أولا : المشهدالمصري
المشهد السياسي على الصعيد الوطني:
القمع والاعتقالات وسيلة السلطات في مواجهة الرفض الشعبي لسياسات النظام:
قال محام يحضر تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا مع المقبوض عليهم على خلفية الاحتجاجات الواسعة من حيث الانتشار والمحدودة من حيث أعداد المشاركين، التي اندلعت في 20 سبتمبر الماضي، بدعوة من الفنان والمقاول المصري محمد علي، وقد أدرجت نيابة أمن الدولة العليا المقبوض عليهم على ذمة التحقيقات في القضية التي تحمل رقم 880 لسنة 2020، قال المحامي إن النيابة حققت مع أكثر من ألف شخص، مشيرًا إلى أن المقبوض عليهم تقترب أعدادهم من ألفي مواطن، بينما لم يتجاوز عدد المُخلى سبيلهم عن 80 شخصًا حتى الآن، بينهم 68 طفلا[1] الذين أعلنت النيابة العامة، سابقًا، عن إخلاء سبيلهم، بعد تعهد ولاة أمورهم بالمحافظة عليهم، وحسن رعايتهم، وعدم السماح لهم بارتكاب مثل تلك الأفعال مستقبلا. لفت المحامي إلى أن النيابة لن تصدر بيانًا تشير فيه إلى الأعداد الكاملة للمقبوض عليهم على خلفية التظاهر، مشيرًا إلى أن تظاهرات سبتمبر العام الماضي شهدت القبض على حوالي 7 الآف مشارك في الاحتجاجات، بينما ذكرت في بياناتها أنها حققت مع ألف شخص فقط، فيما صدرت قرارات متتابعة بإخلاء سبيل دفعات من المقبوض عليهم، دون بيانات رسمية[2].
في الوقت الذي طاردت فيه السلطات المشاركين في تظاهرات سبتمبر، فقد شهدت منطقة المنصة بحي مدينة نصر بالقاهرة، مسيرات مؤيدة للسيسي؛ وذلك للاحتفال المُبكر بالذكرى الـ 47 لحرب السادس من أكتوبر، وأُقيم حفل حضره محمد فؤاد وحكيم وحمو بيكا، وقد شهد اليوم والحفل إعلانًا عن «تأييد الدولة المصرية والسيسي»[3].
بمرور الوقت تتكشف معلومات جديدة بخصوص حجم الموقوفين؛ جراء الاشتباه بمشاركتهم في احتجاجات سبتمبر المنددة بسياسات الحكومة المصرية، وتتكشف حالة التعنت التي تتعامل بها السلطات المصرية مع المحتجين، تعنت يعكس خوف السلطات من احتمالية أن تتطور الاحتجاجات بصورة لا تصب في مصلحة نخبة الحكم الحالية، ولا يعكس في الحقيقة قوة النظام أو ثقة مؤسساته، إنما يعكس الخوف، ولا شيء إلا الخوف.
هذا الخوف في الحقيقة لا يسمح بظهور معالجات جادة للمشكلات التي دفعت الناس للخروج الاحتجاجي، خاصة مع رفض النظام التراجع عن سياسات التقشف والجباية التي أججت هذه الاحتجاجات، وستؤجج غيرها مستقبلا، مع بقاء الأسباب المحفزة دون تغيير. في الوقت ذاته، يحرك النظام مؤيديه، أو يشتري مؤيدين مؤقتين؛ ليوجه رسالة مفادها أن هناك داعمين للنظام القائم، كما أن هناك معارضين، دون أن يفكر في محاولة استقطاب جزء من الشرائح الغاضبة.
وزارة الداخلية تحتكر إدارة المشهد السياسي:
عقدت مديريات الأمن وإدارات الأمن الوطني في المحافظات التي شهدت مناطقها الريفية وضواحيها تظاهرات الحراك الشعبي ضد النظام المصري خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، اجتماعات في الأيام الخمسة الأخيرة مع ممثلي عدد من العائلات والقبائل الكبرى بالقرى. حدث ذلك بتوجيه من الدائرة المقربة من السيسي، على رأسها جهاز المخابرات العامة بقيادة عباس كامل، إضافة إلى اللواء مستشار السيسي للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين. وقد هدفت هذه الاجتماعات إلى مدّ جسور الثقة، وإزالة بعض عوامل الغضب التي شابت علاقة النظام ببعض العائلات أخيرًا، وبهدف توجيه الشيوخ والعُمَد وكبار الأسر وكبار ملاك الأراضي على مستوى تلك المناطق؛ لأداء دور أكثر فاعلية لتهدئة الرأي العام، كل في منطقته. وقدمت السلطات لممثلي العائلات الكبيرة والقبائل المجتمعين وعود تخصيص مقاعد لهذه العائلات في المجالس المحلية المقرر تكوينها في عام 2021 أو 2022، مع منحها مزايا أخرى، تتعلق بأنشطتها الاجتماعية والاقتصادية، مقابل عودة الشخصيات الكبيرة بتلك العائلات لممارسة دورهم كقناة تواصل بين الرأي العام وأجهزة النظام، والضغط على المواطنين بالترغيب أو الترهيب؛ لمنع تجدد الحراك الشعبي الذي حدث أخيرًا. كما جرى تقديم وعود بزيادة دعم الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والثقافية تحت مظلة “مستقبل وطن”، والجمعيات الأهلية الموالية للنظام، مقابل عودة التعاون مرة أخرى، وانضمام ممثلين للعائلات إلى الحزب، وتكوين مكاتب محلية له[4].
لكن يبدو من الراجح أن هذه المحاولات لن تسفر عن نتائج إيجابية ذات بال؛ خاصة مع سيطرة المنطق الأمني والأجهزة الأمنية على المشهد، وسيطرة عقليات إما ذات عقلية أمنية، أو عقلية عسكرية على المشهد السياسي؛ والعقليتان لا تحسنان إدارة مشهد سياسي بصورة مقبولة. كما أن فشل هذه المحاولات ناجم عن سوء الأحوال المعيشية للمحتجين بصورة لن تفيد معها دعاوى الإصلاح والوعود البراقة، وبصورة لا تترك هامشًا للمناورة لدى المحسوبين على الدولة من عائلات متنفذة، وذات رأسمال اجتماعي كبير.
انتخابات النواب:
انتخابات النواب منافسة تحددت نتائجها مسبقًا:
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، القائمة النهائية للمرشحين لانتخابات مجلس النواب، متضمنة 4038 مرشحًا فرديًّا وثماني قوائم -منهم 285 مرشحًا من حزب مستقبل وطن- بعد انتهاء مرحلة الطعون القضائية؛ إيذانًا ببدء الدعاية الانتخابية في محافظات المرحلة الأولى لمدة 12 يومًا، تنتهي في 18 أكتوبر الجاري.
يتنافس المرشحون على 568 مقعدًا في مجلس النواب، يُنتخب 284 منهم بالنظام الفردي في 143 دائرة انتخابية، وعدد مماثل بنظام القائمة المغلقة، بينما يعين الرئيس -بحكم القانون- 28 عضوًا؛ ليبلغ إجمالي عدد مقاعد المجلس 596 مقعدًا. ويعني الانتخاب بنظام القائمة المغلقة أن يفوز أعضاء القائمة جميعًا إذا ما حصلت على أكثر من 50 في المئة من الأصوات على كل المقاعد المخصصة للقائمة في الدائرة الانتخابية. جدير بالذكر أن قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب ينص على تقسيم الجمهورية إلى أربع دوائر مخصصة لنظام القائمة، وتنافس “القائمة الوطنية من أجل مصر”، بقيادة مستقبل وطن، بقوائم للفوز في الدوائر الأربعة[5].
قبل إعلان الهيئة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا، عشرات الأحكام بتأييد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات، باستبعاد عدد من الأشخاص من الترشح، وعددًا محدودًا من الأحكام القضائية بإدراج آخرين، بينهم النائب الحالي ضياء الدين داوود، عضو تكتل «25/30» المعارض، الذي ألغت «الإدارية العليا»، الحكم الصادر في حقه من محكمة القضاء الإداري بدمياط، بتأييد قرار الهيئة الوطنية للانتخابات باستبعاده؛ لعدم توقيع زوجته على إقرار الذمة المالية الخاص بها، المقدم ضمن أوراق ترشحه.
تُجرى المرحلة الأولى للانتخابات في الدوائر الفردية في 14 محافظة، هي: الجيزة، الفيوم، بني سويف، المنيا، أسيوط، الوادي الجديد، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان، البحر الأحمر، الإسكندرية، البحيرة، ومطروح. وفي دائرتين فقط في نظام القائمة، هما: دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد، ودائرة قطاع غرب الدلتا، لمدة ثلاثة أيام من 21 إلى 23 أكتوبر بالنسبة لمواطني تلك المحافظات في الخارج، على أن يتبعهم التصويت داخل تلك المحافظات خلال يومي 24 و25 أكتوبر[6]. أما المرحلة الثانية فتجرى يومي السابع والثامن من نوفمبر، في القاهرة وباقي محافظات مصر.
عبثية مشهد انتخابات مجلس النواب باتت معروفة بشكل واضح، خاصة مع خروج شخصيات من داخل المعسكر المؤيد للنظام القائم، منددين بالأسس التي اختير على أساسها مرشحي الدولة -المرجح فوزهم بالضرورة- في الانتخابات البرلمانية المنتظرة، وكيف كانت الرشاوى وشراء المقاعد هي آلية الاختيار .. عبثية ستنعكس بالضرورة على أداء البرلمان القادم، مع خلوه من كوادر حقيقية، قادرة على إدارة المشهد التشريعي بصورة مقبولة، حتى لو كان معلومًا للجميع أن المجلس ليس سوى أحجار على رقعة شطرنج، يحركه ساكن الاتحادية. لكن المشهد بصورته تلك انعكاس صادق لمشهد أمني بامتياز، تديره الأجهزة الأمنية، وبات خلوًا من أي ملمح سياسي حقيقي.
المشهد المجتمعي:
العمال في مصر يدفعون كلفة جائحة كورونا:
أفاد تقرير صادر عن دار «الخدمات النقابية والعمالية» بعنوان “أوضاع العمال المصريين في ظل أزمة كورونا وآفاق المستقبل”، أن هناك 40 شركة أنهت عقود عمل الآلاف من العمال خلال الجائحة، وكان بعض هذه الجهات تابعًا للدولة. ومن الأمثلة التي ذكرها التقرير، مركز شباب الجزيرة، الذي أنهى عمل كل الأجهزة الفنية والإدارية والطبية للفرق الرياضية في منتصف مايو الماضي، لحين اعتماد تشكيلات جديدة، وجامعة أسوان التي استغنت عن المئات من عمال اليومية، عقب توقف الدراسة في شهر مارس الماضي، فيما قال أحد العمال لـ «الخدمات» إن المستبعدين عددهم يصل إلى نحو 1500 شخص، بعضهم يعمل منذ 15 عامًا في انتظار التعيين، كما تم تسريح العشرات من المدرسين والعمال المؤقتين في مدرستي «نوتردام» و«المستقبل» بأسوان إثر الجائحة، بالإضافة إلى تسريح الشركة المالكة لمطاعم «جاد» في الإسكندرية للعاملين بها، دون دفع مستحقاتهم، عقب قرار إغلاق المطاعم، فيما أوقفت شركة «كوك دوور» عن العمل كلَّ مَن عُينوا بعد يناير 2020، دون دفع مرتباتهم لحين انتهاء أزمة كورونا، أو العودة للعمل[7].
بالتأكيد سيكون العاملون هم من أكثر الفئات تضررًا؛ جراء إجراءات الإغلاق والكساد التي أصابت الأسواق جراء جائحة كورونا، كساد يبدو أنه مستمر خلال الفترة القادمة، مع دخول دول العالم في الموجة الثانية من الفيروس، وهو ما سيكون له تأثيراته على مصر، رغم البيانات الرسمية المصرية التي تتحدث عن تراجع ملحوظ في الإصابات بالفيروس وسط المواطنين .. تأثيرات ناجمة عن تراجع السياحة، وعن انخفاض إيرادات قناة السويس، مع تباطؤ التجارة العالمية جراء سياسات الإغلاق في عدد كبير من دول العالم، وناجمة كذلك عن تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج نتيجة الأسباب ذاتها. النقطة الأخيرة أن تراجع دخول الأسر المصرية، وخاصة العاملين، وإقالة الكثيرين منهم وفقدانهم لوظائفهم، كل ذلك سيضعف -بالتأكيد- من قدراتهم الشرائية، وذلك بدوره سيزيد من تباطؤ الاقتصاد المصري، وسيضعف قدرته على التعافي، وعلى تجاوز التحديات التي يفرضها كورونا.
ثانيا : المشهد الإقليمي والدولي
القضية الفلسطينية
– ضغوطات عربية لإفشال المصالحة الفلسطينية يقابلها إصرار فلسطيني على إنجاحها:
كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن وجود ضغوط عربية من قبل كل من مصر والأردن والإمارات والسعودية لإفشال مخرجات تفاهمات إسطنبول بين حركتي فتح وحماس لإتمام المصالحة بينهما. وقد جاءت هذه الضغوطات لتخوف هذه الدول من قيام حماس بجر “أبي مازن” إلى حضن تركيا وقطر بعيدًا من الإجماع العربي. كما ترى مصر أن المصالحة الفلسطينية بهذه الطريقة، بعيدًا عن رعاية القاهرة، تمثّل انتقاصًا من جهد الأخيرة، بعد محاولات كثيرة للمصالحة بين الحركتين طوال 14 عامًا، فضلًا عن أن القاهرة ترى أن الوقت الحالي غير مناسب للانتخابات، خاصة مع غياب دعم دولي وأمريكي لإجرائها؛ ما يجعلها «قفزة غير محسوبة من عباس». كذلك ترفض الأردن إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ تخوفًا من حصول «حماس» على نصيب كبير في المناصب، فضلًا عن التعقيدات، خاصة في الضفة والقدس، وما تعرفه من نية إسرائيلية لمنع الانتخابات، وهو ما سيفتح باب مواجهة في الضفة.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه الضغوطات كانت السبب الرئيس خلف تأخر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في إصدار مرسوم يحدد موعد الانتخابات الفلسطينية العامة، وفق جدول زمني لا يتجاوز ستة أشهر، بناءً على التفاهمات الأخيرة بين حركتَي «حماس» و«فتح». كما كانت السبب في تأجيل اجتماع الأمناء العامين، المقرر في الثالث من الشهر الجاري (أكتوبر)، الذي كان من المفترض صدور مرسوم الانتخابات خلاله، بعد عرض التفاهمات على باقي الفصائل. كذلك أدت تلك الضغوطات إلى تأخر عباس في تنفيذ التوافقات مع حماس، بما فيها السماح بالمقاومة الشعبية في الضفة، ووقف ملاحقة عناصر الحركة، وأيضًا تأخره في رفع العقوبات عن قطاع غزة، ووقف التمييز بين الضفة والقطاع، والسماح بتجديد جوازات السفر لآلاف الممنوعين من ذلك. كما قامت الأردن بإرسال رسالة غير مباشرة لحماس برفض اتفاق المصالحة، وذلك بالضغط على الأسيرة المحررة المنتمية إلى الحركة، والمطلوبة للولايات المتحدة، أحلام التميمي، لمغادرة المملكة، عبر ترحيل زوجها الأسير المحرر نزار التميمي، وإبلاغه بضرورة المغادرة خلال أيام؛ تمهيدًا لترحيلها وتسليمها للإدارة الأمريكية[8].
ولكن يبدو أن هذه الضغوط لن تؤثر بصورة كبيرة على التوجه الفلسطيني نحو المصالحة والوحدة، في ظل مجموعة من الدوافع التي تتمثل في:
دوافع داخلية: 1- حيث لا تزال “حماس” تعاني من العبء الثقيل لإدارة قطاع غزة، دون أي مصدر دخل جدي. فالسلطة الفلسطينية هي من تتلقى وتدير وتوزع المساعدات الخارجية الموجهة إلى الشعب الفلسطيني، ولم تتمكن “حماس” من الوصول إلى هذه الأموال، ومن المرجح أن تظل كذلك ما دامت الحركة غير متفقة مع منظمة التحرير الفلسطينية.
كما ذهبت العديد من الدول التي تصنف “حماس” على أنها “جماعة إرهابية” إلى حد قطع المساعدات عن المنظمات الإنسانية في غزة؛ خوفًا من تحويل الموارد لدعم الأنشطة المسلحة. على سبيل المثال، في عام 2016، توقفت أستراليا عن المساهمة في برامج غزة لمنظمة “وورلد فيجن” غير الحكومية، بعد اتهامات من وكالة الأمن الإسرائيلية بأن العديد من موظفيها كانوا يساعدون ويحرضون على الأنشطة المسلحة التي تقوم بها “حماس”. كما أن الأموال التي ترسلها قطر تنصب بصورة رئيسة على منع سكان غزة من الغضب تجاه إسرائيل.
ومن خلال المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ربما تأمل “حماس” في الوصول إلى المساعدات التي يتم توجيهها عبر السلطة الفلسطينية، وصقل السمعة الدولية، التي حرمتها حتى الآن من المساعدات الخارجية.
2- الشراكة العامة الجديدة بين قادة “فتح” و”حماس”، وعلى الأخص “جبريل الرجوب”، أمين سر حركة فتح ورئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية والخليفة المحتمل لـ”عباس”، و”صالح العاروري”، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي يتنافس على المنصب الأعلى في “حماس” مع اقتراب الانتخابات الداخلية.
وكان “الرجوب” و”العاروري” صديقين لأعوام في السجون الإسرائيلية، وحافظا على علاقة وثيقة. وفي يوليو الماضي، أعلن “الرجوب” و”العاروري” عن جهودهما وراء الكواليس في مؤتمر صحفي افتراضي، عُقد في وقت واحد في رام الله وبيروت. ومع نضوج جهود المصالحة، أصبح من الواضح أن المفاوضات بين الفلسطينيين قد تؤتي ثمارها قريبًا، ويرجع الفضل في ذلك -إلى حد كبير- إلى تعاونهما.
الدوافع الخارجية: 1- كان التغيير الخارجي الأكبر هو تخلي إدارة “ترامب” عن المواقف الأمريكية التقليدية بشأن القدس والمستوطنات والاحتلال وحل الدولتين. فقد اتخذت الولايات المتحدة قرارًا أحاديًّا بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأعلنت عن خطة أحادية الجانب، تم وضعها دون تشاور مع القادة الفلسطينيين، تدعو إلى ضم 30% من الضفة الغربية إلى (إسرائيل). وشمل ذلك القدس بأكملها، ووادي الأردن، وكل مستوطنات الضفة الغربية. وأعطت الخطة -التي تضمنت خرائط تفصيلية- (إسرائيل) سيطرة أمنية كاملة على المعابر الحدودية، واستبدلت بأراض فلسطينية قيمة، قطع أراضٍ في الصحراء.
كما عاقبت الولايات المتحدة فلسطين على المستوى الاقتصادي، بقرارها قطع المساعدات عن الأونروا ومستشفيات القدس، وبرامج البنية التحتية للمياه في الضفة الغربية. وقد تتزامن الانتخابات المقبلة في فلسطين مع إدارة جديدة أقل عدائية في الولايات المتحدة؛ حيث من المقرر أيضًا إجراء انتخابات أمريكا في أوائل نوفمبر. وإذا حدثت الانتخابات والوحدة، فإن الموقف الفلسطيني في المفاوضات مع أي إدارة أمريكية مستقبلية سيكون أكثر شرعية، وأقوى من تمثيلهم الحالي المنقسم.
2- أدى التحرك الأخير من قبل دول الخليج العربي لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل)، إلى تسريع عملية المصالحة؛ حيث تم اعتبار ذلك تهديدًا وجوديًّا للحركة الوطنية الفلسطينية[9].
وقد دفعت هذه العوامل الفلسطينيين إلى التوجه والإصرار على المصالحة والوحدة، وهو الإصرار الذي ظهر مع قيام وفد من حركة فتح، في 5 أكتوبر الحالي، بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق؛ لإجراء مشاورات مع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الموجودة في سوريا؛ بغرض استكمال جهود إنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإجراء الانتخابات.
فقد أشار سمير الرفاعي، عضو اللجنة المركزية للحركة، ومفوض الأقاليم الخارجية فيه، أن “الوفد الذي يترأسه جبريل الرجوب، سيلتقي مع قيادات الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية – القيادة العامة، والصاعقة، وحركة الجهاد الإسلامي؛ لاستكمال الحوار الذي بدأ بلقاء الأمناء العامين للفصائل”، في إشارة للاجتماع الذي عقد في رام الله وبيروت، في 3 سبتمبر الماضي. وأوضح الرفاعي أن محاور النقاش في الحديث مع الأمناء العامين “كثيرة”؛ لكنها “تتمحور حول الوضع السياسي بشكل عام، والحالة الفلسطينية والعربية، وإنهاء الانقسام، ومناقشة نتائج حوارات إسطنبول في موضوع الانتخابات”[10].
كما أن تلك الضغوطات العربية لن توقف التحركات الاستفزازية من قبل حماس لدول التطبيع، فبعد أن كانت حماس تتجنب الصدام العلني مع هذه الأنظمة، إلا أنها أصبحت غير معنية بذلك في الوقت الحالي، الذي تتسارع فيه هذه الدول نحو التطبيع مع إسرائيل. فبعد توقيع الإمارات والبحرين اتفاقياتهما مع إسرائيل، باتت الفصائل الفلسطينية ترى أنها في حل من إلزام نفسها بالنأي عن استفزاز النظامين الإماراتي والسعودي وإزعاجهما، كخيار لم يعد مجديًا. يُترجَم التوجّه الجديد بمزيد من الانخراط في التنسيق فوق الطاولة مع مختلف قوى محور المقاومة في المنطقة، في مسار يُفترض أن يأخذ شكلًا تصاعديًّا؛ إذ على رغم حساسية أمر مماثل لدى الرياض و(أبو ظبي) والمنامة، أجرت قيادة حركة “حماس” لقاءات مع قيادات في المعارضة البحرينية، هي الأولى من نوعها.
فبحسب مصادر صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإن لقاءات جرت في أواخر شهر سبتمبر الماضي في بيروت، جمعت قيادات من قوى المعارضة البحرينية، بينها قوى تعد لدى المنامة “متشددة”، مع قيادات “حماس” و”الجهاد” و”الجبهة الشعبية” و”فتح” و”منظمة التحرير”. وأفاد مصدر في “ائتلاف 14 فبراير” (تجمّع لقوى ثورية مناهضة للنظام البحريني)، بأن لقاءً جمع قيادة الائتلاف ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية، وحضر اللقاءَ أيضًا نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، كما جرى لقاء مماثل مع الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد نخالة. وبحسب مصادر “حماس”، فإن هنية التقى كذلك وفدًا قياديًّا من جمعية “الوفاق” البحرينية[11]، وهي جمعية شيعية مدعومة من قبل إيران[12].
الملف الليبى
– صراع أمريكي – روسي يلوح في الأفق حول كيفية حل الأزمة الليبية:
تعمل الولايات المتحدة حاليًّا -بصورة حثيثة- للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، يسفر عن تحجيم النفوذ الروسي في ليبيا، وذلك من خلال فرض رؤيتها السياسية لحل الأزمة الليبية، التي تتمثل في:
– إصرار الأمم المتحدة -بدعم أمريكي- على ضرورة توقف مسار بوزنيقة عند حد توافق الطرفين على وضع آليات وشروط شاغلي المناصب السيادية، وفق توزيع جغرافي، من دون ترشيح أسماء لشاغلي هذه المناصب، التي ستكون من ضمن صلاحيات الأمم المتحدة حصرًا. كذلك، هناك إصرار أممي -بضوء أخضر أمريكي وأوروبي- على ضرورة انسحاب الوجوه السياسية الموجودة من المشهد، واشتراطها عدم تولي كل المشاركين في المشاورات الحالية أي منصب في المشهد السياسي والحكومي المقبل. في محاولة أمريكية للإطاحة بالوجوه السياسية المحسوبة على روسيا، مثل حفتر.
– المقترح الأمريكي بإرسال قوات أممية لمدينتي سرت والجفرة؛ بحيث تسند إليها مهمة تطبيق المنطقة منزوعة السلاح، والإشراف على إخراج المرتزقة -مرتزقة فاغنر بالأساس- من ليبيا. وهناك أيضًا أحاديث عن إمكانية وجود عسكري أمريكي في قاعدة الوطية، أقصى غرب البلاد، التي تشغلها حاليًّا قوات تركية[13].
وفي مقابل ذلك، فهناك تحركات روسية لتقويض تلك المساعي الأمريكية، فقد حذر الجيش الليبي من تحركات “مشبوهة جدًّا” لمليشيات حفتر في سرت وجنوب بلدة الشويرف. وتحدث مدير إدارة التوجية المعنوي في الجيش الليبي، ناصر القايد، عن طائرة روسية تحمل مرتزقة سوريين تابعين لنظام بشار الأسد، هبطت في مطار القرضابية (بسرت). وأضاف أن مرتزقة من “الجنجويد” السودانيين، وآخرين تابعين لشركة “فاغنر” الروسية يتحركون، بقيادة المبروك السحبان، نحو الشويرف (الخاصرة الجنوبية لإقليم طرابلس).
ويذكرنا هذا الوضع بعام 2019، عندما كانت الأمم المتحدة تحضر لعقد مؤتمر حوار جامع لليبيين، في 14 أبريل من ذلك العام، وقبل 10 أيام من هذا التاريخ، هاجمت مليشيات حفتر العاصمة طرابلس (غرب)، مقر الحكومة، بشكل مباغت؛ وهو ما نسف شهورًا من التحضيرات الأممية لهذا المؤتمر. وبالتالي فمن غير المستبعد أن يُقدم حفتر على مغامرة جديدة؛ لاستهداف مصراتة من الغرب، والعاصمة من الجنوب، برغم انعقاد “مؤتمر برلين2″، في 5 أكتوبر الجاري، برعاية ألمانيا والأمم المتحدة، خاصة وأن الدعم العسكري الأجنبي لحفتر بالأسلحة والمرتزقة لم يتوقف منذ هزيمته بطرابلس، في يونيو الماضي[14].
وسبق أن حاولت روسيا الالتفاق على المحاولات الأمريكية التي تسعى إلى إخراج مرتزقة فاغنر الروسية من منطقة الهلال النفطي كشرط لعملية إعادة إنتاج النفط، التي تمثلت في الاتفاق الذي توصل له كل من خليفة حفتر وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي في مدينة سوتشي الروسية؛ من أجل استئناف عملية النفط، دون ربطه بضرورة إخراج المرتزقة.
الاتحاد الأوروبى و تركيا
– اختتام قمة الاتحاد الأوروبي دون فرض عقوبات على تركيا:
بعد تأجيلها أسبوعًا، عقدت في الأول والثاني من أكتوبر الجاري قمة قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ولم تشمل مخرجات القمة أي عقوبات مباشرة على تركيا، حتى تلك الرمزية منها؛ بل دعتها للحوار؛ إذ قال بيانها الختامي: إنه لدى الاتحاد الأوروبي “مصلحة إستراتيجية في إيجاد بيئة مستقرة وآمنة في شرقي المتوسط، وعلاقة تبادل المنفعة مع تركيا”. دون أن ينس البيان دعوة تركيا إلى “وقف الأعمال أحادية الجانب” في شرقي المتوسط، مع تلويح أكثر من مسؤول أوروبي بورقة العقوبات مستقبلًا، من باب أن تركيا في فترة اختبار نوايا حتى القمة القادمة في ديسمبر المقبل، التي ستقيم العلاقات معها.
فقد دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لحل النزاع في شرقي المتوسط بالوسائل الدبلوماسية، ورأت أن “من مصلحة الاتحاد الأوروبي تطوير علاقة بناءة مع تركيا، على الرغم من كل الصعوبات”. وفي المقابل فقد حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية من “استخدام جميع الأدوات المتاحة لنا”، إن استمرت أنقرة في أعمالها الأحادية، مهددة بفرض عقوبات عليها إذا واصلت “استفزازاتها”. كما رأى رئيس المجلس الأوروبي أن “أنشطة تركيا تتعارض مع القانون الدولي”، متحدثًا عن سياسة “تجمع بين الحوار والصرامة” معها.
وهو ما يشير إلى أن قمة قادة الاتحاد -بخصوص أزمة شرقي المتوسط- كانت معتدلة ومتوازنة؛ فهي لم تفرض عقوبات على تركيا؛ وهو ما يعني أن الاتحاد أدرك الحاجة إلى علاقات أكثر توازنًا وندية مع أنقرة، وهو أمر يُبقي للاتحاد -وخصوصًا ألمانيا- فرصة للتدخل والتوسط مجددًا في الأزمة، ويحفظ مستوى معينًا من العلاقات والتعاون مع أنقرة.
إلا أن لهجة التحذير والتلويح بالعقوبات التي وجهها بعض قادة الاتحاد إلى تركيا قد تساهم -كما فعلت مسبقًا- في زيادة تعنُّت اليونان وتصلُّبها في موقفها، وهو أمر لا يساعد في الحل، وإنما قد يعقِّد الموقف أكثر فأكثر. ومن أهم مؤشرات ذلك أن أثينا لم تنتظر أكثر من يوم واحد فقط لتطلق إنذارَيْن بحريين (NAVTEX) لإجراء مناورات عسكرية في مناطق تَعدُّها تركيا لها، وهو ما ردت عليه الأخيرة بإنذار مقابل؛ ما يعني أن الوضع مرشح للعودة إلى المربع صفر[15].
ولعل أبرز ما يدفع اليونان نحو التصعيد العسكري ضد تركيا -على الرغم من الفوارق العسكرية الكبيرة بين البلدين لصالح الأخيرة- هو وجود قوى دولية وإقليمية معادية لتركيا وداعمة لليونان، على رأسها كل من مصر وفرنسا، واللتان قامتا مؤخرًا بتكثيف حضورهما العسكري في منطقة شرق المتوسط، وكان آخر مظاهر ذلك تنفيذ القوات البحرية المصرية والفرنسية، 1 أكتوبر الجاري، تدريبًا بحريًّا عابرًا، بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط[16].
وفي المقابل، فقد طالبت تركيا -على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن- بأن يتم حل الخلافات بين أنقرة وأثينا عبر المفاوضات الثنائية بينهما، وليس عبر الاتحاد الأوروبي. خاصة وأن أنقرة ترى أن موقفها التفاوضي أصبح أقوى بعد اعتماد الأمم المتحدة -في 1 أكتوبر الجاري- اتفاقها مع طرابلس على ترسيم الحدود البحرية، الذي توصل إليه الجانبان أواخر نوفمبر الماضي[17].
ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و اسرائيل
– اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وتداعياته الإقليمية:
مع مطلع أكتوبر الجاري -وبالتحديد في 1 أكتوبر- أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، عن التوصل إلى اتفاق إطاري لبدء المفاوضات مع إسرائيل بشأن ترسيم الحدود البرية والبحرية، برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة، منتصف أكتوبر الجاري. وهو الاتفاق الذي كان للولايات المتحدة الأمريكية دورٌ حاسمٌ في التوصل إليه، عبر إجراء محادثات دبلوماسية بين الطرفين، استمرت أكثر من عامين، وشملت ثماني جولات، وتأمُل الإدارة الأمريكية -حسب تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو- أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في غضون ستة أشهر، ستقوم خلالها شركات من الجانبين بإجراء مسح زلزالي في المنطقة المتنازع عليها[18].
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من التداعيات التي ستنتج عن هذا الاتفاق على المستوى الإقليمي، منها:
– دخول لبنان إلى حظيرة الدول المطبعة مع إسرائيل، فقبول المفاوضات بصورة مباشرة مع إسرائيل يعني الاعتراف الرسمي اللبناني بدولة إسرائيل، كما أن الاعتراف بالحدود الإسرائيلية هو اعتراف بوجود دولة إسرائيل. وقد ظهر ذلك بشكل جلي في استخدام نبيه بري (رئيس البرلمان) في إعلانه، لفظ إسرائيل، ولم يستخدم لفظ الاحتلال أو الكيان الصهيوني.
والأهم من ذلك، أن الإعلان عن ترسيم الحدود يأتي بالتزامن مع تسارع عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل، التي بدأت بالإمارات ثم البحرين، والحديث عن دول أخرى، على رأسها السعودية والسودان، وهناك أيضًا تقارير إعلامية عن وجود مفاوضات سرية لتطبيع سوريا مع إسرائيل. وربما تستغل الدول الخليجية -بضغط من الولايات المتحدة- الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها لبنان؛ لدفعها نحو التطبيع، عبر ربط المساعدات المالية والاقتصادية التي ستقدمها هذه الدول بدخول لبنان إلى حظيرة التطبيع مع إسرائيل [19].
– تراجع محور الممانعة، وقد ظهر ذلك -كما أشرنا سابقًا- في استخدام رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، المحسوب على هذا المحور، لغةً جديدةً مخالفة للنبرة الأيديولوجية التي يتبناها هذا المحور، فقد تحدث في بيانه عن إسرائيل، وليس “الكيان الصهيوني” أو “الاحتلال”، كما جرت العادة، وهذا تغير إستراتيجي وأيديولوجي كبير؛ إذ إنه يُضمِر بداخله اعترافًا بإسرائيل. ولم يقتصر حديث بري على هذا التطور، بل انطوى على لغة جديدة، تحدثت عن “المصالح المشتركة” و”تنمية الموارد” و”شعوب المنطقة”، وهي مصطلحات طالما اتهم الحلف الممانع من يتحدث بها على أنها مجرد شعارات لتغطية عملية التطبيع مع إسرائيل!.
كما أن الاتفاق سيؤدي إلى تجميد “المقاومة” من قبل حزب الله ضد إسرائيل؛ ذلك أن الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه سيُكبِّل -على الأرجح- حركة الحزب، ليس في لبنان وحسب، وإنما في إطار المشروع الإيراني الهادف إلى محاصرة إسرائيل بجبهات عديدة من القنيطرة “السورية” إلى الناقورة” اللبنانية”، كما أنه سيُقوِّي أصوات المعارضة الداخلية لـ “حزب الله”، التي تطالبه بتسليم سلاحه للدولة ضمن الإستراتيجية الدفاعية المتوافق عليها لبنانيًّا، طالما أن وظيفة “المقاومة” قد انتهت.
وعلاوة على ذلك، تأتي موافقة “حزب الله” على التفاوض مع إسرائيل في ظل ظروف صعبة يمر بها حلف الممانعة؛ حيث يشهد العراق تحولات مهمة باتجاه تجريد سلاح الميليشيات ودمجها ضمن أطر ومؤسسات الدولة العراقية، والكشف عن مساع يقوم بها النظام السوري للتفاوض مع إسرائيل، في وقت تمر فيه إيران بأسوأ أزماتها الاقتصادية والسياسية والأمنية[20].
– ضم لبنان للتحالف المعادي لتركيا؛ حيث يعمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على بناء تحالف إقليمي معادٍ لتركيا في منطقة شرق المتوسط، يضم كلًّا من اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر والإمارات، وأخيرًا لبنان. فقد نقلت صحيفة “خبر ترك” عن مصادر سياسية لبنانية، أنه قبل زيارة ماكرون الأخيرة إلى لبنان، وصل وفد فرنسي، وعقد اجتماعًا أوليًّا مع المسؤولين اللبنانيين؛ للحصول على تصاريح التنقيب عن النفط والغاز في بعض المناطق البحرية بالجرف القاري للبنان. وتابعت بأن ماكرون قام بالتوقيعات اللازمة من أجل أنشطة البحث في بعض المناطق المتنازع عليها بين “إسرائيل ولبنان” في السواحل اللبنانية.
كما أشارت الصحيفة إلى مساعي ماكرون للعب دور الوسيط بين الغرب وحزب الله (ومن خلفه إيران)، وهو ما ظهر في تصريحات ماكرون في مرفأ بيروت، التي قال فيها إن حزب الله جزء مهم من الشعب اللبناني، مشيرة إلى اجتماع سري عقده ماكرون مع ممثلين من الحزب[21]. ما يشير إلى رغبة فرنسا بالسماح لحزب الله بالوجود داخل الدولة اللبنانية، مقابل التزامه بالسياسة الخارجية الفرنسية، المتمثلة في تكوين حلف مضاد لتركيا في شرق المتوسط.
الأسد و التطبيع مع الكيان الصهيونى
الأسد يعرض التطبيع مع إسرائيل لتخفيف الحصار على نظامه:
يعاني نظام بشار الأسد من عزلة دولية حادة، لا سيما بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، وفي ظل محاولة الأسد إعادة إنتاج علاقات طبيعية بين نظامه والنظام الإقليمي والدولي، ووجد أن بوابة التطبيع مع الكيان الصهيوني، قد تصلح لتحقيق هذا الهدف؛ حيث حضرت مسألة التطبيع مع إسرائيل في الحوار الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد مع وكالة “سيغودنيا” الروسية؛ إذ فتحت وجهة نظر الأسد من التطبيع الباب أمام تأويلات جديدة في ظل الأوضاع الراهنة عربيًّا، مع تطبيع دول عربية مع إسرائيل، وإعلان أخرى نواياها، وداخليًّا؛ بسبب الحصار المفروض على النظام منذ بدء الاحتجاجات عليه، الذي زاد مع العقوبات الغربية. وقال الأسد -في رده على سؤال الوكالة حول التفكير بإجراء مفاوضات مع إسرائيل لجهة وقف الأنشطة العدائية، وهل من المحتمل أن تقيم سورية في المستقبل علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كما فعلت عدة دول عربية مؤخرًا-: إن موقف نظامه “واضح جدًّا منذ بداية محادثات السلام في تسعينيات القرن العشرين، أي قبل نحو ثلاثة عقود”، مضيفًا: “عندما قلنا إن السلام بالنسبة لسورية يتعلق بالحقوق. وحقنا هو أرضنا. يمكن أن نقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل، فقط عندما نستعيد أرضنا”. ووصف الأسد ذلك بالقول: “المسألة بسيطة جدًّا”. وتابع: “لذلك، يكون الأمر ممكنًا عندما تكون إسرائيل مستعدة، ولكنها ليست كذلك، وهي لم تكن مستعدة أبدًا. لم نرَ أي مسؤول في النظام الإسرائيلي مستعدًّا للتقدم خطوة واحدة نحو السلام. وبالتالي، نظريًّا نعم، لكن عمليًّا، حتى الآن فإن الجواب هو لا”[22].
وهناك دلالتان توضح موقف النظام السوري من التطبيع مع الكيان، أول قضية أن الأسد تجاهل الحديث عن القضية الفلسطينية في معرض حديثه عن الصراع مع إسرائيل، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، لا سيما أن فلسطين تمثل الرؤية المركزية لأيديولوجية محور الممانعة والمقاومة، وبالتالي هذا التجاهل لم يكن غير مقصود؛ بل على العكس هو واضح وموجه، وينطوي على رسائل ضمنية متعددة، توضح لإسرائيل أن الأسد لا يمانع تطبيع العلاقات، مثلما لم ينتهك والده حافظ الأسد اتفاقية فض الاشتباك التي وقعتها سوريا مع إسرائيل في 1974، وبالتالي لن تجد تل أبيب أفضل من الأسد في تأمين حدودها الشمالية.
الدلالة الثانية التي توضح رغبة الأسد في التطبيع، هو أنه لم ينتقد دول الخليج التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، وهو عادة دول محور الممانعة؛ حيث دائمًا ما تنتقد الدول الخليجية؛ لحرصها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، فقد تجاهل الأسد موقف الإمارات من التطبيع، خاصة أن (أبو ظبي) قامت بإعادة فتح سفارتها في دمشق في 2018؛ ولذلك يسعى الأسد أن تكون الإمارات أداته في التطبيع مع إسرائيل؛ لضمان بقائه في الحكم.
تمر القضية الفلسطينية بظروف قاسية هذه الأيام، في ظل هرولة عربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أن ما يحدث يعيد للذاكرة الفلسطينية أهمية إعادة التوحد خلف رؤية مشتركة لتنسيق الجهود؛ لإعادة إحياء سبل المقاومة.
ماكرون و أردوغان و الموقف من الإسلام
فرنسا تهاجم الإسلام والمسلمين، وأردوغان يرد بقوة:
تقوم فرنسا منذ فترة بإعداد قانون يسمى بقانون الانعزال الشعوري، والمقصود به هو شعور المسلمين بفردانيتهم، وتميزهم عن غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى؛ حيث تحارب فرنسا الليبرالية هذا التوجه، وترى أنه يهدد مستقبل الجمهورية الفرنسية. قال ماكرون في خطاب له: إن “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـالانعزالية الإسلامية، الساعية إلى إقامة نظام مواز، وإنكار الجمهورية الفرنسية”[23].
وتهاجم النخب الفكرية والسياسية الرسمية وغير الرسمية في باريس الدين الإسلامي بصفة خاصة، وعقب أي حادثة توجه الاتهامات نحو ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، بدون أي أدلة.
من جانبه، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام، معتبرًا إياها “استفزازًا صريحًا، وتفتقد للاحترام”. وأضاف أردوغان: “تصريح ماكرون بأن الإسلام متأزم، في مدينة ذات كثافة سكانية مسلمة، استفزاز صريح، فضلًا عن كونه قلة احترام”. وأشار الرئيس التركي إلى أن العديد من الدول الغربية أصبحت راعية للعنصرية ومعاداة الإسلام. وأكد أن مهاجمة المسلمين باتت واحدة من أهم الوسائل التي يستخدمها السياسيون الأوروبيون من أجل التغطية على فشلهم. وأشار أردوغان إلى أنه في الوقت الذي تظهر تركيا موقفًا يحتذى به في مسألة الحريات والحقوق الدينية، فإن مناخًا معاكسًا تمامًا بات يسود في العالم الغربي.
ولفت الرئيس التركي إلى أن سموم العنصرية والتمييز والإسلاموفوبيا تنتشر في البلدان الغربية، التي كانت مهدًا للديمقراطية لسنين طوال.
وأضاف: تتعرض أماكن عمل المسلمين في البلدان الغربية إلى هجمات فاشية كل يوم تقريبًا، كما تتعرض النساء المسلمات إلى اعتداءات لفظية وجسدية في الشوارع والأسواق والمدارس؛ بسبب حجابهن .. نتلقى كل يوم تقريبًا تقارير عن اعتداءات وهضم للحقوق، وإخراج من العمل لأهلنا؛ لكونهم من الأتراك والمسلمين.
وتابع إلى جانب المسلمين، تتأثر المجموعات الأخرى ذات الهوية العرقية والمظاهر والانتماءات الدينية المختلفة أيضًا لمثل هذه الممارسات، ويستهدف إرهاب النازيين الجدد، مواطنينا، والمهاجرين الأفارقة والآسيويين، والمسلمين واليهود[24].
وأكد الرئيس أردوغان أن الهجمات التي تستهدف المساجد ودور عبادة الديانات الأخرى، وصلت إلى أبعاد لا يمكن تصورها في البلدان الغربية.
وأشار إلى أن حرق نسخ من القرآن الكريم في السويد، وتمزيق المصحف في النرويج، والترويج لرسوم كاريكاتورية تسيء إلى الرسول محمد -باسم حرية الصحافة في فرنسا- ليست سوى بعض الهجمات على المقدسات، مؤكدًا أن الهجوم الإرهابي الذي استشهد فيه 52 شخصًا في نيوزيلندا العام الماضي، كشف التهديد الذي تواجهه الإنسانية.
ويزداد خطاب الإسلاموفوبيا يومًا بعد يوم في أوروبا، وهو ما نوه عنه الرئيس التركي، بقوله: إنه تصله تقارير يومية عن الانتهاكات التي تحدث في حق المسلمين؛ حيث يحاول توجيه رسالة للمجتمع الدولي وأوروبا تحديدًا، أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي حيال تلك الانتهاكات.
————————————————
[1]النيابة العامة المصرية (فيس بوك)، النائب العام يأمر بإخلاء سبيل ثمانية وستين طفلا متهمًا بالمشاركة في أحداث الشغب الأخيرة، 27 سبتمبر 2020، الرابط: https://cutt.us/B1MtK
[2] مدى مصر، محامٍ: المقبوض عليهم في «مظاهرات سبتمبر» حوالي 2000 والمُخلى سبيلهم 80، 3 أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/Gwr8u
[3] الهيئة العامة للاستعلامات، عشرات الآلاف يشاركون في تظاهرة تأييدًا للسيسي بمدينة نصر، ومسيرات مؤيدة في المحافظات، 27 سبتمبر 2020، الرابط: https://cutt.us/E36wR
[4] العربي الجديد، دوائر السيسي توجه الأمن لمصالحة العائلات الغاضبة في الريف، 10 أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/DHeXI
[5] BBC عربي، انتخابات مجلس النواب المصري: أبرز ملامح السباق الذي قد تنقصه “المشاركة” الجادة، 7 أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/5MeZ0
[6] مدى مصر، بعد شهر من الاختفاء .. ظهور وليد شوقي في «أمن الدولة»، وحبسه على ذمة قضية جديدة، 6 أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/D8HRU
[7] القاهرة 24، تقرير عمالي: 40 شركة فصلت عمالا خلال جائحة كورونا، 4 أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/c6WCH
[8]“محور التطبيع يحارب «تفاهمات إسطنبول»: لا للمصالحة الفلسطينية!”، الأخبار، 5/10/2020، الرابط:
[9]“بعد 14 عاما .. لماذا وافق الفلسطينيون أخيرًا على إجراء الانتخابات؟”، الخليج الجديد، 5/10/2020، الرابط:
[10]“لقاء بين فتح وفصائل فلسطينية بدمشق لاستكمال جهود المصالحة”، عربي 21، 5/10/2020، الرابط:
[11]“هنية يلتقي المعارضة البحرينية للمرة الأولى: للتوحّد في وجه التطبيع”، الأخبار، 1/10/2020، الرابط:
[12]“جمعية الوفاق البحرينية .. المعارضة المدعومة إيرانيًّا”، بوابة الحركات الإسلامية، 17/3/2020، الرابط:
[13]“أبرز العقبات والسيناريوهات المطروحة لحلّ الأزمة الليبية في لقاءات بوزنيقة المغربية”، 3/10/2020، الرابط:
[14]“ليبيا.. محادثات سلام متعددة وحفتر يحشد مليشياته (تحليل)”، الأناضول، 5/10/2020، الرابط:
[15]“القمة الأوروبية ومستقبل العلاقات مع تركيا”، تي أر تي عربي، 6/10/2020، الرابط:
[16]“القوات البحرية المصرية والفرنسية تنفذان تدريبًا بحريًّا”، المرصد المصري، 1/10/2020، الرابط: https://bit.ly/33EsEie
[17]“هل تتراجع تركيا بالمتوسط بعد التهديد الأوروبي بالعقوبات؟”، عربي 21، 5/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3iHivWe
[18]“”اتفاق الإطار” لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل: مضامينه وتبعاته”، مركز الإمارات للسياسات، 5/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3jE71UI
[19]“ترسيم حدود لبنان وإسرائيل .. الدوافع والتأثير وسر التوقيت (تحليل)”، الأناضول، 2/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2GCkXQC
[20]“”اتفاق الإطار” لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل: مضامينه وتبعاته”، مرجع سابق.
[21]“صحيفة: ماكرون يريد استغلال لبنان بمواجهة تركيا بالمتوسط”، عربي 21، 8/9/2020، الرابط: https://bit.ly/2DMqjaZ
[22]عماد كركص، “الأسد يرمي أعباء الشعارات عن كاهله استعدادًا للتطبيع”، العربي الجديد، 9/10/2020
[23] أردوغان: تصريحات ماكرون عن الإسلام “وقاحة وقلة أدب”، القدس العربي، 6/10/2020
[24] المرجع السابق.