شهدت جوبا عاصمة جنوب السودان يوم السبت 3 أكتوبر 2020، توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة،؛ لحل عقود من الصراعات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، التي أدت إلى تشريد الملايين، ووفاة مئات الآلاف، وذلك بمشاركة العديد من الرعاة الإقليميين والدوليين. وذلك استكمالًا لخطوات إتمام الاتفاق الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى في أغسطس الماضي. فما هي الأطراف المُوقعة على الاتفاق؟ ومن هم الرعاة له؟ وما هي بنوده؟ وكيف سيُسهم هذا الاتفاق في تحقيق السلام الفعلي بالسودان؟ كل تلك التساؤلات ستحاول تلك الورقة الإجابة عنها خلال السطور القليلة القادمة.
المُوقعون على الاتفاق: وقع على الاتفاق من جانب المعارضة المسلحة الجبهة الثورية السودانية، التي تضم خمس حركات مسلحة، منها حركة جيش تحرير السودان جناح أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، والحركة الشعبية جناح مالك عقار، وذلك إلى بجانب فصائل أخرى وأربع حركات سياسية. وتخلفت عن المشاركة في عملية السلام، حركة تحرير السودان، التي يقودها عبد الواحد محمد نور في دارفور، فيما لا تزال المفاوضات مستمرة مع فصيل الحركة الشعبية – شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو لإلحاقه بالمفاوضات. [1]
رُعاة الاتفاق: حضر مراسم التوقيع بساحة الحرية في جوبا رؤساء كلٍّ من تشاد وجيبوتي والصومال، بجانب رئيسي وزراء مصر وإثيوبيا، ووزير الطاقة الإماراتي، والمبعوث الأمريكي الخاص لدولتي السودان وجنوب السودان، وممثلين لعدد من الدول الغربية، بجانب قادة السودان، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس المجلس السيادي الانتقالي اللواء عبد الفتاح البرهان، ونائب رئيس المجلس السيادي، اللواء حمدان دقلو. [2]
مضمون الاتفاق: يسعى اتفاق السلام السوداني إلى طي دوامة من الحروب، امتدت لسنوات طويلة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وخلفت آلاف الضحايا، ونحو 3 ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج البلاد. ويعمل على إصلاح المؤسسة العسكرية، من خلال عمليات دمج قوات الكفاح المسلح الواردة في بند الترتيبات الأمنية.[3] وتضمن الاتفاق ستة بروكوتولات، من بينها تقاسم السلطة، والترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة. ومن أهم نصوص الاتفاق: بدء فترة انتقالية في البلاد تستمر ثلاث سنوات بداية من لحظة التوقيع، وضمان ثلاثة مقاعد في مجلس السيادة، وخمس حقائب وزارية في مجلس الوزراء لقادة الفصائل المسلحة، وحكم ذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق. وفي جانب الترتيبات الأمنية، قرر الاتفاق دمج قوات فصائل الجبهة الثورية في القوات المسلحة، مع تشكيل قوة مشتركة، قوامها عشرون ألف جندي؛ لحفظ الأمن في إقليم دارفور. وسيدفع صندوق جديد أيضًا سبعة مليارات ونصف المليار دولار، على مدى السنوات العشر القادمة، للمناطق الغربية والجنوبية الفقيرة من السودان.[4]
الغائبون عن الاتفاق: المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – شمال، جناح عبد العزيز الحلو، ستُستأنف خلال الأيام القليلة المقبلة. وقد عُقد اجتماع بالفعل الأربعاء 7 أكتوبر بين الحلو وتوت قلواك، مستشار رئيس دولة جنوب السودان ورئيس لجنة الوساطة. ويأتي هذا التطور بعد أقل من أسبوع على توقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية وعدد من الحركات الأخرى، في غياب حركات رئيسة، من بينها حركة الحلو، التي انسحبت من المفاوضات في التاسع عشر من أغسطس الماضي. وتُعتبر حركة الحلو واحدة من الحركات المسلحة التي تتمتع بنفوذ كبير على الأرض في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتقول إنها تسعى للوصول إلى اتفاق يخاطب القضايا القومية، ويحقق علمانية الدولة. وفي الرابع من سبتمبر، وقع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، اتفاقًا مع الحلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، نص على إطلاق عملية سلام جديدة بين الحكومة والحركة، والتفاوض على أساس إقامة دولة ديمقراطية، وبناء دستور يقوم على فصل الدين عن الدولة، مع احتفاظ الحركة بحق تقرير المصير في حال إخفاق المفاوضات في التوصل إلى اتفاق حول المبادئ الموقع عليها. وأكد عمار أمون دلدوم، الناطق الرسمي باسم الحركة التمسك بما تم الاتفاق حوله في أديس أبابا، مشيرًا إلى أن الاتفاق يضع جميع جهات ومؤسسات حكومة الثورة في طرف واحد، والجهات والمؤسسات الأخرى كطرف آخر، يتم إقناعه بما تم الاتفاق عليه عبر الحوار.[5]
ردود الفعل على الاتفاق: بالرغم من ترحيب قطاع عريض من السودانيين بالاتفاق؛ إلا أن ثمة احتجاجات في شرقي السودان ضد اتفاق جوبا، والتي لفتت الأنظار إلى عقبات قد تواجه الاتفاق الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، وأدت الاحتجاجات الرافضة للاتفاق المتعلق بمسار الشرق في عملية السلام، إلى إغلاق الطريق السريع وتعطيل العمل في ميناء بورتسودان، بجانب مقتل ضابط شرطة في مدينة “هيا”، بحسب وزارة الداخلية. ودفعت الاحتجاجات مجلس الدفاع والأمن (أعلى هيئة أمنية برئاسة الفريق عبد الفتاح البرهان)، الاثنين 5 أكتوبر، إلى الإعلان عن تشكيل لجان لمعالجة قضايا شرق السودان. كما قرر تكوين لجنة للإعداد لمؤتمر تشاوري دستوري جامع لمواطني شرق السودان، بشأن اتفاق سلام جوبا. ومسار الشرق هو أحد خمسة مسارات في اتفاق السلام، ويتضمن مطالب متعلقة بالتنمية والخدمات والموارد، والمشاركة في السلطة، ويشبه مساري الشمال والوسط في المفاوضات، ومُثلت فيه كيانات يغلب عليها طابع إقليمي. وهذه المسارات الثلاث، الشرق والوسط والشمال، تختلف عن مساري ولاية دارفور (غرب) ومسار ولايتي النيل والأزرق (جنوب شرق) وجنوب كردفان (جنوب)، التي تشهد حروبًا أدت إلى مقتل ونزوح ملايين الأشخاص، وتم التوصل في جوبا إلى اتفاق سلام بشأنها مع حركات مسلحة.[6]
الخُلاصة: يتضح من الوضع الراهن أن العقبات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ستكون أكبر؛ باعتبار أن الحروب استمرت فيها لسنوات، وخلفت خسائر كبيرة. وفي ظل غياب حركتي نور والحلو سيظل السلام منقوصًا؛ لذا تسعى أطراف إقليمية ودولية إلى إلحاقهما باتفاق السلام، على رأسها الولايات المتحدة، وفرنسا، التي يقيم فيها نور. ففي ظل استمرار انقسام هذه الحركات المسلحة، التي وقعت اتفاق السلام، وغياب الانسجام بين الحركات والكتل الموقعة على اتفاق السلام في الجبهة الثورية، يزداد احتمال تعقد فرص إحلال سلام حقيقي في دارفور، كما أن احتمالات الانشقاق ستزيد كذلك حال تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، فهذا وحده كفيل بالعودة إلى الحرب من جانب مجموعات مسلحة منشقة عن الحركات التي وقعت اتفاق السلام. كما تُعد الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ اتفاق السلام أحد أكبر العقبات أمام الاتفاق، في ظل ما يعانيه السودان اقتصاديًّا من ارتفاع التضخم وانهيار العملة الوطنية، لا سيما في ظل الأوضاع العالمية الصعبة مع تداعيات جائحة فيروس كورونا.
————————————–
[1] “السلام في السودان: توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين الحكومة وجماعات مسلحة متمردة”، عربي BBC News، 3/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/yCvqs
[2] “توقيع اتفاق السلام السوداني بحضور دولي وإقليمي”، عربية Sky News، 3/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/vAfYj
[3] المرجع السابق.
[4] “السلام في السودان: توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين الحكومة وجماعات مسلحة متمردة”، مرجع سبق ذكره.
[5] كمال عبد الرحمن، “سلام السودان .. استئناف المفاوضات بين الحكومة وحركة الحلو”، عربية Sky News، 7/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/8eaNo
[6] عادل عبد الرحيم، “سلام السودان “الناقص” .. كيف يتحول لـ “شامل دائم”؟” وكالة الأناضول، 9/10/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/6jIC8