في مجزرة جديدة من مجازر نظام السيسي ضد معارضيه ورافضي الانقلاب العسكري، أقدم النظام العسكري على قتل 15 من المعتقلين، خارج إطار العقل والمنطق، وتحت ستار القضاء المسيس، الذي أمتهنه السيسي لتصفية حساباته مع معارضيه، وهو الرقم الأكبر في يوم واحد منذ الانقلاب العسكري.
وقد نفذت سلطات السيسي، الأحد 4 أكتوبر، حكم الإعدام بحق 13 معتقلا، وفقا لمنصة “نحن نسجل” الحقوقية، وكانت منظمات حقوقية مصرية، أعلنت السبت 3 أكتوبر، إعدام معارضين اثنين، هما “ياسر الأباصيري”، و”ياسر شكر”، كانا قد أدينا في وقائع عنف في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث مكتبة الإسكندرية” وكشفت منظمة “نحن نسجل” أن 10 معتقلين آخرين تم إعدامهم أيضا في قضية “أجناد مصر 1″، و3 في قصية أحداث قسم كرداسة، ونشرت أسماء المعدومين وطلبت من الأهالي التواصل مع مشرحة زينهم “وسط القاهرة” لتسلم جثامين ذويهم، دون بيان رسمي من داخلية السيسي.
وبعد 24ساعة من جريمة إعدام الـ15 معتقلا، أعلنت سلطات السيسي إعدام 11 سجينا جنائيا، بينهم سيدة، دون سابق إعلان، وهو ما يمكن اعتباره، محاولة لتصدير صورة ذهنية عن النظام، بعدم استهداف السيسي طائفة معينة أو فئة محددة من المصريين، وأن سياسة الإعدام تطال الجميع بالتساوي، عقب استنفاذ الإجراءات القانونية، وهو ما يرد عليه بان المعدومين من السياسيين، تم انتقائهم من ضمن مجموعة من المدانيين في نفس القضايا، وهو ما تحدثت عنه روايات حقوقية لاحقا، بأن المعدومين كانوا شهود على واقعة مقتل السجناء الاربعة الذين أعلن قتلهم قبل اسبوع، خلال محاولة هروب، بحسب الرواية الرسمية، وهو ما يستحيل تصوره بسجن العقرب، شديد الحراسة، جنوب القاهرة.
وفي الـ20 من فبراير الماضي كانت وزارة الداخلية قد نفذت حكم الإعدام بحق 9 معارضين في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “اغتيال النائب العام هشام بركات”، وذلك رغم المناشدات الدولية الصادرة عن منظمات حقوقية لوقف تنفيذ الحكم، بسبب افتقاد المحاكمات لمسار العدالة في ظل الإعترافات التي أدلى بها المتهمون تحت وطأة التعذيب كما قالت منظمة العفو الدولية، ومنذ 7 مارس 2015 نفَّذَت السلطات المصرية أحكاما بالإعدام بحق عشرات المعارضين للانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد محمد مرسي، وسط تأكيدات من منظمات حقوقية بأن دوافع تلك الأحكام سياسية وجائرة على نحو سافر.
التوقيت
وجاء تنفيذ الاعدامات في وقت بالغ الحساسية حيث تشهد مصر تظاهرات شعبية كبيرة ضد نظام السيسي،حيث تجرى فيه وسط ازمة اقتصادية متصاعدة ، لم تشهدها من قبل ، اثر سياسات الجباية التي يفرضها السيسي، على جميع فئات الشعب، سواء بقانون التصالح على مخالفات البناء، او المصاريف الدراسية المرتفعة، او سياسات التوحش الضريبي، وهو ما يمكن تفسيره بأن تنفيذ “مجزرة الاعدام” مجرد “رسالة إرهاب للمتظاهرين”.
مخالفات دستورية
وبحسب حقوقيين، القضية التي أدين بها “الأباصيري”، و”شكر” “انتزعت الاعترافات فيها تحت التعذيب وخرجت أحكامها دون إجراءات تقاض عادلة” وتعود وقائع القضية إلى أغسطس2013، عندما اندلعت احتجاجات تصدت لها قوات الأمن أمام مكتبة الإسكندرية على خلفية أحداث فض الاعتصام، وأسفرت هذه الاحتجاجات عن مقتل 15 شخصا بينهم رجلا أمن، وبينما اتهمت النيابة العامة منتمين لجماعة “الإخوان” بالتورط في تلك الاحتجاجات، نفى محامو المتهمين جملة وتفصيلا هذه الاتهامات.
ووفق ما ذهب رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي محمد زارع، في تصريحاته لبرنامج “ما وراء الخبر” على “الجزيرة” في حلقة الـ4 من أكتوبر الجاري، نقل عن محاميي من نفذت بحقهم أحكام الإعدام تأكيدهم “أنه لم تجر محاكمة موكليهم بشكل عادل، وأن المحاكمة تمت أمام محاكم غير مختصة، كما تعرض العديد منهم للإخفاء القسري” وأضاف أن موجة الإعدامات التي انطلقت في مصر منذ 2014 لم تتوقف حتى اليوم، رغم المناشدات والاستغاثات الدولية، لافتًا إلى أن “عدد من نفذ بحقهم الإعدام خلال هذه الفترة نحو 200 شخص” على حد قوله، وهو الرقم الذي تجاوز الفترات الرئاسية المتتالية لحكام مصر السابقين.
وكانت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (حقوقية مستقلة) قد أعلنت ملفًا موثقًا بالأرقام لرصد أحكام الإعدام في مصر منذ ثورة يناير وحتى نهاية العام الماضي، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يوافق الـ10 من أكتوبر من كل عام، الملف الذي حمل عنوان “بالأرقام رصد لأحكام الإعدام في مصر من 2011 إلى 2019” كشف أن السنوات الأربعة الأخيرة على وجه التحديد شهدت تنفيذ أحكام إعدام لم تشهدها البلاد منذ عقود طويلة، نسبة كبيرة منها أحكام عبر القضاء العسكري وفي قضايا سياسية في المقام الأول.
وشهد العام 2019 إعدام 32 شخصًا على ذمة 9 قضايا ليصبح تنفيذ إعدامهم واجب النفاذ، وذلك من إجمالي أحكام أولية بإعدام 320 شخصًا على الأقل في 170 قضية، من بينهم 8 أشخاص في قضايا عسكرية وعدد آخر في قضايا سياسية على خلفية تظاهرات واحتجاجات عامة، أما العام 2018 فشهد أحكامًا نهائية بتأييد إعدام 59 شخصًا على الأقل في 16 قضية ليصبح تنفيذ إعدامهم واجب النفاذ من إجمالي أحكام أولية بإعدام 543 شخصًا على الأقل ضمن 205 قضية ذات طابع سياسي أو جنائي، لتقترب من ضعف العدد المنفذ بحقه في 2017 الذي بلغ 32 شخصًا، من بينهم 25 شخصًا على الأقل عن طريق القضاء العسكري في قضايا سياسية، وكان 2016 هو بداية الترجمة الفعلية لمجزرة الإعدامات حيث شهد إعدام 15 معتقلًا في قضايا سياسية، من إجمالي 24 شخصًا نفذت فيهم السلطات أحكام الإعدام خلال هذا العام، بينما تم إحالة أوراق 58 مصريًا للمفتي، في محاكمات قوبلت بموجة كبيرة من الانتقادات في هذا الوقت.
خارج إطار العدالة
المبادرة في تقريرها استعرضت بعض مظاهر افتقاد تلك المحاكمات للعدالة وأبرزها الاختفاء القسرى، حيث كشفت أنه من خلال دراسة 28 قضية، تعرض على الأقل 198 شخصًا للاختفاء القسري لمدد متفاوتة وصلت في أقصى حد لها 219 يومًا، هذا بخلاف تعرض 212 متهمًا للتعذيب من خلال دراسة 31 قضية، وتراوح التعذيب بين الضرب بالأيدى والأرجل والآلات الحادة، إلى الصعق بالكهرباء في مختلف أماكن الجسد والأماكن الحساسة تحديدًا، والاغتصاب وهتك العرض، وصولًا إلى التهديد المعنوى بالاغتصاب أو الضرب أو التعرض لأهل المختفي بالسوء، وآخر مظاهر التنكيل وغياب العدالة في المحاكمات كما تضمنها التقرير، إغفال مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، حيث تم تصوير جهات الضبط لاعترافات المتهمين قبل وفي أثناء التحقيق معهم، ونشرها على منصات السوشيال ميديا، قبل بدء التحقيقات القضائية، وقد تكرر هذا الأمر مع 13 متهمًا على ذمة 5 قضايا من القضايا المرصودة.
رسائل دموية
ولا يخفى أن جوهر الرسالة يتضمن تحذير المجتمع من مغبة تصعيد الاحتجاج، خاصة في ضوء تدهور مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتراجع الخدمات العامة والهبوط المستمر في قيمة العملة، ومن المعروف أن النظام لجأ إلى توجيه مثل هذه الرسائل مراراً من قبل، بحيث أن أعداد أحكام الإعدام التي نُفذت بالفعل ناهز 50 شخصاً خلال النصف الأول من عام 2020 وحده، وأن المحاكم المدنية والعسكرية أصدرت 171 حكماً بالإعدام خلال الفترة ذاتها، وأحالت ملفات 158 شخصاً إلى مفتي الجمهورية لاستطلاع الرأي في إعدامهم. كذلك فإن النظام المصري يُصنف حالياً في المرتبة الرابعة على صعيد المنطقة من حيث اعتماد عقوبة الإعدام وتنفيذها، بعد إيران والسعودية والعراق.
في المقابل يترافق هذا النمط من الرسائل الدامية أيضاً مع إجراءات تهدئة تهدف إلى امتصاص غضب الشارع الشعبي في المرحلة الراهنة، على غرار تمديد مهلة سداد الغرامات المالية لرسوم التصالح في مخالفات البناء، أو تخفيضها، أو تأجيل هدم البيوت أو حتى السماح بالبناء على نقيض قرارات حكومية سابقة، أو إلزام بعض كبار رجال الأعمال والمجموعات الاستثمارية الضخمة بتحمّل بعض النفقات بالنيابة عن الشرائح الفقيرة من المواطنين، وهو ما وثقته منظمة العفو الدولية، بتاكيدها أن إجراءات النظام القمعية ضد المتظاهرين تعاظمت منذ تظاهرات 20 سبتمبر 2020، ولم تعد تقتصر على تفريق المتظاهرين بالقوة المفرطة، بل باتت تشمل الاعتقال التعسفي، وفرض المراقبة المشددة، ومنع الصحافة من أداء دورها، والاختفاء القسري لبعض الإعلاميين، في أسوأ استغلال للتعديلات الدستورية الأخيرة التي منحت المحاكم العسكرية صلاحيات واسعة في مقاضاة المدنيين.
كما أن السلطات الأمنية استهدفت أن يتوافق توقيت تنفيذ هذه المجزرة من الإعدامات مع استمرار تظاهرات الاحتجاج المناهضة للنظام في عدد من القرى والبلدات والأحياء الفقيرة من المدن، بما يرسل إنذاراً ردعياً عنيفاً ليس إلى المتظاهرين وحدهم بل إلى قطاعات عريضة من المواطنين على امتداد مصر، ولم يكن غريباً على السلطات الأمنية المصرية أن تختار إعدام 15 معتقلا سياسيا قبل أقل من أسبوع على اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يوافق 10 أكتوبر، وكأن نظام السيسي يبعث بالرسالة الدامية إلى العالم بأسره وليس إلى مصر وشعبها فقط.، بحسب بيان “مجلس جنيف للحقوق والحريات”.
ترهيب المعارضين
وتعبر سياسات الإعدام للمعارضين، عن سعي السيسي لاشاعة أجواء من الخوف والرهبة في أوساط المعارضين بالأساس للسيسي، والذين يتزايدون بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة، بسبب سياسات التوحش الرأسمالي التي يدير بها السيسي الاقتصاد المصري، وحرص السيسي منذ توليه السلطة على الزج بخصومه السياسيين، أيًا كانت انتماءاتهم – بعضهم كان حليفًا له بداية الأمر- إلى ساحات القضاء ومنصات المحاكم، حيث الأحكام التي تسير في الغالب وفق منظومة واحدة، إما البقاء في السجون وإما الذهاب إلى المشانق لتنفيذ الإعدام شنقًا.
وبعيدًا عما يدار داخل كواليس التقاضي الذي كان مثار انتقاد العديد من المنظمات الحقوقية في مختلف دول العالم، فإن الانتقام من المعارضين عبر أحكام الإعدام التي يشوبها التسييس تحولت إلى عقيدة ومنهجية لدى النظام الحاليّ، وأيضا، فتنفيذ تلك الأحكام في هذا الوقت الذي كسر فيه المصريون حاجز الخوف وعادوا للشارع مرة أخرى في تظاهرات – رغم قلة عددها – أثارت انتباه الجميع وبددت سنوات التنكيل والتضييق، يحمل رسالة ترهيب واضحة للمعارضين والغاضبين، فالإعدام ربما يكون الرد على كل من تسول له نفسه أن يعترض طريق حكم السيسي.
إهدار جدار القضاء العدلي
ويتضمن تنفيذ الإعدامات بين الحين والآخر في مصر، وفق تطورات المشهد السياسي في مصر، وحسب أهداف والتحديات التي يتواجه بها نظام السيسي، كما الحال في حوادث التصفية الجسدية التي تقع بين الحين والاخر، من أجل الترهيب تارة، وبين التبرير لقرارات وسياسات وحشية قادمة، يريد من خلالها السيسي وعسكره تحقيق قهر معنوي مسبقاو لاحق.
وكما قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية الدولية في بيان على موقعها الالكتروني أن “السلطات المصرية تُنزل أحكام الإعدام بالناس كأنها توزع الحلوى” وجاء هذا الوصف على لسان “سارة ليا ويتسن” المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش حين قالت “السلطات المصرية تُنزل أحكام الإعدام بالناس كأنها توزع الحلوى، هذه الأحكام المروعة دليل إضافي على مدى تحطم نظام القضاء المصري” وجاء هذا الوصف بعد أن قام القاضي سعيد يوسف بإحالة أوراق 683 شخصًا، بينهم المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، إلى المفتي تمهيدًا للإعدام، على صلة باعتداءات وقعت في أغسطس 2013 على مركز شرطة العدوة بمحافظة المنيا.
وأضافت المنظمة “ولم يحضر أي من الـ 683 الذين حُكم عليهم في 28 أبريل جلسة المحاكمة الوحيدة للنطق بالحكم، تم اتهامهم بالقتل ومحاولة القتل وتهديد النظام العام وإحراق مركز شرطة العدوة والانتماء إلى جماعة محظورة (الإخوان المسلمين)، وقاطع المحامون محاكمة العدوة بعد أن صدر حُكم مطاي إثر جلسة قصيرة مشابهة، بناءً على اتهامات مماثلة، وأثناء تلك الجلسة تناقلت التقارير رفض القاضي النظر في الأدلة المقدمة من الدفاع أو الاستماع إلى شهادات شهود الدفاع” وأنهت سارة كلامها بالقول: “ما هي العدالة التي تتحقق في جلسة لم تزد عن 15 دقيقة ولم يحضرها محام واحد؟” وتابعت: “إن إدانة المئات والحُكم عليهم بالإعدام جميعًا دون النظر لأية أدلة أو السماح للمتهمين بأية فرصة للدفاع عن أنفسهم، هو أمر يُظهر استخفافًا مزعجًا بالحياة الإنسانية”.
ولعل لاثر الابرز في الاعامات المسيسة المتتالية في مصر، أنها ترسل رسالة مؤسفة وغير ضرورية للمصريين الذين اختاروا الابتعاد تاريخيًا عن التشدد والعنف، مفادها أن الطريقة الوحيدة ليتم سماعهم فيها هي عن طريق حمل السلاح، وهو ما قد يراهن عليه السيسي لتوسيع حملات الابادة الجماعية لجماعات العمل السياسي من المعارضين سواء اكانوا اسلاميين ام عمانيين، ولعل بعض الدوائر الغربية والعربية والصهيونية تتمنى ولوج مصر في ذلك المستنقع الدامي، حتى وان بدت تصريجاتها الدبلوماسية محذرة منه.
خاتمة
يبقى التأكيد على أن مجازر الإعدامات السياسية، تشئ إلى أن دولة عسكرية تتخذ من القضاء سلاحًا لتثبيت حكمها، بالرغم من أن القانون المصري والميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1997، الملزم لمصر، ينص في مادته رقم 11 على أنه “لا يجوز فى جميع الأحوال الحكم بعقوبة الإعدام فى جريمة سياسية”
والسيسي يخشى استمرار تجرؤ الشعب على التظاهر ضده، فمن ثم جاءت الإعدامات لمنتمين لمناطق تتكاثر بها مظاهرات الغضب والرفض لسياسات السيسي، كمناطق كرداسة بالجيزة، ومناطق الاسكندرية، وبعض مناطق الدلتا والصعيد، ولكن من جهة ثانية وعلى عكس ما يريده نظام السيسي، قد يفجر الإعدام المسيس براكين من الغضب الشعبي في ربوع مصر، عندها قد لا يستطيع الجيش أو قوى الأمن حماية السيسي من البقاء في سدة الحكم.