في 18 مارس الجاري، دعا مجلس الأمن الدولي جميع الأطراف إلى العمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، دون شروط مسبقة، من أجل وقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية.
ومن جهتها، استجابت الرياض لدعوة مجلس الأمن، وأعلنت عن مبادرة لـحل الأزمة اليمنية، تتضمن وقف إطلاق النار من جانب واحد، معربة عن أملها في استجابة الحوثيين صونا للدماء اليمنية وفتح مطار صنعاء الدولي، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية للسفن والمشتقات النفطية من ميناء الحديدة بالبنك المركزي.
ودعت المملكة الحكومة اليمنية والحوثيين للقبول بالمبادرة، ليتم تنفيذها تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة، وبينما رحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة السعودية فقد جاء موقف الحوثيين وفق تغريدة للمتحدث باسمهم محمد عبد السلام، عبر حسابه على تويتر، قائلا إن: أي مواقف أو مبادرات لا تلحظ أن اليمن يتعرض لعدوان وحصار منذ 6 سنوات، فهي غير جادة ولا جديد فيها.[1]
تبدو السعودية على عجالة من أمرها، من أجل التوصل إلى حل يضع حدا للحرب في اليمن، ويفتح الطريق لتفاهمات تسمح لها بسحب نفسها من المستنقع الذي تغرق فيه منذ ستة أعوام، من دون تحقيق أي إنجاز نوعي، عسكري أو سياسي. وعلى هذا الأساس، خطت خطوة هامة من خلال المبادرة التي تقدّمت بها، وعرضت فيها على الحوثيين وقف إطلاق نار تحت إشراف الأمم المتحدة، واستئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي إلى وجهات محددة، في إشارة إلى استمرار حظر الرحلات المباشرة بين صنعاء وطهران، كما تشمل المبادرة أيضا استئناف عملية المشاورات السياسية بين أطراف الأزمة اليمنية.
تأتي المبادرة السعودية حصيلة جهد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، وجولة المبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، إلى المنطقة في الشهر الماضي. كما أن الوضع الانساني الصعب فرض نفسه لطرح مبادرةٍ من هذا القبيل، تريد السعودية منها أن تقول إنها بادرت من موقع قوة، وليس عن ضعف، إلا أن المبادرة لا تغطي على فشل المنهج الذي اتبعته الرياض وأبوظبي في مقاربة المسألة اليمنية. وهناك مخاوف من تبعاتها اللاحقة بخصوص موقف السعودية والإمارات الرخو من سيطرة الحوثيين على المساحة الأكبر من اليمن، ويسود الظن أنهما لن تمانعا في تقسيم هذا البلد، على الرغم من أن هذا قد يقود إلى انقساماتٍ في مناطق أخرى، مثل الجنوب الذي يمكن أن يتقسم إلى عدة دول.
المبادرة السعودية والرد الحوثي:
أثارت المبادرة السعودية بشأن إنهاء الحرب في اليمن أسئلة عدة، حول مدى استجابة جماعة الحوثي لها، ووقف أي عمليات هجومية على أراضي المملكة.
أعلن زعيم جماعة الحوثي في اليمن، عبدالملك الحوثي، رفضه للمبادرة التي أطلقتها الرياض بشأن إنهاء الحرب في البلاد. وقال في كلمة بثتها قناة المسيرة: لن نقبل أي مقايضة للملف الإنساني باتفاقيات عسكرية وسياسية. وأضاف: وفي تصدينا للعدوان، لا نحتاج إذنا من مجلس الأمن، ولا من الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية.
وعقب الرد الحوثي، أخذ السعوديون يحبسون أنفاسهم، تحسبا لتعرض بلادهم لهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة من قبل الحوثي في ذكرى دخول الحرب عامها السابع.
وهناك من يؤكد أن المملكة حاولت من خلال طرح المبادرة لإنهاء الحرب استباق أي هجمات حوثية، لحشد رأي عام دولي ضد الحوثيين.
وسبب الرفض، أن الحوثيين يرون المبادرة السعودية بصيغتها وبنودها المعلنة انتكاسه وهزيمة، بعدما حققوا مكاسب ميدانية، وبعد أن أصبحت شوكتهم أقوى. كما أن الجماعة لن تتعاطى معها بصيغتها الحالية، وسيسعون جاهدين للمراوغة، وصولا إلى إفشالها، رغم أن المبادرة تقدم اعتراف رسمي بشرعيتهم بصورة ضمنية.
ويعلب الحوثيين على وتر استنزاف الرياض، واستغلوا الوضع الإنساني للاستفادة من الضغط الغربي على السعودية، وهم حتى هذه اللحظة ينجحون في ذلك، بأن دفعوا المملكة إلى تقديم تنازلات جوهرية، والتخلي عن الأهداف التي أعلنتها في بداية الحرب. ويستهدف الحوثيين تحييد الدور السعودي، ووقف الحصار المفروض عليهم، في مقابل وقف الضربات على الأراضي السعودية، وليس وقف الحرب الداخلية. بالتالي فهم لا يريدون سلاما شاملا كما يدعون، بل يريدون عزل الموقف الدولي، بما يمكنهم من بدء معركة شاملة لاستعادة الأراضي التي فقدوها، وتجذير سلطتهم، وابتلاع ما تبقى من أراضي بيد الشرعية. [2]
كما أن المعطى الخارجي، لا يخفى على أحد أن إيران أصبحت فاعلة بوضوح في الملف اليمني، وهي تقريبا التي تتحكم بقرار الحوثيين فيما يتعلق بالحرب والسلام. وهي حريصة بعد أن أصبح ذراعها في اليمن بهذه القوة، على أن تستفيد منه في الضغط على الرياض والغرب في القضايا الإقليمية، وفي الملف النووي تحديدا.
ثم جاءت اللحظة، بعدما أعلن الحوثيين استهداف مواقع حيوية في السعودية بـ18 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليستية. جاء ذلك في بيان للمتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، عقب 3 أيام على إطلاق السعودية المبادرة اليمنية. وقال سريع: استهدفت قواتنا مقرات ومنشآت عسكرية وحيوية سعودية بـ18 طائرة مسيرة و8 صواريخ باليسيتة. فقد تعرضت مقرات شركة ارامكو في رأس التنورة ورابغ، وبنبغ، وجازان، وقاعدة الملك عبدالعزيز في الدمام، بالاصافة لمواقع عسكرية أخرى في نجران وعسير، وهو ما ادي لاشتعال النيران في بعض المنشأت التي أصابتها الصواريخ الحوثية.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع السعودية، اعتراض وتدمير 8 طائرات مسيرة مفخخة أطلقها الحوثيون باتجاه السعودية. اعتبرت وزارة الدفاع السعودية، أن هذا الاعتداء التخريبي يعد تأكيدا لرفض المليشيا الحوثية الإرهابية لمبادرة المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية، وتأكيدًا للوصاية الإيرانية على القرار السياسي والعسكري للمليشيا الحوثية. وأكدت أنها سنتخذ كل الإجراءات اللازمة والرادعة لحماية مقدراتها ومكتسباتها الوطنية، بما يحفظ أمن الطاقة العالمي ووقف مثل هذه الاعتداءات لضمان استقرار إمدادات الطاقة وأمن الصادرات البترولية والتجارة العالمية.[3]
سيدفع الرد الحوثي العنيف على المبادرة السعودية بمزيد من الاستنزاف للأطراف كافة، وسيدفع إلى مزيد من التصعيد العسكري إلى حد أنه قد يدفع السعودية إلى إطلاق عمليات عسكرية واسعة، مثل السيطرة على الحديدة، وشن هجوم واسع على حجة، وتوجيه ضربات نوعية على صعدة من أجل إجبار الحوثيين على الرضوخ للتفاوض. ويبدو من الطبيعي أن يكون رد الفعل الأولي لجماعة الحوثي بالرفض.
ولذلك عدة أسباب، منها أن الحوثيين لا يزالون يمسكون بعدة أوراق قوة على الصعيد الميداني، وأنهم يريدون أن يخرجوا بمكاسب، منها الحصول على حل شامل بضمانات دولية، ورفع كامل وفوري للحصار البري والجوي الذي تفرضه السعودية والامارات. وبالتالي، يحوزون على الاعتراف بهم طرفا يمنيا وحيدا، وأنهم هم من يمثل اليمن كسلطة، وليس حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي يعترف بها العالم حكومة شرعية. وفي هذه الأثناء، يطالب الحوثيون بأن يتفاوضوا مع السعودية مباشرة من أجل الحصول على مزيد من التنازلات، وربما التعويضات المادية عن كل الدمار الذي ألحقته الحرب السعودية الإماراتية في اليمن. ويعد الموقف الحوثي منسجما مع نفسه، فالجماعة لن تقدم أي تنازل، طالما أنها في موقع قوة، وذلك في وقتٍ لا يبدو أن الحوثيين متضررون من الأزمة الإنسانية الطاحنة، كون إيران تتكفل بالمجهود الحربي بالكامل. وتؤكد تطورات الأسابيع الأخيرة أنه من دون إضعاف الحوثيين عسكريا لا يمكن لأي مبادرة أن تنجح.[4]
وقبل كل شىء، تمكنت طهران من توصيل رسالة للجميع، أن أي حل للمسألة اليمنية، ينبغي أن يمر من خلالها فقط، كي يكتب له النجاح، وهو أمر لن يحدث بدون حوار إيراني أمريكي، وبالأحرى تنازلات أمريكية سعودية في ملف الاتفاق الإيراني.
الإمارات توسع نفوذها بحلة جديدة:
يبدو أن الإمارات التي أغرقت السعودية في وحل اليمن بسياساتها المضرة لها، تستكمل أدواتها في تدمير أي محاولة من جانب السعودية للإصلاح للخروج بأقل الخسائر على الأقل. فقد أعلنت القوات التابعة للعميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، عن تشكيل مجلس سياسي للساحل الغربي، موازياً للمجالس السياسية المناهضة للدولة في صنعاء وعدن، حيث تتمركز هذه القوات في مدينة المخا، الذي يعد جزءاً من الساحل الغربي لليمن. وتتحرك هذه القوات قوات تحت لافتة المقاومة الوطنية، وهي قوات من بقايا الحرس الجمهوري السابق ومدعومة بالكامل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تعترف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي يعدها سياسيون قوات خارجة عن الشرعية، وتعمل على غرار ميليشيا الأحزمة الأمنية والنخبة في الجنوب، والآن قررت تشكيل مجلس سياسي أسوة بالمجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات أيضاً، وكلاهما أسوة بالمجلس السياسي لجماعة الحوثي الانقلابية بصنعاء.[5]
وجاء في بيان التأسيس: أن تدمير العملية السياسية والتعددية الحزبية كان ولا يزال أحد أسوأ جرائم الميليشيات الحوثية الكهنوتية لبناء السلطة الفردية المطلقة، ولهذا تهيب المقاومة الوطنية بجميع المكونات السياسية العمل على تفكيك مفاعيل هذه الجريمة بحراك سياسي يعيد الاعتبار للهُوية الوطنية ويحافظ على النظام الجمهوري. وأضافت: إن الجبهات المقاتلة تمثل جوهر وقيمة كل معارك اليمنيين ضد الكهنوت، وعليه فإن المقاومة الوطنية تعتز بكل مقاتل ضد الحوثي. وشددت المقاومة الوطنية على أهمية حماية المياه الإقليمية والممرات المائية، ورفض أي تهديد للتجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، وهو الهدف الواضح من وجود قوات طارق صالح في مدينة المخا، بالقرب من مضيق باب المندب، وبدعم كبير من دولة الإمارات، بهدف السيطرة الكاملة على الموانئ البحرية اليمنية وحركة الملاحة الدولية التي تمر عبر مضيق باب المندب الذي يطوّق اليمن ضفته الآسيوية.[6]
تسعى الإمارات من خلال تلك الورقة الجديدة، للتأكيد على أنها وحدها القادرة على حماية الممرات الدولية، وأن السعودية ليست لها يد حقيقية في التأثير على حماية الملاحة الدولية من عدمه، وتمكنت الإمارات من خلال التشكيل الجديد في الحفاظ على مكاسبها القديمة من جهة، ومحاولة تحقيق انتصارات ومكاسب أخرى في المستقبل.
حجم القتلي الحقيقي ومستقبله:
تحاول المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، عادةً، إلى تفصيل الخسائر في صفوف المدنيين. وفي تقرير حديث لها مطلع مارس الحالي، حيث أعلنت أنها تواصل توثيق عدد المدنيين القتلى والجرحى الذين سقطوا بسبب النزاع المسلح، والتحقق بعناية من كل حالة على حدة، بهدف ضمان المساءلة في المستقبل عن أي انتهاكات أو تجاوزات. وفقاً للتقرير الأممي، فقد تخطى إجمالي الخسائر في صفوف المدنيين، التي تم التحقّق منها منذ مارس 2015 حتى مطلع مارس 2021، 20 ألف مدني، من بينهم أكثر من 5000 طفل.
قال التقرير الأممي إن جميع الأطراف في الصراع مسؤولة عن هذه الهجمات، وما من طرف يتخذ الاحتياطات اللازمة عند استخدامه الأسلحة. وكانت المفوضية ذاتها قد أثارت الجدل مطلع العام الحالي، عندما أعلنت أنّ الصراع في اليمن أودى بحياة 233 ألف شخص خلال 6 سنوات، وهو الرقم الذي اعتمده عدد من وسائل الإعلام الدولية، لكن الرقم جاء في إحصائية لمن لقوا حتفهم خلال 6 سنوات من الحرب؛ إما بشكل مباشر بسبب النزاع أو لأسباب مرتبطة به، في إشارة إلى الأوبئة وكافة الأزمات الإنسانية التي شهدها اليمن منذ مارس 2015. [7]
وخلال فعاليات ما يطلقون عليه بـأسبوع الشهيد، والذي يحاكي تجربة حزب الله اللبناني، كشفت بعض السلطات المحلية التابعة للحوثيين عن بعض أرقام خسائرها البشرية، في معرض تمجيد ما قدموه. وأفصح محافظ ذمار، المعين من قبل الحوثيين، محمد البخيتي، في يناير الماضي، عن أكثر من 5 آلاف قتيل في المحافظة التي تعد الخزان البشري الأول لمقاتلي الجماعة، فيما كشف محافظ إب عبد الواحد صلاح أن عدد القتلى منذ مارس 2015 وحتى يناير 2021 بلغ 2700، وهو رقم كبير قياساً بمحافظة لا تمتلك مليشيا الحوثيين فيها حاضنة واسعة، كما هو الحال مع محافظات شمال اليمن.
ومن المؤكد أن المحافظات المركزية للحوثيين، والتي تمتلك فيها الجماعة أكبر قواعد شعبية، مثل صنعاء وصعدة وعمران وحجة وذمار، هي من قدّمت العدد الأكبر من الخسائر البشرية، إذ من المرجح أن يكون الرقم الإجمالي لهذه الخسائر مجتمعةً قد تجاوز 50 ألف قتيل.
ونظراً للخمول الذي ضرب عدد من جبهات القتال خلال الأعوام الثلاثة الماضية، باستثناء محافظة مأرب أخيراً، ولجوء الفصائل التي تقاتل الحوثيين إلى إحصاء خسائرها بشكل منفرد، توقعت مصادر عسكرية أن تصل خسائر الجيش الوطني منذ بدء الحرب إلى أكثر من 20 ألف قتيل.
وفي سياق الحرب النفسية المتبعة خلال الحرب، زعم المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، أن حصيلة الخسائر البشرية في صفوف قوات الحكومة تجاوزت 256616 ما بين قتيل وجريح. ولم يكشف المسؤول العسكري الحوثي عن الكيفية التي جعلته يلجأ إلى ذكر رقم محدد، ومبالغ فيه بالتأكيد.
كما تحدث سريع كذلك عن أكثر من 10403 بين قتيل وجريح في صفوف الجيش السعودي، و1240 قتيل وجريح في صفوف القوات الإماراتية، فضلاً عن أكثر من 8634 قتيل وجريح في صفوف القوات السودانية.[8]
وبعيدًا عن صحة الأرقام السابقة من عدمها، يظل الأقرب للصواب أن الوصول لأرقام دقيقة أمر متعذر لرغبة الجميع في اخفاء هذه الأرقام، إلا أن العين لا تكذب حجم الدمار الذي تعيشه اليمن في السنوات العشر الأخيرة، ويبدو السؤال الأصعب، ماذا ينتظر اليمن في السنوات المقبلة، إذا لا تبدو الأمور مبشرة على أي حال.
الخاتمة:
يوماً ما ستتوقف حرب اليمن. أما متى يحدث ذلك، فليس معلوماً. على الرغم من ضجيج المبادرات السياسية، ليس هناك ما يوحي باقتراب هذا الموعد. بعد ست سنوات من انخراطها العسكري، تستعجل الرياض الانتهاء من هذا المستنقع لأسباب عدة. صحيحٌ أنها لم تكن المرّة الأولى التي تتدخل فيها المملكة في اليمن، وهي التي لديها صولات وجولات منذ حكم الإمامة، ودعمه في مواجهة الجمهوريين، ثم الحفاظ على نفوذها بعد ذلك بوسائل عدة، بما في ذلك “اللجنة الخاصة” التي كانت تغدق فيها الأموال على المسؤولين والشيوخ القبليين اليمنيين للتحكّم بهم، إلا أن هذه الحرب كانت مختلفةً عن كل ما سبقها. لم تستطع الرياض تحقيق أي من أهداف تدخلها، سواء أكان بسبب خطأ حساباتها للمعركة وأمدها أم بسبب تشعب الأزمة اليمنية أم جراء مزاحمة حليفة المملكة الأبرز، الإمارات، لها مجيرة الأحداث إلى مكان مختلف. اكتفت الرياض، عملياً، بمراكمة الخسائر السياسية والعسكرية منذ إبعاد الحوثيين عن عدن في يوليو 2015. منذ ذلك التاريخ، عجزت المملكة التي خاضت هذه الحرب، بغياب أبرز الأمراء الذين امتلكوا مفاتيح الساسة اليمنيين عقودا، عن إحراز أي إنجاز.
وعوضاً عن هزيمة الحوثيين، وإبعادهم عن حدودها، باتت السماء السعودية حقل تجارب يوميا للمسيرات والصواريخ التي تطلقها الجماعة، ومن خلفها إيران التي تمد الجماعة بالسلاح والخبرات، وجل ما يشغل بال الرياض وقف هذا الاختراق حتى إذا تطلب ذلك تقديم مبادرة جديدة للحل، وإتباعها بتنازلات في محاولةٍ لتلبية شروط الحوثيين، سواء أتعلق ذلك بميناء الحديدة أم بفتح مطار صنعاء.
وعلى عكس السعودية، تبدو الجماعة أكثر ارتياحاً لوضعها السياسي والعسكري، ما يجعلها تفاوض من موقع قوة. ميدانياً، معظم الشمال بيد الحوثيين، يحكمونه بالحديد والنار، ولا يتورعون عن استخدام مختلف أساليب الترهيب لتحقيق ذلك، غير مهتمين بحجم الخسائر البشرية. قتلى الجماعة مجرد أرقام لا أكثر يمكن تعويضهم بسهولة. ولذلك تستميت الجماعة، قبل أي مفاوضات قد تحدث، في السيطرة على مأرب، لإدراكها أن بسط سيطرتها الكاملة على الشمال سينعكس حكماً على طاولة التفاوض، والمكاسب السياسية التي تخطط لتحقيقها في أي تسوية سياسية. لكنها ليست في عجالة لحدوث ذلك، فلديها ما يكفي من المقومات لـلصمود بانتظار هذه اللحظة، بعكس السعودية التي تحاول الخروج بأي شكل.
—————————————————–
[1] اشرف الفلاحي، في ذكرى الحرب.. لماذا رفض الحوثيون مبادرة السعودية؟، عربي 21، 25/3/2021 https://bit.ly/3lWNl0p
[2] جمانة فرحات، الخطيئة السعودية في اليمن، العربي الجديد، 26/3/2021 https://bit.ly/3tYcI4K
[3] الحوثيون يعلنون شنّ هجوم كبير بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية، القدس العربي، 25/3/2021 https://bit.ly/3u2SFlU
[4] بشسر البكر، الحل اليمني والعقدة الإيرانية، العربي الجديد، 24/3/2021 https://bit.ly/3lYLhoP
[5] هجمات جديدة للحوثيين على مواقع عسكرية ومنشآت نفطية سعودية، العربي الجديد، 25/3/2021 https://bit.ly/3tWDPNF
[6] اليمن: تشكيل مجلس سياسي للساحل الغربي بقيادة نجل شقيق صالح، القدس العربي، 25/3/2021 https://bit.ly/3fka7xT
[7] استهداف حوثي لمنشآت نفطية سعودية بعد مبادرتها، عربي 21، 24/3/2021 https://bit.ly/3w7SaJ5
[8] 6 سنوات على حرب اليمن: تكهنات وأرقام مبهمة حول القتلى، العربي الجديد، 25/3/2021 https://bit.ly/3m9l8DT