاوضات ماراثونية للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 5.2 مليارات دولار ولمدة عام، لتقترب القروض التي حصلت عليها البلاد من صندوق النقد من 20 مليار دولار في فترة لا تزيد عن الثلاث سنوات والنصف. إضافة إلى التفاوض للحصول على قروض أخرى من مؤسسات وبنوك إقليمية ودولية تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار، آخرها التفاوض للحصول على مليار دولار من البنوك الإماراتية. ومع بدء تطبيق الموازنة فإن الباب سيبقى مشرعا على مصراعيه أمام حكومة السيسي لتحصيل المزيد من الجباية وفق خطتها التقشفية التي لا تأخذ في الاعتبار التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لتفشي وباء كورونا، وما أفرزته الأزمة من زيادة ملحوظة في نسب البطالة ومعدلات الفقر، خاصة المدقع، وتدهور في مستوى العمالة الموسمية. إضافة إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطن وتراجع إنفاق الأسرة المصرية وضعف القطاع الخاص وتضرر نحو 10 ملايين يعملون بصورة مباشرة أو غيرة مباشرة في قطاع السياحة، المورد الثالث للنقد الأجنبي في البلاد.[[6]]
يدلل على فلسفة الجباية أيضا، ترجع الدعم المخصص للمواد البترولية (البنزين ـ السولار) بنسبة تصل إلى 47% ؛ لتتهاوى قيمة دعم الوقود في الموازنة الجديدة إلى 28.193 مليار جنيه، مقابل 52.963 مليار جنيه في الموازنة الحالية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في أسعار البنزين والسولار والكهرباء والمواصلات العامة كالقطارات والمترو، إذا ما زادت أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ويدلل على تكريس فلسفة الجباية، قرار الحكومة خصم 1% من مرتبات موظفي الدولة لمدة سنة لمساندة إيرادات الدولة المتوقع انخفاضها، وهو القرار الذي لم تراع فيه الحكومة التفرقة المنطقية بين أولئك الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور البالغ 2000 جنيه فقط، وبين آخرين يتقاضون عشرات بل مئات الالاف شهريا.
الزيادة في نمو الضرائب
خلال السنوات المالية الست الأخيرة بعد انقلاب 3 يوليو2013 ، زادت نسبة الضرائب بمعظم تلك السنوات عن نسبة 70% من إيرادات الموازنة، حتى إنها ستبلغ حوالي 78 % بالعام المالي الحالي، ويتوقع بلوغها 75.5 % بالعام المالي المقبل. وفي العام الأول للانقلاب زاد نمو الحصيلة الضريبية إلى نحو 4% (9 مليارات جنيه)، وفي العام الثاني إلى 15% (46 مليار جنيه)، وفي العام الثالث ارتفعت إلى 31% (110 مليارات جنيه)، ثم إلى 36% في عامه الرابع (167 مليار جنيه) لتصل نسبة النمو الإجمالية للضرائب إلى 241% خلال السنوات الست الماضية (606 مليارات جنيه زيادة في الضرائب خلال السنوات الست الماضية). وهكذا تطور رقم الحصيلة الضريبية من 260 مليار جنيه بالعام المالي الأول لحكم الجيش، ليتوقع بلوغها 770 مليار جنيه بالعام المالي الحالي بعد مضى معظم العام المالي.[[7]] كما يتوقع زيادتها إلى 965 مليار بالعام المالي المقبل (2020 ــ 2021) الذي يبدأ أول شهر يوليو المقبل.
أشكال الجباية في الموازنة
بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي فإن «الحصيلة الضريبية تتوزع على خمس مجموعات ضريبية، أكبر مجموعة بها تمثل الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 48.5 % من إجمالي الحصيلة، تليها مجموعة الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية بنسبة 34 %. والضرائب على الممتلكات من أراضي ومباني وسيارات وأذون وسندات خزانة بنسبة 8 %، والجمارك على التجارة الدولية 6 % والضرائب الأخرى على الأعمال التجارية 3 %».
وتحاصر الحكومة المواطنين بأكثر من 20 شكلا من أشكال الضرائب والرسوم؛ لا يشعر بصداها في مستوى الخدمات الحكومية في ظل انهيار مرافق التعليم والصحة وشبكات الطرق، حتى تبوأت مصر صدارة دول العالم في حوادث الطرق.
ومن أشهر أنواع الضرائب في مصر[[8]]:
- أولا، الضرائب على الدخول: وهي حصيلة الضرائب على دخول الموظفين العاملين بالجهاز الإداري للدولة، ويتوقع تحصيل (61.5 مليار جنيه)، نظرا لاستقطاع الضرائب من المنبع بخصمها من الرواتب قبل قبضها، والقسم الثاني منها يتعلق بالضرائب على دخول الأفراد من غير العاملين في الجهاز الحكومي ويتوقع تحصيل نحو (37.5 مليار جنيه) رغم أن عددهم يمثل حوالي خمسة أضعاف عدد الموظفين، وهناك (34 مليارا) على دخول الأفراد من النشاط التجاري والصناعي، وهو مبلغ قليل بالقياس إلى كبر حجم النشاط التجاري، وتعدد أسواق السلع وكثرة عدد المنشآت الصناعية الصغيرة ومتناهية الصغر، وبما يشير من ناحية أخرى لتهرب معظم تلك الأنشطة من سداد الضرائب.
- ثانيا، الضرائب على شركات الأموال: ورغم وجود آلاف الشركات المساهمة فإن الحصيلة المتوقعة من تلك الشركات 111 مليار جنيه، رغم تعدد المدن الصناعية الزاخرة بالشركات الصناعية والخدمية في المجالات المختلفة، بينما يتوقع سداد هيئة البترول وشركات البترول الأجنبية العاملة بمصر 42 مليار جنيه وهيئة قناة السويس 38 مليار جنيه.
- ثالثا، الضرائب على القيمة المضافة: وتمثل أكبر مكون بالضرائب بقيمة 365 مليار جنيه، وتتنوع أشكالها من ضرائب قيمة مضافة على السلع المحلية والمستوردة، وخاصة على السجائر والمشتقات البترولية، وضريبة قيمة مضافة على الخدمات من مطاعم وفنادق واتصالات وتشغيل للغير ومقاولات ومحمول.
- رابعا، ضرائب الدمغة، وتحقق 22.5 مليار جنيه بخلاف 4 مليارات دمغة رواتب الموظفين، وتتعدد نوعياتها من دمغة على استهلاك الغاز والكهرباء والبوتاجاز، وعلى عمليات البيع والشراء بالبورصة، وعلى الأعمال والمحررات المصرفية، وعلى عمليات التأمين وعلى عقود اشتراكات مياه الشرب والكهرباء والغاز والتليفونات، وعلى العقود والإيصالات والشهادات والإقرارات، وعلى المخالصات والفواتير، وعلى الإعلانات واليانصيب، إلى جانب النماذج المختلفة من المدموغة وطوابع الدمغة التي يتم لصقها على طلبات التعامل مع الجهات الحكومية .
- خامسا، هناك أيضا الجمارك ويتم تحصيل نحو (52 مليارا منها)، والضرائب على الأعمال التجارية، وتتم على رؤوس الأموال المنقولة من البنك المركزي وتحقق نحو 29 مليار جنيه.
الخلاصة، يقول ابن خلدون: «بزيادتها، أي الضرائب، تضعف عزائم الناس عن العمل، لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة، وحينئذ تنقص الضرائب بقلة الإنتاج وتدهوره، ويزداد الأمر سوءاً بتدهور الإنتاج باستمرار تناقصه مع زيادة الضرائب، فينتج عن ذلك خراب العمران»، هذه النتيجة التي توصل إليها ابن خلدون، رائد علم الاجتماع العربي الشهير، ورصدها في مقدمته الشهيرة التي ألفها في عام 1377 ميلادية، تنطبق تمام الانطباق على الحالة المصرية، فالمواطنون باتوا يعملون لسداد مستحقات الضرائب وأعباء الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي، أما الحكومة فباتت تتفنن في أساليب فرض الضرائب والرسوم الحكومية واختيار مسمياتها بعناية، فبدلاً من أن تسميها ضرائب تطلق عليها رسوم تنمية وما شابه، ومنذ سنوات طويلة وحتى اليوم، لا تزال فلسفة الجباية تهيمن على مشروع الموازنة العامة للدولة؛ حيث تبلغ حصيلة الضرائب نحو 75% من جملة موارد الدولة، وسط توقعات بارتفاعات جديدة في أسعار السلع والخدمات.
وأمام المبالغة في فرض المزيد من الضرائب والمبالغة كذلك في تقدير حجمها ونسبتها تفنن الناس أيضا في التهرب من سدادها؛ وأسهم في زيادة عمليات التهرب الضريبي إعفاء ما تسمى بالجهات السيادية من الضرائب رغم أنه يفترض أن تكون قدوة لغيرها، كما تهرب حيتان من كبار الممولين من أصحاب المهن الحرة، كما تتهرب كثير من الشركات التي تلجأ إلى تأسيس شركات صورية للاستفادة من الإعفاءات المقررة، ومع انتهاء فترة الإعفاء تقوم بإنشاء شركات صورية جديدة، وهناك توقعات بتراجع حصيلة الضرائب خلال العام المالي المقبل لأسباب تعود إلى الخسائر الضخمة التي لحقت بجميع الشركات والمحال التجارية وأصحاب المهن المختلفة بسبب تعليق النشاط الاقتصادي بعد تفشي جائحة كورونا؛ وهو مؤشر على اتجاه النظام نحو فرض مزيد من الرسوم لتحصيل المزيد من الجباية.
ومع تغول عقلية دولة الجباية، توقف عقل صانع القرار في مصر عن الإبداع في ملف إدارة إيرادات الدولة المتنوعة، بل وبات صاحب القرار يختار أسهل حلين لا يحتاجان أي مجهود أو إبداع أو خبرة في إدارة شؤون الدول، الأول يسابق الزمن في فرض مزيد من الرسوم والضرائب والجمارك والدمغات، والثاني يبحث في كل صوب وحدب عن قروض خارجية وبأي تكلفة ولمدد تتجاوز 40 سنة، والنتيجة إغراق الاقتصاد والموازنة العامة في أزمات متعاقبة، وإغراق الأجيال المقبلة في جبال من الديون التي باتت تفوق قدرة الاقتصاد وموارده من النقد الأجنبي.[[9]]
[1] برلمان مصر يقر نهائياً موازنة جديدة مخالفة للدستور/العربي الجديد 17 يونيو 2020
[2] انظر تصريحات الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله في “عربي 21″// موازنة غير متوازنة.. ما حقيقة أكبر موازنة في تاريخ مصر؟/ “عربي 21” الجمعة، 19 يونيو 2020
[3] د.أحمد ذكر الله/تحيز الموازنة المصرية ضد الفقراء: تقتير هنا واسراف لصالح الدفاع والخارجية والقضاء!/ الجزيرة مباشر الخميس 14 مايو 2020
[4] عصام شعبان/ سياسة الجباية… مصر نموذجاً/ العربي الجديد 1 سبتمبر 2016
[5] محمود عبده/ دراسة: كورونا يضع 12.5 مليون مصري تحت رحمة الفقر..باحثة: 34 في المئة من المساعدات تذهب إلى غير المستحقين/ إندبندنت عربي الجمعة 29 مايو 2020
[6] مصطفى عبد السلام/ عن ” خوازيق” موازنة مصر الجديدة/ العربي الجديد 18 يونيو 2020
[7] ممدوح الولي/الجباية بالموازنة المصرية/ الجزيرة مباشر السبت 4 مايو 2020
[8] ممدوح الولي/الجباية بالموازنة المصرية/ الجزيرة مباشر السبت 4 مايو 2020
[9] مصطفى عبد السلام/ دولة الجباية واستهداف “جيب المصري المخروم”/ عربي بوست 6 مايو 2020