عدَّل رئيس ساحل العاج الحسن وتارا الدستور عام 2016؛ بحيث يسمح له الترشح لولاية ثالثة بعد انتهاء ولايتيه، وقد دعت المعارضة لمقاطعة عنيفة للانتخابات؛ مما جعل المراقبين للوضع هناك يحذرون من حرب أهلية جديدة في ساحل العاج. فما هي خلفيات الأزمة؟ وما هي تداعياتها؟ وكيف يُمكن توقع مسار الأحداث خلال الأيام القليلة القادمة؟ كل تلك التساؤلات ستسعى هذه الورقة للإجابة عنها خلال السطور القليلة القادمة.
خلفيات الأزمة:
ساحل العاج دولة بغرب إفريقيا، وهي أهم دولة اقتصادية وسياسية من بين الدول الفرانكفونية (الناطقة بالفرنسية). يبلغ ناتجها المحلي 48 مليار$، وقد كانت قبل الحسن وتارا 24 مليار$، ما يعني مضاعفته فقط في 10 سنوات، وهو إنجاز يُحسب للرئيس وتارا. يبلغ عدد سكانها 26 مليون نسمة، وتنتج الكاكاو، والقهوة، والقطن، والسمك، والموز، والبترول. لذلك هي مهمة في إفريقيا الفرانكفونية، وللدول الغربية المستوردة على حدٍّ سواء.
توجه يوم السبت 31 أكتوبر حوالي 7 مليون ونصف ناخب إلى صناديق الاقتراع؛ ليختاروا رئيسهم، في 31 مقاطعة. وكانت المنافسة بين 4 مرشحين، أبرزهم الرئيس الحسن وتارا، الباحث عن ولاية ثالثة، وهنري بيدييه زعيم حزب ((PDCI، وباسكال أفي نغيسان زعيم حزب(FPI) ، وكواجو برتن مرشح مستقل، وآخرون غير بارزين. وكان وتارا قد عدَّل الدستور عام 2016، وصرَّح في مارس 2020 بعدم ترشحه لولاية ثالثة، وأنه سيترك المجال لجيل جديد من الشعب. وعليه حدد الحزب الحاكم رئيس الوزراء حينها أمادو غون كوليبالي مرشحًا للحزب، لكنه توفي في 8 يوليو؛ بسبب أزمة قلبية، ليعلن وتارا ترشحه من جديد؛ نزولًا على رغبة الشعب –على حد قوله-. وحينئذٍ بدأت الاضطرابات الأمنية في البلاد، والتي تضاعفت بعدما أُبعد لوران غباغبو (الرئيس السابق) عن الترشح؛ حيث تم إبعاد ملفه، وكذلك ملف الحليف السابق لوتارا، غيوم سورو، من قِبل اللجنة الانتخابية المستقلة؛ بسبب حكم غيابي صدر بحقهما. حيث اتُهم وتارا باستغلال السلطة، وأن اللجنة لا تتمتع باستقلالية عن السلطة التنفيذية[1].
نتائج الانتخابات:
تصدَّر الرئيس العاجي الحسن واتارا الساعي لإعادة انتخابه لولاية ثالثة، نتائج الانتخابات الرئاسية، بعد حصوله على نسبة 99% من الأصوات، حسب النتائج الرسمية الأولية التي أُعلنت الأحد 1 نوفمبر. وهي نتائج غير مفاجئة؛ لا سيما بعد دعوة خصومه إلى مقاطعة التصويت؛ احتجاجًا على محاولته غير القانونية –وفقًا لهم- التمسك بالسلطة، والترشح لولاية ثالثة، وسط مظاهرات دامية أوقعت ما لا يقل عن 30 قتيلًا.
وتعتبر المعارضة أن الدستور يقيد الرئاسة بفترتين، فيما يقول واتارا إن إقرار دستور جديد في 2016 سمح له بالترشح من جديد. وأدى هذا الخلاف إلى اندلاع أعمال عنف في الفترة التي سبقت الانتخابات، قُتل فيها ما لا يقل عن 30 شخصًا. وقال مسؤولون إن خمسة آخرين على الأقل قُتلوا عشية الانتخابات[2]. وفي الأخير صدَّق المجلس الدستوري لساحل العاج الاثنين 1 نوفمبر على فوز الرئيس واتارا بنتيجة نهائية بلغت 94.27% في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 31 أكتوبر.
ما بعد الانتخابات:
أبدى الرئيس الحسن واتارا –بعد فوزه بالانتخابات- استعداده لإجراء حوار مع المعارضة، في إطار احترام النظام الدستوري. ودعا -في كلمة له الثلاثاء 10 نوفمبر– زعيم المعارضة الرئيس السابق هنري كونان بيديه (86 عامًا)، إلى لقاء ثنائي خلال الأيام القليلة المقبلة؛ لإجراء حوار يهدف إلى استعادة الثقة، بعدما رفضت المعارضة الاعتراف بفوز واتارا في الانتخابات، وأنشأت مجلسًا وطنيًّا انتقاليًّا. كما طلب واتارا من المعارضة وضع حد نهائي للمجلس الوطني الانتقالي، مؤكدًا أنه رئيس لجميع المواطنين، داعيًا إلى التهدئة، والعمل على تعزيز السلام في البلاد. وكانت المعارضة قد دعت لتظاهرات الاثنين 9 نوفمبر، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص على الأقل في أعمال عنف[3].
السيناريوهات المُتوقعة لسير الأحداث خلال الأيام القادمة:
من المتوقع في الفترة القادمة أن تكون المنافسة بين أنصار الأحزاب الثلاثة؛ الحزب الحاكم للرئيس الحسن وتارا (RHDP)، وحزبا المعارضة (PDCI/FPI)، وستتشكل تلك المنافسة على أساس الهوية الإثنية/ الدينية في الأغلب، وهناك أربعة سيناريوهات مُتوقعة:
أولها: المرور بأزمة ما بعد الانتخابات، والاستقطاب بناءً على الهوية الإثنية؛ حيث الحزب الحاكم يستقطب قبائل “الكوا” التي تتشكل من “الجولا والماندنغي” المسلمين في الشمال، ويُشكِّل بهم وتارا الحكومة، وفي المقابل إثنية “الكرو/أكان” من باوليه وبيتييه وأكثرهم من المسيحيين في الجنوب، وستشكِّل حركة تمرد.
وثانيها: صراع على السيطرة الإقليمية، بمعنى أن المعارضة ستفرض سيطرتها بالقوّة والسلاح على معاقلها السياسية التابعة لها في الجنوب، وتبقى سلطة حكومة وتارا على معاقل أنصار حزبه.
وثالثها: الإقصاء السياسي، وهو أن تستخدم الحكومة العنف في مناطق حصرية؛ لقمع العصيان المدني للمعارضة في مناطق معينة كأبيجان، وناوا، وسان بيدرو، وغيمون، وسندرا العليا، وهو الأمر الذي سيحمل انعكاسات، أهمها: العنف ضد المدنيين، والانفجارات، والمظاهرات العنيفة، وعمليات النهب.
ورابعها: صراع على المقاطعات المتأرجحة فقط، مثل: بونا، وزانان، ووتاندا، وأبواسو، وهي احتمالات عالية. بينما الصراع على مقاطعات مثل وروبا، وسوبري ضعيف. وكل هذه السيناريوهات نتيجة دراسة للواقع القبلي الإثني، والميل الديني المعقَّد لساحل العاج[4].
الخُلاصة:
دخلت ساحل العاج -منذ قرار الحسن وتارا بالترشح لولاية ثالثة- في دائرة التوتر، التي طالت معظم دول الغرب الإفريقي منذ بداية العام، ومن المُنتظر أن يستمر هذا التوتر، لا سيما في ظل رفض المعارضة لفوز وتارا، وحرص الأخير على الاستمرار في السلطة؛ الأمر الذي ربما يصل بساحل العاج إلى حرب أهلية جديدة، تودي بحياة المئات، وربما الآلاف، حتى الوصول لحل للأزمة، ربما بمحاولات وساطة إقليمية (الإيكواس/ الاتحاد الإفريقي)، أو دولية (فرنسا/ تركيا/ …)، أو تدخل المؤسسة العسكرية وحسم الأمر.
[1] إدريس آيات، “تقريري عن الانتخابات الرئاسية (31 أكتوبر 2020)”، فيس بوك، 2/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/dK5nY
[2] “ساحل العاج: الرئيس الحسن واتارا يتصدر النتائج الرسمية الأولية للانتخابات الرئاسية”، France 24، 1/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/bopV8
[3] “رئيس كوت ديفوار المنتخب يبدي استعداده لإجراء حوار مع المعارضة”، قراءات إفريقية، 11/11/2020. متاح على الرابط: https://2u.pw/WzjD7
[4] إدريس آيات، مرجع سبق ذكره.