المصالحة الخليجية..التداعيات والتحديات وأفق المستقبل

 

 

للمصالحة الخليجية، أسباب عدة ودوافع متنوعة أدت للوصول للحظة فارقة في مسار العلاقات العربية العربية، بل وتحمل في طياتها الكثير من التغيرات الاستراتيجية في المسارات المستقبلية للمنطقة العربية.

فووفق روايات ، كان من المتوقع إعلان اتفاق ثنائي بين السعودية وقطر في أوائل ديسمبر 2020، ولكن يبدو أنه تم تأجيل هذه الخطوة لإقناع الإمارات بالانضمام إلى مصالحة خليجية عربية أوسع. وعندما أصبح من الواضح أن الإمارات تخلت عن معارضتها لإجراءات إنهاء الحصار، تم نقل القمة الخليجية إلى العلا، وهو موقع أثري وتاريخي وثقافي قبل الإسلام تم الترويج له للسياحة باعتباره رمزًا وطنيًا ممثلا للهوية السعودية الجديدة وليس للسلطة الدينية. وأوضحت تلك الخطوة أن الرياض أرادت الإعلان عن اتفاق في سياق القمة.

وتم الترويج للاتفاقية باعتبارها اختراقا كبيرا من قبل جميع الأطراف في دول مجلس التعاون الخليجي. ونشر “تركي آل الشيخ”، أحد كبار مستشاري ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، صورًا تروج لوحدة الخليج العربي. كما رحب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” بإعادة الوحدة الخليجية لصالح الأمن والاستقرار الإقليميين. بالنسبة لقطر، تعتبر لاتفاقية اختراقًا هائلاً.

ويكتسب التقارب الخليجي الراهن، والذي تمثّل في انعقاد القمة الخليجية، الحادية والأربعين في العُلا السعودية، 5 يناير الجاري، أهميةً حقيقية، لكونه يمثّل خطوة “تكيّف” مهمّة، قامت بها الرياض، بالتزامن مع اقتراب مغادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البيت الأبيض.

وتكتسب القمة التصالحية أهمية كبرى للسياسة القطرية التي لم تقدم أية تنازلات للرباعي العربي، وإنما ازيحت كافة العقوبات والعراقيل التي حاصرتها دون تقدينم تنازلات سياسية، عدا تعليق القضايا القانونية ضد السعودية وحلفائها، بما في ذلك الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، ومحكمة العدل الدولية، وفق تقرير لـ” فايننشال تايمز”. وهو نفس ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز”، عقب قمة العلا، بأن قطر ستتنازل فقط عن الدعاوى الدولية ضد دول الحصار مقابل فتح الحدود وإنهاء الأزمة الخليجية.

وسمح الإعلان باستئناف الرحلات التجارية بين قطر والسعودية للمرة الأولى منذ الحصار المعلن في يونيو 2017، بعد اتهام قطر بدعم الإرهاب والإسلاميين بالمنطقة وإقامة علاقات قريبة مع إيران.

وعندما بدأ الحصار قدمت المملكة وحلفاؤها قائمة من المطالب إلى قطر شملت 13 مطلبا مثل إغلاق قناة “الجزيرة” وتخفيف العلاقة مع إيران وقطع علاقاتها مع الحركات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان.

وعلى أية حال، فإن إزاحة العقوبات والحصار عن قطر، يصب في مصلحتها بصورة كبيرة، خاصة وأن قمة العلا التصالحية، تأتي قبيل فعاليات كأس العالم التي ستسضيفها قطر في 2022، حيث تختاج لأجواء مفتوحة وخطوط طيران منخفضة التكلفة.

 

دوافع متعددة

تقف وراء المصالحة الخليجية، العديد من الدوافع المحلية والإقليمية والدولية، إلا أن نهاية أزمة الحصار لم تكن نتاج التزام قطر بشروط رباعية الحصار، بل نتيجة جهود أمريكية وكويتية لإنهاء الأزمة الى جانب تحولات إقليمية ودولية كان أبرزها خسارة ترمب الانتخابات الرئاسية.. وعدة دوافع أخر، أهمها:

 

  • بايدن بالانتخابات الأمريكية:

وعلى الصعيد الدولي، فأن مواقف وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتيْن، ناهيك عن مؤسستَي الأمن القومي والاستخبارات، كلها كانت معترضة على “ارتباك” سياسات دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، وتحيزاتهما ضد قطر، أول اندلاع أزمة الحصار، التي تم تصحيحها تدريجياً، وصولاً إلى تدشين الحوار الاستراتيجي الأميركي القطري، يناير 2018.

هذه الحالة قراتها الدوائر السياسية السعودية جيدا، حيث  استشعرت الرياض، بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية 2020، أهمية تعديل سلوكها الإقليمي أو تكييفه، عبر “التخفّف” من تبعات حصار قطر وحرب اليمن واستعداء تركيا، تجنّباً لأية ضغوط مستقبلية عليها، يمكن أن تمارسها إدارة بايدن، في سياق سعيها إلى إعادة المسار التفاوضي مع إيران. وذلك في مقابل “تردّد” مصر، في مراجعة سياساتها الإقليمية، على الرغم من عودة قضية تصفية الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، إلى الواجهة، واحتمال تبنّيها أوروبياً بشكلٍ رسمي. والأهم من ذلك، أن إدارة “بايدن” أوضحت وراء الأبواب المغلقة أنها لا ترغب في وراثة هذا الأزمة المعقدة. ويبدو أن هذه الخطوة واحدة من عدة محاولات من جانب الرياض لتحسين العلاقات مع “بايدن” قبل توليه منصبه.

كذلك فإن المخاوف بشأن العلاقات مع “بايدن” والديمقراطيين دفعت السعودية للمضي قدمًا حتى بدون تعاون الإمارات في أوائل ديسمبر الماضي،  لكن الرياض كانت قادرة بعد ذلك على تأمين تسوية خليجية أوسع بالنظر إلى أن الإمارات فضلت في نهاية المطاف ذلك على صفقة ثنائية قطرية سعودية لا تستطيع أبوظبي منعها.

وسعوديا، فقد تراجعت جدوى الحصار بمرور الوقت. وبحسب مركز ستراتفور، تحاول الرياض موازنة الانتقادات من إدارة “بايدن” بشكل استباقي وسط دعوات في الولايات المتحدة لدول مجلس التعاون الخليجي بتقليص الخلافات الداخلية. خاصة وأنه خلال الفترة الأخيرة، تزايدت انتقادات  المشرعين الأمريكيين السياسات الخارجية العدوانية للسعودية تجاه دول مثل اليمن وقطر. وينسجم التنازل العلني عن المطالب الـ 13 الصادرة إلى قطر عام 2017 مع أولويات واشنطن في منطقة الخليج بما في ذلك التضامن الخليجي.

وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري كبير في شبه الجزيرة العربية، مع قواعد في قطر والإمارات والكويت والبحرين. وكانت واشنطن أيضا داعما أمنيا رئيسيا لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتمد السعودية على التعاون الاستراتيجي والدعم الأمريكي طوال تدخل الرياض في الصراع اليمني المستمر.

 

-المساعي الأمريكية لحصار إيران:

وكان الرئيس “ترامب” قد دعم الحصار في البداية واعتبره خطوة ضد الإرهاب، ولكنه تراجع عن موقفه واعتبره إرباكا لجهود تشكيل جبهة خليجية موحدة ضد إيران. وتعتبر قطر مهمة من الناحية الاستراتيجية نظرا لاستقبالها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط.وبحسب تقديرات لـ”نيويورك تايمز” الأمريكية، “كانت إدارة ترامب تأمل في حصار إيران قبل نهاية ولايتها ولهذا ضغطت على دول الخليج من أجل المصالحة. وهو ما تجلى بوضوح خلال زيارة صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، كلا من قطر والسعودية في ديسمبر 2020، وحث المسؤولين الخليجيين على التفاوض في اتفاق كاد ينهار قبل أن يبدأ ، حسبما قال مسؤولون أمريكيون…

فالسعودية ترى في إصلاح الصدع الخليجي طريقة لبدء علاقات جيدة مع إدارة بايدن التي هددت بتبني خط متشدد مع السعودية”، لكن المحللين يرون أن قطر لن تغير شيئا من سياساتها التي أغضبت جيرانها، سواء بالتخلي عن قناة الجزيرة أو قطع العلاقات مع إيران. ومن ناحية واشنطن، فإن “السماح للطيران القطري بالتحليق في خطوطه السابقة هو مكسب ويعني خسارة إيران 100 مليون دولار كانت تتقاضاها كرسوم مقابل تحليق الطائرات القطرية فوق أجوائها”.

وقد سرع التصاعد السريع للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران لا سيما في العراق واليمن حيث تصاعدت المخاوف من صدام عسكري في الأيام الأخيرة لـ”ترامب” في محاولة لعرقلة المبادرات الدبلوماسية مع طهران من قبل إدارة “بايدن”…قد عززت الولايات المتحدة مؤخرًا قواتها في المياه القريبة من إيران، ورفعت قدراتها على التزود بالوقود، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران على أهداف أمريكية في العراق. كما قامت إيران مرة أخرى بتهديد الملاحة الدولية من خلال الاستيلاء على ناقلة نفط كورية جنوبية بالقرب من مضيق هرمز.

لذلك، فإن السعودية ودول الخليج العربية الأخرى لديها مصلحة في تعزيز العلاقات مع واشنطن مع تصاعد التوترات مع طهران، وبالطبع تعزيز تعاونها في هذه العملية. ومن خلال إعادة فتح السعودية لأجوائها أمام الطيران المتجه إلى قطر، فإن الاتفاقية ستحرم طهران من 100 مليون دولار سنويًا، كانت الدوحة تضطر لدفعها إلى إيران مقابل استخدام مجالها الجوي بدلاً من ذلك. وستكون قطر الآن أقل اضطرارا للانسجام مع السياسة الإيرانية، بالنظر إلى أن وصولها الجوي لن يعتمد بعد الآن على إيران، بالرغم أن البلدين لا يزالان يشتركان في حقل غاز يوفر دخلًا كبيرًا لقطر.

 

 

تحديات أمام مسار المصالحة :

وعلى الرغم من الأجواء الايجابية التي ترافقت مع اتفاق العلا، الا ان العديد من التحديات ما زالت تقف امام مسار التصالح الكامل..

  • مراوغات إماراتية:

فالصراع الأيديولوجي المتأصل مع قطر (وشريكتها تركيا) حول شرعية الجماعات الإسلامية السنية، مثل جماعة “الإخوان المسلمون”، في السياسة العربية المعاصرة، ملف  لا يزال بدون حل تمامًا بحسب تقديرات الامارات، . ولو تُركت الإمارات بمفردها، ربما كانت ستواصل الحصار حتى توافق قطر على إعادة تشكيل سياستها الخارجية حقًا فيما يتعلق بالإسلام السياسي. ولكن مع استعداد السعودية للتوصل إلى اتفاق مع قطر، رأت الإمارات على ما يبدو أنه من الأفضل الحفاظ على موقف موحد مع السعودية بدلاً من الاستمرار في الحصار الذي يعتمد أساسًا على إغلاق الحدود القطرية مع السعودية.

ومع ذلك، قد يشير التمثيل الإماراتي في القمة الخليجية إلى تحفظات إماراتية حول نطاق وآفاق التقارب حيث حضر “محمد بن راشد آل مكتوم”، نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء حاكم دبي، وليس ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات “محمد بن زايد”. وبالرغم من أن السعودية أقدمت على المصالحة بالرغم من التحفظات الإماراتية، فقد تبدو المخاوف حول مدى صمود الاتفاقية مبررة حيث إن الأسباب الكامنة وراء أزمتي 2017 و2014 لا تزال دون حل. وقد حدثت كلتا المواجهتين بسبب جوانب من السياسة الخارجية القطرية تتمثل في دعمها للإسلاميين والحركات السياسية الشعبية الأخرى، وتحالفها الوثيق مع تركيا، وسياستها الخاصة مع إيران.

 

  • الموقف من جماعة الاخوان المسلمين

وعلى الرغم من نص  «بيان العُلا»، على عودة العلاقات الكاملة بين الدول المقاطعة وقطر، بعد «طيّ كامل لنقاط الخلاف»، على حدّ تعبير وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي لفت إلى أن الدول الموقّعة أكّدت: «عدم المساس بسيادة أيٍّ منها أو تهديد أمنها، أو استهداف اللحمة الوطنية لشعوبها ونسيجها الاجتماعي بأيّ شكل من الأشكال، ووقوفها التام في مواجهة ما يخلّ بالأمن الوطني والإقليمي لأي منها، وتكاتفها في وجه أيّ تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون الداخلية لأيّ منها، وتعزيز التعاون لمكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية التي تمسّ أمنها وتستهدف استقرارها”.

وفي هذا إشارة واضحة إلى اتّباع الدول المتصالحة، وعلى رأسها قطر، سياسات تتوافق مع مصالح «أشقّائها».  وبحسب تسريبات أشارت لها صحيفة “الأخبار اللبنانية” يوم 6 يناير الجاري،فأن الاتفاق بين «الرباعي» والدوحة جاء على ذكر طريقة التعامل مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ربطاً بتصنيفها إرهابية من قبل السعودية والإمارات، وشدّد على العمل لاحتواء حركة «حماس»، من دون أن يورد ما سلف في متن “بيان العُلا”.

من هنا، يمكن أن تُفهم الإشارة المتحفّظة لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حين قال “(إننا) متفائلون بالعُلا ونحن واقعيّون”  داعياً إلى “تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه في القمة الخليجية|”. من جهته، رأى نائب رئيس الإمارات ورئيس الحكومة، محمد بن راشد آل مكتوم، الذي شارك في القمة بدلاً من وليّ العهد محمد بن زايد، في تغريدة، بعد انتهاء الاجتماع، أن «المتغيرات والتحديات المحيطة بنا تتطلّب قوة وتماسكاً وتعاوناً خليجياً حقيقياً وعمقاً عربياً مستقراً”. فيما أصرّت الكويت وقطر، على تغييب أيّ إشارة من أيّ نوعٍ كان لمسألة التطبيع، فيما بدت لافتة الإشارة، في البيان، إلى: “تعزيز الدور الإقليمي والدولي للمجلس من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والدول والمجموعات والمنظمات الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح المشتركة”. وهو ما يتوقع  معه تبدلات في الموقف القطري من جماعة الاخوان المسلمين  في الفترة المقبلة.

ومما لا شك أنه ستكون هناك بعض التغييرات في السياسة القطرية استجابةً لإنهاء الحصار، لكنها بالتأكيد لن تلبي المطالب الثلاثة عشر الأولية، فلن يتم إغلاق “الجزيرة” ومن غير الواضح تمامًا إلى أي مدى ستتغير لهجتها التحريرية إن وجد شرط بذلك. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن الدوحة ستنأى بنفسها عن أنقرة. بينما ستولي السعودية اهتمامًا خاصا بعلاقة قطر بشخصيات ومجموعات معارضة من السعودية ودول خليجية وعربية أخرى.

 

-الموقف المصري المتأرجح:

وفي اطار التوجه نحو المصالحة التي قادتها السعودية ، رغم الرفض الاماراتي في بادئ الأمر، بدأت مواقف الرباعي العربي المحاصر لقطر مرتبكة، ففي حين اصطفت البحرين خلف السعودية، بدأت الامارات الأكثر رفضا وتوجسا، إلا أنها سرعان ما اتجهت نحو ما هو أكثر من المصالحة بنسد مشاريع للتعاون مع تركيا الداعمة للصمود القطري..

أما مصر، فعلى الرغم من توقيع وزير خارجيتها سامح شكري، على بيان متفق عليه في قمة العُلا، فإن موقف القاهرة من المصالحة الخليجية لا يزال يثير تساؤلاتٍ جدّية، قد تكشف “ارتباكاً” و”غضباً مكتوماً”، بسبب اهتمام الرياض بطيّ صفحة الخلاف مع الدوحة، من دون تلبية الشروط التي دأب النظام المصري وأذرعه الإعلامية على تكرارها، على مدار ثلاث سنوات ونصف السنة، بالإضافة إلى تجاهل السعودية شروط الإمارات (والبحرين) التي تريد “وضع العصي”، لتعطيل دولاب المصالحة.، بخسب الباحث بالشأن العربي، أمجد جبريل، بـ”العربي الجديد”..وهو على ما يبدو أن القاهرة لا تزال تتمسّك بفهمها السابق لتوازنات الخليج العربي و”الإطار العربي”، في مرحلة ما قبل الثورات العربية عام 2011، حينما كانت الرياض تحتل موقعاً محورياً ومؤثّراً، بما يكفي لضمان أن تلعب دور “القاطرة”، لدول الخليج الأخرى، مثلما كانت مكانة مصر في العالم العربي، إبّان عهد جمال عبد الناصر، حتى هزيمة يونيو 1967. وما زال الموقف المصري ملتبسا، رغم الاشارات الايجابية، نحو تفعيل التقارب مع قطر، وهو ما عبر عنه زيارة وزير المالية القطري  على بن شريف العمادي للقاهرة ، بعد ساعات  من توقيع اتفاق العلا، حيث افتتح الوزير القطري بحضور وزير المالية المصري محمد معيط وعددا من المسئولين من الحكومة المصرية والقطري ، الثلاثاء قبل الماضي  فندق  “سانت ريجيس” بقيمة أكثر من 1.3 مليار دولار، بعد تعطل 3 سنوات.

ألا أنه وبحسب تغطيات اعلامية لقناة وموقع “الحرة”، مازالت هناك نزاعات ومشاكل بين الدوحة والقاهرة مقارنة بتلك التي بين قطر من جانب وكل من الدول الثلاث من جانب آخر. اذ ان الاتفاق الوحيد المشار إليه إعلاميا هو الاتفاق القطري – السعودي، وهو ليس ملزما لباقي الدول، إعمالا بمبدأ نسبية أثر المعاهدات الدولية، بحسب  الخبير القانون الدولي دأيمن سلامة، بتصريحات لـ”الأهرام” المصرية..

لكن وزير الخارجية السعودي، الأمير “فيصل بن فرحان” أعلن أن قمة العلا طوت صفحة الخلاف، وأن الدول الأربع وافقت جميعا على استعادة العلاقات مع قطر. من جانب أخر، تشيء تطورات عملية المصالحة، لتراجع الدور المصري تماما في المنطقة العربية في عهد عبد الفتاح السيسي،  والذي لم يعد يملك القدرة على فرض توجهاته ورغباته على دول الخليج والسعودية التي باتت تتمتع بما يشبه “الفيتو” على السلوك المصري، على الرغم من أزمات سياسة السعودية الإقليمية، بدايةً من حرب اليمن، ومروراً بحصار قطر، ووصولاً إلى علاقات الرياض المضطربة، مع إيران وتركيا، على خلفية عدة ملفات إقليمية.

 

تداعيات قمة العلا :

وبقراءة تجليات المصالحة، يتأكد للمتابع أن الصراع كما بدأ عام 2017 لم يكن له أساس حقيقي ومنطقي.. ومن ثم فإن المصالحة عودة للعقل و البراغماتية والواقعية والتمسك ببعض الاستقلالية وابتعاد بنفس الوقت عن الفرض والقوة والحلول الصفرية.

  • تضارب المصالح المصرية:

ووفق الباحث الأردني،  حازم عياد، بجريدة السبيل الأردية :”القاهرة بعد قمة العلا”، ففي الظاهر تبدو القاهرة أقل حماسًا للانفتاح على الدوحة، خصوصًا أن اتفاق المصالحة لم يكن نتاجًا لاستجابة الدوحة لشروط الرباعية، ولعله الموقف ذاته غير المعلن لأبو ظبي، غير أن القاهرة وخلال الأشهر القليلة الماضية خطت مسارًا أكثر استقلالية بدورها عن دول الرباعية، وعلى رأسها أبوظبي والرياض؛ بتبني سياسة أكثر انفتاحًا للتعامل مع الازمة الليبية، قادتها الى تخفيف التوتر مع أنقرة خلال الاسابيع القليلة الماضية. ووفق تقديرات استراتيجية، فإن القاهرة تضاربت مصالحها في العديد من الملفات خلال العامين الفائتين مع شركائها في الخليج العربي؛ اذ لم تكن متحمسة للحملة العسكرية التي قادها حفتر على طرابلس بدعم فرنسي اماراتي بشكل أساس.

كما تعارضت مصالحها مع الدول الداعمة إسقاط البشير في الخرطوم قبل عام، وبرز قدر من الجفوة ومساحة أوسع من الفجوة بين موقف القاهرة المتعاطف مع تمرد التيغري في إثيوبيا، وموقف أبوظبي الداعم حكومة أديس أبابا. بل إن القاهرة دخلت في سباق على النفوذ في الخرطوم مع عدد من الدول الخليجية الطامحة إلى تكرار تجربتها في اليمن والصومال، والأهم أن مصالحها الحيوية في فلسطين المحتلة تعرضت لتهديد مباشر من خلال موجة التطبيع التي قادتها ابو ظبي في المنطقة العربية مع الكيان الصهيوني ، فاتحة ثغرة خطيرة لنشاطاته المشبوهة اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

أيضا، القاهرة ورغم مشاركتها في قمة العلا، وتوقيع وزير خارجيتها سامح شكري على البيان الختامي للقمة، وسرعة مغادرته بعد ذلك، باتت على الارجح مقتنعة بضرورة رسم معالم سياسة أكثر استقلالًا عن حلفائها في الخليج العربي، تراعي مصالحها الحيوية في فلسطين وسوريا والعراق ووادي النيل وشرق إفريقيا وليبيا والساحل والصحراء والبحرين المتوسط والاحمر. تلك الاستقلالية  ستفرض عليها سياسة تقودها الى مصالحات وانفتاح لا على أنقرة فقط بل على طهران أيضًا؛ فالقاهرة بعد قمة العلا باتت أكثر تحررا وانفتاحا على الارجح مما هي عليه قبل قمة العلا الخليجية. حيث بدأت حركة الطيران مع قطر، مع توحيهات مسربة من السيسي إلى مجلس الوزراء بتسهيل الاستثمارات القطرية بمصر وتوجيهها نحو العاصمة الادارية.

 

  • تصاعد الخلافات الإماراتية السعودية

ومن أبرز الانعكاسات التي تثيرها مرحلة المصالحة الخليحية وما بعدها، ظهور العديد من الخلافات البينية بين الإمارات والسعودية، وسط توجهات إماراتية للتقارب مع تركيا، وهو ما ردت عليه الرياض بفتح خطوط تواصل سريعة مع انقرة لخلق  وتطوير مشروعات للتعاون الاستراتيجي. كما تصاعد الغضب السعودي من الإمارات ازاء ضلوعها وراء تفجير مطار عدن واستهداف وزراء الحكومة اليمنية الجديدة، التي كانت تراهن الرياض على تجميل صورتها به وتعزيز مكانتها الدولية، في مواجهة دعوات حصار السعودية أمريكيا وأوربيا، ومنع السلاح عنها.

 

  • تطوير التعاون القطري مع تركيا وايران

وتؤكد تقديرات د.شفيق ناظم الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، أن تمسك قطر بالثوابت وبناء وتحالفات دولية وإقليمية بما فيها القاعدة التركية أتى بنتائجه فقد قدمت تركيا غطاء سياسيا وأمنيا وإقليميا لقطر. وفي ضوء التطورات الحاصلة على الصعيد الخليجي، خرجت قطر لتؤكد تمسكها بعلاقاتها الاستراتيجية مع انقرة وايران، حيث  لعبت تركيا الدور الاساس في صمود قطر امام الحصار الرباعي، بالدعم العسكري والاقتصادي. كما قدمت ايران الدعم اللوجستي لقطر، عبر فتح اجوائها امام الطيران القطري، بعد اغلاق الاجواء الخليجية المحيطة بقطر  من قبل السعودية والبحرين والامارات. حيث شددت قطر على أنها لن تغير من طبيعة علاقاتها مع تركيا وإيران بعد توقيع اتفاق المصالحة الخليجية.. وقال وزير الخارجية القطري، الشيخ “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني” إن بلاده وافقت على التعاون في مكافحة الإرهاب و”الأمن العابر للحدود الوطنية” مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر. لكنه أكد، في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن “العلاقات الثنائية مدفوعة بشكل أساسي بقرار سيادي للبلاد والمصلحة الوطنية”. واستطرد: “لذلك ليس هناك أي تأثير على علاقتنا مع أي دولة أخرى”.

واستشهدت السعودية والإمارات والبحرين ومصر بعلاقات قطر بإيران وتركيا، فضلا عن دعمها للحركات الإسلامية، كأسباب جوهرية لقرارهم الاستثنائي في عام 2017 بقطع العلاقات الدبلوماسية وروابط النقل مع الدوحة. وعلى الصعيد التركي، جاء ترحيب وزارة الخارجية التركية بقرار إعادة فتح الأجواء والحدود المغلقة بين قطر والسعودية، وتأكيدها أن القرار “يمثل خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية المستمرة منذ يونيو017″، وإشارتها إلى أن أنقرة “شريك استراتيجي لمجلس التعاون الخليجي وتولي أهمية كبيرة لأمن منطقة الخليج واستقرارها”. ومن ناحيتها، يبدو أن السعودية مستعدة للتهدئة مع تركيا في الوقت الراهن، وهو ما كشفته تطورات لافتة بدأت في 6 نوفمبر 2020، بإرسال الرياض لمساعدات عاجلة بعد حدوث زلزال إزمير الذي خلف عشرات القتلى ومئات الجرحى وخسائر مادية. وتلا ذلك اتصال هاتفي بين العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، في إطار الحديث عن قمة العشرين التي جرت في السعودية خلال 21 و22 نوفمبر 2020؛ حيث اتفق الجانبان على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتطوير العلاقات الثنائية وإزالة المشاكل.

وقد يكون توجه مصلحة تركية – قطرية مشتركة، حسبما يرى الكاتب والمحلل السياسي، “مصطفى أوزجان”، الذي لفت إلى أن “العلاقات التركية مع دول الخليج ستتسع في الفترة المقبلة؛ لأن انحصار العلاقة بين قطر وتركيا فقط لا يفيد الطرفين”، وفقا لما أوردته وكالة “سبوتنيك” الروسية. لكن الوجود العسكري التركي في منطقة الخليج خلال سنوات الأزمة الخليجية وتطور العلاقات التركية القطرية على المستوي الأمني والعسكري لا يزال يعتبر تهديدا استراتيجيا من قبل دول الرباعي؛ ما يعزز من فكرة “المصالحة التكتيكية أو المرحلية” سالفة الذكر. كما يرى المحلل السياسي “فراس رضوان أوغلو” أن الوجود العسكري التركي في قطر “يأتي ضمن علاقة ثنائية، وليس له علاقة بالمصالحة، وليس مرتبطا بشكل كامل بالخلاف مع الدول الأربع، إضافة إلى أن المصالحة لا تعني إنهاء الوجود التركي في قطر”، وفقا لما أورده موقع “الخليج أون لاين”.

 

 

  • أفق جديد لتقارب سعودي تركي

ووفق تقديرات مستقبلية، يبدو أن التقارب التركي السعودي الأخير ونهاية الأزمة الخليجية يُخلي سبيل المملكة للخروج من الكارثة الحالية، واعتمادا على صدق النظام السعودي، يمكن لتركيا والمملكة العربية السعودية العمل معا بفاعلية.. وباستثناء اليمن، زادت تركيا من دورها ونفوذها حيث قلصت المملكة العربية السعودية دورها، تمتلك تركيا أصولا ضخمة من القوة الناعمة في لبنان وجيشا دائما كشريك محلي في سوريا، ويمكن للمملكة العربية السعودية، بعد أن رأت هذه الفرصة، أن تدخل اللعبة من خلال تركيا، وعلاوة على ذلك، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تستخدم نتائج نزاع ناغورني – كاراباخ لزيادة وجودها في الجوار إلى إيران. في سوريا، يوفر الجيش الوطني السوري للمملكة العربية السعودية فرصة ذهبية يمكن للمملكة العربية السعودية أن تجدد دعمها للمعارضة السياسية السورية، وأن تستثمر في الجيش، وأن ترفع من مستوى دوره في الصراع. ومع العلم بأن الشعب السوري قد عانى معاناة كبيرة من إيران، وأنه في مواجهة شديدة للجمهورية الإسلامية، فإن زيادة دوره في العملية السياسية ومستقبل البلاد سيكون بمثابة حصن طبيعي ضد إيران. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستسعى إلى تحقيق مصالحها بوسائلها الخاصة، أو تسير وراء الإمارات العربية المتحدة أو من خلال سياسات أمريكية جديدة تتضمن وعودا فارغة للمملكة.

 

  • فرض سياسات أمريكية جديدة بالشرق الأوسط

ولعل الدور الأمريكي في الدفع نحو المصالحة الخليجية الحليجية، يكتنفه الكثير من التكهنات،حول مستقبل المنطقة العربية.. ويحمل “إتفاق  العلا” ترتيبات للمرحلة القادمة، حيث  دخل تحالف اليمين الأمريكي العنصري والإنجيليين الأمريكيين وإسرائيل مرحلة جديدة لاستباق التعامل مع رئيس جديد( بايدن) وسياسة جديدة تجاه إيران، وحالة جديدة من التهدئة في منطقة الشرق الأوسط تجاه التيارات الشعبية وحالة حقوق الإنسان التي وصلت أدناها.

بل إنه من الانعكاسات التي أتى بها الاتفاقق، أن هناك ضغوط أمريكية قادمة على الإقليم، وهو ما يؤكد أن منطقة الخليج  باتت أرضا لصراع الجمهوريين والديمقراطيين. بل يمكن اعتبار الاتفاق ، تمكين لقوى أمريكية تعيش نزاعا حقيقيا في الولايات المتحدة.

 

صراعات قابلة للانفجار

وعلى الرغم من الوصول للحظة المصالحة، إلا أن بواطن الامور ما زالت حبلى باحتمالات كبيرة لتكرار  الصراع ، جيث اثبتت التجربة بعد اتفاقية 2014، عندما اعتقدت السعودية والإمارات أن قطر تصرفت بحذر شديد لعدة أشهر ولكن في غضون عام اعتبرت الرياض وأبوظبي أن الدوحة تقوض مصالحهما على مجموعة من الجبهات. وكانت تجربة 2014 عاملاً رئيسياً في إثارة الغضب الذي أدى إلى حصار 2017. لكن هذا الخلاف أنتج مستويات غير مسبوقة من المرارة، وشعور شخصي للغاية بالنسبة للعديد من المواطنين، وترك ندوبًا عميقة من الشعور بالغضب والخيانة والعزلة لا يمكن التغلب عليها بسهولة. وقد ينهار اتفاق المصالحة الأخير تحت وطأة الخلافات المستمرة بين قطر وجيرانها، وقد تندلع مواجهة خليجية أخرى في وقت ليس ببعيد. ومع ذلك، فإن الاتفاقية الجديدة ستظل فرصة لحل الخلافات مع قدر أقل من الحقد العام والاضطراب الاستراتيجي.

 

سيناريوهات المستقبل

ويسيطر سيناريوهين على المنطقة العربية والحليجية عقب قمة العلا  السعودية..

أولهما: استمرار الصراعات المكتومة : 

وفي هذا المضمار، نقلت صحيفة “نيويورك  تايمز”  عن “أتش إي هيللر”، المحلل في المعهد الملكي للخدمات في لندن، قوله إنه في غياب التنازلات من قطر “فلا أعتقد أن السعوديين سيغيرون جوهريا في سياستهم الآن ولكنهم سيحصلون على الثناء في واشنطن لتراجعهم عن الحصار”. كما أن العديد من الأسباب الكامنة وراء الأزمة ربما لم يتم حلها بالكامل. وبما أن الأزمة الأخيرة التي بدأت في يونيو 2017، قد سبقتها مواجهة سابقة في 2013-2014، فلا يزال من الممكن وقوع مواجهة أخرى في السنوات المقبلة.

وذلك رغم أن النزاع  قد انتهى الآن بسبب مزيج من الضغوط من الإدارة المنتهية ولايتها للرئيس “دونالد ترامب” والإدارة القادمة للرئيس المنتخب “جو بايدن”، وتزايد التوترات مع إيران وتراجع جدوى الحصار.

ويعزز من ترجيح تخفيف قمة العلا من سخونة الأزمة الخليجية دون حلها بشكل جذري غياب أي موقف رسمي من السعودية والإمارات والبحرين ومصر بشأن مصير الاشتراطات الـ13 التي سبق أن أعلنتها ثمنا للمصالحة مع قطر، وفقا لما نقلته وكالة “فرانس برس” عن الأستاذ المساعد في جامعة الكويت “بدر السيف” ، فبعد 3 سنوات، وافقت الدول الأربع على إعادة العلاقات مع قطر، لكن بإجراءات ثقة مختلفة؛ الأمر الذي يصنف مصالحة العلا في إطار “تكتيكي” وليس “استراتيجيا”. وكذلك استمرت البحرين التي غابها ملكها عن القمة، استمرار الحملات الاعلامية ضد قطر، مع تصعيد كلامي ضد الدوحة على خلفية النزاعات الحدودية البحرية بين قطر والبحرين..

 

ثانيهما: تحييد الخلافات واستقلال السياسات:

إذ أنه في تحليل مستقبل المصالحة الخليجية، ليس مطلوباً، ولا ممكناً، إلغاء الاختلافات الخليجية، أو السعي إلى توحيد الرؤى والسياسات، لكي تتطابق مع سياسات السعودية، ولكن التوافق على الحد الأدنى من “التضامن الخليجي والعربي”، المستند إلى أسس ومصالح اقتصادية واجتماعية وأمنية، مع “تحييد” الخلافات السياسية، وحصرها في أضيق نطاق، والكفّ عن نقلها إلى الجوانب غير الرسمية في العلاقات الخليجية البينية، والعربية البينية أيضاً، خصوصاً عبر التحريض الإعلامي، والتآمر السياسي مع قوى دولية، لمعاقبة الشعوب العربية المكلومة، عبر أدوات إكراهية (مثل الحصار الاقتصادي والسياسي، والتهديدات العسكرية، وشنّ الحروب الفعلية والإلكترونية .. إلخ).

مطلوبٌ من القاهرة أيضاً، سيما مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير، القيام بعملية مراجعة “جذرية” لتوجّه سياساتها الخارجية، وإيلاء الدوائر العربية والأفريقية والإسلامية والآسيوية ما تستحقه من اهتمامٍ، مع السعي إلى مزيدٍ من الاعتماد على الذات والدمقرطة والتنمية واحترام حقوق الإنسان، والتخليّ عن وضعية تلقي المساعدات الخارجية، خصوصاً الأميركية والأوروبية والسعودية والإماراتية، وتفعيل وساطاتها ودبلوماسيتها، (مثلما فعلت الدبلوماسية الكويتية في استضافة الحوار اليمني عام 2016، وموضوعي حصار قطر و”صفقة القرن”؛ إذ اكتشفت قدراتها التوازنية، التي زادت دورها خليجياً وعربياً).

هذه “المراجعة” ستعين مصر في استعادة دورها الذي تشتد الحاجة إليه عربياً وأفريقياً وإقليمياً، بدل أن يحصر النظام نفسه في أدوارٍ “زائفة”، (من قبيل “مكافحة الإرهاب”، أو حصار قوى التغيير السلمي والشبابي، واستهداف الإخوان المسلمين)، ما يضرّ المصالح الحقيقية للشعب المصري الذي يريد علاقات صحية مع محيطه العربي، وليس مع المحور الأميركي الإسرائيلي الذي يوظّف الديكتاتوريات العربية لإعاقة أي مسار عربي نهضوي أو استقلالي أو تنموي. المؤكد أن اعتماد الرياض والقاهرة على قدراتهما الذاتية، مع تطوير شبكة تحالفاتهما العربية والإقليمية، وإيجاد مبادراتٍ لحل الأزمات الإقليمية، سيكون أجدى من مواصلة الرهان على “الدعم الأميركي المتقلّب”.

وخليجيا،  تمثل قمة العلا، عودة للمياه الخليجية إلى مجاريها، لتَفتتح مرحلةً جديدة ستتبدّى ملامحها مع انتقال العلاقات بين دول مجلس التعاون مِن الخصومة التامّة إلى تعاونٍ لا يزال من المبكر معرفة أفقه. تعاونٌ سيظلِّل مرحلة تحوّلاتٍ متسارعة ما فتئت تشهدها المنطقة منذ أن قادت الإمارات، الصيف الماضي، قافلة التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي للوصول بها إلى محطّتها الأخيرة: السعودية. الخطوة «الحتميّة» هذه، كما يصفها عرّاب صفقات «السلام»، جاريد كوشنر، تحتاج إلى بعض الوقت لجباية أثمانها، وإن كانت قد ظهرت أولى بوادرها بلقاءٍ جمع وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في نيوم نهاية العام الماضي، بدفعٍ من إدارة دونالد ترامب التي أملت إحداثَ خرقٍ من هذا الوزن يفتح الباب واسعاً أمام تكتّل عربي في وجه إيران. وفي انتظار أن تستوي الصفقة، كان لا بدّ من حلّ مسألة الخصومة ووضع حدٍّ لمقاطعة قطر من أجل العبور بـ«البيت الخليجي» إلى «الوحدة» وبر الأمان. حتّى في هذه، يبدو الخرق الناجز، قاصراً على جمع «رباعي المقاطعة» على هدفٍ موحّد، في ظلّ تحفّظ تبديه الإمارات التي غاب وليّ عهدها، محمد بن زايد، عن القمّة، في مؤشِّر إلى عدم رضى أبوظبي المشغولة بشهر عسلٍ بدأ للتوّ مع حليفتها الإسرائيلية.

وقد طوَت «قِمة العُلا» مرحلةً عمرها ثلاث سنوات ونصف سنة من الصدع والخصومة بين قطر وجيرانها (السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر)، بمباركة مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، الذي حضر حفل المصالحة، متأبّطاً «إنجازات» تطبيعيّة ما لبثت تتراكم في ظلّ إدارة دونالد ترامب.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022