ضم إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأووسط.. ترتيبات أبعد من إيران

 

 

في قرار يمثل خروجا عن هيكل القيادة العسكرية الأمريكية الذي تم وضعه لعقود، بسبب الخصومة بين إسرائيل وبعض حلفاء وزارة الدفاع الأمريكية من الدول العربية، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية (سينتكوم) المسؤولة عن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وجاء في بيان للبنتاغون يوم الجمعة 15 يناير الجاري، أنه تم إدخال تعديلات على خطة القيادة الموحدة منها نقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية. وأرجع البنتاجون قراره لـ”الانفراج بين إسرائيل وجيرانها العرب في أعقاب “اتفاقات أبراهام”، والذي وفر فرصة استراتيجية للولايات المتحدة لتوحيد الشركاء الأساسيين في مواجهة الأخطار المشتركة في الشرق الأوسط، وهو ما  سيوفر فرصا إضافية للتعاون بين شركاء القيادة المركزية مع الحفاظ على التنسيق المكثف بين إسرائيل والحلفاء الأوروبيين.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قد أفادت في وقت سابق بأن إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب تخطط لإضافة إسرائيل إلى منطقة عمليات “سينتكوم” بدلا من القيادة الأوروبية. ومن ثم ستكون إسرائيل الدولة الـ21 في منطقة عمليات القيادة المركزية التي تتولى الدور الأكبر في العمليات في العراق وسوريا وأفغانستان والخليج. وبحسب بيان البنتاغون، فإن إضافة إسرائيل لمنطقة عمليات “سينتكوم” ستسمح بتطوير التنسيق بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وربما دول أخرى في المنطقة في حال تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل لاحقا، وذلك  ما يتماشى مع اطروات سياسية، نشرتها صحيفة “جيروزاليم بوست”..

وتأسست القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” عام 1983، وتغطي المناطق المركزية من العالم الواقعة بين قارتي أوروبا وإفريقيا والمحيط الهادئ. وتشرف “القيادة المركزية” على الأعمال العسكرية للولايات المتحدة في بلدان عدة بينها سوريا واليمن والعراق وأفغانستان. ولسبر أغوار وأبعاد القرار، لابد من التوقف عند  العديد من المحاور الرئيسة، ومنها:

 

أولا: سياقات القرار الأمريكي

التطبيع العربي الإسرائيلي

وهو ما مثل تغيير كبير في السياسة العسكرية الأمريكية، وجاء هذا التغيير في السياسة العسكرية المستمرة منذ عقود، والذي أكَّدَته وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة 15 يناير الجاري، في أعقاب موافقة العديد من الدول العربية على تطبيع علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل بعد وساطةٍ أمريكية ومُحفِّزاتٍ عديدة.  وقال متحدِّثٌ باسم البنتاغون لموقع Middle East Eye البريطاني، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: “إن تخفيف التوتُّرات بين إسرائيل وجيرانها العرب بعد اتفاقيات أبراهام قد وفَّرَ فرصةً استراتيجيةً للولايات المتحدة لمحاذاة الشركاء الرئيسيين ضد التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط.

وتاريخياً، كُلِّفَت القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي بالإشراف على العلاقات مع إسرائيل بسبب العداء بين الدول العربية وقوة الاحتلال. وسمح هذا التنظيم للجنرالات الأمريكيين في الشرق الأوسط بالتفاعل مع الدول العربية دون وجود ارتباطٍ وثيقٍ بإسرائيل. وبينما رفضت معظم الدول العربية إقامة علاقاتٍ دبلوماسية مع إسرائيل، في ظلِّ احتلالها العسكري المفروض على السكَّان الفلسطينيين، فإن الدول الخاضعة لسلطة القيادة المركزية التي وقَّعَت اتفاقاتٍ مع إسرائيل تشمل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان. وجميع هذه الدول باستثناء مصر والأردن -وهما دولتان تشتركان مع إسرائيل في الحدود- تبذل جهوداً دبلوماسية جديدة.

من جهته، يقول أنتوني زيني، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية والرئيس السابق للقيادة المركزية، لصحيفة Wall Street Journal، إن “التوقيت قد يكون مناسباً للقيام بذلك”. وأضاف الجنرال زيني: “يمكننا أن نشهد المزيد من الدول العربية تعترف بإسرائيل، لذا فمن المنطقي إخضاعهم جميعاً لقيادةٍ أمريكية موحَّدة”، حسب وصفه.، والذي ترجمته موقع “عربي بوست”..حيث أكد  “سيجعل ذلك التعاون الأمني أفضل، لم يكن ذلك منطقياً في الماضي، لأنه كان هناك الكثير من عدم الثقة، وكان هناك خوفٌ عندئذٍ من أنه إذا كانت إسرائيل في القيادة المركزية فسيكون هناك تبادلٌ استخباراتي أمريكي مع إسرائيل بشأن جيرانها العرب.

 

 

إعادة توزيع القوات الأميركية حول العالم

ويمكن اعتبار قرار ضم اسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية، ضمن استراتيجية واشنطن لتقليل وجود القوات الأريكية خارج الأراضي الأمريكية، والتي بدأت بفعالية قبل سنوات، ودخلت مراحلها الأخيرة في يناير 2020، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أن واشنطن بصدد البدء في إعادة توزيع مرتقبة للقوات على مستوى العالم هذا العام، في إطار مساع لإعادة تركيز وزارة الدفاع  على التحديات التي تمثلها الصين وروسيا.

وذلك ضمن ما أطلق عليه “مراجعة للسياسات الدفاعية”، التي من المتوقع أن تسفر عنها إعادة توزيع القوات، والتي ربطها البنتاغون بالسنة المالية الجديدة التي انطلقت في اكتوبر 2020..وتسعى واشنطن لترطيز تواجدها بالمناطق المتاخمة للصين وروسيا أكثر من المنطقة العربية، التي مكنت إسرائيل من مقاليد أوصالها الأمنية عبر صفقة القرن، وغيرها من سياسات التطبيع المجاني، لخلق نظام اقليمي تقوده اسرائيل في الشرق الأاوسط.. إلا أن خبراء يقيمون التوجهات الأمريكية الجديدة، بالمتأخرة، في ظل التطور العسكري للصين على مدى العقدين الماضيين، بينما كانت الولايات المتحدة تركز على عمليات مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان وسورية وغيرها.

ولعل التصعيد الامريكي والاسرائيلي مع إيران وسلسلة الاتهامات الدولية المتتالية من حكومات عدة كمصر وفرنسا وواسشنطن واوروبا لايران ، يدفع نحو اعتماد واشنطن على القدرات العسكرية الاسرائيلية المتطورة. ومع سعي الجيش الأميركي للتعامل مع الصين على نحو أكثر حزماً، ترى القيادة الجنوبية بالجيش الأميركي أن أميركا اللاتينية يتعين أن تكون محورية في تحقيق ذلك. ووفقاً لبيانات الجيش الأميركي، زادت زيارات البحرية الصينية لموانئ المنطقة بنسبة 70 % خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتعزّز بكين مبيعات الأسلحة واستثمارات البنية التحتية والتجارة مع دول أميركا اللاتينية. ورصدت القيادة الجنوبية بالجيش الأميركي مبيعات أسلحة صينية لفنزويلا وحدها على مدى العقد الماضي، تُقدّر بنحو 615 مليون دولار.

هذه البيانات لا شك أثرت على قيادات وزارة الدفاع التي ترى اتجاهات مماثلة على مستوى العالم.، وذلك وفق تقرير لوكالة “رويترز” في 24 يناير الماضي..

كما تسرع أمريكيا عمليات اعادة الانتشار وسححب جنودها من العراق وافغانستان، لتبقي فقط نحو 2500 عسكري أمريكي بالعراق ومثلهم في افغانستان، عبر قيادة عمليات مصالحة في افغانستان، وتقليص الوجود الايراني بالعراق، ودعم حكومة الكاظمي بالعراق لمواجهة تمدد الفصائل المسلحة المقربة من ايران.

 

استراتيجية ترامب لتطويق بايدن

وبحسب سياقات الصراع الأمريكي – الأمريكي، الدائر بين نظامي ترامب والادارة الجديدة المنتخبة،  تعبر الخطوة أيضا عن سعي إدارة ترامب لتطويق السياسة الامريكية الجديدة في عهد جو بايدن، في منطقة الشرق الأوسط. إذ أن الخطوة، تؤكد تواصل التعاون العسكري الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن، ويعزز من فرص التعاون الكبير بين ادارة بايدن واسرائيل، اختيار  الجنرال لويد أوستن، الذي رشحه بايدن لتولي منصب وزير الدفاع في الإدارة الجديدة، وهو معروف بعلاقاته الوثيقة مع الجنرالات الإسرائيليين، لاسيما مع وزير الأمن الحالي بني غانتس.

وجاء قرار ترامب  في اللحظات الأخيرة إعادة تنظيم هيكل القيادة المركزية الأمريكية، استجابة لدعوات جماعات موالية لإسرائيل منذ فترة طويلة. وتعد هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة تحركات إدارة ترامب لتشكيل أجندة الأمن القومي، التي سيرثها الرئيس المنتخب جو بايدن، بحسب “وول ستريت جورنال“. والغريب أن القرار الذي اتخذه ترامب  في آخر أيامه ،  ترك لخلفه جو بايدن مسؤولية تطبيق القرار بالكامل والتعامل مع تداعياته.

 

تقليص فرص عودة بايدن للاتفاق النووي مع ايران

كما يدلل قرار ترامب ضم اسرائيل للقيادة المركزية الامريكية بالشرق الاوسط،على سعي متواصل من قبل اليمين الامريكي واسرائيل لعرقلة توجهات الادارة الديمقراطية الجديدة لبايدن، إذ تخشى إسرائيل وحلفاؤها في الخليج أن تتجه إدارة بايدن لعودة سريعة إلى المفاوضات مع إيران بهدف الرجوع إلى صفقة النووي في 2015.

وقد أنتجت الصفقة في حينها تنازلاً واسعاً عن العقوبات وغيرها من التنازلات، ولكنها لم تسدّ الطريق الآمن لبرنامج نووي يسمح لها ببناء ترسانة نووية في فترة وجيزة. إذا ما دخلت الإدارة مرة أخرى إلى صفقة، وذلك وفق دراسة لـيعقوب نيغل، البروفيسور في التخنيون، مستشار الأمن القومي لنتنياهو سابقاً، والتي نشرتها “اسرائيل هيوم”، والتي استندت لتوجهات كبار مستشاري الامن القومي الصهيوني، مثل :(ساليبان، برانس، شيرمان وآخرين) والذين اوصوا أن تبدي  إسرائيل وحدة سياسية داخلية. وهذا ليس سهلاً في ظل الفوضى السياسية الداخلية، التي تدخل إلى جولة انتخابات رابعة في سنتين.كما أن على إسرائيل أن تبني ائتلافاً دولياً واسعاً مع شركائها الجدد في الشرق الأوسط. يشاركونها المخاوف بالنسبة للنووي الإيراني. وأيضا  على إسرائيل وحلفائها أن يتعاونوا مع الديمقراطيين والجمهوريين الذين يعارضون التنازلات لإيران، ثم الامتناع عن جعل النقاش حزبياً. بالتوازي، من المهم إقناع بنوك وشركات في العالم بأن الدخول إلى إيران خطير. كذلك فعلى إسرائيل وحلفائها أن يعملوا مع الولايات المتحدة ويبقوا على تهديد عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني. لا يدور الحديث عن تشجيع للحرب، ولكن إيران لن تجري مفاوضات على صفقة معقولة إلا إذا كانت واثقة من أن منشآتها النووية تتعرض لتهديد الدمار. وبشكل مشابه، على النظام أن يستوعب بأن بقاءه في شك إذا لم يتنازل هذه المرة عن البرنامج النووي بكامله، وذلك ما يدفع باتجاهه ضم اسرائيل للقيادة المركزية الامريكية..

 

ثانيا: تداعيات إقليمية :

التحكم في مفاصل الأمن القومي العربي

ويشيء  ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية في الجيش الأميركي إلى أهمية استراتيجية، على اعتبار أن هذه القيادة مسؤولة عن إدارة  ما يغرف بـ”الحرب العالمية على الإرهاب”، بما في ذلك العمليات في العراق، سورية، أفغانستان، والخليج. واستهدف ترامب من هذه الخطوة جمع الدول التي تواجه “عدواً مشتركاً” في إطار واحد، لا سيما بعد التوصل إلى اتفاقات التطبيع الأخيرة مع الإمارات والبحرين، بحسب الباحث الفلسطيني صالح النعامي، بـ”العربي الجديد”، “تداعيات ضم اسرائيل للمنطقة المركزية الامريكية”.

وكانت إسرائيل  ضمن نفوذ قيادة الجيش الأميركي في أوروبا،وهو ما كان يقلص دور إسرائيل في منطقة عمليات القيادة المركزية، والذي كان يواجَه بالرفض من قبل شركاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، وهو ما كان يجعل من الصعوبة على الولايات المتحدة استضافة جنرالات إسرائيليين إلى جانب نظرائهم العرب. تلك الاشكالي ، استجلبت المزيد من الدعوات ،  منذ سنين لـ”إصلاح هذا الخلل التاريخي”، وإلحاق إسرائيل بمناطق عمليات القيادة المركزية، والتي تتخذ من الخليج مقراً لها.

 

تعزيز مكانة إسرائيل الاقليمية

كما يمثل  تطور التعاون “العملياتي” بين إسرائيل والدول الخليجية، أحد التداعيات المؤكدة  لضم تل أبيب إلى منطقة عمليات القيادة المركزية في الجيش الأميركي.  يشار إلى أن قرار ترامب، ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية، سبقته دعوات للقيام بهذه الخطوة صدرت في نوفمبر الماضي عن الجنرال مايكل ماكوفسكي، رئيس “المعهد اليهودي الأميركي للأمن القومي”، والجنرال تشارلز وولد، النائب السابق لقائد قيادة الجيش الأميركي في أوروبا.

إذ أشار  تقرير صادر عن “المعهد اليهودي الأميركي للأمن القومي”، جاء فيه أنّ: “اتفاقات إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين تبشّر بتعاظم التعاون بين إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة الرئيسيين في الشرق الأوسط”، مضيفاً أنً الخطوة القادمة تتمثل في ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية.

كما يرتبط القائد العام للقيادة المركزية الحالي، كينيث ماكينزي، بعلاقات وثيقة بالقيادة العسكرية الإسرائيلية، وسبق أن حذر ماكينزي  “حزب الله” اللبناني من مغبة مهاجمة إسرائيل، علاوة على أن سلفه في المنصب جوزيف فوتيل زار إسرائيل ودافع بقوة عن التعاون معها.

وبحسب دوائر سياسية أمريكية، فإن تولي بايدن مقاليد الأمور في واشنطن لن يؤثر سلباً على قرار ضم إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة المركزية، إ اذ أن لويد أوستن، والذي سبق أن تولى القيادة المركزية بين عامي 2013 و2016 معروف بحماسه للتعاون مع إسرائيل. كما سبق أن عبر  لبني غانتس عندما كان رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، عن ثقته في الحفاظ على “علاقات قوية جداً جداً..

 

اطلاق يد إسرائيل في سوريا والعراق واليمن

ويثير ضم اسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط، تحفظات دوائر سياسية أمريكية، تحدثت عنها صحيفة “الفايننشال تايمز”، السبت 16 يناير، حول موقف القيادة المركزية في الجيش الأميركي من الغارات التي تنفذ في سورية والعراق وتنسب إلى تل أبيب، لا سيما بعد ضم إسرائيل إلى مناطق نفوذ هذه القيادة.

وذكرت الصحيفة أن القيادة المركزية تحفظت على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع لـ”الحشد الشعبي” وإيران في العراق، إلى جانب أنها لم تتردد في نفي مسؤوليتها عن غارات تمت على الحدود السورية العراقية، مما سهل مهمة تحميل إسرائيل المسؤولية عن هذه العمليات. وفي 14 يناير الجاري، أفاد موقع (يسرائيل هيوم)، أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أصدر تعليمات لمسؤولين أمنيين بإعداد خطة عسكرية لمواجهة “التهديد” الإيراني. وقال الموقع الخميس 14 يناير الجاري، إن الخطط، التي ستعرض على المستوى السياسي لبحثها والموافقة عليها، تتطلب استثمارات تصل إلى مليار دولار. ويأتي ذلك بعد هجوم، ينسب إلى إسرائيل، على منطقتي دير الزور والبوكمال شرقي سوريا. ويعد الهجوم “الأعنف” في سلسلة ضربات تنسب للجيش الإسرائيلي في سوريا خلال شهر. وفي هذا السياق، تلقت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تصريحات مسؤول أمريكي كبير لم تذكر اسمه لوكالة أسوشيتد برس بأن الضربات نفذت بمعلومات استخبارية من واشنطن. وتمت تلك الضربات في وقت يتصاعد فيه التوتر في الشرق الأوسط، إذ تنهي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايتها. وهو سيناريو قد يتكرر في العديد من مناطق النزاعات في المنطقة العربية كما في اليمن وسوريا والعراق وقد يمتد نحو ليبيا أيضا، وهو ما يحول اسرائيل لدور شرطي المنطقة العربية والشرق الاوسط، والمتحكمة في وتيرة الخلافات والنزاعات…

 

تصعيد عسكري ضد ايران قد يشعل المنطقة:

كما أن الخطوة تأتي في إطار تشجيع التعاون الاسرائيلي الخليجي لمواجهة إيران، اذ أن الخطوة تعني إشراف القيادة المركزية على السياسة العسكرية الأمريكية في كل من إسرائيل والدول العربية.. وتشهد العلاقات الايرانية الأمريكية والاسرائيلية، في الفترة الأخيرة توترات متصاعدة، عبرت عنها المناورات بالصواريخ الباليستية التي أجرتها قوات الحرس الثوري الايراني، يوم الحمعة 15 يناير.. فوفق تقارير اعلامية لقناة العالم الايرانية، فالمناورات التي أجرى الحرس الثوري الإيراني مرحلتها الأولى، الجمعة الماضية، هي الخامسة من نوعها في غضون عشرة أيام، جاءت بعد مناورات صاروخية في بحر عمان وشمال المحيط الأطلسي للجيش الإيراني، يومي الأربعاء والخميس الماضيين.

وكشف الجيش في مناورات “الرسول الأعظم” الخامسة عشرة في منطقة “كوير” الصحراوية وسط إيران، وقد شملت إطلاق كم هائل من الصواريخ البالستية، وشارك فيها أيضاً سلاح المسيرات للقوات الجوية للحرس، كما تم الكشف عن أكبر سفينة عسكرية إيرانية باسم “مكران”، وهي حاملة مروحيات، فضلاً عن فرقاطة “زره” الصاروخية التي تعمل كـ”قاعدة بحرية عائمة” تشارك في المهمات البحرية في المياه الإيرانية. وتأتي المناورات والخطوات العسكرية الإيرانية في إطار استعدادات إيرانية لمواجهة أي حرب محتملة قد تحدث مع الولايات المتحدة، حيث ارتفع أخيراً منسوب التوتر بين طهران وواشنطن وسط اتهامات متبادلة بالسعي لإشعال الحرب. كما لا تستبعد دوائر سياسية وعسكرية  احتمال قيام الولايات المتحدة، بتوجيه ضربات لمواقع نووية وعسكرية إيرانية، خاصة أنها استقدمت معدات عسكرية استراتيجية إلى المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وقامت قواتها في الخليج بتحركات تصفها طهران بأنها “مشبوهة.

ويعد إجراء القوات المسلحة الإيرانية في المؤسستين العسكريتين، الجيش والحرس، مناورات مكثفة خلال الأيام الأخيرة، كـ”إجراءات رادعة” لمنع ترامب من الإقدام على “أي مقامرة” في أيامه الأخيرة بالسلطة، فضلاً عن أنها تحمل رسائل “قوة” ترغب طهران في إرسالها إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة تأكيداً على استعدادها لخوض الحرب إن شنت عليها. لكن في الوقت ذاته، يكشف إجراء هذا الكم الكبير من المناورات في غضون عشرة أيام عن وجود قلق حقيقي من احتمال لجوء ترامب إلى الخيار العسكري في الأيام الأخيرة من ولايته قبل تسليمه إلى خلفه جو بايدن الثلاثاء20 يناير الجاري. كما وجهت السلطات الإيرانية، أخيراً، اتهامات للاحتلال الإسرائيلي ودول خليجية بالضغط على الإدارة الأميركية الحالية لشن حرب على إيران.

ولدى جهات أميركية المخاوف نفسها من احتمال اندلاع مثل هذه الحرب، إذ أعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، يوم الجمعة الماضي، في رسالة إلى أعضاء مجلس النواب، أنها تحدثت مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، حول ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية لمنع ترامب من إصدار أوامر بشن حرب وأعمال عدائية أو إطلاق ضربات نووية. وبحسب  وكالة رويترز ، في 26 ديسمبر الماضي، قال الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ إن تل أبيب تراقب الوضع في العراق واليمن تحسبًّا لهجوم إيراني أو حرب خاطفة، بينما تتواصل مؤشرات التصعيد بين واشنطن وطهران.

وفي طهران، دعا قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنغسيري؛ قواته لليقظة والاستعداد، وأكد، خلال تفقده قواته في جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى (المتنازع عليهما مع الإمارات)، على جاهزيتها للدفاع عن أمن إيران.

 

ثالثا: مخاطر استراتيجية:

تدخلات إسرائيلية تحت مظلة “مكافحة الارهاب” في عموم المنطقة العربية

وتعبر خطوة ضم إسرائيل التي ترافقت مع عدة قرارات أمريكية أخرى، من عينة إدراج حركة “داعش” و”حسم” في مصر كمنظمات إرهابية، وكذا هجوم وزير الخارجية الأمريكي بومبينو على إيران ووصفها بأنها الملاذ الآمن لتنظيم القاعدة.. حيث فاجأت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، -التي جاءت قبل أسبوع فقط من مغادرة الرئيس دونالد ترامب منصبه- أن إيران هي “أفغانستان الجديدة” لمقاتلي القاعدة، المراقبين الذين قالوا: إنه ليس هناك دليل على استخدام البلاد قاعدة للتنظيم.

وصرح بومبيو علنا للمرة الأولى أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة عبد الله أحمد عبد الله المعروف باسم أبو محمد المصري، اغتيل في طهران في أغسطس ليدعم معلومات تفيد أن إيران قدمت في بعض الأحيان ملاذا للمتطرفين. ونظريا، إيران وتنظيم القاعدة متعاديان عقائديا. فالأولى تشكل الثقل الإقليمي الفارسي الذي يقوده الإسلام الشيعي، والثاني مستوحى من رؤية متشددة للإسلام السني ويهيمن عليه العرب. ورفضت طهران باستمرار اتهامات بارتباطها بالقاعدة. وقد اتهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بومبيو “بإنهاء حياته المهنية الكارثية بمزيد من الأكاذيب التي تنم عن نزعة حربية“.

وجاءت تعليقات بومبيو وسط تكهنات بأن إدارة ترامب في أيامها الأخيرة، قد تذهب إلى حد إصدار الأمر بضربة ضد إيران – حتى في الوقت الذي يفكر فيه الرئيس المقبل جو بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي الموقع في 2015. وبحسب “فراس إلياس”، بمقاله بـ”القدس العربي” : “هل يدفع ترامب “إسرائيل” لضرب إيران؟”، فإن إقالة الرئيس ترامب لوزير دفاعه مارك أسبر وتوجهه لتنفيذ ضربة عسكرية محتملة ضد إيران. وذلك في اطار استهداف الرئيس ترامب عدم ترك فرصة للرئيس المنتخب بايدن، أن يدخل البيت الأبيض دون تعقيدات ومشاكل. كما يهيئ ضم اسرائيل للقيادة المركزية، امكانية  منح الضوء الأخضر لأطراف أخرى لتنفيذ هجمات ضد ايران أو أية أهداف أخرى كتنظيمات تصنفها واشنطن بأنها ارهابية..

وهو ما يمثل مزيدا من الضغوط على دول الخليج ودول الجوار العربي، التي ستجد أراضيها مجالا لمغامرات إسرائيلية، قد لا تكون غير منضبطة او متوافق عليها من قبل الاطراف الاقليمية، مثلما يحدث في سوريا والعراق واليمن، في ظل التقارب الخليجي مع تل ابيب، وهو ما قد يتكرر ايضا في سيناء، وسط تقارير وحملات اعلامية دولية تتحدث عن تمدد التنظيمات المسلحة لمناطق واسعة في سيناء وبالقرب من قناة السويس، وهو ما ترافق مع اعلان ترامب تنطيم داعش وولاية سيناء وحسم كمنطمات ارهابية، وهو ما قد يكون خطوة تمهيدية لأعمال عسكرية تستهدفها اسرائيل تحت مظلة القيادة المركزية الامريكية. في سيناء أو مناطق متعددة في اليمن بعد اتفاقاتها السرية مع الامارات لاقامة قاعدة بحرية اسرائيلية بالقرب من باب المندب في البحر الأحمر..

 

اختراق استخباراتي واسع للدول العربية

ولعله من جملة التداعيات الكارثية للقرار، ما يتيحه من اختراق استخباراتي واسع لكافة المنظومات العسكرية العربية أمام اسرائيل، بصورة غير مسبوقة. وهو ما يصفه “أنتوني زيني”، الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية والرئيس السابق للقيادة المركزية، بقوله  لصحيفة  Wall Street Journal، “يمكننا أن نشهد المزيد من الدول العربية تعترف بإسرائيل، لذا فمن المنطقي إخضاعهم جميعاً لقيادةٍ أمريكية موحَّدة”، حسب وصفه، “سيجعل ذلك التعاون الأمني أفضل، لم يكن ذلك منطقياً في الماضي، لأنه كان هناك الكثير من عدم الثقة، وكان هناك خوفٌ عندئذٍ من أنه إذا كانت إسرائيل في القيادة المركزية فسيكون هناك تبادلٌ استخباراتي أمريكي مع إسرائيل بشأن جيرانها العرب وهو نفس ما ذهب إليه اللواء المتقاعد من الجيش الأمريكي مايك جونز، الذي شغل منصب رئيس أركان القيادة المركزية في 2011، تحت قيادة القائد آنذاك جيمس ماتيس، لصحيفة Military Times الأمريكية، إن هذه الخطوة “منطقية” بالنظر إلى أن “العديد من القضايا الإسرائيلية مرتبطة بالدول الأخرى“.

 

ومع ذلك، قال جونز إن فكرة تعامل قيادة أمريكية واحدة مع كل من إسرائيل والدول التي تعتبرها رسمياً دولة معادية -والتي لا تزال تضم غالبية القوى في الشرق الأوسط- كانت مشكلة منذ فترة طويلة، إذ أنه من الصعب أن تكون لديك مصداقية مع دولتين عدوتين. من الصعب بناء الثقة الشخصية والحصول على محادثات إفشاء كاملة حقاً، وهو ما يؤكد أن القرار الأمريكي سيقود إلى تنسيق عسكري واستخباراتي مباشر بين إسرائيل والدول العربية تحت القيادة الأمريكية..ففي ظل الوضع الجديد، ستشكل هذه الدول تحت القيادة الأمريكية تحالفات عسكرية مختلفة، وسترى جنوداً من إسرائيل ودولاً عربية يعملون معاً خلال عملية واحدة..

يشار إلى أن الدول الخاضعة لسلطة القيادة المركزية التي وقَّعَت اتفاقاتٍ مع إسرائيل تشمل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان.

 

خاتمة

يمثل القرار الذي اتخذه ترامب قبل أقل من أسبوع من رحيله عن البيت الأبيض بضم إسرائيل للقيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط، تمكينا جديد لإسرائيل على حساب العرب وجميع الفاعلين السياسيين في الشرق الأوسط، وهو ما يحمل العديد من التداعيات في غير صالح الدول العربية، التي بات نظمتها الأمنية والعسكرية كتابا مفتوحا أمام إسرائيل وقواتها، التي باتت جزء أصيل من تامين المنطقة، سواء تم ذلك برضا أو بخيانة الحكام أو بسيف التعاون الاستحباراتي، أو المشاركة في جهود ما يعرف بمكافحة الإرهاب.

كما أن القرار يستهدف صياغة منظومة إقليمية موحدة تخضع للاملاءات الإسرائيلية والأمريكية، إلى جانب حصار إيران وعزلها تمهيدا لضربها عسكريا أو سياسيا، وفق مجريات الأمور في الفترة المقبلة، وهو ما يعني بقاء سياسات ترامب اليمينية بالمنطقة بعد رحيله، إذ ستوكل جل العمليات العسكرية الأمريكية لحليفها إسرائيل في الشرق الأوسط، في ظل استراتيجية واشنطن للتخفيف من وجودها العسكري في خارج أمريكا.

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022