الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على منطقة الشرق الأوسط

 

يتنافس كل من المرشح الجمهوري والرئيس الحالي دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن، على رئاسة الولايات المتحدة، خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2020. ولما كان للفائز بهذه الانتخابات من تأثير كبير على تحديد شكل السياسة الخارجية لأكبر قوة وأكثرها تأثيرًا في العديد من القضايا الخارجية، فمن الجدير بالبحث والدراسة محاولة التعرف إلى توجهات كلا المرشحين تجاه قضايا الشرق الأوسط الذي نعيش فيه.

 

أولًا: القضية الفلسطينية:

– في حالة فوز ترامب:

1- الوساطة الأمريكية: من المتوقع أن يستمر ترامب على النهج الذي اتبعه خلال فترة رئاسته الأولى؛ حيث تخلى الرئيس ترامب عن الخط الذي تعتمده الولايات المتحدة في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ ثلاثين عامًا، واستبدله بخطة سلام فلسطينية – إسرائيلية “صفقة القرن”، ستكون سببًا في الإجهاز على أي ادّعاء بأن الولايات المتحدة تقوم بدور وسيط نزيه لا يَمسّ ما يسمى قضايا الوضع النهائي (القدس – اللاجئين – المستوطنات)، وتجسّد التخلي عن ذلك الخط في قرار الإدارة نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس في مايو 2018.

2- التطبيع العربي – الإسرائيلي: ستواصل إدارة ترامب في ولايته الثانية تكثيف مساعيها لاستبعاد القضية الفلسطينية من المعادلة السياسية الإقليمية. كما ستضاعف هذه الإدارة -في الوقت نفسه- جهودها لإقامة علاقات سياسية واقتصادية وأمنية ثنائية بين الدول العربية وإسرائيل، استنادًا إلى اتفاقيات أبراهام، التي تعتبرها انتصارًا دبلوماسيًّا استثنائيًّا[1].

3- الانتخابات والمصالحة الفلسطينية: من المتوقع أن يزيد نجاح دونالد ترامب -ومعارضته المتوقعة لتجديد شرعية السلطة ودمج “حماس” من دون موافقتها على رؤيته- من فرص اندفاع الفلسطينيين نحو الوحدة والانتخابات؛ لأنه يمثل استمرارًا للتهديد الذي تضمنته رؤيته لحل الصراع، وهي مرفوضة من الغالبية الساحقة من الفلسطينيين[2].

 

– في حالة فوز بايدن:

1- الوساطة الأمريكية: لا يزال بايدن ملتزمًا رسميًّا بحل الدولتين، ولكن من غير المرجح أن يقوم بايدن بإلغاء القرارات الأساسية التي اتخذها ترامب، وإعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب. لكنه سيحاول إعادة التوازن -إلى حد ما- إلى علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل والفلسطينيين. ويشمل ذلك إعادة فتح مكتب الاتصال مع الفلسطينيين في القدس الشرقية، وإعادة برامج المساعدات التي أوقفتها إدارة ترامب في عام 2019.

كما أنه من المتوقع ألا يتنصل بايدن رسميًّا من خطة ترامب للسلام، لكن سيتجاهل بعض عناصرها أو يستبدلها، ولا سيما السماح بضم الكتل الاستيطانية الإسرائيلية، التي يُتوقع أن تعارضها إدارة بايدن بشدة. بينما قد يتبنّى بقوة عناصر أخرى؛ كتشجيع التنمية الاقتصادية والاستثمار الدولي في الأراضي الفلسطينية.

2- التطبيع العربي – الإسرائيلي: من المتوقع أن يستمر بايدن على نهج ترامب في تشجيع عمليات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية؛ فقد رحب بايدن باتفاقيات أبراهام، مؤكدًا على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح. وجاء في بيان حملته: “إنه لأمر جيد أن تعترف دول شرق أوسطية أخرى بدولة إسرائيل، وحتى أن تقبلها شريكًا”[3].

3- الانتخابات والمصالحة الفلسطينية: هناك من يرى بأن نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية سيضعف كثيرًا إمكانية إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ كونه سيقوي موقف السلطة وحركة فتح في حواراتها مع حركة حماس. وإن كان هناك وجهة نظر أخرى، ترى أن نجاح بايدن سيزيد من فرص إجراء الانتخابات؛ كونه سيعيد تصور إدارة باراك أوباما، التي هدفت إلى إدماج “الإسلام السياسي المعتدل” في الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة العربية، وفي السلطة الفلسطينية.

وإن كان هناك وجهة نظر تلقى رواجًا كبيرًا ترى بأن سياسة بايدن تجاه القضية الفلسطينية لن تختلف كثيرًا عن سياسة ترامب؛ وذلك لمجموعة من الأسباب، منها: أولًا: أن الرئيس الأمريكي -أيًّا كان- ليس صاحب القرار الأوحد في السياسة الخارجية؛ بل هناك مصادر عدة تؤثر على اتخاذ القرار، أهمها الكونغرس، الذي هو من أصدر قرار نقل السفارة الأمريكية. وثانيًا: أن بايدن سيواجه إسرائيل أكثر يمينية وتطرفًا، والسائرة نحو المزيد من التطرف، بدليل صعود حزب “يمينا” بزعامة نفتالي بينيت في استطلاعات الرأي الأخيرة (تمنحه 22 عضوًا في الكنيست من أصل 120)، وأنه لن يجازف بالصدام الكبير معها. وثالثًا: وجود تحوّل في النظام العربي نحو تغيير الأولويات؛ إذ لم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب الرسميين، وإسرائيل لم تعد العدو؛ بل حليف في مواجهة المخاطر المشتركة، وبالتالي لن يواجه بايدن ضغطًا عربيًّا لكي يضغط على إسرائيل؛ بل سيغريه أكثر ممارسة الضغط على الفلسطينيين؛ لتليين موقفهم.

كما يغفل المراهنون على بايدن أن أولوياته الملحة بعد كورونا وتداعياتها الاقتصادية لن تكون القضية الفلسطينية والمنطقة العربية، التي تراجعت أهميتها، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة مصدرة للنفط، وفي ظل تقدم الصراع والتنافس مع الصين وروسيا، الذي له أولوية على أي صراع آخر[4].

 

ثانيًا: مصر والخليج:

– في حالة فوز ترامب:

من المحتمل أن يستمر ترامب في توثيق علاقاته مع ممالك الخليج والحكام ونظام السيسي؛ حيث تشهد العلاقات بينهما توافقًا كبيرًا في معظم القضايا الإقليمية والدولية، حتى أن الرئيس الأمريكي دائمًا ما يمتدح السيسي، وأطلق عليه اسم “ديكتاتوري المفضل”.

ويرى ترامب أن هؤلاء القادة ينسجمون تمامًا مع أجندته، ليس من الناحية الدبلوماسية فحسب، بل من ناحية شراء الأسلحة والمنتجات الأمريكية الأخرى أيضًا، وهو محرك رئيس لسياسته الخارجية. وتستطيع الأنظمة التي يعتبرها ترامب صديقة له أن تعتمد على استمرار البيت الأبيض في حمايتها من ضغوط الكونغرس الأمريكي، وانتقاداته لسجلاتها في مجال حقوق الإنسان، كما فعل ترامب مرارًا وتكرارًا مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من قتل الصحافي السعودي المقيم في الولايات المتحدة، جمال خاشقجي، وحربها الكارثية في اليمن[5].

فقد حرص ترامب على توثيق علاقاته بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وهو ما ظهر في اختيار السعودية لأول زيارة خارجية في فترة ولايته الأولى في عام 2017. والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي عقده سلفه باراك أوباما في عام 2015، واتخاذ إجراءات أكثر تشددًا ضد طهران. وجعل قضايا حقوق الإنسان في مرتبة متأخرة لصالح العلاقات الأمنية والاقتصادية وصفقات السلاح؛ حيث تظهر أرقام معهد “أستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” أنّ مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية بين 2017 و2019 كانت ثاني أعلى مبيعات لإدارة واحدة بعد بيل كلينتون بين عامي 1993 و2000؛ ما يشير إلى أن ولاية ترامب الأولى قد تحقّق مبيعات قياسية مع احتساب مبيعات 2020. بجانب الدور الأمريكي الداعم لتولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرش المملكة السعودية، والذي ظهر في معارضة البيت الأبيض القرارات المناهضة للسعودية وولي العهد، خصوصًا في الكونغرس، على خلفية حربها المثيرة للجدل في اليمن، وجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2018.

ولذلك تعمل السعودية على دعم ترامب للفوز في الانتخابات القادمة، عبر مساعدته في تحقيق انتصار خارجي كبير من خلال رعايته (ترامب) لاتفاق تطبيع علاقات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بدعم من السعودية[6].

كما ترى القاهرة أن مصلحتها تكمن في إعادة انتخاب ترامب، فقد خبرت التعامل معه، وأجادت التفاهم معه في عدد من القضايا الصعبة، ولم تحدث صدامات طوال فترة رئاسته الأولى، وبالعكس بدا منسجمًا مع عبد الفتاح السيسي. ولم يتعكر الصفو بينهما عندما سلك السيسي طريقًا موازيًا لتطوير العلاقات مع بعض القوى المنافسة مثل روسيا[7].

 

– في حالة فوز بايدن:

سيترجم تركيز بايدن على الديمقراطية مباشرةً في تبنّي نهج جديد تجاه السعودية ومصر والحلفاء الاستبداديين الآخرين. ومع أنه لن يقوض العلاقات الأمنية المتينة التي تربط الولايات المتحدة بهذه الدول، فإنه سيشدد على تفعيل المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، مقابل الاستمرار في علاقات الأعمال. فهو لن يعطي مصر “شيكًا على بياض”، متغاضيًا عن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”، وبعد انتخابه ستخضع مبيعات الأسلحة للتدقيق على الأقل.

أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فقد ذكر مستشاروه أنه سيسعى -في حال انتخابه- إلى إقامة شراكة أوثق مع الكونغرس، بشأن تقييد مبيعات الأسلحة لها؛ بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن، والنظر في حظر منح تأشيرات دخول لولي العهد محمد بن سلمان وكبار المسؤولين الآخرين المتورطين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يحظى بدعم الكونغرس، وسبق لترامب أن رفض الموافقة عليه[8].

كما يخشى السيسي من أن يؤدي فوز بايدن إلى العودة مرة أخرى إلى سياسة الضغوط التي كانت تتبعها إدارة أوباما، مثل تعليق جزء من المساعدات عقب قيام السيسي بالانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسى عام 2013. خاصة وأن القاهرة تواجهه حاليًّا مجموعة من التحديات الإقليمية، على مستوى الأزمة في ليبيا وشرق البحر المتوسط، والخلاف المحتدم مع تركيا، وكلها تمثل أداوت جاهزة للرئيس الأمريكي، إذا أراد ممارسة ضغوط على القاهرة.

ناهيك عن استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي الممتدة، وهي بوابة كبيرة لواشنطن، حال أراد الرئيس الأمريكي التصرف بطريقة تزيد من ورطة القاهرة، فلدى الحزب الديمقراطي رؤية تعول على دعم أديس أبابا، وتأهيلها لأدوار في شرق أفريقيا، بما يقلل فرص اتخاذ إجراءات لحضها على التوصل لاتفاق ملزم مع مصر والسودان[9].

 

ثالثًا: إيران:

– في حالة فوز ترامب:

لم يُخفِ ترمب معارضته القوية للاتفاق النووي الذي وقعته طهران في إدارة أوباما مع الدول العظمى في يوليو 2015، وبدأ تطبيقه مطلع عام 2016. ويراه أسوأ اتفاق؛ لأنه يضع إيران، في طريق الحصول على سلاح نووي، ولم يكتف ترامب بانتقاد الاتفاق، ولكنه اتخذ قراره بالانسحاب منه، والعودة إلى العقوبات في الثامن من مايو 2018، مؤكدًا أن الاتفاق لم ينجح في وقف المساعي الإيرانية للحصول على السلاح النووي، أو ردعها عن مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ البالستية.

وحتى قبل قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، اعتمدت إدارته -مبكرًا- سياسة العقوبات، التي عبرت عنها بسلسلة من القرارات، من بينها قرار مجلس الشيوخ الأمريكي في 15 يونيو 2017، لحزمة من العقوبات الجديدة، تستهدف أي شخص أو كيان أجنبي يقوم بأعمال مع كيانات إيرانية، ذات صلة ببرنامج الصواريخ الإيرانية‏؛ وذلك بهدف إضعاف قدرات إيران، والاحتفاظ بمزيد من أوراق الضغط عليها.

كما اتبع ترامب سياسة الضغط الأقصى على طهران؛ ففي 22 أبريل 2020، أمر ترامب البحرية الأمريكية “بقصف وتدمير” الزوارق الحربية الإيرانية التي “تضايق” السفن الأمريكية؛ حصل ذلك بعد لقاء استفزازي بين الجانبين في مياه الخليج. وجاء مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني بطائرة بدون طيار، وبتوجيه مباشر من ترامب؛ ليشهد مزيدًا من التصعيد في هذا السياق[10].

ومن المتوقع أن يستمر ترامب في ممارسة سياسة الضغط الأقصى على طهران؛ إذ أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 20 سبتمبر 2020 أنه بسبب عدم امتثال إيران للالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015 (المعروف رسميًّا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة)، “يُعاد تفعيل” عقوبات الأمم المتحدة المعلقة، وأن الولايات المتحدة ستستخدم قوانينها لفرض الامتثال على إيران والدول الأخرى[11].

ولعل ذلك ما دفع إيران إلى محاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية لمنع فوز ترامب بولاية ثانية، فقد قال رئيس المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن الأمريكي (NCSC) ويليام إيفانينا: “إن طهران ضد ولاية أخرى للرئيس ترامب”، مشيرًا إلى “أن جهود إيران ستركز على التأثير عبر الإنترنت، مثل نشر معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإعادة توزيع محتوى مناهض للولايات المتحدة”.

ودعمًا لادعاءات المخابرات الأمريكية، قالت شركة مايكروسوفت العملاقة إن قراصنة على صلة بروسيا والصين وإيران، يحاولون التجسس على الشخصيات الرئيسة المشاركة في الانتخابات الأمريكية. مشيرة إلى أن هناك مجموعة إيرانية تعرف باسم الفوسفور، سعت دون جدوى إلى الوصول إلى حسابات مسؤولي البيت الأبيض وموظفي حملة ترامب، في الفترة الواقعة بين شهر مايو ويونيو من هذا العام (2020)[12].

وإن كان ذلك لا يمنع من إمكانية اتجاه ترامب نحو عقد صفقة دبلوماسية شاملة، فقد سبق وأن أشار ترامب بالفعل إلى أنه قد يتراجع عن موقفه، عندما دعا طهران في يونيو 2020 لعقد “صفقة كبرى” قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقد يُطرح شيء مشابه لذلك بعد الانتخابات، على الرغم من إشارة قادة إيران إلى عدم اكتراثهم بذلك حتى الآن[13].

 

– في حالة فوز بايدن:

من المتوقع -مع رئاسة بايدن الجديدة- أن تبتعد الولايات المتحدة عن الضغط المبالغ به على إيران، وعن سياسة الضغط الأقصى التي يتبعها ترامب. فبينما يدور جانب من الصراع الأمريكي مع إيران حول قضايا محددة؛ كالنووي ودور إيران في الإقليم، فمن المتوقع أن تكون الولايات المتحدة تحت حكم بايدن أقل حماسة للتصدي للدور الإيراني في الإقليم؛ بل ستكون تلك الإدارة أكثر حماسة للوصول لتسوية مع إيران، وربما تنشأ تحالفات هدفها التهدئة، وتغير سلوك إيران بلا مواجهة مباشرة.

وفيما يتعلق بالاتفاق النووي، فمن المؤكد أن يدافع بايدن عنه؛ باعتباره أحد إنجازات السياسة الخارجية الرئيسة للرئيس السابق باراك أوباما. جدير بالذكر أنه صَوّت ضد اعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية عندما كان سيناتورًا[14].

وإن كان بايدن لن يعود إلى الاتفاق إلا إذا امتثلت إيران للقيود المفروضة في خطة العمل على اليورانيوم عالي التخصيب وأجهزة الطرد المركزي. كما ستحاول إدارته إصلاح عيوب وثغرات هذه الخطة، التي تعرضت لانتقادات واسعة، مثل: البنود المتعلقة بالمدد الزمنية التي تسمح لإيران بعد انقضائها باستئناف أنشطة نووية معينة، وغياب القيود على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وحقيقة وجود منشآت عسكرية محظورة على المفتشين الدوليين.

كما لن يتسرع بايدن برفع العقوبات الإضافية التي فرضها ترامب، إلا أنه من المرجح أن يستخدمها ورقةَ مساومة لإغراء إيران بالعودة إلى الامتثال لشروط خطة العمل، والدخول بعد ذلك في حوار أوسع مع الولايات المتحدة بشأن قضايا تتعلق بأنشطة طهران الهدامة في المنطقة، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. كما سيحرص على التنسيق الوثيق مع مجموعة “5 + 1” والاتحاد الأوروبي بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة والعقوبات؛ تجنبًا للمواجهات التي أثارتها إدارة ترامب مع هؤلاء الحلفاء[15].

 

رابعًا: تركيا:

– في حالة فوز ترامب:

من المتوقع أن تستمر العلاقات الجيدة بين ترامب وتركيا، فقد سبق وأن عارض البيت الأبيض بقوة فرض عقوبات أمريكية من قبل الكونجرس على أنقرة، عندما اشترت تركيا نظام الصواريخ الروسي S-400[16]. كما باتت الولايات المتحدة قريبة من سياسات تركيا في العراق وسوريا وليبيا في الآونة الأخيرة. والأهم أن هذا التقارب لم يكن تقاربًا مؤسساتيًّا تحدده قرارات جهاز الدولة والبيروقراطية في أمريكا؛ بل قائم بالأساس على التقارب بين الرئيسين ترامب وأردوغان.

 

– في حالة فوز بايدن:

صعود بايدن لرئاسة الولايات المتحدة -بالنسبة لتركيا- يمثل مشكلة لها؛ لأنه يتبع خطًّا معاديًا جدًّا لأنقرة في مسيرته السياسية، عندما كان نائبًا للرئيس أوباما. فقد دافع بايدن عن إنشاء دولة للأكراد، وعارض انسحاب القوات الأمريكية من سوريا؛ معتبرًا أنه طعنة للأكراد، كما أنه يدعم مشروع القانون الأرمني ضد تركيا باستمرار. وبالتالي فإذا أصبح بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، فمن المرجح أن يواصل سياساته المناهضة لتركيا، ومن المعلوم أن البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية، على مسافة متباعدة مع أنقرة في السنوات الماضية[17]. وفي 24 أبريل 2020 -وفي توبيخ مباشر للسلطات التركية- من جانبه تعهد بايدن بأنه -في حال انتخابه- سيدعم قرارًا يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن، وسيحافظ على وجود عسكري أمريكي في سوريا لدعم الأكراد[18].

 

خامسًا: الإخوان:

– في حالة فوز ترامب:

يعتبر ترامب جماعة الإخوان جماعة إرهابية، وعملت إدارته على إدراج جماعة الإخوان المسلمين للقائمة الأمريكية الخاصة بـ “الجماعات الإرهابية الأجنبية”[19].

كما يرفض ترامب أى نوع من التواصل أو التعاون مع جماعة الإخوان، وهو ما يظهر في قيام وزارة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب بالكشف عن مراسلات هيلاري كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، مع قيادات الإسلام السياسي في المنطقة.

وقد أراد ترامب -من خلال هذه التسريبات- انتقاد سياسة الحزب الديمقراطي، التي كان يمثلها الرئيس السابق باراك أوباما، والمرشح الحالي جو بايدن، خاصة تلك السياسة المتعلقة بالتواصل ودعم جماعات الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”؛ انطلاقًا من كون تلك السياسة تتناقض مع تعهدات أمريكية تم التأسيس لها منذ الـ 11 من سبتمبر 2001، بعدم التفاوض مع ما تراه أمريكا “جماعات إرهابية”، أو بناء صلات معهم، مهما كان مستواها[20].

 

– في حالة فوز بايدن:

يرى العديد من المراقبين أن فوز جو بايدن سيكون في صالح جماعة الإخوان المسلمين؛ فبايدن كان جزءًا من إدارة أوباما التي حاولت استيعاب جماعات الإسلام السياسي -وفي القلب منها الإخوان المسلمين- عبر إدماجهم في السلطة، خاصة وأن أوباما كان يرى أن الإخوان يمثلون الإسلام المعتدل (عكس التيارات المتشددة وقتها كالقاعدة)، كما أنهم يمثلون الوريث الشرعي لمؤسسات الحكم العربية؛ نظرًا لحجم الدعم الشعبي لهم. وهو ما ظهر في عدم معارضة أمريكا لوصول الإخوان إلى الحكم عقب ثورة يناير 2011، وقيامها بعد ذلك بتعليق جزء من المساعدات المقدمة إلى مصر عقب انقلاب السيسي على الإخوان في 2013[21].

وكان لافتًا قيام جو بايدن بإلقاء  كلمة أمام المؤتمر السنوي السابع والخمسين للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية “إسنا”، وهو فرع قديم تابع لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة. ويعتبر ذلك المرة الأولى التي يتحدث فيها مرشح رئاسي للمؤتمر. ويميل متابعون للشأن الأمريكي إلى أن العلاقة القوية التي جمعت جو بايدن بـ “إسنا”، ومن ورائها جماعة الإخوان، قد تفتح الطريق أمام علاقات مميزة بين الطرفين، فيما لو نجح المرشح الديمقراطي في الوصول إلى البيت الأبيض، وأن الأمر قد يؤثر على رؤية بايدن لما يجري في الشرق الأوسط[22].

ويأتي في السياق ذاته، الكشف عن مراسلات هيلاري كلينتون، حينما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، مع قيادات الإسلام السياسي في المنطقة. وهي التسريبات التي كشفت عن التدخلات الأمريكية بـ “الربيع العربي”، والاتصالات المكثفة مع جماعات الإسلام السياسي “الإخوان المسلمين”؛ تنفيذًا للإستراتيجية الأمريكية في حينه، وجوهرها أنّ الإخوان المسلمين هم الجهة الأكثر قدرة على قيادة المنطقة، والحفاظ على المصالح الإستراتيجية لأمريكا، وأنهم الأقدر على منافسة التنظيمات المتطرفة، وأنّ هذا الدعم يأتي في سياقات الحيلولة دون وصول تنظيمات راديكالية لقيادة الدول في المنطقة[23].

وفي مؤشر على أن بايدن سيجعل من قضية حقوق الإنسان -على رأسها قضية المعتقلين، أغلبهم من جماعة الإخوان- جزءًا أساسيًّا في علاقته مع مصر، ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست”، عن تقديم 56 نائبًا ديمقراطيًّا رسالة للسيسي، تدين انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وحث المشرعون السيسي على إطلاق سراح السجناء “قبل أن يصبح سجنهم غير المشروع حكمًا بالإعدام؛ بسبب جائحة فيروس كورونا”.

وبالتالي، فإن الرسالة من قبل الديمقراطيين (المحسوب عليهم بايدن)، وفي هذا التوقيت (اقتراب الانتخابات الرئاسية)، يشير إلى أن بايدن يريد أن يرسل رسالة للسيسي بأن قضايا حقوق الإنسان ستكون على رأس قضايا العلاقات مع مصر في حالة فوزه. وقد سبق أن أصدر بايدن، في 12 يوليو الماضي (2020)، تحذيرًا صارمًا للسيسي، قائلًا: إنه إذا تم انتخابه رئيسًا فلن يكون هناك “شيكات على بياض للديكتاتور المفضل لترامب”، ومؤكدًا على أن قمع القاهرة لحقوق الإنسان لن يتم تجاهله من قبل إدارته حال فوزه بالرئاسة الأمريكية[24].

 

 

——————————————-

[1] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 14/10/2020، الرابط:

[2] “ترامب – بايدن والانتخابات الفلسطينية”، مسارات، 13/10/2020، الرابط:

[3] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[4] “ترامب – بايدن والانتخابات الفلسطينية”، مرجع سابق.

[5] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[6] “الخليج يحبس أنفاسه قبل الانتخابات الأمريكية: الشريك ترامب أم ظل أوباما؟”، النهار، 20/10/2020، الرابط:

[7] “عين مصر على ساكن البيت الأبيض”، العرب، 3/10/2020، الرابط:

[8] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[9] “عين مصر على ساكن البيت الأبيض”، مرجع سابق.

[10] “الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020: حدود الاختلاف والتغيير بين ترامب وبايدن في مجال السياسة الخارجية”، المركز الديمقراطي العربي، 9/9/2020، الرابط:

[11] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[12] “الانتخابات الأمريكية 2020: من ترغب روسيا والصين وإيران بفوزه في الانتخابات؟”، بي بي سي عربي، 6/10/2020، الرابط: https://bbc.in/37zPA4q

[13] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[14] “الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020: حدود الاختلاف والتغيير بين ترامب وبايدن في مجال السياسة الخارجية”، المركز الديمقراطي العربي، 9/9/2020، الرابط:

[15] “سياسة الولايات المتحدة الخارجية في انتخابات 2020: أي خيارات في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[16] “الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020: حدود الاختلاف والتغيير بين ترامب وبايدن في مجال السياسة الخارجية”،  مرجع سابق.

[17] “صحيفة: لهذا لا تحبذ تركيا فوز “بايدن” بالرئاسة الأمريكية”، عربي 21، 3/7/2020، الرابط:

[18] “الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020: حدود الاختلاف والتغيير بين ترامب وبايدن في مجال السياسة الخارجية”، مرجع سابق.

[19] “إدارة ترامب تعمل على تصنيف الإخوان المسلمين “منظمة إرهابية””، بي بي سي عربي، 30/4/2019، الرابط: https://bbc.in/37nZZjR

[20] “هل يستأنف الديمقراطيون تحالفهم مع الإسلام السياسي في حال فوزهم بالانتخابات؟”، حفريات، 21/10/2020، الرابط:

[21] “سياسة أحلام الإخوان على جناح بايدن”، العين الإخبارية، 27/9/2020، الرابط: https://bit.ly/34f7rfb

[22] “استمالة جو بايدن أكبر إنجاز للإخوان في الولايات المتحدة”، العرب، 26/9/2020، الرابط: https://bit.ly/3m05CZm

[23] “هل يستأنف الديمقراطيون تحالفهم مع الإسلام السياسي في حال فوزهم بالانتخابات؟”، مرجع سابق.

[24] “رسالة قاسية من الديمقراطيين .. هل يعادي بايدن نظام السيسي؟”، عربي 21، 19/10/2020، الرابط: https://bit.ly/3kge4n1

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022