آفاق الأزمة السياسية بين الإمارات والجزائر ومستقبل النظام الإقليمي الجديد

 

 

دخلت العلاقات بين الجزائر والإمارات في أتون أزمة سياسية متصاعدة، خلال الأيام الماضية، وتنوعت مظاهر الأزمة بين إعلان الإمارات وقف منح تأشيرات عمل أو سياحة لمواطني 13 دولة مسلمة، من بينهم الجزائر، وجاءت المعلومة وفقاً لوثيقة أصدرها مجمع أعمال حكومي إماراتي، وزعت على شركات سياحية، بدأ العمل بها الأيام الأخيرة. ومن ضمن مظاهر الأزمة، الانتقاد العلني للرجل الثاني بالدولة رئيس مجلس الأمة الجزائري بالإنابة “صالح قوجيل” للإمارات، على خلفية افتتاح الإمارات  قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب، كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاَ أن الجزائر تتبني طرح “البوليساريو”، وتقول إن “العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب” رابطا بين التحولات الإماراتية نحو التطبيع العلني مع إسرائيل وافتتاح القنصلية، بموقف الجزائر الرافض للتطبيع. وكانت الإمارات أول دولة عربية تفتح قنصلية في مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية، وخلفت الخطوة انتقادات كبيرة من سياسيين وشخصيات جزائرية، واعتبرتها خطوة للرد على الجزائر بسبب انتقادها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وفي سياق  التصريحات التصعيدية، ما جاء على لسان الدبلوماسي الجزائري والوزير السابق “عبد العزيز رحابي” في تصريحات صحفية حول خطوة الإمارات في العيون: “كل بلد سواء كان عربيا أو غير عربي لديه موقف معاد للمصالح الأساسية للجزائر، أعتبره موقفا عدوانيا إزاء الجزائر”، وأن “الجزائر لا تضبط العلاقات بين المغرب وحلفائها، لكن هناك بعض المواقف تأخذها بعض الدول لضرب مصالح الجزائر، مثلا التسليح الحربي تتكفل به دول ثانية هذا ليس موقفا سياسيا، بل لديه تداعيات على أمن وسلامة الحدود الجزائرية”.

وبحسب الموقع الفرنسي “مغرب إنتليجنس” تتحرك أبوظبي ضد الجزائر، وتعمل على ممارسة ضغوط على قيادتها بسبب عدد من المواقف لم ترض ساسة الإمارات. ووفق الموقع، تشهد العلاقات بين الجزائر والإمارات  توتراً في عدة ملفات، لا سيما بعد تصريحات الرئيس “عبدالمجيد تبون” حول الدول العربية التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل. ويعود التوتر الحاصل بين البلدين للصيف الماضي عندما ندد الإمارات يون بوضوح بتقارب الجزائر مع مواقف تركيا بشأن الملف الليبي، وبعض الملفات الإقليمية الأخرى في المنطقة. فقد بعثت القنوات الدبلوماسية الإمارات ية غير الرسمية رسائل غضب أبوظبي إلى الجزائر، حيث أرسل “محمد بن زايد” تهديداً مباشراً لنظيره الجزائري، عبر الملحق العسكري الجزائري السابق في أبوظبي “عبدالغني الراشدي” ومفاد رسالة حاكم الإمارات الفعلي للقيادة الجزائرية أن أبوظبي لن تتردد لثانية واحدة في تبني عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الجزائر إذا استمرت السلطات في التحرك خارج سرب توجهات الدولة الخليجية، كما هددت أبوظبي الجزائر بمراجعة تعاونها الاقتصادي والثنائي بشكل كامل. ولكن لتوجيه ضربة، افتتحت أبوظبي قنصلية في الصحراء المغربية في أوائل نوفمبر الجاري، لتوضح للجزائر أنهم لم يعودوا في نفس الجانب. وكانت علاقات الإمارات والجزائر في أحسن حال في عهد الفريق “أحمد قايد صالح” قائد الجيش الجزائري الراحل، لكن منذ وصول “تبون” إلى السلطة، وتقاربه من محور تركيا وقطر، انجرفت العلاقة إلى حرب باردة خطيرة.

ويسعى المغرب، ضمن سياسة “دبلوماسية القنصليات” لفتح عدد من القنصليات لدول أفريقية بمدينتي العيون والداخلة، حيث بلغ عدد القنصليات إلى اليوم ما مجموعه 15 قنصلية، منها 8 بالعيون و7 بالداخلة، وفق ما كشف عنه وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” وكانت تقارير أشارت إلى أن المغرب قد يكون على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيطرة المغربية على الصحراء الغربية. ويمكن تفسير القرار الإمارات ي على أنه خطوة في هذا الإطار، خاصة أن أبوظبي تقوم بدور عراب التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.

 

حرب باردة

وبحسب تقارير استخبارية جزائرية، أشارت إليها صحيفة “الوطن” الجزائرية، مؤخرا، فإن العميد “عبدالغني الراشدي” المدير العام لقسم الأمن الداخلي في جهاز المخابرات الجزائري استقبل رسالة سرية من نظرائه في الإمارات. تحدثت بنبرة تهديدية، وقالت “إذا لم تتراجع الجزائر عن التعامل مع حلفاء ضد سياسة أبوظبي. فعليها أن تتحمل مسؤوليتها الاقتصادية والسياسية”. الرسالة تم تحويلها مباشرة إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الذي اختار التزام الصمت تجاه التهديدات الإماراتية. فبدأت الحرب الباردة بين الطرفين، آخرها اصطفاف الإمارات  مع المغرب في نزاعه مع جبهة “البوليساريو”في أزمة معبر الكركارات الأخيرة. حيث اختارت الإمارات  فتح قنصلية لها في مدينة العيون جنوب المغرب. كاعتراف ضمني منها بمغربية الصحراء، خصوصاَ أن الجزائر تتبني طرح “البوليساريو”. وتقول إن العيون هي مدينة توجد في المناطق المتنازع عليها مع المغرب. وبحسب خبراء تحدثوا لـ”عربي بوست” فإن الإمارات  قبل افتتاحها قنصلية في مدينة العيون بعثت برسائل تحذيرية للجزائر. لتنبيهها بخصوص نهج سياسة تركيا وقطر، خصوصاً في الملف الليبي، بالإضافة إلى تخلي الجزائر عن استثمارات إماراتية مهمة. وبحسب تقارير إعلامية، نشرتها صحيفة “الخبر” الجزائرية، من الأسباب التي حركت الإمارات  ضد الجزائر مؤخراً تجميد استثمار الشركات الإمارات ية الكبرى بالسوق الوطنية في الجزائر وعلى رأسها شركة “موانئ دبي” بعدما كانت تلعب دوراً مهماً في السابق.

وزاد من الشرخ القائم بين أبوظبي والجزائر،  التطبيع الإمارات ي مع إسرائيل. فوفق المحلل السياسي الجزائري مصطفى بونيف إن “التصريح الأخير للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حول تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل كان سبباً في ازدياد عمق الهوة بين البلدين، لأن الإمارات أحست بالإهانة والتدخل في شؤونها الداخلية”. وفي سياق التصعيد الإمارات ي، تحول التوتر بين البلدين  إلى حرب إلكترونية عبر الذباب الإلكتروني الإمارات ي الذي بدأ بمهاجمة الجزائر. وتعرض الناشط والمرشح السابق للرئاسيات في الجزائر عبدالحميد مدني لهجوم الذباب الإمارات ي، حيث اتهم “مدني” الإمارات  بالوقوف وراء محاولات تمزيق الجزائر وبث الخلاف والفتنة بين الجزائريين. وقال مدني: “للإمارات دوراً فاضحاً وواضحاً في اللعبة، خاصة بعد فشلها في ضرب الحراك الشعبي، وعرقلة المسار الإصلاحي بعيداً عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وحاشيته”. وكانت العديد من الروايات الجزائرية أكدت لوكالات أنباء دولية، أنه في حراك فبراير 2020 في الجزائر، سعت أبوظبي بكل الطرق إلى منع أي تغيير في الجزائر، وحاولت إخراج المسيرات من إطارها السلمي.

 

مواقف خلافية

وعلى مدى سنوات، سعت الإمارات  لجذب السياسة الخارجية الجزائرية للاتجاه الإمارات ي، غير أن الجزائر غالبا ما ترفض ذلك، وتصر على اتخاذ سياسات مستقلة بحسب ما ترى فيه مصالحها السياسية والإقتصادية. وبحسب الباحث جلال إدريس، بموقع “العدسة”، خلال السنوات الأخيرة، فجرت عدد من القضايا الإقليمية الخلافات بين الجزائر والإمارات ، ووسعت الهوة بينهما، غير أن الدولتين حافظا على الشكل الدبلوماسي في العلاقات، رغم التباعد الكبير بين سياسات كل منهما…ومن تلك القضايا:

الموقف من حصار قطر

أزمة حصار قطر الذي أشرفت عليه الإمارات والسعودية، وشاركت فيه مصر والبحرين، ودول عربية أخرى سرعان ما تراجعت، كانت أبرز الأزمات التي أحدثت شرخا في شكل العلاقة بين الإمارات والجزائر. وتطلعت أنظار الإمارات  مع بداية الأزمة الخليجية، نحو موقف الجزائر من هذه الأزمة، وخياراتها تجاه دعم أيٍّ من الجانبين، قبل أن تصدر الجزائر بيانًا رسميًّا تدعو فيه الدول إلى الحوار، بوصفه وسيلة وحيدة لتسوية الخلافات بينها، وضرورة لاحترام السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ووفقا لموقع “ساسة بوست” ولأن الجزائر مالت بعض الشيء حيال الموقف القطري، حين قررت دعم الحوار، وعدم التماهي في المواقف السياسية للرباعي العربي، فإن هذا الأمر أزعج حكام أبو ظبي، وحاولوا ممارسة ضعوطا على الجزائر للانحياز إلى جانبهم.

واتخذت الجزائر موقفا محايدا من طرفي الأزمة الخليجية، وأصدرت وزارة خارجيتها بيانا، عند إعلان السعودية ومصر والإمارات  والبحرين قطع العلاقات مع قطر، دعت  فيه إلى ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف. وفي أشد أوقات الحصار السعودي الإمارات ي على قطر، وتحديدا في يونيو 2017، قام وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، سلطان بن سعد سلطان المريخي،  بزيارة الجزائر، كنوع من كسر الحصار، والتقى بوزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، وبحثا في  مستجدات الأزمة الخليجية، وزيادة توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين. وقتها خرجت الدوحة بتصريحات تؤكد ارتياحها وترحيبها بشكل كبير بالموقف الجزائري، حيث أشاد وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، بموقف الجزائر الذي وصفه بـ”المشرف” إزاء أزمة قطع العلاقات مع قطر، مشيرًا إلى أنها أول بلد دعا إلى الحوار.

 

الموقف من إيران وحزب الله واليمن

كما أن أحد أبعاد التوتر القائم بين الجانبين تمثل في العلاقة المتينة بين الجزائر وإيران، خصوصًا بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، العاصمة الجزائرية، في نهاية 2017، ولقائه وزير الشؤون الإفريقية والعربية عبد القادر مساهل، وتأكيده أن البلدين يتفقان على مبدأ احترام أراضي الدول وسيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والسعي إلى الحوار، والتوصل إلى الحلول السلمية للنزاعات والخلافات. ولا تنفصل العلاقات القوية بين الجزائر وإيران، خصوصًا في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي، من خلال عرض التعاون المصرفي والاقتصادي، والطرق الكفيلة بتفعيله ودفعه نحو الأمام، عن العلاقات المتقاربة بين قطر وإيران، على خلاف الخلاف السياسي بين الإمارات  والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، وهي المسألة التي ترسم صورة كاملة عن أحد محددات. أيضًا، تختلف  الجزائر مع الإمارات بشأن الموقف من “حزب الله” اللبناني، حيث تراه الإمارات وتصنفه على أنه تنظيم إرهابي، في حين لا ترى الجزائر ذلك، وهو الأمر الذي يزيد الهوة والخلاف بين البلدين. كما أن عدم انخراط  الجزائر في التحالف العسكري في اليمن الذي تقوده السعودية، وعدم اشتراكها بشكل فعال في الضربات التي توجهها الإمارات  والسعودية ضد الحوثيين في اليمن، أحدث شرخا كبيرا في العلاقات بين البلدين.

 

الموقف من حركة حماس

وعلى خلاف الموقف الإمارات ي من حركة “حماس”، والذي تعادي فيه أبو ظبي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشكل كبير، فإن دولة الجزائر بدأت مؤخرا في احتضان الحركة، فضلا عن أحاديث مختلفة تؤكد أن “حماس” قد تفتح مكتبا لها في الجزائر في وقت قريب. ومع اشتداد الحصار على قطر، بدأت حركة حماس في البحث عن مكان إقامة بديل عن قطر، لعدة أسباب، لعل أبرزها: تفادي وقوع دولة قطر في الحرج، في ظل الضغط العربي الكبير الذي يمارس عليها وتسبب بحصارها، والذي يضع “طرد قادة حماس من أراضيها” شرطًا من شروط رفع الحصار عنها، والعلاقة القوية التي تربطها على المستويين الشعبي والسياسي مع الجزائر. ووفقا لحركة “حماس”، فإنها تربطها علاقات قوية مع الجزائر، وظهر ذلك حين هبت أحزاب جزائرية في الحكومة بالدفاع عن الحركة بعد أن هاجمها سفير سعودي ووصفها بأنها إرهابية، إضافة لتصريحات الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري، التي أكد عمق العلاقة بين حماس والجزائر، وأن حركته طلبت من السلطات الجزائرية، الإقامة في الجزائر حتى قبل أزمة الخليج. كل هذا الاحتضان من قبل الجزائر لحركة حماس والحفاوة الكبيرة بأعضائها، أزعج بشكل كبير السلطات الإماراتية، والتي على ما يبدو أنها تواصلت مع الجزائر كثيرا لتقليل الدعم المقدم للحركة، غير أن الجزائر ترفض التبعية للأمارات.

 

الموقف من ليبيا

وكان الجمود الرسمي من جانب الجزائر تجاه خطط «خليفة حفتر»، أبرز الفاعلين، الذي تعول عليهم الإمارات  في الأزمة الليبية، أحد مُحددات توسع الهوة بين البلدين، وحدث أشبه ما يكون بالشقاق السياسي في ظل الحضور والنفوذ الجزائري القوي في الأزمة الليبية كون الجزائر تتعامل مع الأزمة الليبية بمنظور أنها امتداد للأمن القومي الجزائري، وذلك للتقارب الجغرافي مع ليبيا. ولم تدعم الجزائر حفتر في ليبيا، إذ رفضت عدة مرات دعم مشروعه وقراراته، للحد الذي دفع حفتر إلى وصف الجزائر بـ«الدولة غير الشقيقة والعدوة»، واتهامها بالانحياز للحكومة التي كانت تتخذ طرابلس مقرًّا لها، بغض الطرف عن الإرهابيين الذين يدخلون ليبيا. وفي نهاية عام 2017، تجدد الرفض الجزائري لخيارات حفتر في الأزمة الليبية؛ حين أعلنت رفضها وقف العمل بالاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وهو الاتفاق المُعروف بالصخيرات بالمغرب، برعاية الأمم المتحدة والدول المجاورة.

في المقابل، ترى الجزائر أن الحل في الأزمة الليبية يتمثل في الرهان على «فايز السراج»، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وتفعيل اتفاق الصخيرات، الذي يُمثل السراج فيها أحد الفاعلين، كإطار وحيد من أجل البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية، خصوصًا أنه يجد دعمًا من جانب الأمم المتحدة، لا يقف الدعم الجزائري للسراج، خصم حفتر، وحكومة الوفاق الوطنية الليبية، على المستوى السياسي فقط، إذ تساعده الجزائر كذلك في إدارة البلديات، وتنظيم الانتخابات، وتدريب مزيد من فرق الشرطة، ودعم تركيز منظومة السجون في ليبيا. كل تلك الأحداث زادت من الهوة بين الجزائر والإمارات ، وشعرت الأخيرة أن الجزائر لن تكون حليفة لها في الملف الليبي على الإطلاق، بخلاف الموقف المصري مثلا، الذي يسير خطوة بخطوة على غرار الموقف الإمارات ي.

 

الموقف من تونس

وكذلك، تُشكل الأزمة التونسية أحد مُحددات الخلاف بين الإمارات  والجزائر؛ فالأخيرة تتعامل مع القضايا الداخلية لتونس بوصفها امتدادًا لأمنها القومي، وأدت التدخلات الإمارات ية في الشأن التونسي إلى توسع الهوة بين الجزائر والإمارات، تمثلت التدخلات الإماراتية في تجميد عدد من مشاريعها الاقتصادية في تونس، إضافة إلى وضع عقبات في وجه العمال التونسيين، والتدخل في الحياة السياسيّة المحليّة، فضلاً عن بعض القرارات، كمنع ركوب التونسيات الطائرات المتجهة إلى الإمارات، وحسب إحدى الوثائق المُسربة، تمثلت إستراتيجيّة الإمارات  للاستفادة من الأوضاع القائمة وتحقيق تطلعاتها في الساحة التونسيّة، من خلال كسر النفوذ الجزائريّ والقطريّ وأدوات تحقيق ذلك..ولا تنفصل هذه الإستراتيجية عن التسريبات حول توصيات مسؤولين جزائريين لنظرائهم التونسيين عن خطة إماراتيّة للتدخل في تونس، فضلاً عن وجوب التنسيق والتعاون الدائم لمواجهة أي مساع إماراتية لحلحلة الاستقرار القائم في تونس.

 

أهداف السياسات الإمارات ية ضد الجزائر

-ضم دول المغرب العربي ضمن نظام إقليمي جديد:

ويمكن استخلاص نتيجة حاسمة، ازاء الممارسات الإمارات ية ضد دول المغرب العربي بصفة عامة، ومن ضمن تلك السياسات والمناوشات العدائية التي اتبعتها الإمارات  في اوقات سابقة مع المغرب، وتحريضها النظام الملكي للانقلاب على حكومة حزب العدالة والتنمية المغربي “اسلامي” للانقلاب عليه، على الرغم من نتائج الديمقراطية المغربية، التي يرتضيها النظام الملكي هناك، بجانب تأمين تعاون مع الكيان الصهيوني، الذي تسعى الإمارات  لتكون الوكيل الحصري للتطبيع معه بالمنطقة العربية، وهو ما تكرر مع تونس والجزائر ، بجانب ضغوط مورست على موريتانيا ايضا من قبل، في سبيل السيطرة على الموانئ والمرافئ الحيوية في دول المنطقة ككل. ومنذ سنوات، تبذل الإمارات  جهودا مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، وبينها تونس والمغرب والجزائر وليبيا، ومن قبلهم مصر، بهدف بناء نظام إقليمي جديد، ينسجم مع تصوراتها، وتشن لتحقيق ذلك هجمات تستهدف منع تعزيز الديمقراطية، ونشر الفوضى في بلدان عديدة. وبالنظر إلى الأنشطة الإقليمية الأخيرة، يمكن القول بسهولة إن سياسات الإمارات  تتسبب بفوضى وعدم استقرار في المنطقة.

كما أن الإمارات، وعلى عكس السعودية، وهي الشريك الأكثر أهمية للتحالف العسكري العربي في اليمن، تقدم دعماً للقوى الانفصالية جنوبي اليمن، وكذلك دعماً مالياً ودبلوماسياً لدكتاتورية الأسد في سوريا، وتساهم في تفكيك وحدة هذا البلد. وفي دول أخرى، مثل الصومال، توفر الإمارات  دعماً مادياً لمنظمات إرهابية، وتعمل على إيجاد بيئة غير آمنة لتحصل على نفوذ في المنطقة. كما تدعم أبو ظبي وولي عهدها، محمد بن زايد “مشاريع قذرة” تهدف إلى بيع فلسطين لإسرائيل، على يد مهندس هذه المشاريع، محمد دحلان. وبشكل أساسي، تهدف الإمارات  من مشاريعها، إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإيجاد نفوذ لها في المنطقة. ويمكن تلخيص هذه المشاريع بأنها جهد لبناء نظام إقليمي جديد. وبهذا المعنى، يُلاحظ أن الإمارات  تقيم تعاون ملحوظا مع الروس في ليبيا، عبر تمويل مرتزقة تابعين لشركة “فاغنر” في البلد العربي، لدعم الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا. ومن خلال التعاون مع نظام الأسد في سوريا، تحاول أبو ظبي موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين بهدوء، وذلك على المستويات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.

الإمارات، وهي تمتلك قدرة عسكرية محدودة للغاية، تحتاج إلى حلفاء إقليميين لبناء هذا النظام الإقليمي المأمول، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في كل جولة مهزومة أمام تركيا، القوة الإقليمية المهمة بالمنطقة، وذلك وفق موقع “أوراس” الجزائري ولهذا تسعى أبو ظبي إلى بذل جهود نشطة في المناطق التي تشهد نشاطاً تركياً، ويمكن قراءة أنشطة أبوظبي في ليبيا والأزمات ذات الصلة بهذه الطريقة. كما تركز أبوظبي على استهداف الجهات الفاعلة، التي لا ترغب في أن تكون جزءاً من مشاريعها في اليمن وليبيا وغيرهما، أو حتى الجهات الفاعلة التي تعمل على تطوير سياسات محايدة وعلاقات وثيقة مع أنقرة، كما هو الحال في الهجمات الإمارات ية، التي تستهدف جهات فاعلة في المغرب وتونس والجزائر.

 

استهداف الإسلاميين:

كما إن أحد العناصر الفرعية للإمارات في إقامة نظام إقليمي جديد، هو تدمير أي حركة إسلامية قد تشكل تهديدا لأمن نظامها، ويتم تنفيذ هذه السياسة داخل الدولة، وعلى مستوى دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط والصعيد الدولي. بل ومحليا تصعد الإمارات سياساتها العدائية ضد الاسلاميين ، وخاصة بالداخل الإمارات ي، كالصحافيين الناقدين مثل أحمد منصور، فإن الحظر المفروض من السعودية والإمارات  والبحرين ومصر منذ 2017 على قطر، التي تستضيف أسماء مهمة في جماعة الإخوان المسلمين، يتم تنفيذه على صعيد منطقة الخليج. وعلى الصعيد الإقليمي أيضا، تشن الإمارات  حربا على دول إقليمية، مثل تركيا، حيث تدعي وجود تحالف بين أنقرة وحركة الإخوان. وتنظر أبوظبي إلى شخصية مثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على أنه يشكل فرصة يجب اغتنامها على نطاق عالمي، حيث تمارس أنشطة ضغط، بمساعدة واشنطن، وتواصل في الوقت نفسه تعزيز تعاونها مع قوى كبرى، كالصين وروسيا.

ورغم أن هذه السياسة الخارجية العدوانية والطموحة للإمارات تتجاوز قدراتها، إلا أن الطموحات السياسية تمنع التفكير العقلاني للنخبة السياسية في أبوظبي. في الواقع، ورغم تداعيات جائحة فيروس “كورونا المستجد” على الاقتصاد الإمارات ي، إلا أن أبوظبي تواصل أنشطتها خارج حدوها، ولعل خير مثال على تلك السياسات، أنشطتها في بلدان شمال أفريقيا. وعملت الإمارات  على إظهار الحكومة المغربية وكأنها فاشلة في مواجهة كورونا، وتعمل بالطريقة نفسها على استهداف تونس، عبر حملات موجهة في وسائل التواصل الاجتماعي. وسبق ان زعمت قناة “العربية” التي تعمل بتمويل سعودي ومقرها الإمارات، أن راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة النهضة  (إسلامية)، الذي عاد من المنفى عام 2011 مع “ثورة الياسمين”، تمكن من امتلاك ثروة مالية بوسائل غير مشروعة. ويعمل تلفزيون “الغد”، ومقره مصر وهو امتداد للمحور الإمارات ي السعودي، على الإسهاب في الترويج لهذه القضية، وتحاول القناة، التي تأسست على يد دحلان بتمويل إماراتي، إيجاد تصور بأن الشعب التونسي لا يثق بحكومته ولا بالتحقيقات الجارية في هذا الصدد. وتزامنت هذه الإدعاءات مع نقاشات يشهدها الشارع التونسي حول العواقب الاقتصادية الناجمة عن الإجراءات المتخذة لمكافحة الفيروس. ويمكن القول إن الإمارات  تعمل على التأثير في الشؤون الداخلية التونسية من خلال أذرعها هناك. ودعمت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة “النهضة”، عام 2013، كما دعمت حزب “نداء تونس” (ليبرالي) ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي (الراحل)، الباجي قايد السبسي، لكسر تحالف النهضة- نداء تونس، الذي بزغ عقب انتخابات 2014.

وبالمثل، مولت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، عام 2018، لإيجاد أزمة مصطنعة باتخاذ قرار لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، عبر منع التونسيات من دخول الإمارات . كما عملت أبوظبي على توجيه السياسات الداخلية التونسية، بدعم وزراء مثل لطفي براهم، ونبيل القروي، زعيم حزب “قلب تونس”، إلا أن جميع خطواتها باءت بالفشل. ومن خلال الأزمة المفتعلة ضد الغنوشي، دعت مجموعات الذباب الإلكتروني، التابعة للمحور الإمارات ي السعودي، البرلمان التونسي إلى سحب الثقة من الحكومة الائتلافية (تشارك فيها النهضة). وعبر وسائل إعلام تابعة لهذا المحور، مثل “العربية”و”سكاي نيوز”، وجهت شخصيات تونسية تابعة لذلك المحور، مثل عبير موسى، انتقادات لاذعة للغنوشي، معتبرة أن احتجاجات تونس، بداية من ديسمبر 2010، لم تكن ثورة. لينتقل بعدها النشاط الإمارات ي من تونس إلى التدخل في الشؤون الداخلية الليبية.

 

-اغتنام الفريسة الليبية

كما يمكن القول إن هناك سببين أساسيين لوضع المغرب وتونس والجزائر على قائمة الأهداف الإماراتية. الأول، هو أن هؤلاء الفاعلين لا يخدمون النظام الإقليمي المطلوب تأسيسه تحت قيادة الإمارات، وبعبارة أخرى، لم يتم احتواء هذه الدول ضمن محور الوضع الراهن، الذي تقوده الإمارات  والسعودية، بسبب انتهاج تلك الدول سياسات مستقلة نسبيا. لذلك، بقي الشغل الشاغل للإمارات هو تحويل تونس والجهات الفاعلة الأخرى، كالمغرب والجزائر، إلى بيادق في النظام الإقليمي الجديد، الذي تحاول أبوظبي تأسيسه. والسبب الثاني، هو وجود حركات إسلامية أقلية أو أغلبية في دول شمال أفريقيا هذه (تونس والمغرب والجزائر). وبحسب تقديرات استراتيجية، نشرتها “القدس العربي”، تعمل أبوظبي على استهداف الدول التي لا تقع تحت “هيمنتها” وتتسامح مع الحركات الإسلامية.

ولا يمكن الفصل بين عملية استهداف تونس والجزائر والتوازنات في ليبيا، حيث تعمل الإمارات  على توجيه السياسة الجزائرية والتونسية لوالليبية والمغربية ضرب الحركات الإسلامية أو الديمقراطية، ولعب دور نشط في الحرب الأهلية بليبيا، والحد من نشاط تركيا في المنطقة. إن بقاء ليبيا محايدة رغم جميع الإغراءات السياسية للإمارات خلال الأزمة، شكل في الواقع مصدر انزعاج لأبوظبي. ورغم أن الحكومة الشرعية في ليبيا تؤكد دعمها لكل من الجزائر وتونس، إلا أن الأخيرة رفضت مرور الدعم العسكري التركي لحكومة فائز السراج الشرعية في طرابلس عبر أراضيها. لذلك، قأن جهود أبوظبي لمنع تعزيز وترسيخ الديمقراطية في الجزائر وتونس  وليبيا والمغرب ، ليست بمنأى عن جهود تبذلها بعض النخب السياسية ضد الحركات الديمقراطية في المنطقة، وذلك وفق تقديرات استراتيجية لوكالة الاناضول.

 

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022