يمثل اتفاق التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني تهديدا حتميا سوف يسهم في مزيد من تهميش الدور المصري إقليميًا؛ فوفقا لدراسة أعدها معهد واشنطن، فإن قادة النظام في مصر قلقون بشكل واضح بشأن اتفاق التطبيع، باعتباره يعزز اعتقاد القاهرة بأنّ مركز القوة في العالَم العربي، بدأ يتحوّل نحو دول الخليج في السنوات الأخيرة.
وبحسب الدراسة، كانت مصر ركيزة أساسية في (عملية السلام) في الشرق الأوسط لعقود من الزمن، وقد منحتها معاهدة السلام مع (إسرائيل) في عام 1979 نفوذاً كبيراً مع واشنطن والعواصم الأوروبية. إلا أن هذا النفوذ مهدد الآن، نتيجة التعاون العلمي والتبادل السياحي والتعاون الأكاديمي بين (إسرائيل) والإمارات. وتوقعت الدراسة، خفوت النفوذ المصري بشكل سريع في أعقاب الإعلان عن التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، لا سيما بالنظر إلى القدرة المالية والتكنولوجية للإمارات على تسريع مثل هذه المبادرات.[[1]]
وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فإن هناك حديثا يجرى حالياً عن مشروع إسرائيلي لمد خط سكك حديدية وطريق دولي لنقل الحاويات من الخليج العربي إلى مرفأ حيفا على البحر المتوسط، كبديل لقناة السويس، ومشروع أخر لشق قناة إيلات حتى عسقلان كبديل أقصر من قناة السويس. ووفق المجلة الأميركية فإن قناة السويس ستكون الخاسر الأكبر من المشروع النفطي الخليجي الإسرائيلي، في ظل وجود منافسة شرسة، خاصة أن المشروع المقترح يوفر بديلاً أرخص لقناة السويس، وأن شبكة خطوط الأنابيب تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.
إزاء هذه المعطيات والتنبؤات الضارة بمصر التي تنطلق من تقديرات علمية ومنهجية بحتة تجعل تهنئة زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي بالتطبيع الإماراتي سلوكا صادما ومثيرا للسخرية وكاشفا عن خلل كبير في الرؤية وضحالة التفكير وعدم إدراك بأبعاد وانعكاسات هذه التطورات الكارثية على الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء؛ ذلك أن أبسط قارئ للسياسة في المنطقة العربية والإقليم، كان سيتوقع قدرا من التحفظ المصري في الحديث عن الاتفاق، تماما كما كان حال الأردن الذي جاء كلامه أقرب إلى الرفض منه إلى الترحيب. فالتطبيع الإماراتي البحريني يمثل خطوة نحو تدشين مرحلة “الشرق الأوسط الجديد”، وحين يحدث ذلك فإن الدور المصري هو الأكثر تعرّضا للتهديد، بوصفها الدولة الأكبر عربيا، والأكثر التصاقا بالقضية الفلسطينية؛ بجانب الأردن. من هنا، كانت مفاجأة ترحيب السيسي بالاتفاق الإماراتي، ثم البحريني، والتي لا يمكن إلا أن تستفز أي قارئ بسيط لمقتضيات الأمن القومي المصري الذي يهدده الكيان أكثر من أي أحد آخر، فكيف حين يتزامن مع أزمة سد النهضة التي يبدو من العبث الحديث عن براءة صهيونية منها. فموقف السيسي يعبر عن خلل الأولويات، واستمرار شعور النظام بالحاجة إلى الدعم الخارجي لتثبيت وجوده وشرعيته، بجانب الامتنان لنتنياهو الذي عمل مقاول علاقات عامة لتبييض صورة نظام السيسي بعد الانقلاب.
تهميش الدور المصري
يتفق مع ذات التوقعات البائسة للدور المصري في السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الإقليم، تحليل للكاتب بصحيفة “الشروق” محمد عصمت، ففي مقال له بعنوان «قبل أن يجرفنا الطوفان»، يذهب الكاتب إلى أن «إقدام الإمارات والبحرين على بدء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ومباركة السعودية ضمنا لهذه الخطوة، يمثل انقلابات استراتيجية هائلة في الشرق الأوسط، ستفرض على مصر أن تلعب دورا هامشيا في السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الإقليم، بعد أن كانت قائدة بل وملهمة له طوال قرون طويلة”. ويحذر من أن الدور الرئيس لمصر في تحديد ردود الأفعال العربية طوال سنوات المواجهة مع “إسرائيل” لن يستمر؛ ويعزو أسباب ذلك إلى الطموح الإسرائيلي في احتلال مكانة مصر وقيادة المنطقة بدلا منها طبقا لمعادلات جديدة، ستسقط بمقتضاها كل مؤسسات العمل العربي المشترك، وعلى رأسها الجامعة العربية نفسها، وسيتحول كل ما كان يشكل العقل السياسي والثقافي العربي من طموحات لتحقيق استقلال القرار الوطني، وبناء نموذج للتنمية المشتركة، واستعادة الأمجاد القديمة إلى ما يشبه الأساطير الخرافية، في حين ستتراجع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية إلى خلفية المشهد بـ”تسوية” أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يعيشون فيها، على أن يحصل من يعيش منهم في فلسطين المحتلة على “شبه دولة” تهيمن عليها إسرائيل من الألف إلى الياء”.
معنى ذلك ــ وفقا للكاتب ــ أن «كل منظومة الأمن القومي العربي بأبعادها العسكرية والسياسية والاقتصادية سيتم تفكيكها بالكامل، وكل مقولات العالم العربي عن الحرية والوحدة والتنمية المستقلة سيتم “تكهينها” ووضعها في المخازن، فالمخططات الإسرائيلية والأمريكية جاهزة بالبدائل من خلال بناء تحالف وثيق بين دولارات النفط الخليجية والتكنولوجيا الإسرائيلية، ومواجهة إيران وإجهاض كل طموحاتها النووية، بانتظار وصول القطار السعودي بقيادة محمد بن سلمان إلى محطة التطبيع بعد أن يحل محل والده، والذي يتردد في الصحف الغربية أنه يعارض الصلح مع إسرائيل قبل إعطاء الفلسطينيين دولتهم المنتظرة، فإن الطريق سيكون ممهدا أمام إسرائيل لكي تحقق كل أهدافها في الهيمنة على عالمنا العربي».
إزاء هذه السيناريوهات السوداء، يصل الكاتب إلى فكرته الرئيسة بالقول: “هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات في هذا الصدد، مثل كيف ستتعامل السلطات المعنية في مصر مع التصورات المعدة للإقليم ودورنا في هذه السيناريوهات، ودورنا في مواجهة إسرائيل”. ثم يربط بين أزمات مصر الاقتصادية وديونها الخارجية المتزايدة وانعكاساتها على الأوضاع المعيشية، ومدى تأثير ذلك على السياسات الخارجية للنظام في مصر، وإلى أي مدى سوف تتأثر قناة السويس مع التنفيذ المرتقب لمشاريع نقل النفط السعودي إلى الأسواق الغربية عبر أنابيب تصل إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي”، و”سؤال آخر حول، هيبة مصر الثقافية في محيطها العربي، ثم أزمتها مع إثيوبيا حول سد النهضة المرشحة للتصعيد، وهل هناك أي مؤشرات لاستعادة مجال مصر الحيوي في السودان أو ليبيا وبقية دول المغرب العربي بعد أن أوشكت أن تفقده في المشرق العربي. وينتهي إلى التأكيد على أن مصر «على أعتاب تهديدات مصيرية ربما لم نواجهها طوال تاريخنا كله، تتطلب منا سياسات جديدة وإعادة ترتيب كل أوضاعنا الداخلية، قبل أن يجرفنا الطوفان!».[[2]]
تهديد قناة السويس
اتفاق التطبيع الإماراتي يكشف في أحد أهم جوانبه عن طموح (إسرائيلي) نحو التحول إلى قطب إقليمي قائد للمنطقة يفوق مجرد فتح علاقات اقتصادية وسياسية مع دول عربية، إذ إن تل أبيب تنظر لمكاسب أكبر، بعضها يتعلق بإعادة تموضع على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة. يؤيد ذلك ما كشفته أوساط إسرائيلية أن اتفاق السلام مع الإمارات يشمل إعادة تنشيط خط النفط إيلات-عسقلان، ليسيطر على عملية نقل النفط من الخليج لأوروبا، ويخفف الضغط على مضيق هرمز وقناة السويس، ويتسبب بخسائر كبيرة لمصر وإيران على السواء.
وتعوِّل إسرائيل كثيراً على هذا الخط الناقل الجديد للنفط إيلات-عسقلان، لأنه قد يغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، ويعيد للأذهان العلاقات النفطية الإيرانية الإسرائيلية بين منتصف الخمسينيات والسبعينيات، حين شكلت إيران الشاه بئر النفط الذي لا ينضب لإسرائيل. هذا الخط جرى افتتاحه عملياً عقب أزمة الطاقة عام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر، وقرار الاتحاد السوفييتي وقف تزويد إسرائيل بالنفط، مما دفعها للبحث العاجل عن مصادر نفطية جديدة، حينها تم مد أنبوب بطول 254 كم بين ميناءي أم الرشراش (إيلات) وعسقلان، ونشأ اتصال بري بين البحرين الأحمر والمتوسط، يستفيد من الموقع الاستراتيجي لفلسطين المحتلة لحساب الاحتلال عند تقاطع ثلاث قارات، الواصلة بين طرق التجارة البحرية الدولية لإفريقيا والشرق الأقصى وأوروبا.
ويحمل مشروع خط النقل النفطي الجديد العديد من المؤشرات اللافتة للتطبيع الخليجي الإسرائيلي، ويفتح أمام إسرائيل شراكة استراتيجية، وفرصاً غير مسبوقة، ومنها تقصير مدة نقل النفط من السعودية ودول الخليج في طريقه لأوروبا والغرب، والانفتاح على إسرائيل ودول الخليج كمصدر لاستيراد النفط وتخزينه، وسيجعل إسرائيل ملجأ آمناً للدول المطبعة معها، لأنها ستكون أقل ضعفاً أمام إيران لتراجع اعتمادها الكبير على مضيق هرمز، المتأثر بالتوتر الخليجي الإيراني، واستمرار حرب اليمن، والصراع الأمريكي الإيراني في الخليج.
هذا التوجه الإسرائيلي ــ وفقا لأستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأمريكية نصر عبدالكريم ــ يفوق الجوانب الاقتصادية ليصبح ذا أبعاد استراتيجية، فإسرائيل تسعى لإعادة التموضع في المنطقة، بما يحقق لها المميزات والمكاسب على المدى الطويل. وبالتالي فإن إعادة تشغيل خط النقل النفطي إيلات-عسقلان تمنح تل أبيب النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الغاز ومياه شرق المتوسط، وخطوط النقل والمواصلات والاتصالات، مما يؤهلها لوضع نفسها في مكان مميز على خريطة المنطقة. كما أن (إسرائيل) ستكون الأكثر استفادة من الناحية الجيو-سياسية، لأن الخط يمنحها موطئ قدم عسكري أمني في المنطقة، ويعمق مصالحها مع باقي الأطراف، ولأنه يتطلب توفير احتياجات أمنية لتوفير سلامة النقل، وما يشمله من إجراءات الحراسة والحماية، فهو يحقق المزيد من المصالح الأمنية لإسرائيل في المنطقة والعالم.[[3]]
والأخطر هنا هو محاولة تل أبيب ربط حقول بقيق، مخزن النفط السعودي وأكبر حقل لإنتاج النفط في المملكة، بميناء إيلات الإسرائيلي الواقع على ساحل البحر الأحمر، وبالتالي نقل نفط المملكة من المنطقة الشرقية بالسعودية إلى أوروبا وأميركا الشمالية، عبر خط بري طوله 700 كلم، يتم ربطه بخط “إيلات عسقلان” الإسرائيلي. وخط إيلات – عسقلان، ثم خط بقيق – إيلات، هما الأخطر بالنسبة لمصر لأنهما يهددان بشكل مباشر قناة السويس، ويفقدان مصر ليس فقط 6 مليارات دولار تحصدها سنويا عن رسوم المرور، ولكنهما يهددان مشروعات تنمية إقليم السويس واعادة تعمير سيناء ومئات الآلاف من فرص العمل، كما يهددان موانئ مصر سواء الواقعة على البحر الأحمر والتي تساهم الإمارات في إدارة بعضها مثل ميناء السخنة الذي تديره موانئ دبي، أو الموانئ الأخرى الواقعة على البحر المتوسط سواء في السويس أو بورسعيد أو الاسكندرية أو دمياط.[[4]]
وقد اعترف رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع بهذه الأضرار مؤكدا أن القناة أصبحت أمام تحديات وجود منافس بري أقل كلفة، وتأكيده أن الخط “من الممكن أن ينقل النفط إلى أوروبا..” وأن هناك ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي المصري. وبنبرة العاجز ، أقر بوجود ما وصفها بـ”تداعيات محدودة”، مبديا تخوفه من تركيز البضائع الخليجية في يد إسرائيل، قائلا: “نراهن ونعتمد على العروبة في أن تكون التجارة البينية مع إسرائيل قائمة على عدم التأثير على قناة السويس بشكل كبير”. وكان نظام السيسي قد أهدر نحو 8.5 مليار دولار سنة 2015م على إنشاء تفريعة جديدة للقناة رغم التحذير من عدم جدواها اقتصاديا، حيث لم تحقق القناة أي زيادة في مواردها على الإطلاق.
خسائر باهظة لمصر
الأكثر خطورة أن الاحتلال سوف يحقق من هذا الطريق الجديد مكاسب بالجملة، في الوقت الذي يهدد مصر بخسائر باهظة؛ ويقدر عواد أبوعواد، الباحث بمركز القدس للدراسات الإسرائيلية، أن تحقق (إسرائيل) خط النقل النفطي إيلات-عسقلان يحقق لإسرائيل أرباحاً بقيمة 3 مليارات في العام الأول، و10 مليارات أخرى بعد 7 سنوات على تشغيله. ويرتبط هذا الخط بما أعلنه سابقاً وزير المواصلات السابق يسرائيل كاتس حول تشغيل خط السكة الحديد لربط حيفا والإمارات، لنقل البضائع الخليجية عن طريق البر، بحيث يكون أسرع وأقصر، ويوفر لها سرعة الوصول، مما سيرفع حجم التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي بعد مرور 10 سنوات إلى 30 مليار دولار، مما يعني ثلث قيمة التجارة الخارجية الإسرائيلية.
في المقابل، سوف تصل الخسائر المصرية لمليارات الدولارات، وستفقد قناة السويس التي يمر منها 10% من حجم التجارة العالمية بريقها، وسيتضرر مركز مصر الاستراتيجي، بجانب مضيق هرمز الذي يمر منه 40% من النفط العربي. وسيترك خط النقل النفطي الجديد إيلات-عسقلان تحدياً كبيراً لقناة السويس؛ لأن هذا الخط الملاحي الإسرائيلي يُعنى بنقل النفط من الخليج لأوروبا، دون المرور بقناة السويس، التي تأتي 17% من عائداتها من ناقلات النفط، وهي أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية لمصر، وأقصر وأسرع ممر مائي.
هذا الخط الجديد (إيلات ــ عسقلان) يعني أن إسرائيل تعيد صياغة علاقاتها الاستراتيجية القائمة على الارتباط المصلحي طويل الأمد مع الدول العربية المطبِّعة معها، فهذا الخط قادر على نقل 55 مليون طن من البترول، وإشعال نار المنافسة مع قناة السويس، التي تستحوذ على 51% من كميات النفط التي تعبر القناة، وتقدر بـ107 ملايين طن. إضافة إلى أن انعكاسات تشغيل خط النقل الإسرائيلي لن تقتصر على الإضرار بالاقتصاد والأمن المصري فقط، بل سيحوّل مصير الخليج الاقتصادي المتمثل بالنفط ليكون واحدة من أدوات الابتزاز الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، بتمكنها من التحكم في نقل النفط وبيعه وفقاً لشروطها وتوجهاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وسيقضي على آمال مصر بتطوير إيراداتها، والحفاظ عليها عبر عائدات القناة، التي تشكل الناقل الرئيسي للنفط من الخليج عبر البحر الأحمر، مروراً بالقناة إلى البحر المتوسط، وصولاً لأوروبا”.
ومن جملة الخسائر المصرية أن التحالف الإماراتي الإسرائيلي أمتد لتطوير موانئ إسرائيلية مهمة منافسة للموانئ المصرية مثل حيفا وأشدود وإيلات وغيرها. إضافة إلى التوقيع على إنشاء 3 مناطق تجارة حرة بين الإمارات وتل أبيب تسمح بتبادل سلع وخدمات بين البلدين بمليارات الدولارات، كما تسمح للشركات الإسرائيلية بالنفاذ إلى أسواق العالم خاصة أسواق الصين والهند واليابان وأسواق جنوب شرق أسيا وشرق أفريقيا. هذه المناطق الحرة تهدد أيضا مثيلتها في مصر والموانئ الرئيسية الواقعة على البحرين المتوسط والأحمر، خاصة أن الإمارات سمحت للشركات الإسرائيلية بإطلاق أنشطتها من مناطق التجارة الحرة في دبي وغيرها من موانيها دون الحاجة إلى وجود شريك محلي، مع منحها الكثير من المزايا الضريبية واللوجستية والتنظيمية، وهنا ستنافس الشركات الإسرائيلية الشركات والموانئ المصرية على أسواق العالم.
وتعتبر الشراكة الاقتصادية الشاملة المرتقبة بين أبو ظبي وتل أبيب في المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية والسياحية والمالية خطرا على الاقتصاد المصري؛ كما تبحث أبوظبي وتل أبيب حاليا إمكانية تدشين مركز طاقة مشترك يمكن أن يؤثر على خطط مصر الرامية إلى التحول إلى مركز إقليمي للطاقة وتصدير الغاز الطبيعي لأسواق أوروبا عبر موانئ دمياط وغيرها.
وسوف تنعكس الشراكة الإماراتية الإسرائيلية بالتأثير السلبي على مستقبل السياحة المصرية؛ حيث أعدت إسرائيل خطة لجذب 100 ألف سائح من الإمارات سنويا، وبالتالي ستنافس دولة الاحتلال مصر في جذب السياح الإماراتيين والبحرينيين وربما الخليجيين في وقت لاحق بالقدوم إليها، علما بأن الإمارات من بين 20 دولة يعتبر مواطنوها الأكثر إنفاقا على رحلات السفر، وتمثل السياحة الخليجة مصدرا مهما للسياحة المصرية بعد تراجع السياحة الروسية والبريطانية بعد تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر 2015م.
روشتة علاج
إذا بقيت الأوضاع في مصر على النحو القائم خلال مرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية؛ فإن الأمن القومي المصري مهدد بشكل مباشر؛ لأن المشروع الصهيوني سيحظى بدفعة كبرى باتجاه النجاح والهيمنة على المنطقة؛ وهذا يعني في أبسط صوره تهديدا فادحا للأمن القومي المصري بجانب تصفقة القضية الفلسطينية وتهدد أقطار عربية أخرى على رأسها الأردن.
ولكي تواجهه مصر هذه التهديدات والتحديات فإنها تحتاج إلى روشتة علاج عاجلة تتضمن هذه الإجراءات:
أولا، مصالحة وطنية شاملة تتضمن الجميع دون تهميش أو إقصاء، وعلاج التمزق المجتمعي القائم منذ انقلاب 3 يوليو 2013م، ورد الكثير من المظالم وتسوية الصراع بصورة تسهم في لم الشمل الوطني. وسحب التوقيع على الاتفاقيات التي أضرت بمصر وعلى رأسها التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” واتفاق المبادئ حول سد النهضة، واتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان.
ثانيا، إقامة نظام ديمقراطي تعددي يقف الجميع فيه أمام القانون على قدم المساواة، يسمح بتداول حقيقي للسلطة بناء على اختيار الإرادة الشعبية التي يجب أن تصان بعدما كشفت التجربة أن الانقلاب على هذه الإرادة يمثل أكبر تهديد للأمن القومي المصري.
ثالثا، إقامة علاقات وثيقة مع القوى الفلسطينية كلها ودعم المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل باعتبارها قضية تحرر وطني تدعمها المواثيق والقوانين الدولية، ودعم اندلاع شرارة انتفاضة جديدة لمواجهة صفقة القرن وما يرافقها من مؤامرات؛ وهو ما يجعل حكومة الاحتلال في حالة استنفار تامة بشكل دائم ما يستنزف الكيان الصهيوني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
رابعا، إقامة تحالف وثيق مع تركيا يمكن أن تفضي إلى تسوية إقليمية مع إيران أيضا حال توقفت عن أحلام التمدد الشيعي، وباستطاعة مثل هذا التحالف أن يضمن وقف الترتيبات الجارية لتتويج الكيان الصهيوني كأكبر قوى مهيمنة على المنطقة كلها، فتركيا سوف تقف بالمرصاد لخط الغاز الصهيوني “إيست ميد” باعتباره يمر عبر مياهها الاقتصادية.
بالطبع هذه الإجراءات لا يمكن أن تتم في ظل استمرار حكم الطاغية عبدالفتاح السيسي؛ وبالتالي فإن الإطاحة بنظام السيسي بات أولوية لحماية الأمن القومي الذي يعتبر السيسي ونظامه أكبر تهديد مباشر له؛ لأنه يكبل مصر من أن تتحرك في المسارات الصحيحة التي تضمن حماية مصالحها وأمنها القومي. أما بقاء السيسي ونظامه فإنه كفيل بإدخال مصر إلى مرحلة من الفوضى والتمزق محليا وإقليميا على وقع المسارات الاقتصادية التي تعزز من الرأسمالية المتوحشة والخلل القائم في إدراك أولويات الأمن القومي التي لا يمكن أن يكون قمع الشعوب وفرض الاستبداد عليها والتحالف مع إسرائيل من أهم ركائزه.
[1] مصر قلقة من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.. لماذا؟/ الخليج الجديد الجمعة 21 أغسطس 2020
[2] محمد عصمت/ قبل أن يجرفنا الطوفان/ بوابة الشروق الإثنين 21 سبتمبر 2020
[3] عدنان أبو عامر/ مصر تخسر، والمليارات تتدفق على إسرائيل.. تنشيط الإمارات لخط إيلات-عسقلان النفطي يحرم قناة السويس من بترول الخليج/ عربي بوست 8 أكتوبر 2020
[4] مصطفى عبد السلام/ الإمارات تخنق الاقتصاد المصري/ العربي الجديد 04 أكتوبر 2020