دخلت الأزمة السياسية في تونس منعرجا جديدا، يهدد التجربة الديمقراطية، الهدف الذي طال انتظاره من تحالف الثورة المضادة بالمنطقة العربية، والتي راهنت على التأزيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي بتونس، وقامت بتعطيش الاقتصاد التونسي من المساعدات والاستثمارات المالية القادرة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر انجازات ملموسة، تخفف حدة البطالة والفقر في البلد المأزوم، فيما تنتفش خزائن بعض الدول الأوروبية والعربية بأموال التونسيين المهربة، والتي فشلت جهود استعادتها منذ اسقاط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
أولا: مظاهر الأزمة وتطوراتها:
وصلت الخلافات بين الرئاسيات الثلاث في تونس إلى مسار صعب، حيث امتنع الرئيس قيس سعيد عن قبول أداء الوزراء الجدد الذي عينهم رئيس الوزراء المشيشي في التعديل الوزاري الجديد، اليمين الدستوري، وهو ما دفع رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، الاثنين 15 فبراير الجاري لإقالة 5 وزراء كان يريد استبدالهم منذ 26 يناير الماضي في التعديل الوزاري، لكن لم يتمكن من ذلك.
وكان المشيشي قدّم لائحة لتعديل وزاري تضم 11 حقيبة إلى البرلمان، لكن على الرغم من تمرير البرلمان التعديل الوزاري، إلا أن الرئيس التونسي قيس سعيد رفض أداء الوزراء الجدد اليمين أمامه بسبب ما وصفه بشبهات فساد وتضارب مصالح بشأن عدد منهم، على الرغم من عدم وجود أي دليل قضائي أو اتهامات رسمية على ذلك.
وضمّت لائحة الوزراء، الذين أقالهم المشيشي بحسب البيان الحكومي، كلاً من وزير العدل محمّد بوستّة، ووزيرة الصناعة والطاقة والمناجم سلوى الصغيّر، ووزير الشباب والرياضة والإدماج المهني كمال دقيش، ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ليلى جفال، ووزيرة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عاقصة البحري من مهامهم، وتم تكليف وزراء من الحكومة الحالية بالإشراف على الوزارات المذكورة بالنيابة، بالإضافة إلى مهامهم الأصلية.
وكان المشيشي قد أقال قبل التعديل الحكومي كلاً من وزراء الداخلية توفيق شرف الدين ووزير البيئة مصطفى العروي (الذي يتم التحقيق معه حالياً)، ووزير الثقافة وليد الزيدي، وقام بتقسيم وزارة الصناعة والطاقة إلى وزارتين، ولم يبعد المشيشي وزير الصحة فوزي المهدي، على الرغم من أنه قام بتغييره في التعديل المقترح، وذلك حتى لا يُتّهم بتعطيل مرفق الصحة في قلب أزمة كورونا، وفق البيان الحكومي.
ويعترض سعيد على التعديل الحكومي عموماً واستبعاد وزراء قريبين منه، ولكنه يعترض في الظاهر على تعيين أربعة وزراء جدد بسبب ما وصفه بشبهات فساد، وهم وزراء الصناعة والطاقة والصحة والتشغيل، من دون أن يعلن عن ذلك صراحة، ويتحفظ “سعيّد” على التغيير الوزاري بسبب ما وصفه “خرق الدستور وشبهات تضارب المصالح وضعف تمثيل المرأة“ بحسب منطقه.
كما يعيش الرئيس “سعيد” خلافا مع “المشيشي” حول سلطاتهما وتحالفاتهما السياسية، ويتجه سعيد إلى الاعتماد على مجلس الأمن القومي، والذي يوجه النصائح للوزراء مهددا بالعسكرة والجيش، فيما يرتهن المشيشي التحالفات الحزبية بالبرلمان، وأمام التناغم بين حركة النهضة وبعض الاحزاب مع المششي لتسيير الأمور السياسية وتحريك الحياة في تونس، يستل سعيد سلاح سحب الثقة من راشد الغنوشي رئيس البرلمان عبر بعض النواب الموالين لتحالفات الثورة المضادة، وهو ما دفع الغنوشي وتحالفات برلمانية اخرى للتهديد بتحركات سياسية وتشريعية نحو تعديل النظام السياسي، والانتقال الى النظام البرلماني الكامل، والذي يقلص صلاحيات رئيس الجمهورية، وكلها تحركات تهدد المسار الديمقراطي.
ويوجه المشيشي رسالة جديدة لسعيد، مفادها أنه لا فائدة من تعطيل التعديل الحكومي، وأن الوزراء المعنيين تم استبعادهم في نهاية الأمر، وكان المشيشي طلب أخيراً رسمياً من الرئيس سعيد إعلامه بأسماء الوزراء المتحفظ عليهم، والذين يرى أنه تحوم حولهم شبهات، وعطّل التعديل بسببهم، ولكن الردّ يبقى مستبعداً جداً لأن ذلك سيحمل اتهامات رسمية لهذه الشخصيات، ما يحمل تبعات قانونية على سعيد، بتوجيه اتهامات لا إثبات قانونياً لها.
ثانيا: أصل الأزمة ومسبباتها
ولعله من جملة القول، أن الأزمة الحالية في تونس بين الرئاسيات الثلاثة، الرئيس والحكومة والبرلمان، ترجع إلى تاريخ ومحورية دور شخص الرئيس في التاريخ التونسي، والذي تسبب في أزمات عديدة للشعب التونسي، منذ حكم بورقيبة وانقلاب زين العابدين بن علي عليه، والذي ثار عليه الشعب التونسي في ديسمبر 2010.
وكانت الثورة الشعبية التي اشتعلت نهاية العام 2010، في جانب ما، ضدّ النظام الرئاسي البغيض، وجلّى ذلك شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، لذلك أنتج الانتقال الديمقراطي نظاما برلمانيّا معدّلا، يكرّس سلطة الشعب، من خلال اختياره ممثّليه في البرلمان بطريقة ديمقراطية نزيهة، ويضبط صلاحيات رئيس الحكومة، ويقلّص من صلاحيات رئيس الجمهورية خشية تغوّله وتفرّده بمقاليد الحكم. وتعاقب على البلاد خلال عقد بعد الثورة خمسة رؤساء، تولّوا الحكم بطريقة دستورية سلمية سلسة (فؤاد المبزّع، منصف المرزوقي، الباجي قايد السبسي، محمّد الناصر، قيس سعيّد). لكنّهم تباينوا في مستوى التزامهم بصلاحياتهم واحترامهم الدستور.
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي التونسي أنور الجمعاوي، بمقاله “سطوة الرئيس التونسي” بـ”العربي الجديد”، تحمّل المبزّع والناصر مسؤولية الرئاسة في وضع استثنائي، وتفاديا للفراغ في أعلى هرم السلطة. فالأوّل حكم بعد هروب بن علي، والثاني حكم بعد وفاة السبسي، وكل منهما احترم حدوده وضمن السيرورة العادية لدواليب الدولة. فيما يُعتبر منصف المرزوقي من أعلام التجربة الديمقراطية في تونس، ففي عهده تمّت صياغة الدستور الجديد، وازدهرت الحرّيات بشكل غير مسبوق، وأحسن تمثيل البلاد في الخارج، خصوصا لدى الاتحاد الأوروبي، ومدّ جسور التواصل مع دول إفريقية، ومع بلدان داعمة لتونس (تركيا، قطر، المغرب)، وعزّز حيادية المؤسسة العسكرية وجاهزيتها، وكان على تعاونٍ معتبر مع البرلمان والحكومة ومنظمات المجتمع المدني. ومع السبسي بدأت بشكل واضح بوادر الصراع على الصلاحيات بين رئيسي الجمهورية والحكومة، فقد أراد التحكّم في الهيكل الحكومي، وكان له ذلك في حكومة الحبيب الصيد، لكنّ خلفه يوسف الشاهد لم يكن طوْع السبسي، واختلفا في مسائل ولم يُفلح رئيس الجمهورية في إطاحته نظرا إلى وجود حزام حزبي من حوله. وعلى الرغم من الخلافات، تحلّى السبسي بروح المسؤولية، ومرّر تعديلا وزاريا أجراه الشاهد، على الرغم من اعتراضه على بعض الوجوه، وفعل ذلك ضمانا لسيرورة الدولة، ولكي لا يكون مصدر تأزيم بل رئيسا توافقيا، جامعا إلى حدّ ما.
أمّا قيس سعيّد، فمعروف بفصاحته، ونظافة يده، ودرايته الواسعة بالقانون الدستوري، واصطفافه نظريا إلى جانب الشباب والفقراء ومناداته بمكافحة الفساد، ومناهضة التطبيع مع إسرائيل، ولا يُخفي ازدراءه الأحزاب والبرلمان، ورغبته في تغيير النظام السياسي وتوسيع صلاحيات الرئيس. لكنّه عمليّا يبدو بلا برنامج واضح المعالم، وسياساته الاتصالية متعثّرة، ولم يقدّم أيّ مبادرةٍ تشريعيةٍ لتغيير ما يريد تغييره. ويبدو أنّه يريد أن يعمل خارج المؤسّسات أو فوقها، ومعه توقّفت الدبلوماسية الاقتصادية أو تكاد، ولم يكن لتونس حضور وازن في المحافل الدولية. وكثيرا ما تحدّث داخل المؤسسة العسكرية والأمنية أو خارجها عن “غرف مظلمة، وعن مندسّين، وعن مؤامرات تُحاك لتونس، وعن أطراف تريد التسلّل إلى المؤسسات السيادية لضربها من الداخل وبثّ الفتنة”، من دون أن يسمّي الأشخاص والأشياء بأسمائها، فكان خطابه هُلاميا، مُلغزا، غير جامع، ولا يبعث الطمأنينة في النفوس.
وفي عهده، اشتدّ التوتّر بين مكوّنات هيئة الحكم (الرئاسة، البرلمان، الحكومة)، والنزاع على الدستور والنفوذ والصلاحيات. وامتناع سعيد، أخيرا، عن قبول أداء الوزراء الجدد اليمين بعد التعديل الوزاري دليل على ذلك، وهو توجّه يُعطّل سيرورة الدولة، ويقلّص من شعبية الرئيس. والحكم بفساد وزير من اختصاص القضاء، وتعيين أعضاء الحكومة من اختصاص رئيس الحكومة، ورفض قبول أداء اليمين “خرق جسيم” لتكليفٍ مقيّد بموجب الدستور بحسب قانونيين. والقول إن الرئيس يحتكر تأويل الدستور خطأ شائع، فالرئيس مطالب باحترام الدستور والسهر على تنفيذه، لا احتكار تأويله. ولا يمكن للرئيس أن يكون قاضيا، ورئيس حكومة، وناطقا باسم الدستور في آن في ظلّ نظام ديمقراطي. وفي غياب المحكمة الدستورية، يُفترض مراجعة الهيئة العليا لمراقبة دستورية القوانين أو المحكمة الإدارية أو البحث عن حلّ سياسي للأزمة، بوساطة بعض حكماء المجتمع المدني أو اتحاد الشغل.
ثالثا: بدائل أمام المشيشي
حكومة مصغرة
ومع استمرار رفض قيس سعيد أداء الوزرء الجدد اليمين الدستورية امامه، من المرجح أن يتجه المشيشي لتشكيل حكومة مصغرة، تتشكل من الوزراء المستمرين منذ توليه تشكيل الحكومة، ويتضمن خيار تشكيل حكومة مصغرة، تتكون من 16 وزيرا، وذلك عبر إعادة هيكلة الحكومة عبر تكليف وزراء بإدارة اقطاب وزارية، فيما سيتم تعيين الوزراء المقترحين في التعديل الوزاري الأخير، في خطط استشارية ذات العلاقة بالوزارات التي كانوا سيتقلدونها، بحسب ما نقل موقع “إرم نيوز” الإماراتي، والذي نقل عن مقربين من المشيشي أنه “لن يستقيل من منصبه”.
مراسلة الهيئة الوقتية الدستورية والمحكمة الإدارية
والسبت 13 فبراير، وجه المشيشي بمراسلة إلى “الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين” حول أزمة اليمين الدستورية، طالبا رأيها في مسألة تعطل مباشرة الوزراء المكلفين لمهامهم على الرغم من تزكيتهم من مجلس نواب الشعب منذ يوم 26 يناير الماضي، ووفق خبراء، فإن هذه الهيئة لا يمكن أن يصدر منها قرار لأنه ليس مجال اختصاصها، ولكن هذه الخطوة هي إحراج لرئيس الجمهورية من خلال القول بأن “المشيشي” يتبع المسالك القانونية وأيضا تمسكه بالحوار لإيجاد حل.
وكان رئيس الحكومة قد وجه أيضا مراسلة استشارية للمحكمة الإدارية حول دستورية التعديل الحكومي الذي صادق عليه البرلمان، وما إذا كان الدستور يمنح رئيس الجمهورية حق رفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية، إلى جانب الاستشارة حول إمكانية أن يباشر الوزراء الجدد مهامهم بأمر حكومي، وأجابت المحكمة بعدم الاختصاص، وقالت: “في ظل وجود أحكام دستورية صريحة تكون المحكمة الدستورية هي السلطة المخولة لها حصرا النظر في الإشكالات المعروضة“.
كما التقى المشيشي عددا من أساتذة القانون الدستوري وعمداء كليات الحقوق وأكدوا أن “حل الأزمة سياسي“.
رابعا: تداعيات الأزمة
مخاطر اللجوء للشارع، مع تزايد الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي
ويلقى المشيشي دعماً متواصلاً من حلفائه في البرلمان، “النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة”، الذين جدّدوا في بيانات لهم دعمهم حكومته، بينما تتواصل الأزمة على مستويات عدة، برلمانياً وشعبياً، حيث أثيرت أخيراً تهديدات بالنزول إلى الشارع، في حين رفع معارضو الائتلاف الحاكم ورقة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي مجدداً.
والكتل الداعمة لحكومة “المشيشي” داخل البرلمان التونسي، تتشكل من حركة النهضة (54 مقعدا/217)، وقلب تونس (29 مقعدا)، والإصلاح (18 مقعدا)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، والكتلة الوطنية (9 مقاعد)، وكان الناطق الرسمي باسم حركة “النهضة” “فتحي العيادي” أعلن الجمعة الماضية، أن الحركة مستمرة في دفاعها عن رئيس الحكومة والتعديل الوزاري، وتدعو رئيس الحكومة للتمسك بخياره بعدم الاستقالة، فلا مجال لذلك، مطالبا بمواصلة الحوار مع الرئيس “قيس سعيد” للبحث عن حل مشترك.
“العيادي” أكد أن هناك تهديدات للتجربة التونسية من خلال بعض المسيرات والسلوك غير العادي في البرلمان، وما يحمله من تعدٍ على القوانين التنظيمية والأعراف البرلمانية ومحاولات تعطيل كل مؤسسات البرلمان وهي مشاهد تستهدف المسار الديمقراطي في اتجاه تحويل المشهد السياسي إلى تجاذبات مستمرة، بعضها حول قضايا الدستور ومحاولات تأويله في اتجاه معين.
يذكر أن حركة “النهضة” أعلنت أنها ستدعو أنصارها إلى النزول للشارع، دعما للتجربة الدّيمقراطية، على خلفية ما تعيشه البلاد من “أزمة دستورية“.، وذلك قبل أن تحدد الجمعة، يوم 27 من الشهر الجاري، لتلك المظاهرات، وهي خطوة عدها مراقبون رسالة سياسية لـ”سعيد” قد تعجل بحل الأزمة.
وجاءت دعوات النهضة والائتلاف المؤيد لحكومة المشيشي، في مواجهة دعوات عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، والتي دعت في مؤتمر صحفي الجمعة الماضية، بمقر البرلمان، مؤيدي حزبها والتونسيين للخروج للاحتجاج في الشارع، وقالت إن دعوة الأحزاب الداعمة لحكومة هشام المشيشي لهياكلها ومؤيديها للخروج في مسيرات شعبية داعمة للحكومة ستستغل إمكانات الدولة لتعبئة التونسيين في الشارع محذرة من قمع الاحتجاجات لأحزاب المعارضة، وقالت موسى إن الحكومة الحالية فشلت في إدارة الأزمة ولا يمكن أن تقدم أي اضافة للتونسيين وفقدت شرعيتها، كما دعت إلى إبعاد راشد الغنوشي عن رئاسة البرلمان، وهو ما يخشاه مراقبون للشارع التونسي، معتبرين أن الاحتكام إلى الشارع “عملية وعرة وخطيرة يمكن أن تؤدي إلى انفلات في البلاد ومن ثم إلى حمام دم”، وجاءت دعوات حزب النهضة ردا على لجوء رئيس الجمهورية إلى الشارع في الأزمة.
ولعل أبرز ما تمثله أزمة الخلاف بين سعيد والمشيشي من تداعيات، تفاقم تعثر عمل الحكومة، في وقت تغلي البلاد على وقع الاحتجاجات والأزمة الاقتصادية الخانقة التي فاقمتها جائحة كورونا، بحسب ما ذهبت إليه الكاتبة التونسية، ليليا الحسيني بـ”سكاي نيوز عربية”.
سحب الثقة من الرئيس وحل البرلمان
وأمام اختدام السجال السياسي، يمكن للبرلمان أمام تهديدات الرئيس قيس سعيد بحله، أن يرفع ورقة لوم للرئيس سعيد وسحب الثقة منه، وهو ما يمثل الضربة القاضية على التجربة الديمقراطية التونسية، التي تدفع نحوها أطراف عدة.
وبحسب الباحث التونسي، الصغير الذاكراوي، في حديثه لموقع قناة الحرة، فالأزمة في تونس بدأت دستورية لكنها هي أزمة سياسية بامتياز بين رأسي السلطة التنفيذية في البلاد. وقد لجأ رئيسا الحكومة والجمهورية إلى سياسة لي الذراع وتكسير العظام بدلا من اللجوء إلى الحوار والحل السياسي”، مشيرا إلى أن “سعيد متسلط في موقفه من الحكومة والتعديلات الوزارية الجديدة“.
وتؤكد تطورات الواقع أن الأزمة ليست دستورية بل سياسية، تعمقت مع استفحال أزمة الثقة داخل مؤسسات الدولة العليا وخاصة بين قصري رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان، إلا أن الأخطر في هذا السياق أن تستخدم بعض الأطراف في الصراع ورقة الاحتجاجات الاجتماعية وأعمال العنف والمظاهرات السياسية، ومع تعمق الأزمة بين الأطراف السياسية وفشلها في الوصول إلى حل سياسي، لجأت الأطراف المتنازعة إلى الشارع ودعت أنصارها للنزول للتظاهر، مما أثار المخاوف من وقوع اشتباكات واقتتال بين أنصار الطرفين.
خامسا: سيناريوهات الحل
وتشيء التقديرات السياسية الواردة من داخل المنظومة السياسية التونسية، أن الأزمة بين السلطات الثلاث سياسية بالأساس وتستوجب حلا سياسيا في غياب المحكمة الدستورية، ومن ثم فإن أن حل الأزمة يكون عبر الحوار وتنازل كل طرف سياسي، وأن أفضل هذه الحلول وأيسرها هو أن يقوم رئيس الحكومة بتغيير الوزراء، الذين رفضهم سعيد بسبب شبهات الفساد، وفي حالة تعميق الأزمة التي ستؤثر على تونس اقتصاديا، سيضطر المشيشي لتقديم استقالته، مراعاة لمصلحة البلاد والخروج من هذه الأزمة، بحسب الخبراء التونسيين.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من القوى السياسية دعوا الوزراء الجدد المقترحين في حكومة المشيشي والذين تتعلق بهم شبهات الفساد و تضارب مصالح إلى الاعتذار عن المسؤوليات المسندة إليهم لتتمكن الحكومة من مباشرة مهامها و تجاوز أزمة أداء اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيد.
سيناريوهات مرجحة:
وهناك 3 سيناريوهات للخروج من الأزمة:
أولها: أن يحدث توافق سياسي في الكواليس بين الرؤساء الثلاثة وقيادات النقابات وكبري الأحزاب من أجل هدنة تفرض نفسها بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ومضاعفات وباء كورونا.
والثاني: أن تعميق الخلاف والصدام بين قصر قرطاج والحكومة والبرلمان والأحزاب التي تدعم كل طرف، قد يودي إلى إسقاط الحكومة أو إلى المزيد من اضعافها بما سيعني تمديد الأزمة السياسية.
أما السيناريو الثالث: هو ترجيح كفة طرف من الأطراف السياسية المتصارعة بفعل ورقة الشارع وبشرط انحياز المؤسسات العسكرية والأمنية والسفارات الأجنبية المهمة إليه.
وبحسب تقارير الدوائر الاستخبارية التونسية، تقوم سفارات الاتحاد الأوربي والسفارة الأميركية بعقد مقابلات مع كل الأطراف، بجانب أن هناك قرار دولي لضمان استقرار تونس وبلدان جنوب المتوسط، لمنع استغلالها محطة لتسلل مئات الآلاف من المهاجرين السريين إلى أوروبا.
خاتمة
وتبقى الأزمة الراهنة في تونس وليدة التقاطعات الداخلية والاقليمية والدولية، وأحرى بالجميع تأسيس المحكمة الدستورية لفضّ النزاع على الدستور والنفوذ والصلاحيات، والتوجّه إلى بلورة استراتيجية جامعة لتحقيق الانتقال الاقتصادي المنشود.
وأيضا فإنه من المؤكد في تلك المرحلة، لتجاوز الأزمات المفضية لانهيار التجربة الديمقراطية، سواء ببدائل شعبوية تكفر بالصوت الانتخابي أو أراء الشعب واختياراته، أو اضطرار المؤسسة العسكرية للتدخل لموازنة الأمور أو السيطرة على مقاليد السلطة، تحتاج تونس نقلة اقتصادية نوعية، تكون سندا للمنجز الديمقراطي، وضمانا لبقائه، وأساسا لاستمراره، لأنّ الديمقراطية المفقّرة لا تصمد طويلا.
وهو ما يحتم الانتقال سريعا من حال الثّورة إلى حال بناء الدّولة، فالتّأسيس للدّولة العادلة بديلاً من الدّولة القامعة، وإقامة النّظام السّياسي التعدّدي بديلاً من النّظام الأحادي الديكتاتوري، وتمدين المجتمع بدل تنميطه، وديمقرطية الفكر بدل تحنيطه في قوالب جامدة.