من النائبة المثيرة للجدل عبير موسي إلى البرلماني محمد عبو و الجنرال العسكري كمال العكروت، تعيش تونس أجواء انقلاب مضاد على تجربتها الديمقراطية، منذ الانتخابات النيابية والرئاسية الماضية، وهو نفس الأمر الذي سبق وأن تكرر مرارا منذ ثورة الياسمين عبر الإمارات والسعودية وحلفائهم الاقليميين والمحليين، مستغلين تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد المأزومة سياسيا. وهو ما حذر منه الرئيس قيس سعيد، وفق ما وصفه بـ”محاولات خفية لضرب الدولة من الداخل” وذلك يوم 14 ديسمبر الجاري، خلال زيارته إلى منطقتي بئر سلطان والعين السخونة بولاية قبلي (جنوب غرب)، إثر خلاف حول قطعة أرض أودى بحياة شخص وإصابة 70، وفق بيان للرئاسة، حيث تشهد عدة مناطق جنوب تونس من حين إلى آخر صراعات بينها حول الأراضي المشاعة التي لا تخضع عادة لتوثيق عقاري.
دعوات متنوعة
وخلال الفترة الأخيرة، أثارت دعوات لتدخل الجيش وحل البرلمان جدلا واسعا. وتتصاعد تلك الدعوات، على هامش خلافات سياسية حادة بين الأحزاب والقوى السياسية، بجانب أزمات معيشية. ووفق الباحث التونسي خليل الحناشي، بصحيفة “الصباح” التونسية، فإن “ارتفاع وتيرة الأزمة تحت قبة البرلمان التي وجد فيها البعض فرصة لتفكيك منظومة الحكم والدعوة إلى تغييرات تشمل طبيعة الحكم وتحوير الدستور الذي لم يعد يستجيب لمتطلبات البعض”.
لائحة استهداف “النهضة”
ويوم الثلاثاء 15 ديسمبر، فشلت عبير موسى وتيارها في تمرير ما أسمته “لائحة الإرهاب” التي تستهدف من خلالها تجريم نشاط حزب النهضة، وكان من المقرر عقد جلسة عامة يوم 15 ديسمبر الجاري، لمناقشة لائحة تقدم بها الحزب الدستوري الحر لمطالبة البرلمان بإصدار بيان “يندد بتبييض الإرهاب ويدعو فيه الحكومة لتجفيف منابعه وتفكيك منظومة تمويله”، إلا أن غياب النواب حال دون عقد الجلسة، ولم يتجاوزعدد الحضور 48 نائبا. ويتضمن نص اللائحة أيضا، دعوة الحكومة بالقيام بإجراءات حل التنظيمات السياسية والجمعيات الداعمة للعنف والفكر الظلامي والخطاب التكفيري المتطرف، إلى جانب مطالبة البنك المركزي بتشديد الرقابة على مصادر التمويل الخارجي للجمعيات وكشف شبكات التمويل الأجنبي للأحزاب وإحالتها على القضاء-وفق عبير موسي. وقبل ذلك، وفي شهر مايو الماضي، انطلقت دعوات حلّ البرلمان التونسي، من طرف مجهولين دعوا إلى “ثورة الجياع” في تونس، بهدف حل الأحزاب الحاكمة والبرلمان والمطالبة بمحاسبتهم، وتعليق العمل بالدستور، ثم اعتصام 1 يونيو الذي قاده المحامي المعزول عماد بن حليمة قبالة البرلمان التونسي، يليه “حراك الإخشيدي 14 يونيو 2020 “، وآخرها حراك “ائتلاف الجمهورية الثالثة” وجميعها طالبت بحلّ مجلس نواب الشعب والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتشكيل حكومة لتصريف الأعمال، فضلًا عن إجراء استفتاء على النظام السياسي والتوجه نحو نظام رئاسي ديمقراطي وتنقيح قانون الأحزاب، لكنها لم تجد صدى عند التونسيين ما عجّل بفشلها.
كما فشل نواب حركة الشعب في البرلمان التونسي، إلى جانب نواب الحزب الدستوري الحر في يونيو الماضي، في إدانة ما اعتبروه تدخلًا تركيًا في ليبيا، حيث سقطت اللائحة التي قدمتها كتلة الحزب الدستوري الحر لرفض ما وصفته بـ “التدخل التركي في ليبيا” ومساءلة رئيس البرلمان راشد الغنوشي على ضوء مواقفه المساندة للشرعية الدولية هناك، واتصاله برئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج بعد استعادة قاعدة الوطية من قوات حفتر. وفي نوفمبر الماضي، رفضت محكمة تونسية دعوى استعجاليه، تقدم بها الحزب الدستوري الحر ورئيسته عبير موسي، ضد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فرع تونس، لإيقاف نشاطه داخل البلاد.
تحفيز العسكر من العكروت إلى عبو
وأمام المشهد الموتور، يرى فريق أن الحل في عسكرة الحياة السياسية وتمصير الوضع العام “على نسق انقلاب الجيش على السلطة المدنية في مصر في 2013” ، بينما آخرون يرون أن الدعوة لإقحام الجيش في تفاصيل سياسية ما هي إلا دعوة للانقلاب على الديمقراطية وعبث قد لا يجد صداه من المؤسسة العسكرية التونسية، اعتبارا لمواقف سابقة ، أبرزها موقف الجيش من الثورة التونسية في 2010، ودعوات الانقلاب المتوالية خلال الفترة الماضية. ولعل الملفت في هذا السياق تقاطع دعوة العسكرة بين الأميرال الأسبق والمستشار السابق لرئيس الجمهورية كمال العكروت والوزير والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبو، حيث أثار عبو عدة ردود أفعال انتهت بإعلان استقالته، مؤخرا، من التيار الديمقراطي، وقد ربط المتابعون للشأن العام الاستقالة بالتصريح الأخير لعبو على إذاعة «شمس» حيث عبر عن مساندته لنشر قوات الجيش الوطني في كل المدن بإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة. واعتبر عبو أن رئيس الجمهورية يمكنه النظر بمعية وزير الداخلية في وضع الأشخاص الذين يمثلون خطرا على الدولة تحت الإقامة الجبرية إلى حين عودة القضاء إلى عمله.
وقد فهم موقف عبو في البداية على ،نه ردة فعل طبيعية على مجموعة الأحزاب (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة) التي أطاحت به وبحكومة الياس الفخفاخ. إلا أن موقف عبو تقاطع زمنيا وفعليا مع ما دعا له الأميرال كمال العكروت في تدوينة وصفت بالغريبة حيث دوّن صاحبها “معركتنا اليوم معركة إنقاذ وطن من إرهابيين وسفهاء وجهلة ومرضى نفسانيا، قاعدين يلعبوا بأمن بلادنا وبمستقبل أولادنا الحياد والوقوف فوق الربوة تخاذل وجبن” تلك الدعوات التي وصفها وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، بأنها محاولات منسقة ومتدرجة لإرباك الأوضاع، تبدأ باستخدام الأوجاع الاجتماعية ومحاولة تهييج الناس في الجهات عبر قطع الغاز والموارد الحيوية، ثم تحريك الشباب العاطلين والفئات الضعيفة، ويكون ذلك مصحوبا بإدخال حالة من الفوضى والهرج في البرلمان لتوليد الشعور بفشل الطبقة السياسية وكل منظومة الحكم، وبموازاة ذلك تتحرك جوقة الإعلام لصنع رأي عام مساند لانقلاب ناعم، مع توظيف بعض فقهاء القانون.
“حراك 14 يونيو”
وفي 14 يونيو 2020، فشلت الدعوات التي تبنتها النائبة عبير موسي، لتنظيم احتجاجات في العاصمة التونسية، للمطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ولم تلق الدعوة قبولا، سوى عشرات تجمّعوا بالقرب من محيط مقرّ البرلمان في جهة باردو، رافعين شعارات مناوئة لحركة النهضة وأخرى تدعو لتغيير النظام السياسي. وكشف فتحي الورقلي، قائد “حراك 14 يونيو”، لـ”الجزيرة نت”، أن أهداف الحراك؛ الإطاحة بالبرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة وتنقيح القانون الانتخابي وتغيير النظام السياسي، متوعدا بالدعوة للعصيان المدني.
الحرب الإعلامية
ومن ضمن أنشطة نشر الفوضى، الحملة الاعلامية التي تتبناها الأذرع الاعلامية الإماراتية، فزعمت قناة “العربية” التي تعمل بتمويل سعودي ومقرها الإمارات، أن راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة “النهضة ، الذي عاد من المنفى عام 2011 مع “ثورة الياسمين”، تمكن من امتلاك ثروة مالية بوسائل غير مشروعة. ويعمل تلفزيون “الغد”، ومقره مصر وهو امتداد للمحور الإماراتي السعودي، على الإسهاب في الترويج لهذه القضية، وتحاول القناة، التي تأسست على يد الفلسطيني محمد دحلان بتمويل إماراتي، إيجاد تصور بأن الشعب التونسي لا يثق بحكومته ولا بالتحقيقات التي برأت الغنوشي. ودعمت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة “النهضة”، عام 2013، كما دعمت حزب “نداء تونس” (ليبرالي) ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي الراحل، الباجي قايد السبسي، لكسر تحالف النهضة- نداء تونس، الذي بزغ عقب انتخابات 2014. وبالمثل، مولت أبوظبي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، عام 2018، لإيجاد أزمة مصطنعة باتخاذ قرار لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، عبر منع التونسيات من دخول الإمارات.
كما عملت أبوظبي على توجيه السياسات الداخلية التونسية، بدعم وزراء مثل لطفي براهم، ونبيل القروي، زعيم حزب “قلب تونس”، إلا أن جميع خطواتها باءت بالفشل. ومن خلال الأزمة المفتعلة ضد الغنوشي، دعت مجموعات الذباب الإلكتروني، التابعة للمحور الإماراتي السعودي، البرلمان التونسي إلى سحب الثقة من الحكومة الائتلافية (تشارك فيها النهضة). وعبر وسائل إعلام تابعة لهذا المحور، مثل “العربية” و”سكاي نيوز”، وجهت شخصيات تونسية تابعة لذلك المحور، مثل عبير موسى والتي دعت إلى الانقلاب على نظام الحكم وتعطيل العمل البرلماني والدستوري، واحتلال مقاعد رئيس البرلمان، والاشتباك بالأيدي مع موظفي البرلمان التونسي في يونيو 2020.
أجندة الثورة المضادة بدعم إماراتي مصري سعودي
وتاتي تلك الدعوات، التي تثور من وقت لاخر، بأشكال مختلفة، مشوبة بتحريض اماراتي، في المقام الأول، كما يقول الباحث سمير حمدي بمقاله: “ماذا تريد الإمارات من تونس؟”، المنشور بـ”العربي الجديد”. فمؤخرا، منعت الإمارات التونسيين من دخول الإمارت، ضمن مواطني نحو 13 دولة، وهو موقف سبق وأن تكرر أكثر من مرة. فمنذ 2011 وسقوط نظام زين العابدين بن علي، وبعد انتخابات أكتوبر، اتخذت الإمارات إجراءاتٍ مماثلة ضمن ما اعتبره بعضهم رفضا إماراتيا لمخرجات الانتخابات التونسية التي أفرزت صعود قوى سياسية، مثل حركة النهضة، ووصول المنصف المرزوقي إلى منصب رئاسة الجمهورية. فقد جعل النظام الإماراتي من نفسه خصما للثورة التونسية منذ بداية فعالياتها، عبر التغطيات الإعلامية المنحازة، وصولا إلى نوعٍ من القطيعة السياسية من طرف واحد، ورفض تقديم أدنى دعم مالي أو اقتصادي لتونس. وتترافق المواقف الإماراتية ذات المزاج المتقلب من المشهد التونسي في كل مرة مع توجهاتها الساعية إلى إخضاع تونس، وإدخالها ضمن حظيرة الدول التابعة لها.
وإثر انتخابات 2014، كانت الإمارات تراهن على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وتصورت أن في وسعها التلاعب به وبتوجهاته. ولهذا كانت صدمة صانع القرار الإماراتي حادّة، كما عبرت عنها في حينها وجوه قريبة من دائرة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، عندما اختار السبسي سياسة التوافق ونهج التعايش السياسي، عبر تشكيل تحالف حكومي واسع، كانت حركة النهضة من المشاركين فيه، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع أزمة دبلوماسية بين البلدين، بعد قرارات مفاجئة عامي 2015 و2016، بمنع التونسيين من السفر إلى الإمارات، وصولا إلى القرار الصادر في شهر ديسمبر 2017، بعدم منح التأشيرة للتونسيات تحديدا، ما أثار حينها موجة من التنديد في الشارع التونسي. ويتواصل العمل الإماراتي على إفشال المسار الديمقراطي التونسي، مثلما فعلت في ليبيا عبر دعم مليشيات اللواء المتمرّد خليفة حفتر، وبدعم الانقلاب العسكري في مصر. ولكنها تشعر بالفشل إزاء المشهد التونسي، حيث المسار الديمقراطي ما يزال قائما، والمواطن هو الذي يختار من يحكمه. وبالنظر إلى فشل الأسلوب المفضل لدى النظام الإماراتي الذي يعتمد الدفع إلى الفوضى، وصولا إلى قلب النظام السياسي، انتقلت استراتيجيتها المعلنة في تونس إلى محاولة استخدام الديمقراطية ذاتها للانقلاب عليها، عبر تمويل أحزاب سياسية وجمعيات وقنوات إعلامية تسعى إلى تقويض المشهد الديمقراطي التونسي.
مستقبل الديمقراطية
وأمام الضغوط المختلفة التي يتلقاها أنصار الديمقراطية في تونس، تقف التجربة التونسية أمام اختبار صعب في الأيام المقبلة…حيث يسعى التيار الديمقراطي وحزب الشعب، المناوئين لائتلاف النهضة الخاكم لتشديد هجومه القانوني والبرلماني على المتشبثين بالديمقراطية، بعد فشل الرهان على تحركات شعبية يساندها الجيش. وفي اطار محاولة التهدئة، أعلنت “حركة النهضة” قبولها طلب المعارضة فتح تحقيق حول استخدام العنف تحت قبة البرلمان ، فوفق وكالة الأننباء الفرنسية، أكد عماد الخميري، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «النهضة» استجابة رئيس البرلمان راشد الغنوشي لطلب «الكتلة الديمقراطية» المعارضة فتح تحقيق حول العنف المتبادل تحت قبة البرلمان، مذكراً بإدانة رئيس البرلمان للعنف وبعدم تبريره، بعكس ما قالت الكتلة البرلمانية المعارضة. وقد تمكنت النهضة التي تقود البرلمان ، من التصديق على قانون المالية وتفادي الصدام مع أحزاب المعارضة وخاصةً منها «الكتلة الديمقراطية» الممثلة من حزب «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب». وتعتصم حاليا الكتلة الديمقراطية، منذ الثلاثاء الماضي. مهددة بالانتقال إلى خطوات تصعيدية يمكن أن تصل إلى حد المطالبة باستقالة راشد الغنوشي رئيس البرلمان أو إمضاء عريضة لسحب الثقة منه. وصولاً إلى تعليق عضويتها في البرلمان والخروج إلى الشارع. وكان قد تعرض النائب سأنور بالشاهد لعنف، وتشابك بالأيدي من قبل أحد أعضاء «ائتلاف الكرامة» المتحالف مع «النهضة» والذي يتزعمه سيف الدين مخلوف. وكان الغنوشي قد اعتبر في مؤتمر صحافي عقده الخميس قبل الماضي، أنه من حق «الكتلة الديمقراطية» طرح سحب الثقة منه وهو ما حصل سابقاً (وفشل)، مشيراً إلى أنه تقلد رئاسة البرلمان بعد انتخابات ولم يصل «على ظهر دبابة»، وفي حال لم تعد له الأغلبية في المجلس فإنه يفقد منصبه ويعود إلى صفته كنائب.
وفيما يتعلق بالعنف وتحميل رئاسة البرلمان مسؤولية ما حدث، فقد اعتبر الخميري ذلك أمراً غير عادل خاصةً أنه (رئيس البرلمان) استنكر العنف وندد به ونسبه إلى بعض المنتمين إلى كتلة «ائتلاف الكرامة» وأكد أنه ذكر ذلك في الجلسة العامة للبرلمان. وفي سياق الاستفزازات المتواصلة، اعتدت كتلة عبير موسي بالعنف الشديد على ثلاث نواب من كتلة النهضة، وهم موسى بن أحمد ومحرزية العبيدي والسيد الفرجاني، في محاولة لجرّ النواب إلى العنف، في يونيو الماضي، أثناء اعتصام الكتلة أمام مقر مكتب رئيس البرلمان راشد الغنوشي. وتراهن أطراف تونسية على نجاح دعوات للحوار الوطني تجمع كافة الأطراف السياسية للوصول لمخرج من تلك المشاحنات، التي لم تتوقف منذ ثورة الياسمين، بأشكال مختلفة، متنوعة بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والتجاري. ومن تلك الدعوات، دعوة الاتحاد العام للشغل، التي لم تتبلور بعد، وينتظرها الائتلاف الحاكم في تونس.
خاتمة
وفي حال فشل الحوار الوطني المزمع، فإن تونس تقف على أبواب أزمات أكبر وأشد، قد تأتيها هذه المرة من قبل اسرائيل والادارة الامريكية، عقابا على موقفها الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي أكده مؤخرا، رئيس الحكومة هشام المشيشي، وهو ما ترفضه الإمارات التي تضغط على كافة الأطراف العربية والاسلامية للوصول لتطبيع كامل مع اسرائيل، كما جرى مؤخرا مع المغرب، ويجري حاليا مع السودان وباكستان. وكان “المشيشي” قد علق في مقابلة مع محطة “فرانس 24” على التطبيع المغربي مع إسرائيل بقول “هذا خيار اعتمده المغرب بحرية. نحترم خيار المغرب الشقيق والبلد الذي نحبه كثيرا. بالنسبة لتونس هذه المسألة ليست مطروحة” وأضاف: “لكل بلد واقعه وحقيقته ولكل بلد دبلوماسيته التي يرى أنها الفضلى لشعبه”، مشيرا إلى أن الإدارة الأمريكية لم تطرح هذه المسألة معه. فيما تراهن الإمارات على اخضاع تونس والجزائر وليبيا لبناء نظام اقليمي تهندسه مع اسرائيل واطراف دولية، نحو هيمنة الأجندة الإماراتية الصهيونية، في الشمال الافريقي. فمنذ سنوات، تبذل دولة الإمارات جهودا مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، وبينها تونس، بهدف بناء “نظام إقليمي جديد” ينسجم مع تصوراتها، وتشن لتحقيق ذلك هجمات تستهدف منع تعزيز الديمقراطية، ونشر الفوضى في بلدان عديدة. كما يجري في اليمن وليبيا والصومال وجيبوتي، كما تدعم أبو ظبي وولي عهدها، محمد بن زايد “مشاريع قذرة” تهدف إلى بيع فلسطين لإسرائيل، على يد مهندس هذه المشاريع، محمد دحلان.
وبشكل أساسي، تهدف الإمارات من مشاريعها، إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإيجاد نفوذ لها في المنطقة. كما تركز أبوظبي على استهداف الجهات الفاعلة، التي لا ترغب في أن تكون جزءاً من مشاريعها في اليمن وليبيا وغيرهما، أو حتى الجهات الفاعلة التي تعمل على تطوير سياسات محايدة وعلاقات وثيقة مع أنقرة، كما هو الحال في الهجمات الإماراتية، التي تستهدف جهات فاعلة في تونس. وكذلك ، فإن أحد العناصر الفرعية للإمارات في إقامة “نظام إقليمي جديد” هو تدمير أي حركة إسلامية قد تشكل تهديدا لأمن نظامها، ويتم تنفيذ هذه السياسة داخل الدولة، وعلى مستوى دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط والصعيد الدولي. ولا يمكن الفصل بين عملية استهداف تونس والتوازنات في ليبيا، حيث تعمل الإمارات على توجيه السياسة التونسية لضرب الحركات الإسلامية أو الديمقراطية، ولعب دور نشط في الحرب الأهلية بليبيا، والحد من نشاط تركيا في المنطقة. وعلى الرغم من أن الحكومة التونسية تعمل وفق مصالحها الوطنية، ولا تتمسك بطرف محدد، سواء كان تركياً أو إماراتياً. غير أن الإمارات لا يروق لها حياد تونس، فتعمل على استهداف هذا البلد، لكن بطريقة ترتبط إلى حد كبير بالتغيرات في الموازين بمنطقة شرق البحر المتوسط.
وتسعى الإمارات إلى توفير مزيد من الدعم لحفتر شرقي ليبيا، وإناطة مسؤولية دعم حفتر في الغرب بتونس. إلا أن سيناريو نجاح الإمارات في اسقاط الديمقراطية التونسية، قد يتضعضع في الفترة المقبلة، في ضوء صعود الديمقراطيين في امريكا، الذين لا يثقون كثيرا في التحركات الإماراتية المثيرة للفوضى في الشرق الأوسط، كما أن بعض الأكراف الأوروبية لن تسمح بجر الجار الحنوبي والبلد المتشاطئة مع أوروبا نحو سيناريو الدولة الفاشلة، الذي قد يهدد أوروبا بتزايد موجات الهجرة إلى أوروبا من الجنوب، ولكن ذلك يحتاج إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية في تونس، عبر تنشيط الاستثمارات وتموي المشروعات المتعطلة في البلد الفقير، والتي تحاول علاجها أزمتها المالية عبر اصدار سندات دولارية لأول مرة، يعرقلها البنك المركزي، الخاضع أكثر لسيطرة الرئيس قيس سعيد ، الذي يسير بدوره نحو تأزيم سياسي مع حكومة المشيشي مؤخرا. كما أن الأوضاع الاقتصادية تضع المزيد من العراقيل أمام الاستقرار في تونس، حيث تعاني من نسبة نمو تقدر 6 % “سلبية” ويتهدده الإفلاس رغم ثرواته المعتبرة والكافية مقارنة بعدد سكانه وذلك بعد توقف عجلة الإنتاج وهو ما أثر سلبا على الأوضاع الاجتماعية، حيث ازدادت نسب الفقر والبطالة وازدادت القدرة الشرائية للمواطن تدهورا وبلغ الاحتقان الإجتماعي مداه. ومن المرجح مع هذه الأزمة السياسية أن تزداد نقمة التونسيين على طبقتهم السياسية خاصة وأن استطلاعات الرأي الأخيرة أثبتت أنه في حال إجراء انتخابات سابقة لأوانها، فإن نسبة العزوف تفوق 60 %، وهو ما يؤشر على أن التونسيين في واد وطبقتهم السياسية في آخر، وهو ما يعد تخديا يجب البحث عن حلول عاجلة له.